الاثنين، 7 نوفمبر 2022

بغداد من الطابق 13

 بغداد من الطابق 13

 

"انتقل الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور) الى مدينته الجديد (بغداد المدوّرة) ونقل معه الدواوين وبيت المال من مدينة الكوفة، يوم الاثنين، الأول من شهر محرم عام 146 هجري"

 

يخبرنا المؤرخ (باقر أمين الورد) في كتابه (حوادث بغداد في 12 قرن)، أن يوم (التحوّل) الى بغداد وافق بالأرقام:146/1/1 هـ.

 لنكتشف أن حاصل جمع تلك الأرقام (1+1+6+4+1) يساوي 13.

نعم بغداد مدينة سيئة الحظ.

عندما نكتب كلمة (الجميلات) على محرك البحث Google ستظهر مقترحات البحث: الجميلات قليلات الحظ، الجميلات أقل حظاً، الجميلات لا يقف لهن الحظ إحتراماً.


بغداد منحوسة منذ البداية. بعد أربعة أعوام من الانتقال اليها توفي (جعفر) أكبر أولاد (المنصور) بانيها. قد يكون سبب نحسها جمالها السابق أو سحر أعداد يوم تدشينها.


أحاول بناء علاقات عددية مع برج البنك المركزي العراقي الجديد في الجادرية، أبرز معالم مدينة (بغداد عديمة الشكل). كانت الزيارة (الأولى) يوم السبت 2/7/2022 وببطاقة زائر رقم 24 لنرتقي الى الطابقين 12 و30 بداية من المستوى الأول تحت الارض.

أما الزيارة (الثانية) فيوم الخميس 3/11/2022 وببطاقة زائر رقم 19 والصعود الى الطابق 13. كانت الأولى مع وفد نقابة المهندسين العراقية أما الثانية فمع وفد الطلبة الأوائل على مراحل قسم العمارة في الجامعة التكنولوجية للعام الدراسي 2021-2022.

قد تتذكرون حيرتي في الزيارة الأولى بين الاستمتاع بمشاهدة المبنى وتفاصيله بعيني المجردة أم الانشغال بتصويره بهاتفي المحمول، لقد خلصني المهندس المشرف على زيارتنا هذه المرّة من تلك الحيرة، قال: "ارجو منكم عدم التصوير إلا في الأماكن التي سأخبركم بها".

"من الفضاء الخارجي الفاصل بين البرج وصف المنازل الملاصقة لحدود الموقع، أخذنا منحدر واسع الى فناء داخلي عملاق، أرضيته بمستوى تحت الطابق الأرضي وسقفه مغطى بشبكة معدنية تبرز من بينها السماء."

سلكنا نفس مسار الزيارة السابقة مع اختلاف كون الفناء مليء بالمواد الأولية المستخدمة في التنفيذ، صناديق وحُزم كبيرة وصغيرة وبنسب متنوعة تستلقي على أرضية الفناء الذي يفترض أن يصبح موقفاً لسيارات العملة الداخلة والخارجة من البنك.

في زيارتنا السابقة كان الشركة المنفذة قد أنجزت قبل أشهر قليلة الهيكل الخرساني وبدأت بالتغليف الخارجي وتثبيت الالواح الزجاجية التي تأتي مفصّلة من شركات التصنيع. لذا أحسست هذه المرة بالفرق الواضح في تصاعد وتيرة العمل وزيادة عدد العاملين وانتشار المواد هنا وهناك. فالمرحلة الآن تتضمن البدء بطبقات الانهاءات الداخلية للجدران والخدمات الميكانيكية والكهربائية أسفل السقوف التي يبلغ ارتفاعها 4،25 متر في الطوابق ذات الاستخدام المكتبي. وتيرة العمل جعلت الشركة المنفذة والجهة المشرف تختصر الجولة ووعدونا بالصعود الى الطابق رقم 13 فقط.

