واجد البغدادي
لعل أكثر العاشقين خلوداً هم من حالت ظروف قاهرة بينهم
وبين من يبادلونهم الحب... فالمحب من طرف واحد لابد أن يأتيه يوم يدرك فيه عدم
جدوى ما يشعر به ويفعله، ثم ينصحه الآخرون: إلي نساك إنساه ... أما قيس وشاه جهان
فلم يستطيعوا نسيان الوصل السابق، وكل منهما تعامل مع الذكرى بطريقته الخاصة، فقير
فهام على وجهه في الصحراء، وغني فشيد مرقداً خيالياً لم يخبو ضيائه حتى هذه
اللحظة.
أثناء جولتي الأخيرة في سوق الكتب عثرت على إصدار تائه عن مركز إحياء التراث العلمي العربي بتأريخ 1986 وهو يتضمن مجموعة من البحوث تحت
عنوان (أصالة المعالجات المعمارية التخطيطية عند العرب)، وما جذبني بلحظة بحثاً
بعنوان (دور المعمار العراقي في بناء تاج محل) للدكتور المرحوم حسين محفوظ.
ولأن المعرفة العراقية السابقة لم تجد طريقها لصفحات
ومواقع الأنترنت مما سبب القطيعة بين جهد الباحثين الأوائل والأجيال الحالية،
اقتبس لكم أهم نصوص البحث والتي توضح دور المعمار العراقي في بناء أشهر رموز الحب
العالمية:
دور المعمار العراقي في
بناء تاج محل
الاستاذ الدكتور حسين محفوظ
الفن المعماري الاسلامي في الهند يستحق الوقوف والدرس
والتأني والدقة إمعان النظر والبحث والتحقيق العميق، ومن مشاهير الأبنية (تاج
محل). يعتبر مؤرخو العمارة ونقاد الفن (تاج محل) من الأبنية التي لا يقاس بها أي
بناء آخر. فقد جمع الحب والاسطورة والفن والجمال والعشق والحرمان والوجد والابهام
والذكرى واللوعة والفراق والوصل.
ينسب أسلوب بناءه الى المدرسة المغولية في العمارة كما
تسمى في الهند وهي المدرسة البغدادية التي نشأت في العراق في زمن المغول.
تختلف الروايات المأثورة في أصل واضع الخارطة (المصمم)
الذي كان القدماء يسمونه (الطرّاح)، حيث يختفي المصمم الحقيقي بين ظنون الروايات
المتضاربة.
يعتمد بناء تاج محل على أساس (المثمن البغدادي
المركز)الذي انتقل الى الهند والى تركيا والى الشرق والغرب، هذا وأنا أظن كل الظن
أن (واجد البغدادي) وهو من أكابر مهندسي تاج محل المعدودين كان له دور واضح في
التصميم والبناء، لا نعرف شيئاً من أمر (واجد البغدادي) ولم يؤرخ سيرته أحد، ولكن
لا ريب أن شهرته الكبيرة في عصره ومعرفته وعلمه وتجربته هي التي دعت ملك الهند أن
يعده من المهندسين الأربعة عشر الكبار في العالم في زمنه. ولولا تاج محل وبعض
الوثائق الباقية لضاع اسم هذا المهندس المعمار العظيم كما ضاعت سيرته وأخباره
وآثاره.
لقد شارك العراق إذن في بناء تاج محل الذي جمع كبار
المهندسين من تركيا وقنمار وسمرقند وبخارى وبلخ وبغداد والهند، وإذا كان اعتماد
المثمن البغدادي في البناء والتصميم والتفصيل من اقتراح هذا المهندس البغدادي
البارع الفاضل –كما قلت- فقد نقل الى التراث المعماري في الهند واحداً من أهم
مظاهر الفنون العراقية في العمارة والبناء، وسوف يظل إسمه يتضوع طيباً ويسطع أرجاً
ويفوح عرفاً كلما ذكر تاج محل وكلما عدد معاميره ومهندسوه الفحول.
في
فلكلور الهند في الماضي أن المرأة الحامل إذا أحست أنين الجنين في بطنها دل ذلك أن
الأم لا تبقى حية. شعرت الملكة ذات يوم والملك (شاه جهان) مشغول بالحرب والغارة
والطعن أنها تحس أنه الحمل فكتبت اليه رباعية تقول فيها:
هذا وقت الوداع والافتراق
وقد اجتمعت الفرقة والألم
متعت –ياعيني- فترة بجمال الحبيب
اليوم أمطري دماً فانه حين يفترق الاليفان.
قرأ الملك رباعية الملكة المحبوبة فسارع اليها، وطلب أن
تفضي اليه بكل ما قلبها، قالت الملكة، وقد ذوى إخضرارها، والمنية قد حان مزارها:
أيها الملك أزف الرحيل ودنا الفراق واقتراب الارتحال.
أنا ملاقية الموت وشيكاً، كنت أنيسك وجليسك وأليفك في أيام المحنة والشدة والحبس
والسجن. وقد أنعم الله تعالى عليك بالملك، ووهبك من لدنه السلطان والنصر، انا
أفارق وكلي لوعة، وأذهب وكلي حسرة، وأغادر وكلي جوى.
وصيتي أيها الملك أمران:
مَن الله عليك بأربعة أولاد وأربعة بنات، وأنا أرجوا ألا
يختلفوا بينهم اذا رزقوا أخوة من غيري.
والثاني أن تعمر لي مشهداً يظهر فذاً نادراً ويبدوا
عجيباً وغريباً.
وعد الملك ووفى، وحافظ على الوصية ولم يتزوج حتى مات،
وإهتم ببناء تاج محل بهياً وضيئاً زاهراً باهراً رائقاً. وقبل الملك محتوم الأمر،
ورضى بقضاء الله صابراً لحكمه، ولم يزل تبرح به حرقة الفراق، ويؤرقه وله الحنين،
وتضنيه لوعة الصبابة وتكدر عيشه شدة الصبوة، وهو متعلق القلب، مشغول الخاطر، متقسم
الفكر متصل الوله، حتى لحق بالحبيب، فدفن في جنبه في مزار تاج محل. (إنتهى
الإقتباس)
قد تبدو المعلومة غير مسندة بأدلة واضحة عن دور واجد
البغدادي، ولكن ببحث سريع في كتاب (تاريخ فن العمارة العراقية في مختلف العصور)
لشريف يوسف، نجد أن الشكل المثمن واضحاً في العديد من المباني العراقية والبغدادية
تحديداً كمخطط منارة واسط (المدرسة الشرابية) وفي مخطط القبة الصليبية في سامراء
ومخطط الباب الوسطاني (باب الظفرية) في بغداد ومخطط مرقد زمرد خاتون في بغداد.
والمفاجأة الأجمل هي عند كتابتي لأسم واجد البغدادي في
محرك البحث (google)، لأجد مغني شاب لطيف يحمل إسم
(Wajid Ali Baghdadi)، لست متأكداً إن كان هندياً
ولكنه ينتمي بوضوح لشبه القارة الهندية.
وأخيراً لنسأل الله الرحمة لأرواح ممتاز محل وشاه جهان وواجد
البغدادي (البغدادي الاصلي) والدكتور حسين علي محفوظ ، وللعاشقين الصبر والسلوان.
رحمه الله، واااااو يعني تاج محل بيه اصل عراقي، ...شكرا دكتور ع هذه المعلومة
ردحذف