ثلاثة متاحف ونص
الخبر الأول:أصدرت حكومة إقليم كردستان قراراً بتكليف المعماري Daniel Libeskind بتصميم المتحف
الوطني الكوردي في اربيل شمال موقع القلعة التأريخية، ويشير الخبر الى إن
المصمم سيقدم تصميمه التفصيلي نهاية شهر أيار/مايو الماضي وهو سيكون بديلاً عن متحف
اربيل الحضاري الذي افتتح عام 1989.
الخبر الثاني: قرب إتفاق إدارة العتبة الحسينية المقدسة مع مكتب
المعمارية العراقية زهاء حديد لإشرافها على تصميم مشروع (بانوراما واقعة الطف) وهو
عبارة عن متحف (بانورامي) يؤرخ لواقعة الطف في كربلاء والمشروع بتمويل من
العتبة الحسينية، ويشير الخبر الى إن زهاء حديد قد قبلت دعوة المشاركة وأرسلت
مبعوثاً من مكتبها لمقابلة الإدارة في العتبة.
الخبر الثالث: وزير السياحة والاثار في الحكومة العراقية بحث مع وفد إستشاري
من مكتب المعمارية العالمية زهاء حديد موضوع إعداد التصميم الخاص بالمتحف
العراقي الكبير الذي تعتزم الوزارة إنشاءه على أرض مطار المثنى بمساحة 200
دونم، وقد رحبت زهاء حديد بالفكرة وأبدت إستعدادها لتصميم هذا المشروع الكبير.
يكثُر الحديث عن هذه الثلاثية من
الجوانب المعمارية، الإقتصادية، الإيديولوجية والسياسية، ولكن الجانب الأهم هو
توجيه الدعوة المباشرة لمكتب معماري معين دون التفكير بالحصول على بدائل وخيارات تصميمية اخرى يقدمها معماريون على المستوى المحلي أو العالمي، حيث يدل القرار على إقتناع
كامل بالمهندس المعماري المنتخب من قبل الجهة صاحبة المشروع.
ولمحاولة تفسير هذا القرار والقناعة التامة خلفه من الممكن النظر الى تلك
الثلاثية من خلال معادلة مفترضة تتمثل بالتالي :
شهرة معماري + طبيعة الأنظمة الحاكمة + الإستعراض = قرار الدعوة المباشرة
والحديث أولاً عن المعماريين
دانيال ليبسكند وزهاء حديد: فكلاهما قد حقق في السنوات الاخيرة شهرة عالمية واسعة ولعل السبب الأهم في
شهرتهما هو(اللامألوف) فمنذ البداية كانت تتميز تصاميمهم باشكال وعلاقات
غير متداولة ولامألوفة في الهندسة المعمارية على مر العصور والحضارات، أما سبب
قدرتهما على هذا الانتاج المتميز فهو إنطلاقة الإثنين من فكر الحركة التفكيكية،
والتي تعتمد بدورها على فكر جاك داريدا في الأدب (وهو فيلسوف فرنسي ولد
في الجزائر عام 1930) والذي دعى الى: إعادة التفكير بكل الانظمة والحقول
والأطر والحدود فيما بينها بطريقة جديدة متحررة من القيم والتقاليد السابقة
وبتفريغ العقل من كل ما يحمله من قيود ومحددات. وكان تطبيق هذا الفكر معمارياً
يدعو الى: تحطيم الحدود بين العمارة والنصوص الاخرى مثل الفلسفة، الفن، الادب،
ومحاولة فك سيطرة فرضيات معمارية معينة مثل الوظيفة، النفعية، المعيشة وكانت
النتاجات الشكلية عبارة عن شبكات تخطيطية محطمة، جسور متقاطعة، أشكال متناقضة
ظاهرياً، جسور طائرة، مخططات مربكة ومحاور دورانية.[1]
وبعد هذه البداية المشتركة بدأ كل منهما بإتخاذ توجهه المعماري الخاص لإنتاج أشكال
معمارية محافظة على اللامألوف بإستمرار.
