الأحد، 4 فبراير 2024

دعونا نتفلسف ونحن نضحك

 (دعونا نتفلسف ونحن نضحك)

 

    كان هذا شعار كورس (فلسفة عمارة) لطلبة المرحلة الخامسة في قسم هندسة العمارة الجامعة التكنولوجية وبإشراف الدكتور عباس علي حمزة المحترم.

"إذا سبق وتساءلت في أي وقت مضى عن لماذا كنت تشعر بطريقة معينة عندما كانت الأمور تحدث لك، أو لماذا تتصرف الحيوانات والنباتات بالطريقة التي يتصرفون بها، أو لماذا تضئ النجوم في الليل، أو لماذا تعمل آلة ما، عندئذ ربما تكون (فيلسوفاً)".

"الفلسفة تطرح أسئلة-الكثير منها"

"نتفلسف بمعنى أن نبحث في ماهية الأشياء وأصولها وعلاقتها بعضها ببعض وهذا فعل يمارسه كل إنسان متوسط الفكر"

من كل التوضيحات لتفسير الفلسفة وحضورها في حياتنا، تبنّى الكورس الدراسي (التساؤل) كهدف أول للمحاضرات الأسبوعية، أما الهدف الثاني فهو (القراءة):

"تعتبر القراءة عن الأفكار الفلسفية مصدراً هاماً للمعلومات"، فلا يكفي أن نتساءل ونقترح إجابات دون الاطلاع على الجهود الجبّارة لمن سبقنا من المفكرين ومحبي الحكمة.

صندوق الفلسفة

يأتي الهدف الثالث للكورس (التفكير) لصياغة إجابات معمارية تعتمد الرؤى الفلسفية التي تم تداولها، والهدف الأخير (القدرة على التعبير لما توصلّ اليه فكرنا من تفسيرات للظواهر المعمارية حولنا).

لماذا نُشرك الضحك إذن مع كل ما سبق؟

الضحك يحرر الروح من غريزة الخوف، "أن نتفلسف بمرح وفرح، ذاك هو الوعد الجميل الذي قد تمنحه الفلسفة لأولئك الذي حملوها على محمل الجد، بمعنى أنهم مارسوها كسلوك يومي، وكأسلوب حياة." كما يخبرنا سعيد ناشيد في كتابه التداوي بالفلسفة.

أما عن ماذا تساءلنا؟ فقد أعددنا سلسلة من الظواهر المعمارية العريقة والتي تعود للظهور مرة أخرى في حياتنا المعاصرة:

·        عبقرية المكان.

·        التصويرية.

·        الاستشراق.

·        الاستعادة.

·        المستقبلية.

·        التعبيرية.

·        التخطيط الانعزالي.

·        الوحشية.

·        الكلاسيكية المعاصرة.

·        العمارة البديلة.

·        التغريب.

هل نكتفي؟ كلا.

حاول الطلبة بعدها الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي تلونت بألوان معمارية بعد أن كانت محايدة في كتاب (الفلسفة للفتيان) تأليف الدكتور ديفيد أي وايت:

·        هل يتحكم المعمار بالتكنولوجيا أم هل تتحكم التكنولوجيا به؟

·        ما الذي يجعل التصميم الذي يضعه المعمار صحيحاً؟

·        هل يستطيع شخص آخر أن يفهم مشاعرك (ذاتية المصمم) أثناء وضعك للفكرة التصميمية؟

·        هل الحواسيب قادرة على التفكير أثناء استخدامها في العملية التصميمية؟

·        هل أنت الشخص ذاته الذي كنته قبل دخولك لتخصص العمارة؟

·        هل لديك إرادة حرة في التصميم المعماري؟

·        هل من المهم أن يتحدث المعمار ويكتب بحيث يتم فهم فكرته التصميمية بصورة دقيقة؟

·        هل ينبغي دائماً أن يصغي المعمار لآراء العملاء؟

·        إذا أعتقد عدد كبير من الناس أن تصميماً ما صحيحاً، فهل هذا يجعله صحيحاً؟

·        ما الذي يعنيه تحديد مصطلح معماري معين؟

·        لماذا تعتبر (بسبب) كلمة هامة في التصميم المعماري؟

·        هل ينبغي أن نوجه النقد للمعماريين أم للتصاميم التي ينتجها المعماريين؟


هل كان الكورس الدراسي مفيداً؟

يمكنكم سؤال طلبة المرحلة الخامسة للعام الدراسي 2023-2024 وأي أسئلة أخرى عن المصادر والنتاجات الفلسفية لتمارين الكورس.

 



م.د. بلال سمير

هندسة العمارة

الجامعة التكنولوجية






الجمعة، 8 ديسمبر 2023

 من علّمني خطّاً...

 

مشروع لتدوين ذكرياتي عن أساتذتي (الغائبين) عن قسم هندسة العمارة الجامعة التكنولوجية، فبداية من المرحلة الاولى تمثل ذكرياتي عنهم وعن أيامهم وتأثيراتهم جميع ما أوصلني لما أنا عليه الآن.

 

من علّمني خطّاً صِنتُ له عهد التدوين فيعود الى فضاءات الذاكرة بعد غيابه عن فضاءات القاعات والمراسم الباردة.

-2-

الأستاذ عماد عبد الزهرة

تحت إشراف الدكتورة أسماء نيازي حضر الأستاذ المعمار عماد عبد الزهرة في مرسمنا مرسم A في التصميم المعماري، لم يكن منتسباً في القسم حينها وإنما محاضر بأجور معينة يستنجد به القسم لسد النقص في كادره التدريسي ونقل الخبرات من حقول العمارة المتنوعة الى الحقل الأكاديمي.

لم يفارق الهدوء الأستاذ عماد طوال العام الدراسي، يتعامل معنا باحترام وروقان وصراحة! أتذكره في إحدى جولات النقد وأنا أفسر له قراراً تصميمياً اتخذته لسبب معين، فقال لي أمام زملائي الطلبة:

-       لقد فشلت في تحقيق ذلك الهدف! استمر صديقي يذكرني بذلك التصريح للفكاهة مدّة طويلة.

كان كحال الدكتور أسماء نيازي مهتماً بالجوانب الوظيفية ومنطق التصميم أكثر من الجوانب المعمارية الأخرى.

بعد ذلك العام العصيب لم ألتقي مرّة أخرى بالأستاذ عماد عبد الزهرة ولم أسمع عنه أي خبر من قريب أو بعيد.    




الخميس، 7 ديسمبر 2023

من علّمني خطّاً... د. أسماء نيازي

 من علّمني خطّاً...

 

مشروع لتدوين ذكرياتي عن أساتذتي (الغائبين) عن قسم هندسة العمارة الجامعة التكنولوجية، فبداية من المرحلة الاولى تمثل ذكرياتي عنهم وعن أيامهم وتأثيراتهم جميع ما أوصلني لما أنا عليه الآن.

 

من علّمني خطّاً صِنتُ له عهد التدوين فيعود الى فضاءات الذاكرة بعد غيابه عن فضاءات القاعات والمراسم الباردة.

 

-1-

د. أسماء نيازي

 

عَرفت الدكتورة أسماء نيازي بعد نجاحي الى المرحلة الثانية، كرئيسة لفريق تدريسيي مادة التصميم المعماري في العام الدراسي الذي شهد الغزو الأمريكي على العراق.

 كنا مرسمين فقط A  و B، وكانت دكتورة أسماء تتنقل بينهما، تُراقب وتعطي توجيهات البدء والختام. كانت دقيقة، ملتزمة وصارمة.

أتذكر المشروع الأول جيداً، (مركز بريد بغداد الجديدة)، في ذات موقع البريد القائم هناك. كانت زيارة الموقع مع عدد من الأصدقاء ممتعة كأول مشروع له موقع فعلي نستطيع زيارته، أما فكرتي للمشروع فكانت تعتمد مكتب البريد كـ(مفتاح) للتواصل مع العالم وذلك قبل شيوع الانترنت والهواتف النقالة، وقبل شيوع برامج الاظهار المعماري كان تقديمي النهائي باستخدام أقلام التحبير والألوان المائية على ورق الـ (CANSON).

المشروع الثاني كان بيت سكني في منطقة (السفينة) في الاعظمية، مطل على النهر، أما التحديات التصميمية حينها فهي كالعادة امتلاك صاحب البيت لابنين متزوجين ودورنا توفير أجزاء منفصلة لهما تجنباً لأي صراعات داخلية! التحدي الآخر هو أن البيت مطل على شارعين، أمامي موازي للنهر وخلفي منخفض عن مستوى الشارع الامامي بأكثر من متر. لذا جاءت تصاميمنا متدرّجة في مستوى الارضيات بنظام الـ (SPLIT LEVELS).

كانت دقّة دكتورة أسماء نيازي حاضرة في تدقيق احتساب عدد البايات والمسافات بين فتحات الأبواب والسلالم بعدها وغيرها من التفاصيل التي جعلتني حريص على مخططاتي الأفقية المستقبلية.

عند المشروع الثالث وقعت الواقعة، (جناح لعرض الأجهزة الالكترونية في معرض بغداد الدولي). كنا في التقاديم الأولية عندما بدأت المناوشات الكلامية بين الرئيسين بوش وصدام حسين، لتتالى الاحداث بعدها وننقطع عن الدوام هاربين من العاصمة الى مدن أمينة أخرى. لا أتذكر كم طالت فترة الانقطاع ولكننا عدنا الى مباني جامعية منهوبة. أدّينا الامتحانات النهائية دون كهرباء، فتحنا شبابيك القاعات طلباً لوصول الاوكسجين الى الادمغة المُربكة.

أتذكر مشكلة تصميمية عانيتها في ذلك المشروع وتعليق محددة لدكتور أسماء نيازي، كنت أفشل في تصميم الواجهات بطريقة تناسب مشروع جناح في معرض دولي، شخّصت الدكتورة المشكلة بكوني لم أستطع مغادرة المعالجات المستخدمة في مشروع البيت السابق.  كانت هذه الملحوظة قبل الانقطاع عن الدوام، لذا استغرقت وقتاً طويلاً بعد هدوء الأوضاع وعودتنا الى بغداد في تخطيط واجهات للمشروع. ساعات التخطيط الطويلة ساعدت في تحسين قدرتي على التخطيط اليدوي بعدها.

نجحت من المرحلة الثانية الى الثالثة في أيام التغيير العصيبة تلك، لأعود والتقي مع الدكتورة أسماء نيازي في مادة (العمارة الإسلامية) في المرحلة الرابعة التالية.

ما أتذكره بوضوح عن تلك المادة الدراسية هو تقسيمنا الى مجاميع تختص كل منها بنمط معماري إسلامي معين، كان حصّة مجموعتي أبنية المدارس الإسلامية. وما استجد حينها هو شيوع استخدام الانترنت في مراكز عامّة بعد عامين من دخول الأمريكان، مركز أو محل في شارع الصناعة أو غيره من المناطق، يضع صاحب المركز مجموعة من الحاسبات المنضدية المتصلة بالأنترنت، فيأتي الطالب أو أي زبون آخر ويستخدم إحدى الحاسبات ويدفع على الساعة، لكل ساعة سعر محدد يقسّم على أجزاءها عند الحاجة. حصلنا على معلومات وصور من منتديات عربية على الشبكة عن المدارس الإسلامية وناقشنا عملنا دون أحداث مميزة أتذكرها الآن.

أكملت دراسة البكالوريوس والماجستير لأعود تدريسياً منتسباً في ذات القسم، وكان موعد اللقاء الثالث مع دكتورة أسماء نيازي كعضو في لجنة إعداد المعارض والفعاليات الثقافية التي كانت ترأسها. تتركز جهود اللجنة في الإعداد للفعاليات الثقافية كالمحاضرات والندوات وكنت مختصاً بتصميم البوسترات الاعلانية لتلك الفعاليات لإجادتي العمل على برنامج (PHOTOSHOP) أما الاهتمام الرئيس للدكتورة فهو المعرض السنوي لنتاجات طلبة العمارة المقام في يوم الجامعة التكنولوجية، فقد كانت حريصة على اختيار فكرة أو (THEME) معينة لكل عام ولا تبخل بأي جهد لإنجاحها. في أحد الأعوام استخدمنا الورق الأبيض لصناعة حلقات متفاوتة الارتفاعات ثم لصقها متجاورة لنحصل على نسيج ورقي تم تثبيته على السقوف الثانوية ثم يتدّرج ليرتبط بالمشاريع المثبتة على جدران بهو المبنى. في عام آخر رسمنا مجسمات بالمقياس الإنساني لأشهر المعماريين العراقيين، الدكتور محمد مكية، رفعة الجادرجي وزهاء حديد، وضعت جنباً الى جنب مع أشهر مبانيهم فيلتقط الطلبة الصور معهم ومعها.

كانت أيام العمل على المعرض متعبة وممتعة في ذات الوقت، لكننا بعد أن غادرت دكتورة أسماء نيازي القسم متقاعدة، غادر معها الاهتمام بمعرض يوم الجامعة الى الأبد!

 

 




تخطيط الشخصيات للدكتور شهاب السويدي

 

 

 

 

 

الثلاثاء، 9 مايو 2023

بيت الإبداع العراقي، درس في الوحدة التصميمية



 بيت الإبداع العراقي

درس في الوحدة التصميمية

 

·        مؤسسة بيت الإبداع العراقي

مؤسسة البيت العراقي للإبداع هي منظمة غير حكومية تأسست في 1 / 1 / 2004، تسعى هذه المؤسسة لاحتضان الأطفال المشردين وإيوائهم. ,وتهدف المؤسسة لتوفير المأوى والتعليم والدعم العاطفي وإعادة التأهيل لمساعدة الأطفال الأيتام العراقيين على الشفاء من صدمة فقدان آبائهم وأمهاتهم وغيرهم من الأقارب بسبب عدم الاستقرار السياسي.

أما هدف المؤسسة على المدى الطويل فهو إنشاء بالغين منتجين ناجحين في الحياة عن طريق التركيز على الإبداع لكونه وسيلة للمساعدة في تعزيز الشفاء من خلال منح الأطفال الأيتام وسيلة إبداعية لإطلاق سراح آلامهم. يقوم برنامج المؤسسة بإنتاج فنانين شباب موهوبين يتمتعون بقدر كبير من القدرة على تحقيق النجاح الدولي في الفنون، بما في ذلك السينما والمسرح والفنون البصرية والموسيقى.

ولتحقيق الأهداف القريبة والبعيدة المدى للمؤسسة بذل كادرها الجهد لتحقيق مبنى متخصص ومصمم لاستيعاب الأطفال المستفيدين من المؤسسة وهو ما تحقق في العام الماضي أخيراً.

·        
المعمار أم العميل: من هو البطل؟

كانت بداية الشيوع الإعلامي لقرار البدأ بإنجاز مبنى جديد مصمم خصيصاً لمؤسسة الإبداع العراقي عندما نشرت المعمارية العراقية (ريا العاني) تصميمها للمبنى وتضمن إعلانها تصريحات عن الاتفاق مع إدارة المؤسسة ومع بعض الشركات الهندسية التي تعهدت بالمشاركة في عملية الإنشاء.

(ريا العاني) المعمارية العراقية-العالمية التي تمارس عملها من مدينة نيويورك تعاملت إعلامياً مع المشروع بإسلوب قد يكون غير ملائم للبيئة العراقية، نصّبت نفسها كبطلة لفلم تصميم وتنفيذ المبنى، سلطت الأضواء على ذاتها كشخصية متعاطفة مع الأطفال المستفيدين من المؤسسة وكمبدعة متفردة لفكرة التصميم المعماري زيادة على دورها في جمع التبرعات لتحقيقه على أرض الواقع.

تصميم المعمارية ريا العاني لبيت الإبداع العراقي

هنا صرّحت إدارة مؤسسة بيت الإبداع العراقي بعدم الاتفاق مع المعمارية (ريا العاني) وأن إدارة المؤسسة هي صاحبة الفكر والقرار والجهد المستمر لأكثر من 15 سنة لتحقيق المشروع، وأن إدارة المؤسسة قد تعاقدت مع المعمار العراقي (حيدر الهاشمي) لتصميم المشروع والاشراف على تنفيذه.

تعامل المعمار (حيدر الهاشمي) إعلامياً مع المشروع بطريقة مغايرة عن المعمارية (ريا العاني)، انسحب من الأضواء وسلّم بطولة الفلم للعميل (إدارة مؤسسة بيت الإبداع العراقي) وهو ما كان ملائماً لسير العمل وإنجاز المشروع وتشغيله حتى النهاية.

بين السياق المعماري العراقي والسياق المعماري العالمي يختلف دور المعمار في لعب دور بطولة فلم المنجز المعماري.


·        درس في الوحدة التصميمية

وضع المعمار حيدر الهاشمي تصميمه لمبنى بيت الإبداع العراقي بإدراك عالي لتأثير البيئة المعمارية على سلوكيات الأطفال الايتام المستخدمين للمشروع زيادة على دَور تلك البيئة في بناء شخصياتهم الإبداعية المستقبلية، ومن هذا الإدراك انطلق في تحقيق مبدأ الوحدة التصميمية بحضور قوي وواضح في التكوين المعماري للمبنى.

تتحقق الوحدة التصميمية عن طريق خلق التشابهات، تشابهات في بعض صفات العناصر المعمارية وليس جميع الصفات فيميل التصميم تجاه التطابق والتكرار والملل. ومن بين الصفات المتعددة للعناصر المعمارية (الشكل، الحجم، اللون، الخامة، الموقع، التوجيه، الاستقرار البصري) ـ اختار المصمم تحقيق التشابه في الشكل.

(الشكل المثلث) نابع من الفكرة التصميمية التي انطلق منها التصميم، والتي يصرّح المعمار أن المرجع الشكلي للشكل المثلث هو المخاريط السومرية، زيادة على مرجع شكلي آخر يعتقده المصمم وهو أن الطفل يبدأ برسم الشكل المثلث في بداية علاقته مع الورقة والقلم.

المخاريط السومرية

تصميم المعمار حيدر الهاشمي لبيت الابداع العراقي





عناصر خلق الوحدة التصميمية بين الخارج والداخل




الشكل المثلث هو ضابط النص المعماري وحارس الوحدة التصميمية الأمين، فنراه حاضراً في النمط الزخرفي لاحد كتل الواجهة وفي فتحات الشبابيك للكتل الطابوقية الصلدة، زيادة على حضوره في تصميم سياج المبنى والأبواب الداخلية والخارجية. وصل هوس المصمم بالوحدة التصميمية أن اختار شكل وحدات الانارة في بعض الفضاءات الداخلية بشكل مثلث أيضاً.

الوحدة التصميمية ضرورية لخلق بيئة سليمة مسيطر عليها لأطفال قادمين من بيئات فوضوية خطيرة.

 

·        تحديث العمارة المحلية

تصميم مبنى مؤسسة بيت الإبداع العراقي خير مثال لتحديث العمارة المحلية العراقية، قد تلعب مادة الانهاء الخارجية (طابوق الجفقيم) للكتل الرئيسة دوراً في خلق صورة متواصلة مع العمارة المحلية العراقية الماضية، ولكن في مكامن المبنى عناصر تواصلية محلية أخرى، تضمن المبنى عناصر معمارية تستمد فاعليتها من الخبرة المحلية السابقة في تحقيق الراحة الحرارية للمباني، فقد حضر ملقف الهواء (البادكير) الموازي لمحور الحركة العمودية في المشروع، زيادة على الممر الذي يستقبل الهواء البارد من الأزقة الضيقة (المجاز) في العمارة المحلية قد تحقق بممر يستقبل الهواء من فضاء لعب كرة القدم في المشروع فيمر على شلالات ماء منسابة من أعلى جدران الفناء الداخلي فيتحول الى هواء معتدل لطيف لتبريد المبنى من الداخل.

كتل المبنى منغلقة ضد البيئة الخارجية القاسية ونحن نعلم أن المبنى ينتصب بمفرده دون مجاورات ويستقبل الحرارة من جميع الواجهات، لذا فالكتل الطابوقية ذات فتحات متقشفة قليلة أما الكتلة المنفتحة ذات النمط الزخرفي فهي تقترب من معالجات الشناشيل البغدادية، حيث تخلق تلك الأنماط الزخرفية المثلثية ظلالاً ديناميكية ممتعة على الفضاءات العامة (المكتبة، فضاءات لعب الأطفال) زيادة على احتواء تلك الفضاءات على ستائر قماشية لزيادة السيطرة على أشعة الشمس النافذة الى الداخل.



التواصل مع عمارة الماضي وتحديثها رسالة يقدمها المعمار للأطفال داخل المؤسسة، بتعلّم القيم العراقية الاصيلة مع عدم الانقطاع عن قيم العالم المنفتح المعاصر.

 

·        الحافات ضد المنحنيات

تعرّف مؤسسة بيت الإبداع العراقي نفسها كمؤسسة راعية للأطفال المشردين وهو ما كان بحاجة الى عناية من قبل المصمم في التعامل مع الزوايا الحادة للأشكال المثلثة في تصميم المبنى. تشير أغلب الدراسات المشتركة بين علم النفس والعمارة لميل العقل البشري تجاه الاشكال المنحنية ضد الاشكال الحادّة، ولعل تفسير ذلك الميل بالإحساس بالأمان تجاه تلك الاشكال كونها لا تشكل خطراً بحافاتها المدببة على الجسد البشري، كل من لديه طفل في البيت يعرف الخوف من الحافات المدببة للطاولات وقطع الأثاث، ويمثال ذلك الخوف القلق النفسي الناتج عن الأشكال الحادة في بيئة تحتوي أطفالا بحاجة للرعاية الفائقة.



خلق انحناءات بسيطة في حافات الاشكال المثلثة مطلب نفسي ولكنه تحدي انشائي في تفاصيل المشروع المعماري.










السبت، 25 مارس 2023

آخر نساء الموهيكانز

 آخر نساء الموهيكانز

 

لم أستطع الهروب من هذا العنوان وأنا أحاول توثيق القرار الجريء لطالبة العمارة (ملاك رعد هوبي) في التقديم النهائي لمشروع فندق 5 نجوم في المرحلة الثالثة.

The Last of the Mohicans أو آخر رجال الموهيكانز كما قرر أحد المترجمين تسميته، هو فلم ملحمي أمريكي صدر عام 1992، بطله Daniel Day-Lewis، (المُحارب) مع آخر فردين من قبيلة الموهيكيين الهندية. يجد الثلاثة أنفسهم وسط الصراع الدامي بين الفرنسيين والبريطانيين والقبائل الهندية الأخرى للسيطرة على أمريكا الشمالية.

كانت مشاهدة الفلم مؤثرة جداً في التسعينات أما في الألفينات فقد بدأت بمشاهدة فلم دراسة العمارة في الجامعة التكنولوجية في بغداد.

من قبل 2003 كان القسم يتضمن مختبراً مجهزاً بأجهزة كومبيوتر متطورة، كنا نتعرّف على برنامج Auto CAD  2000 حينها. بعد الحواسم اختفى المختبر وبعد الاستقرار النسبي كان من الممكن لنا نحن الطلبة شراء كومبيوترات شخصية، بدأنا بتعلم برنامج   3d Studio Maxمن دروس مسجلة على سيديات وبلهجة مصرية. أتذكر ثلاثة من زملائي (ظفار، علي، سنان) كان لهم سبق تقديم أعمالهم باستخدام تلك البرامج وطباعة النتائج بالـ Plotter في التقاديم النهائية للمرحلة الثالثة. أما أنا فكان أول تقديم مطبوع لي باستخدام برامج الرسم والإظهار في مشروع التخرج عام 2006، تسارعت الأحداث بعدها وتعددت برامج الرسم والإظهار والتصميم المعماري حتى وصلنا الى استخدامها منذ المرحلة الأولى من دراسة العمارة، أما في المرحلة الثالثة فلم يبق من يستخدم أدوات الرسم الهندسي التقليدية وتقنيات الإظهار باليد في قسم هندسة العمارة في الجامعة التكنولوجية حتى قررت الطالبة (ملاك رعد) إنجاز التقديم النهائي لمشروع فندق 5 نجوم باستخدام الرسم والإظهار بالرصاص (Graphite Pencils)!

قرار العودة (للقتال) بتلك الأدوات المنسية بعد أعوام من هجرانها يستحق البحث والتأمل، لذا تقمصت دور الصحفي وأعددت حواراً مع ملاك وعدد من زملاء مرحلتها لمعرفة مقومات القرار ونتائجه ودروسه المستقبلية:

-       ملاك، ماهي الفكرة التصميمية لمشروعكِ؟ (فندق 5 نجوم في بغداد، الزعفرانية، كجزء من الخطّة المستقبلية لتطوير معسكر الرشيد)

-       انطلقت فكرتي التصميمية من التضاد بين نمط المشروع الترفيهي وتاريخ الموقع العسكري، لذا توجهت نحو مفهوم المادة والمادة المضادة من حقل الفيزياء التطبيقية، ثم بحثت بعدها عن مراجع شكلية لنقل ذلك المفهوم الى المتلقين، فكان اختياري للماء والنار كعناصر متضادة من الطبيعة، الماء ملائماً للتجسيد في الطوابق الافقية لكتلة الفندق، والنار في الطوابق المتكررة للأجنحة والغرف الفندقية.

 

-       كيف جاءت فكرة اظهاركِ للمشروع باليد في مقابل توجّه جميع طلبة المرحلة كما تعلمين لاستخدام البرامج الحاسوبية؟

-       في البداية أنا أحب من الأساس الرسم والإظهار باليد، ولكنّ السبب الآخر حضر بعد أن واجهت مشكلة في التقديم قبل النهائي للمشروع، الساعة الثانية بعد منتصف ليلة التقديم، تضرر ملف العمل على الكومبيوتر وخسرت المخططات الأفقية وأغلب التجسيد ثلاثي الأبعاد وكنت مضطرّة لتقديم مخططات غير مكتملة لعدم خسارة درجة التقديم فقط، لذا لم أرد أن أمر بنفس التجربة في التقديم النهائي، زيادة على السبب الأخير وهو عدم تمكني من تنفيذ العناصر المعمارية المعبرة عن النار في البرامج الحاسوبية كما كنت أتخيلها.

 




-       ماهي إذن البرامج التي تعملين عليها في تنفيذ المشاريع المعمارية؟

-       في المخططات ثنائية الأبعاد أستخدم برنامج Revit أما في التجسيد ثلاثي الأبعاد فأعتمد على برنامج 3ds Max ولتصيير الصور برنامج  Lumion ولتنظيم اللوحات النهائية أستخدم برامج Photoshop  و Illustrator.

 

-       هل استشرتِ أحد قبل أخذ قرار الرسم والإظهار باليد؟

-       نعم استشرت أصدقائي من مراحل أكبر وقد حذروني من المخاطرة خاصّة في التقديم النهائي، قالوا لي إن كنتي مصرّة فعلاً فعليكِ سؤال تدريسيي مادة التصميم، وقد سألتهم وكانوا غير ممانعين أبداً.

 

-       والآن كيف تعلمتِ تقنيات الرسم الإظهار باليد؟ ولم نعد نعلّمها في المناهج الدراسية.

-       أنا أعرف بعضها فقد تعلمت ذاتياً مثلاً الإظهار بالألوان المائية، ولكني تعلمت التقنية الحالية من أحد أصدقائي من جامعة بغداد، بعد أن استخدمها في تقديم مشروع سابق قبل أن يتحول هو لاستخدام البرامج الحاسوبية.

 

-       هل اطلعتِ على مقاطع تعليمية في يوتيوب أو غيره؟

-       كلا، فبعد أن تعلمت التقنية اشتغلت عليها مباشرة.

 

-       وهل كانت جميع المخططات مرسومة باليد فقط أم هنالك مزج بين الرسم باليد والرسم بالكومبيوتر؟

-       نعم هنالك مزج بينهما، فقد طبعت الخطوط الرئيسة للمخططات من الكومبيوتر لتكون دليلاً للرسم فوقها والإظهار باليد.

 


-       ماهي إذن الاشكال التي لم تستطيعي كما قلتي في البداية تنفيذها كما كنت تتخيلين؟

-       الخطوط المنحنية للجدران الخارجية للطوابق المتكررة والتي تعبّر عن النار في الفكرة التصميمية، والتي نفذتها باليد بوضع ورق شفاف على الكتلة لتخطيط أشكالها أولياً وبعد الاستقرار على شكل معين رسمتها على الكتلة بشكل نهائي.

 


-       كيف كانت ردود الأفعال بعد تقديم إظهار مشروعكِ باليد بين المشاريع الحاسوبية للطلبة؟

-       فيما يخص الأساتذة كانت أغلب ردودهم إيجابية، أما زملائي الطلبة فكانت إيجابية أيضاً.

 

-       وكم كانت درجة تقييم المشروع في النهاية؟

-       80 %.

 

-       ما هي الفترة الزمنية التي تطلبها إكمال العمل على التقديم؟

-       تقريباً 14 يوم ومع الموديل تصبح 16 يوم.

 

-       وهل تعرفين الفترة التي تطلبها زملائكِ الكومبيوتريين لإنجاز العمل؟

-       نعم، بعضهم استغرق 6 أيام أو أسبوع في العمل.

 

-       والآن نصل الى السؤال الأهم، هل ستكررين التجربة مرة أخرى؟ هل ستقدّمين مشروع المستشفى القادم باليد أيضاً؟

-       كلّا، لأنني لم التمس تقديراً للجهد الكبير الذي بذلته.

 

-       بعد هذه التجربة الاستثنائية قررت كما تقولين عدم تكرارها مرة أخرى في المشروع القادم، ولكن هل تنصحين طالب آخر بتكرارها؟

-        أنصحه وأقول له: كلا، لا تكررها، بسبب الجهد الكبير والوقت الطويل، فأنا خلال العطلة الربيعية لم يراني أهلي بسبب انشغالي بالعمل، ولم أحصل مع ذلك على النتيجة والتقدير المرضي.

 

-       وأخيراً، هل الإظهار باليد إذن في حرب خاسرة مع الكومبيوتر؟

-       تقريباً!

 

أما أنا فاقتبس للختام "الشمس لا يحجبها الغربال"، نعاني من مشاكل عديدة عند استخدام البرامج الحاسوبية في الرسم والإظهار والتصميم المعماري حتى، ولكن لا مفر، ليست الحلول الأفضل بالابتعاد عنها لأنها المستقبل القريب والبعيد، علماً أن مسؤولية تلك الحلول تقع على جانبي العملية التعليمية المعمارية، الأستاذ والطالب، ولكن لكل منهما مواجع ليس الهدف إثارتها اليوم.