كنا على الموعد من ذات المصعد الخدمي المخيف بأصواته وحركاته المفاجئة لنصل الى الطابق المنشود، السقف أصبح مشغولاً بشبكات انابيب الخدمات المتداخلة، بعض القواطع تم تثبيتها لتعريف المساحات المكتبية الخاصة مقابل المساحة المكتبية العامة المفتوحة لبقية مساحة الطابق، أما المساحات الزجاجية التي استمتعنا بالنظر عبرها على المدينة مسبقاً فقد كانت مغلقة بألواح خشبية للحفاظ عليها من الخدش أو الكسر نتيجة للأعمال المستمرة في الطابق.

النافذة الوحيدة المفتوحة كانت باتجاه نهر دجلة والمنطقة الخضراء من خلفه.

توقف أحد العمال عن العمل وهو ينظر الينا من المنصة (السكلّة) التي يعمل عليها منتظراً باحترام أن ينهي المهندس المشرف حديثه عن المشروع وتفاصيله والمواد الانشائية المستخدمة. العزل الحراري من القضايا الواضحة هذه الزيارة، فعبر الزجاج نرى اللوح المعدني (Bracket) المثبت على الجدار الكونكريتي لحمل وحدات الانهاء الخارجية، اللوح مثبت في موقع منخفض عن سطح الجدار المجاور بسبب وجود طبقيتين من مواد العزل الحراري، القلق العلمي من كون ذلك اللوح المعدني يمثل جسراً حرارياً لنقل الحرارة الى مساحة الجدار غير المعزول قدّم الدور لمواد العزل الداخلي، حيث تم تثبيت هيكل معدني على الجدران من الداخل والذي يأخذ نفس اشكالها سطوحها المائلة وما بينهما فراغ يقدر بـ 40 سم تقريباً سيملئ بالصوف الصخري لتحقيق اقصى درجات الراحة الحرارية للمبنى.

بعدسة طالبة العمارة: جوان حامد


بعد نهاية الجولة في الطابق انقسم عددنا الى قسمين، الأول عاد الى الأرض بواسطة المصعد الخدمي الخاص بالعمال والآخرين بواسطة مصعد VIP  لا استطيع وصفه لأنني لم أكن منهم.

عدنا الى الأرض بسلام مروراً بفضاء البهو أو الـ(Foyer)، الفضاء الذي يقع أسفل البرج تماماً لنستمتع بمفصل (استقرار/انبثاق) البرج (على/من) الأرض. وصلنا نهاية الجولة بتجمعنا في الساحة الخارجية الجانبية لالتقاط الصور التذكارية.

ما يثير الانتباه في الفرق بين الزيارتين أيضاً هو قضية (ظل البرج) كانت الزيارة الأولى في تموز الصيف والآن تشرين الثاني، عند وقوفنا في ذات المكان وفي توقيت متقارب جداً فان ارتفاع زاوية الشمس في تموز منعت البرج من حجب اشعتها عنّا، أما زاوية الشمس المنخفضة في هذه الزيارة فقد جعلتنا وسط مساحة واسعة من الظل الناتج عن حجب البرج لأشعتها. هذه قضية مؤثرة على مجاورات البرج بالسلب والايجاب حسب الفصول والحاجة أو عدم الحاجة لأشعة الشمس الدوّارة.

بعدسة طالبة العمارة: جوان حامد

لم نجد المنحنيات (الزهائية) في الفضاءات الداخلية هذه المرة ايضاً ولكننا يجب ألا نفقد الأمل، ففي الصور المعلنة والفلم الوثائقي المعنون "البناية الجديدة للبنك المركزي العراقي في بغداد" على يوتيوب وعود بالكثير من المنحنيات التي لم يحن وقت تنفيذها بعد.

أتمنى أن يسعدنا الحظ بزيارة ثالثة وألا تكون الأخير قبل أن يتم تسليم المشروع للجهة المستفيدة ويبدأ بالعمل وفقاً لما تم التخطيط له.