الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

معمار خلف القُضبان

 

معمار خلف القُضبان


"ياما في الحبس مظاليم"، فرضية مصرية شهيرة، ويزيد من شهرتها الإعتماد عليها في (أغلب) بل حتى قد يصُح القول في (كل) الأعمال الأدبية والفنية التي تدور أحداثها داخل السجون حول العالم. وقد يكون جميع السجناء مظلومين في رواياتهم الخاصة.

القضية هي أن مبنى السجن يمتاز مع مجموعة قليلة أخرى من المباني بأن تجربة زيارته ومراقبة إستخدامه نادرة من قبل المعماريين، ولا نتمنى ذلك للجميع بالتأكيد، لكن تجربة تصميمه هي تجربة شرعية قد يتعرض لها أيّ منا في يوم من الأيام.

تصبح التجسيدات التي نقرأها ونشاهدها لنظرية البراءة السابقة هي البديل المعرفي لخلق موقفنا اللاواعي من شخصية السجين وشخصية السجّان ومبنى السجن الذي يؤطر العلاقة بين الطرفين.

قرأت قبل سنوات عديدة رواية (الساعة الخامسة والعشرون) للكاتب الروماني قسطنطين جورجيو، وقد غردت على تويتر حينها "إن تجربة السجن هي أقسى تجربة حياتية يمكن أن يمر بها الإنسان". وبينما كان أيوهان البطل شاب ريفي يعمل في منزل وحديقة القس كوروغا، ظهرَ في عالمي سجين آخر، ولكنه مهندس إنشائي هذه المرّة وإسمهُ مايكل سكوفيلد.

نعم، لقد كتبت إسمه من ذاكرتي مباشرة دون الرجوع الى الشبكة كما فعلت مع أيوهان موريتز، وذلك بسبب الأيام الطويلة التي عشتها وعاشها الكثير مع حلقات مسلسل (Prison Break) بمواسمه الخمسة. قبل الموسم الأخير الذي لم أشاهده كانت الأمور مختلفة عن الآن، كنت أنتظر الموسم بفارغ الصبر، ثم أذهب لشراءه على شكل أقراص DVD، قبل أن يعرض على شاشة  MBC Action.


لم يكن سكوفيلد مظلوماً بالتأكيد، فقد دخل السجن بقضية إقتحام أحد المصارف مسلحاً، لكن ليس للسرقة وإنما لدخول السجن عمداً بعد أن وثقه بالحبر على جسده، والهدف هو تهريب أخيه المظلوم.

ما أضافهُ المسلسل لقصص الهروب هو تخصص السجين الهندسي وإمكاناته الذهنية وتصميمه لمبنى سجن (Fox River) بالتحديد. كان يتعامل بمعرفة الخبير مع العناصر المعمارية والإنشائية والخدمية لمبنى السجن والتي شاركته بطولة القصة المثيرة. تلك العلاقة الدينامية زادت من معرفتنا لكيفية تصميم السجن والهدف من وراء تفاصيله ووظيفته الرئيسية. وقد نتساءل الآن كيف لمهندس إنشائي أن يصمم سجن كما يقول سكوفيلد لأخيه واثقاً!

يأتي دور الإشارة الى ضرورة الوعي أن تجربة المشاهدة تلك هي لعمل فني مشكّل باسلوب درامي لتحقيق متعة وجذب المشاهد، هو يستند على الواقع في الكثير من التفاصيل بلا شك ولكنه الواقع الأمريكي، واقع التقنيات المتطورة ومراعاة حقوق الإنسان والقضاء المستقل كما نسمع ولم نجرّب.

ماذا عن واقعنا العراقي؟

نقرأ كتاب (جدار بين ظلمتين) للمعمار رفعة الجادرجي وزوجته بلقيس شرارة ويعتصرنا الألم. معمار متفرّد بإسلوب حياة تمثّل قمّة الهرم الإجتماعي العراقي حينها يوضع في زنزانة بعرض متر وسبعين سنتمتراً وطول مترين فقط وهو خامس أربعة مساجين آخرين حشروا فيها، وكانت هذه البداية فقط.


أصبحت على يقين عراقي هذه المرة بأن تجربة السجن ظلماً هي أقسى ما يمر به الإنسان ويؤدي الى تشوهات نفسية دائمة، قد يكون من آثارها ما يصرح به الدكتور علي ثويني قائلاً: "وكان مكيّة أنشط كثيراً من الجادرجي الذي توارى وأنزوى عن الحياة العامة خلال عقود!"

يصف الجادرجي شهور الحبس العشرين بالتفصيل، العناصر المعمارية المحيطة به، الشخصيات الساجنة والمسجونة، حواراته الداخلية وكيف إنتقل من سجن المخابرات الى سجن أبو غريب الشهير.

بالمقابل تصف زوجته الحياة الإجتماعية والسياسية في بغداد نهاية السبعينات، الظلم والخوف الذي أدى الى تشوهات جماعية وليست فردية. قد يكون الخوف ذاته سبباً لعدم حضور فكرة الهروب وكافة صياغاتها اللغوية في صفحات الكتاب الأليم.

لا أعتقد أن الجادرجي لم يفكر في أيامهِ الطويلة بكيفية الهروب من ذلك السجن البغيض، ولكنه لم يحاول ولم يُفكر أن يحاول خوفاً على أفراد عائلته خارج أسوار السجن وأمله بالخروج سريعاً بسبب تفاهة تهمته ومكانته الإجتماعية. إختار أن ينقل جزء من عالمه الخارجي المسموح به الى الداخل، القراءة والكتابة.

مغامرة الهروب من سجن أبو غريب نفذها فعلاً الوزير السابق الدكتور حسين الشهرستاني عام 1991 كما نقرأ في كتابه (الهروب الى الحرية)، وبعد 2003 إنتقلت إدارة السجن الى القوات الأمريكية وأصبح يوماً متصدراً للأخبار العالمية، ثم عادت إدارته الى الجهات العراقية ليحدث الهروب الكبير عام 2013.

مايصفه الجادرجي في يوميات سجن ابو غريب يقترب كثيراً وبغرابة مع يوميات السجناء السياسيين في السجن العمومي في مدينة سانتياكَو الذي يعرضها الفلم التشيلي (Pacto de Fuga) أو (Jailbreak Pact) بالانكليزية. الفلم إنتاج عام 2020 ومستوحى من أحداث حقيقية حصلت بين عامي 1988-1990 أي بعد عشر سنوات تقريباً من أحداث الجادرجي وقبل سنة عن أحداث الشهرستاني.


بطل الهروب في الفلم )مهندس/ معمار) أيضاً، ويخطط مع مجموعته لحفر نفق بطول 60 متراً ويخبئ 55 طن من مواد الحفر دون أن ينتبه لذلك أحد. وهم مظلومون أيضاً في رواية الفلم الطويل.

بعد كل هذه التفاعلات العاطفية مع السجناء وتشويق البحث معهم عن منفذ للهروب، كيف سنتعامل مع تصميم السجن لو بدأنا بتصميمه؟ هل سنكون مع طرف السجّان الذي يحاول بكل الطرق منع السجناء من الهرب والتضييق عليهم؟

لكن أليس هذه هي وظيفة السجن؟ إبعاد المجرمين عن بقية أفراد المجتمع ومحاولة إصلاحهم.

يجب أن نعي هنا أيضاً التمييز بين أنواع الجرائم الموجبة للسجن في القصص السابقة وفي الواقع، الجرائم الجنائية التي لا يُختلف على خطورة مرتكبيها وضرورة معاقبتهم، والجرائم السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية.

حُكِم الجادرجي بجريمة إقتصادية (عدم التعاون مع شركة أجنبية في تقديم عرض الى الحكومة العراقية فأدى ذلك الى خسارة العراق عنصر المنافسة وخسارة إقتصادية، ويعتبر ذلك تخريباً إقتصادياً وخيانة عظمى بحق العراق). وحُكم على أبطال الفلم التشيلي الحقيقيين بجريمة سياسية لمعارضتهم نظام الحكم الدكتاتوري آنذاك.

هل سيُفكر المعمار بالمظاليم في سجنه أم سيعتبرهم جميعاً مجرمين؟ هل سيَغلق عليهم جميع الطرق أم يترك منفذاً خفياً ليكتشفه أحد السجناء الأذكياء أو المعماريين؟

 لماذا لا يُوضع مشروع السجن ضمن البرامج التعليمية الأكاديمية؟ ولماذا لا يَشيع إنتخابه كمشروع للتخرج؟ قد يُجيب الاساتذة على السؤال الأول بأن المشاريع الأحق بالدراسة هي المشاريع الشائعة التي سيواجهها الطالب بنسبة أكبر في ممارسة المهنة: المساكن، المدارس، الفنادق، المستشفيات وغيرها. لكن هل هذا هو معيار الإنتخاب المناسب؟ أم ننتخب المشروع الأكثر إثارة للنقاش والجدل لتنمية صناعة الرأي لدى المعمار وبالتالي كيف يؤثر موقفه على قراراته التصميمية؟

أما إجابة السؤال الثاني فهي بحث الطالب عن المشاريع الإستعراضية ذات الطاقة الجمالية، فنتساءل، لماذا لا يكون مبنى السجن جميلاً؟ صحيح، لا يمكن ذلك لأن السجين سيكون مرتاحاً ولن يشعر بالذنب على ما إقترفه من جريمة شنعاء.

لماذا لا نتعلّم صناعة القُبح والخوف وخلق الإحساس بالذنب؟ زيادة على كيفية التعامل مع الجوانب الإقتصادية والبيئية، فالسجن مبنى مستَهلِك للموارد أكثر من غيره، كيف نجعله صديقاً للبيئة منتجاً للطاقة؟

نعلَم أن أحداً لن يُنفذ تصاميم الطلبة للسجون المعاصرة (كغيرها من المشاريع) ولكنها تمثل تحديات فكرية مميزة لبناء شخصية طالب عمارة واعيٍ بالقضايا الجدلية للإنسان المعاصر.






الاثنين، 2 نوفمبر 2020

طالب العمارة وجمع المفاتيح

 

طالب العمارة وجمع المفاتيح


بقليل من الخيال أستطيع القول أن دراسة العمارة مشابه تماماً لِلَعب لعبة الكترونية، المهمة الأساسية فيها هي جمع أكبر قدر ممكن من المفاتيح. وفي الواقع فأن هذه المفاتيح هي لأبواب المستقبل. وسأشرح لكم مراحل هذه اللعبة.

قبلها يجب الإشارة الى أنها لعبة عراقية لذا تتضمن أخطاء برمجية بكل تأكيد.

لا يستطيع أحد الإصرار على أن التعليم المعماري العراقي يرتقي الى مستوى متقدّم ويخلو من المشاكل بل الإشكالات الجوهرية. حتى محاولات الإصلاح الجادّة بحاجة الى جهد مستقبلي مستمر. لكن يجب أن نُنير هذا الإعتراف بقضيتين:

الأولى أن القائمين بالتعليم المعماري هم أفراد من الشعب العراقي حصراً، والثانية أنهم يعملون ضمن نظام إداري  يتّصل بالمؤسسات العراقية الأعلى (رئاسة، رئاسة وزراء، وزارات، وزارة تعليم، ...). وهنا هل نحن بحاجة للسؤال عن مدى سلامة المجتمع والنظام في العراق من المشاكل المعقدة؟

نستمر بمقارنة الظواهر والمواقف والحالات، بين ما نعيشه وبين ما نراه او نسمع عنه. ونسمع ونرى نتاجات مبهرة لأنظمة تعليم معمارية عالمية. ولكن لنحلل اولاً طبيعة المجتمعات والمؤسسات المُنتجة لأنظمة التعليم تلك.

لعل مشكلة التعليم المعماري العراقي الرئيسة والتي إستطاعت الأنظمة العالمية حلّها هي عدم التواصل بين قضايا التعليم المعماري وبين ممارسة المهنة بعد التخرج. بعبارة أخرى: الإنفصال بين الجانب الأكاديمي وسوق العمل. حيث يُجاهد الطالب لتلبية متطلبات دراسية للنجاح ليكتشف بعدها أن النجاح في العمل بحاجة الى متطلبات أخرى مختلفة تماماً.

وقبل مناقشة هذه الفجوة وعطفاً على عدم سلامة المقارنة بين الحال المحلي والعالمي، فإن التعليم المعماري العالمي يتواصل مع مهنة مُنظّمة، تخضع لقوانين صارمة وتنظم أمورها مؤسسات عريقة. أما في الحال العراقي فيجب على أقسام العمارة أن تتواصل مع غابة، البقاء فيها للأقوى وليس للأصلح.

ليس ما سبق دفاع عن التعليم العراقي، ولكن للإشارة الى عدم الإعتماد التام عليه من قبل الطالب لحل مشكلة الإنفصال عن سوق العمل، لأن للتعليم مشاكله التي يعاني منها أيضاً، وعلى الطالب أن يعتمد على نفسه للفوز بلعبة التعليم المعماري.

الآن وبعد الإنتهاء من الآنين والشكوى، هل من المستحيل على الطالب أن يعرف طبيعة تلك الفجوة المعرفية ويحاول العمل على ردمها؟

لنعود الى اللعبة الالكترونية، نعرف أننا سنحصل على شهادة لممارسة مهنة العمارة، ونعرف أن لمهنة العمارة تخصصات متعددة ومتنوعة، تلك التخصصات قد ترتبط بالعمارة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وعلى الطالب المُدرِك أن يجمع في سنوات الدراسة الخمس مفاتيح أبواب تلك التخصصات، لتكون له إمكانية فتحها بعد التخرج وتجريبها، ثم إمكانية وحرية إنتقاء ما يناسبه منها، وليس القبول بباب واحد فقط لانه لا يملك مفتاح باب غيره.

المفتاح الأول هو مفتاح التفوق الدراسي والحصول على معدل مرتفع وترتيب متقدم، سيفتح له بوابات الحصول على تعيين في مؤسسات الدولة والدراسة العليا داخل العراق وإحتمالية الحصول على بعثة للدراسة في الخارج أيضاً.

المفتاح الثاني هو المعرفة النظرية بالعمارة عن طريق فهم ماهي هذه المهنة تحديداً وما أهدافها وكيف تطورت عبر الازمنة والحضارات.

المفتاح الثالث هو المعرفة التكنولوجية باستغلال الوقت بتعلّم أساسيات الأدوات والبرامج الحاسوبية المستخدمة في مهنة العمارة.

لكن هل الحصول على تلك المفاتيح ينحصر في سنوات الدراسة؟ ألا يمكننا الحصول عليها بعد التخرج؟ والإجابة دائماً هي أن ما نحصل عليه من معرفة في تلك السنوات يمثل القاعدة الأساس لما سنتعلمه مستقبلاً، فنتيجة للالتزام بمتطلبات العمل ومتطلبات تأسيس عائلة وغيرها يصبح الوقت المتوفر للحصول على المعارف أقل بكثير من الوقت المتوفر أثناء التفرغ الدراسي.

وهنا أنا أعرف ما يفكر به القارئ، ماهو الجديد؟ نحن نعرف ضرورة تلك المعارف ومجبرين على تعلّمها لأننا لا نستطيع النجاح من دونِها، قراءة المواد الدراسية وتعلم البرامج لاستخدامها بالتصميم، ما الجديد في الامر؟

نعم هذه المفاتيح تتلائم مع قواعد النجاح في دراسة العمارة، أي القواعد المستخدمة من قبل الأساتذة في تمييز الطالب المتفوق عن غيره، وهي أيضاً تتلائم مع قواعد سوق العمل، فالمعمار المثقف هو افضل بالتأكيد من المعمار السطحي، وإستخدام البرامج هو أساس الحصول على أي فرصة عمل. ولكن هنالك مفاتيح لا تفتح الأبواب الأكاديمية وإنما أبواب المهنة الصعبة.

مفتاح المعرفة العملية، أو لنقول مفتاح (تركيب المباني). نصمم عشرات الأعمال خلال الدراسة ولكن لا يُفترض بها أن تتحقق على أرض الواقع لذا لا نهتم كثيراً بكيفية تنفيذها، طبيعة المواد المستخدمة، أساليب التنفيذ، التقنيات وأخيراً كلفة التنفيذ المقدّسة. وبعد التخرج يفترض بأي تصميم نعمل عليه أن يُنفذ على أرض الواقع، لذا يجب علينا أن نمتلك الخبرة في كيفيه تنفيذه وكم سيكلف من أموال العملاء.

هل يغذينا التعليم المعماري بقدر كافي من تلك المعرفة العملية؟ لا أعتقد. هل الحصول عليها من قبل الطالب عسير وصعب التحقيق؟ لا أعتقد ايضاً. في مرحلة أولية يمكننا متابعة الكثير من قنوات موقع (YouTube) لمهندسين إنشائيين محترمين من العراق (لأنهم يتحدثون عن نفس وسائل التنفيذ الشائعة في العراق) ومن خارج العراق (لمعرفة الوسائل الجديدة والمتقدمة)، وأذكر منهم هنا من أتابعه كقناة المهندس فرقان الحلو، والمهندس عبد الغني الجُند. ثم هنالك قنوات للحرفيين غير الاكاديميين، والهدف من المتابعة هنا هو التعرف على واقع المهنة عند غير المهندسين، أساليبهم، مسمياتهم، أخطائهم وما يبثونه في المجتمع من أفكار مغلوطة.

بعد هذا المرحلة هنالك مرحلة متقدمة يجب أن يحققها الطالب بعلاقاته العائلية او الشخصية بزيارة مواقع العمل ومشاهدة مواد التنفيذ والإساليب وكافة تفاصيل سوق البناء في العراق.

يقترب من مادة تركيب المباني ومعارفها مواد عملية أخرى كالتخمين والمواصفات لحساب كميات المواد المستخدمة وبالتالي والأهم كلفها التخمينية ثم ممارسة المهنة وقوانين البناء في العراق، دراسة الخدمات كالتأسيسات الصحية والميكانيكية والذي يوفر (YouTube) قنوات عراقية لفنيين لا يبخلون بتوفير تلك المعارف ولو بصورة عامة غير تفصيلية.

التعليم المعماري مقصّر في توفير المعرفة العملية بالتأكيد، ولكننا نستطيع التحرر من ذلك التقصير والعمل بأنفسنا للحصول على مفتاح باب النجاح في التصميم العملي والإشراف وتنفيذ المباني بمختلف أنواعها.

هل يتطلب سوق العمل العراقي معارف أخرى غير المعرفة العملية التنفيذية؟

ليس كثيراً، وهذه هو التقصير من جانب سوق العمل تجاه التعليم المعماري. لان التعليم يعتمد على برامج أكاديمية تنطلق من الفلسفة والجمال والبيئة، لذا فان الكثير من المواد الدراسية تصبح بلا قيمة تطبيقية في سوق العمل، علم لا ينفع! ولكن هل يُلام التعليم على تدني مستوى المهنة الغابوية؟

نصل الى مفاتيح المهارات الناعمة للمعمار، وهي التي شاع الحديث عنها حالياً وتتوفر لإكتسابها كورسات متنوعة تقترب من التنمية البشرية كثيراً.

بناء شبكة علاقات ودّية واسعة قدر الإمكان، لان تلك العلاقات سوف تخلق فرص عمل مستقبلية. فعندما يكون أحد الزملاء بحاجة لمن يشاركه أو يساعده بعمل ما فانه سيستعين بمن يميل اليه ويتلائم معه سابقاً ومستقبلاً.

ثم نأتي الى أن الذكاء الفكري او العقلي ليس كافياً للنجاح، وإنما ذكاء التكيّف والذكاء العاطفي والذكاء الإجتماعي. ونستطيع معرفة تفاصيل كل نوع وإكتساب ما لا نملكه من أنواع الذكاء تلك.

مفتاح الالتزام بالمبادئ الاخلاقية والمهنية والصدق وغيرها من الصفات التي تجعل المعمار محل ثقة من قبل الآخرين فيطمحون للعمل معه والإستمرار وليس الإنقطاع بعد تجربة واحدة مريرة.

مفتاح القباحة وعدم الخجل من المطالبة بالحق والإبتعاد عن الشخصيات السامّة وهو ما يندرج ضمن تفصيلات الذكاء الاجتماعي الكثيرة.

ويمكن أن نصل الى تلخيص وصفة المفاتيح التي يجب الحصول عليها في لعبة دراسة العمارة للنجاح في ممارستها مستقبلاً:

-مفتاح التفوق الأكاديمي.

-مفتاح المعرفة العملية بمختلف أنواعها.

-مفاتيح ذكاء التكيف والذكاء العاطفي والإجتماعي.

-مفاتيح العلاقات والإلتزام بالمبادئ الأخلاقية والمهنية.

-مفاتيح القباحة وعدم الخجل من المستغلّين الجشعين.

كل ذلك زيادة على حلقة مليئة بمفاتيح الكلاوات العراقية، فالواقع أن كثير من فرص النجاح تعتمد على الكلاوات بمعناها الشائع الذي يستحق الدراسة في وقت قادم، ويجب معرفة أن استاذ العمارة قد يكون غير مختص ولا ماهر بتلك الكلاوات لذا لن يستطيع تعليمها، ففاقد الشئ لا يعطيه.

يُضرَب المثل أخيراً على عدم أهمية التفوق في دراسة العمارة بنجاح من كان يستقر في ذيل ترتيب قائمة التفوق بين زملائه، ليصبح ذو شأن وأعمال كثيرة، والواقع أنه قد يمتلك مفاتيح غير مفتاح التفوق الأكاديمي. أما المتفوق أكاديمياً فقد يفتقد للكثير من المفاتيح الضرورية الأخرى.