(الغربة – الاضطراب- الانفجارات) ثلاثة أوجه لعملة
واحدة
نظرة تأريخية سريعة للشخصيات ذات التأثير الكبير على المسيرة المعمارية في
العراق أو حتى الشخصيات المؤثرة في المجالات الفنية والاجتماعية تؤكد إن نسبة
كبيرة منهم قد حصل على شهادته الجامعية من جامعات عالمية، فنتساءل: هل الدراسة
خارج العراق هي شرط ضروري ليكون الانسان العراقي مميزاً، مجدداً ومبدعاً؟
وإن كان هذا
الشرط في العراق او عموم الشرق صحيحاً، فما هو شرط التميز أو الابداع في أوربا
وأمريكا؟
هي ليست قاعدة
بالتأكيد ولكن النسبة ملحوظة جداً، فقد أشارت العديد من الدراسات الى علاقة
الأضطرابات النفسية ومرض التوحد بالذكاء والإبداع !
إدغار ألان بو،
فيرجينيا وولف، فينسنت فان كوخ، أرسنت همنغواي كانوا يعانون من أمراض عقلية صعبة،
أما مرض التوحد فهنالك قائمة طويلة (غير موثوقة المصدر) تتضمن أشهر المجددين في
العالم الغربي من المصابين به : ليوناردو دافنشي، مايكل أنجلو، كراهام بيل،
بيتهوفن، موزارت، نيوتن، أديسون، آينشتاين، جين اوستن، مارك توين!
فنسنت فان كوخ |
أرسنت همنغواي |
فهل هنالك إرتباط
بين أن يعيش ويدرس الانسان في بلد وحضارة جديدة وبين الاضطرابات النفسية والعقلية؟!
في الحالة
الأولى ينتقل الفرد
من بيئة يحيطه بها أفراد عائلته وأصدقائه، لغة يعرف جميع تفصيلاتها، نظام إجتماعي وثقافي
مترسخ، الى بيئة جديدة عليه كلياً، مما يؤدي الى إنخفاض تواصله مع محيطيه
من المنتمين للبيئة الجديدة، وإهتمامه الأكبر بإختصاصه العلمي أو الأدبي الذي ذهب
ليحصل على شهادة عليا فيه.
أما الحالة
الثانية فتتمثل بالأعراض
التي يعاني منها المصابين بأغلب تلك الأضطرابات وهي الإنعزال عن المحيط الإجتماعي
الخارجي والتقوقع في عالم خاص يهتم بنشاطات وقضايا متكررة ومحدودة والارتباط غير
الطبيعي ببعض الظواهر والاشياء.
ومن تلك الحالتين
تنطلق عملية الإنجاز الفكري للمغترب أو المضطرب وكل ذلك بسبب التفرّغ أو
الإنعزال والذي يصب في زيادة عملية التفكّر، وفي الحديث الشريف لرسول الله
محمد عليه الصلاة والسلام يقول: " إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَة خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَة" وفي حديث غيره " إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَة خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَة"
وفي رواية "سَبْعِينَ سَنَة "، يزيد من كفاءة هذا التفكّر تجرده
من القيود الفكرية التي يفرضها المحيط على الفرد نتيجة لعدم قوة تواصله الاجتماعي
مع الافراد الأخرين.
وللمبتعث العراقي قصة مميزة تزيد من عملية
الابداع: هو يمتلك حضارة
ماضية عظيمة (وادي رافدينية، إسلامية) تمتلك الكثير من مقومات القوة في وقتها،
يعترف الجميع بتلك الحضارة ويتناولونها بالبحث والتحليل، ولكن اليوم أو بعد دخول
المغول الى بغداد بدأت تلك الحضارة بالاضمحلال، وفي المقابل بدأت فترة إزدهار
الحضارة الغربية حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم من صورة مبهرة يعيشها المبتعث
ويقارنها مع ماضي بلده المشرق وحاضره المظلم.
من هنا يعمل
على المزاوجة بين ماضي الشرق وحاضر الغرب للوصول الى حلول جديدة لمشاكل الشرق
متجردة بالكامل من القيود التي يفرضها المجتمع الشرقي !
أقول هذا
بالاعتماد على التجربة المعمارية لكلٍ من الدكتور محمد مكية والاستاذ رفعت الجادرجي
وهما صاحبي أبرز التوجهات المعمارية الحديثة في العراق، والتي تتمثل بالاعتماد على
الموروث المعماري أولاً ومن ثم التعامل معه بطريقة جديدة نابعة من فكر حركة
الحداثة الذي درسوه وتأثروا به في الجامعات البريطانية.
الدكتور محمد مكية يسار الصورة |
رفعت الجادرجي |
ونتساءل أخيراً: هل للمعماري او طالب العمارة
الذي لم يغادر العراق أبداً نصيباً من الابتكار والابداع؟!
هنالك مستجدات
تنتمي لنفس الواقع السيء الذي يعيشه العراق قد تشابه نفس الظروف المساعدة السابقة
وهي :
-
الحالة الامنية السيئة وهبوط المستوى الثقافي للافراد قد
تفرض على المعمار التزام مسكنه والابتعاد عن الحياة العامة وإقتصار تواصله مع
المقربين فقط.
-
توفر شبكة الانترنت العالمية جعل من السهولة الاطلاع
ودراسة الحضارة الغربية المتميزة والإنطلاق من إنجازاتها في محاولة لتنشيط عناصر
الحضارة والمجتمع العراقي.
وقد يقول الرأي
الأخر: إن جميع ما سبق ليس له أي تأثير فمن يريد أو يمتلك مقومات الإبداع يستطيع إنجازه
في أي بيئة وتحت أي ظروف محيطة، ولكنها محاولة مني لإيجاد التقارب بين المبدعين والمجددين
في الحضارة الانسانية بأكملها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق