الجمعة، 3 مايو 2019

الحوار الاخير في المثلث والـ (T square)


الحوار الاخير في المثلث والـ (T square)

هل سمعنا يوماً من معمار (لا يُجيد) استخدام برامج التصميم والاظهار المعماري الحاسوبية وهو يقول: ان طالب العمارة من الممكن ان يتعلم التصميم المعماري باستخدام تلك البرامج مباشرة دون المرور بمرحلة الرسم بالطرق اليدوية التقليدية؟
وهل سمعنا يوماً من معمار (يُجيد) تلك البرامج او (يحترفها) وهو يقول: ان طالب العمارة من الضروري في المراحل الدراسية الثلاثة الاولى ان يتعلم التصميم المعماري باستخدام الطرق اليدوية التقليدية ثم يبدأ باستخدام البرامج الحاسوبية بعد تلك المراحل؟

لنفكر قليلاً بإعداد احصائية افتراضية بأولئك المعماريين...
سنجد ان (اغلب) المدافعين عن طرق الرسم اليدوي التقليدي هم ممن لا يجيدون العمل على البرامج الحاسوبية المعاصرة.
وان (أغلب) المدافعين عن استخدام البرامج الحاسوبية هم ممن يجيدون العمل على تلك البرامج.
انا استخدم كلمة (اغلب) لان هنالك حالات مخالفة بكل تأكيد.
وانا اعتقد اننا ندافع عن المهارة التي نمتلكها فقط او عن الطريقة التي تعلمنا بها العمارة، دون النظر الى المستقبل.

كيف يعرف من لم يستخدم البرامج الحاسوبية ان استخدام تلك البرامج لا يعطي الاحساس الحقيقي بالمقياس الانساني؟
هل جرب العمل بها بنفسه واكتشف ذلك؟ ام انه اطلق ذلك الحكم عن طريق مراقبة وتقييم نتاجات الآخرين الذين يعملون على تلك البرامج؟
وفي هذه الحالة من قال ان المشكلة تقع في تلك البرامج تحديداً؟
قد تكون المشكلة في المستوى المعماري لذلك الطالب او المعمار الذي يستخدمها؟ او قد يكون ذلك الطالب لم يتقن استخدام جميع ادوات تلك البرامج؟

كل تلك الاسئلة هدفها (التشكيك) فقط لأننا لا ننظر في الحكم على ثنائية (اليد-الحاسبة) بطريقة عملية.

ولمحاولة تأسيس نظرة عملية (اولية) يجب ان تكون الخطوة الاولى هي التمييز بين (التخطيط الاولي- sketch) وبين (الرسم الهندسي-  technical drawing).

فالتخطيط الاولي- sketch : هو استخدام الاقلام بمختلف انواعها بواسطة اليد المجردة للتعبير عن الافكار المعمارية بمخططات اولية على الورق. ويعرّف ايضاً بانه "اي طريقة اولية لاستكشاف كيفية انتقال الافكار المعمارية من العقل الى التمثيل المادي"، لذا قد يكون بواسطة مجسمات اولية ايضاً وليس الرسم فقط.

تخطيط اولي لاحد طلبة المرحلة الاولى قسم هندسة العمارة الجامعة التكنولوجية
2018-2019

اما الرسم الهندسي-  technical drawing : فهو استخدام الاقلام والادوات الهندسية (المثلث والمساطر بانواعها) وبواسطة اليد ايضاً، للتعبير عن الافكار المعمارية بمخططات دقيقة على الورق ايضاً.


اما الخطوة الثانية فتتمثل بضرورة ادراك، هل ان النقاشات بثنائية (اليد-الحاسبة) هي نقاشات محلية فقط ام عالمية؟
دقائق يستغرقها بحث بواسطة صاحب الفضل (Google) تجعلنا نستنتج انها نقاشات عالمية حامية.

الخطوة الثالثة، هي التصريح بأن المعمار الذي يقول ان استخدام اليد في العملية التصميمية (غير مهم) فهو يبتعد عن الحقيقة كثيراً، استخدام اليد مهارة اساسية يجب على طالب العمارة والمعمار ان يطورها لديه. حيث يجب عليه ان يعرف كيف يترجم افكاره من الخيال الى صيغة مفهومة ومرئية من قبل الآخرين ودون الحاجة الى المساعدة من قبل الحاسبة.
 وهنا نتذكر الحُجة الي يحاجج بها احد الطرفين( اذا كان المعمار في موقع العمل ولا يمتلك الحاسبة او واجه مشكلة في تشغيلها فكيف سيوضح للمهندس المدني او المقاول او العمال ما يريده منهم؟).

معمار برازيلي

هنالك الكثير من المصادر العلمية والفنية التي تؤكد اهمية استخدام اليد، وقد يطول الحديث في حال الاقتباس منها، بين يدي الآن:
Fundamentals of Graphics Communication
 Steal like an Artist
ولكن هل نجد في تلك المصادر ذكراً لضرورة استخدام اليد للمثلث والمسطرة (T square) والادوات الهندسية الاخرى؟ ام اليد وحدها كافية في تلك المهارة المعمارية؟

سأجيب انا: اغلب المصادر المعاصرة التي تتحدث عن اهمية استخدام اليد هي تتحدث عن اهمية التخطيط الاولي (sketch) وليس عن اهمية الرسم الهندسي (technical drawing).


قبل فترة سألتني احدى الطالبات عن مدى حاجتها لبورد زجاجي تقول احدى قريباتها انها سوف تحتاجه في المستقبل، كنا نسميه سابقاً (بورد الطبع) وهو يعيد لي ذكريات ليالٍ مؤلمة للظهر، بعد ان نقدم التقديم قبل النهائي مثلاً فاننا ناخذ ملاحظات الاساتذة عليه ونعدّل على المخططات مباشرة ثم نضعها على البورد الزجاجي ونضع فوقها الورقة الجديدة (وسئ الحظ من يستخدم الالوان المائية لانه سوف يطبع على الكانسن السميك) ثم نضع مصدر ضوئي تحت الزجاج فتظهر الخطوط القديمة على الورقة الجديدة ونبدأ باعادة الرسم.

قلت للطالبة: لن تحتاجي لذلك البورد قطعاً.

موديل متطور جدا لاننا كنا نستخدم غالبا قطعة من الزجاج على مساند حديدية
لمنضدة المنزل 

لما لا نستفيد من التكنولوجيا المعاصرة؟
لما لا نستفيد من الوقت الهائل الذي توفره الحاسبة لانجاز مهام اخرى او لاكتساب مهارات اخرى؟
(نعم، اعلم جيداً ان الواقع يقول ان الوقت الذي نوفره لا يوظفه اغلب الطلبة كما افترضت سابقاً وتلك مشكلة تتعلق بالتطبيق وليس بالفرضية فالطالب المجتهد سوف يستفيد منه وطالب اخر يستهلكه على فيسبوك وغيره).

ان جميع القضايا والمهارات التي يدافع عنها انصار الرسم باليد (technical drawing) من الممكن ان يتم تطبيقها عن طريق التخطيط الاولي (sketch).

مقياس انساني؟ ندع الطالب يخطط مخططات اولية تتفاعل مع المقياس الانساني.
تفاصيل معمارية؟ ندعه يخطط تلك التفاصيل المعمارية.
واجهات، مقاطع، كل ما نريد تحقيقه في المنهج الدراسي يتم عن طريق التخطيطات الاولية، بعد ذلك نستخدم نعمة رب العالمين علينا (التكنولوجيا) بكل ما توفره من دقة وسرعة وسهولة التعديل والاظهار المبهر. لسنا بحاجة لاستخدم الادوات الهندسية (علماً انني احتفظ بكل ادواتي القديمة واستخدمها في الاعمال اليدوية كصناعة المجسمات والاعمال الفنية).

تقسيم استوديو العمل الى جزء مختص بالتخطيط الاولي والعمل اليدوي
وجزء مختص بالحاسبة وملحقاتها

ان الحوار في الثنائية السابقة قد يتطور كثيراً بعد ان نفتح بوابة التصميم البارمتري في المستقبل (parametric design)، يُعجب اغلبنا بالاشكال المنحنية الحرة والتي تأخذ اشكالها من الطبيعة والتوجهات الايكولوجية المعاصرة، ثم يبدأ الطلبة بالتأثر بها وتقليدها فتنتج اشكال اخطبوطية مشوهة، هل تعلمون لماذا؟ لان تلك الاشكال لا يمكن تشكيلها وتنفيذها الا بواسطة الحاسبة، فالبرامج اساسية في عملية التصميم نفسها وليس عملية الرسم والاظهار فقط.

لنفكر بالمستقبل، فنحاول التوجه اليه بخطى واثقة ونستعمل يدنا في التخطيط دائماً ونشتري ادوات هندسية لاننا سنحتاجها ولكن ليس في الرسم الهندسي.