Zaha Hadid - Heydar Aliyev Center |
Daniel Libeskind - Jewish Museum Berlin |
أما ما يخص الأنظمة الحاكمة، وعلى إختلاف تصنيفاتها السياسية والادارية فنحن نعلم
الاشكاليات التي ترافق إختيار الاشخاص لشغل مناصب تخولهم إتخاذ قرارات مهمة،
ونعلم المعايير التي يتم على أساسها وضع اولئك الاشخاص في المكان المناسب! فذات
يوم في المؤتمر القطري الثالث لقسم الهندسة المعمارية/الجامعة التكنولوجية وقف مسؤول في
مجلس محافظة بغداد لالقاء كلمة بالمناسبة فطلب من المعماريين العراقيين الاقتداء
بالمعمارية زهاء (حميد)!
وأخيراً
الاستعراض: كل نظام
حاكم (حكومة اقليم كردستان، الحكومة العراقية او احدى وزاراتها، ادارة العتبة الحسينية)
تبحث عن دلائل مادية تثبت للعامة إنجازاتها العظيمة خدمة للمدينة أو للقضية التي
تنتمي اليها، وبسبب الأموال الهائلة المتوفرة فهم يذهبون الى القمة، قمة المتداول
في وسائل الاعلام بدون التفكير بالكثير من القضايا والاشكلات الفكرية التي تخص
تفاصيل ذلك القرار الاستعراضي!
واليكم
السيناريو الافتراضي التالي: يشتكي المجتمع من سوء بناية المتحف الوطني في أربيل وهي لا تناسب المستوى
الحضاري للمدينة التي تطمح ان تكون مدينة دبي الثانية فيتداول أصحاب القرار ضرورة
إنشاء متحف جديد، ولأن هنالك عدد منهم سافر او قضى فترة من حياته في امريكا،
المانيا، انكلترا والدنمارك وانبهر بالمتاحف الـ10 او اكثر التي صممها دانيال
ليبسكند فأقنع الجميع بأن ليبسكاند هو أفضل من يصمم متحف للمدينة لتنافس بمبانيها
مدينة دبي العالمية ولم يخطر على بالهم أو لم يعطوا أهمية لكون ليبسكند من أشد المناصرين
لقضيتهُ (القضية الاسرائيلية).
أما سيناريو
متحف بانوراما الطف فهو لا يختلف ابداً: الرغبة في الاستعراض والتأثر بالمدح والتمجيد اليومي
لزهاء حديد في وسائل الاعلام جعل أحد المعماريين الشباب ان يقترح على الادارة ان
تدعوها وهو ما يمثل بنظرهم قمة الانجاز والخدمة للمدينة والقضية، متناسين أو غير مهتمين
بخلفية زهاء الفكرية وكيفية تعاملها مع التراث عامة والاسلامي خاصة وكيفية تعاملها
مع مفردات العمارة الاسلامية التي تشتهر بها مدينة كربلاء المقدسة، وفيما يخص التكاليف
المادية للتصاميم المعمارية وتكاليف إنشاء أشكال زهاء حديد اللاتقليدية، هل هنالك
مورد أخر أكثر ضرورة وحاجة لتلك الاموال الهائلة؟ هل انقرض الفقراء في المدينة او
المدن المجاورة؟ وفيما يخص أفراد المجتمع المتلقين، الجميع يعلم المستوى الثقافي
والفكري لسكان الغالبية العظمى من المحافظات الجنوبية هل سيتقبلون تصميم زهاء حديد
أم إن شهرة الاسم كافية لإنجاح المشروع؟!
وأخيراً تصبح
المعادلة الموضوعة وتفاصيلها:
شهرة معماري (التفكيكية-اللامألوف) + طبيعة
الأنظمة الحاكمة (الحكم السطحي-الاغراض الإعلامية) + الإستعراض (الذهاب
الى قمة ما يبهر المجتمع) = قرار الدعوة المباشرة (تجاهل جميع التفاصيل والقضايا
الفكرية المختصة بالعمارة)
بلال سمير.
[1] التفكيكية في
العمارة، دراسة تحليلية للخلفية الفكرية والشكلية للعمارة التفكيكية، عمر راستي
الخفاف،1996.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق