السبت، 21 مارس 2020

المأزق الحاسوبي


المأزق الحاسوبي

من مظاهر التفكير ومن ثم السلوك العلمي هو التشخيص والاعتراف بالمشاكل التي يعانيها المجتمع بصورة عامة او مجتمع العمل او الدراسة، ومن ثم بذل الجهد في دراستها ومحاولة ايجاد الحلول لها بدلاً عن المكابرة ومحاولة اخفاء مؤشرات تلك المشاكل ونتائجها.

نعيش يومياً علاقة مع التكنولوجيا متمثلة باجهزتنا (الذكية)، وتصبح تلك العلاقة متخصصة عندما نستخدم نفس الاجهزة في دراسة وممارسة مهنة العمارة. ثم نناقش دائماً طبيعة التوجهات الاكاديمية في تنظيم تلك العلاقة. وليعترف الجميع بانها علاقة حتمية لا مفر منها، سواء اقتربت او ابتعدت اياماً معدودات.

يدل مصطلح (مأزق) في اللغة العربية على المكان الضيّق، وعلى الموقف الصعب الذي نحاول الخروج منه. ومن المواقف الصعبة في علاقتنا بالتكنولوجيا معمارياً هو عندما تكون سبباً في تقييد او تحديد ابداعية النتاج المعماري.
هل من الممكن ذلك؟
عند العمل على مشروع معين يفكر المعمار او طالب العمارة ويتخيل شكل معماري معين، وهو بالتاكيد نابع من مصدر الهام او فكرة معمارية خاصة بالمشروع. وهنا يضيق مسار العملية التصميمية عندما لا يعرف المعمار او طالب العمارة في مراحله الاولى غالباً كيف ينفذ ذلك الشكل الذي يتخيله ببرامج التصميم والاظهار الحاسوبية.

هنالك عدّة سيناريوهات لما سيحصل بعدها.
وما يهمنا هنا هو السيناريو السلبي: ان يتخلى المعمار او الطالب عن ذلك الشكل في تصميمه ويستبدله بشكل آخر قد يكون اقل جمالاً او تعبيراً عن الفكرة لانه ممكن التنفيذ بامكانياته في البرامج التي يستخدمها.

لو استبعدنا سبب المأزق وهو جهاز الكومبيوتر (الحاسوب) فكيف سيكون السيناريو المفترض؟
سيتخيل طالب العمارة الشكل المطلوب اولاً ثم سيقوم بتخطيطه يدوياً على الورق (Sketching)، قد يلجأ الى صناعة موديل اولي (Sketch Model)، ولكن لا تزال المرحلة الاهم: رسم ذلك الشكل هندسياً وبقياسات محددة.
وهنا قد يلجأ الى مبادئ الهندسة الوصفية في كيفية تجسيد ذلك الشكل ببعدين فقط، ومن ثم يلجأ الى قواعد رسم المنظور الهندسي بانواعه المتعددة لتجسيده بثلاثة ابعاد.
ومع كل ذلك الجهد العظيم فهو لن يستطيع ايضاً تجسيد ذلك الشكل حاسوبياً في موقف مستقبلي حتمي!

كيف سنخرج من ذلك الموقف بوجود الكومبيوتر اذاً؟
بعد ان يتم تخيل الشكل فمن المهم القيام بنفس الخطوة الاولى وهي تخطيط الشكل يدوياً (Sketch)، ولا اعتقد ان هنالك احداً يستطيع ان يقلل من اهمية هذه الخطوة وهي تمثل المنطقة الآمنة لافكار المعمار. وقد يقوم بصناعة موديل اولي ايضاً لادراك الشكل، ثم نأتي للمراحل الفارقة، على المعمار ان يتعلم القواعد الاساسية لعدد من البرامج الحاسوبية، وهي حسب تصنيفها برامج للرسم ثنائي الابعاد، وثلاثي الابعاد واظهار وغيرها. وعليه ان يتعلم مهارة مهمة جداً وهي: كيفية ايجاد المعلومات التي يحتاجها على شبكة الانترنت ومحرك البحث (Google) تحديداً ومن ثم المواقع الاخرى كـ(YouTube) والمنتديات المعمارية المتخصصة.
سوف يبحث عن الطريقة الخاصة بانشاء الشكل الذي يتخيله. ثم يقوم بتنفيذه والسلام.
هل هي طريقة سهلة؟
كلا بالتأكيد.

هي طريقة للشجعان الباحثين عن التحديات للانتصار عليها والنجاح في المستقبل.
ولاتنفع الطالب الذي يريد الحصول على درجة النجاح فقط، او المعمار الذي يريد الحصول على اجوره فقط.
علماً اننا قد نمر بهذا المأزق بصورة اقل جداً في ممارسة العمارة على المستوى المحلي (العراقي)، لان امكانيات التنفيذ المحلية هي سهلة التنفيذ على تلك البرامج. وقد يستمر التحدي في عملية اظهار تلك الاشكال وابهار العملاء بها.

 النجاح في العلاقة مع الكومبيوتر معمارياً يعتمد على الشغف والفضول وعلى مهارة التعلّم الذاتي المستمر (التعلم مدى الحياة). فليس من المناسب الاعتماد كلياً على المحاضرات الدراسية المنهجية لتلك البرامج الحاسوبية، نتيجة لضيق الوقت وكثرة عدد الطلبة والمتطلبات الادارية الكثيرة. وانما على الطالب او المعمار الاعتماد على نفسه في عالم تتوفر فيه اغلب المعلومات مجاناً.

لن نستطيع التوقف عن الركض خلف التكنولوجيا سريعة التطور، وكلما بدأنا بالركض مبكراً سنكتشف صعوبات مضمار السباق مبكراً ونعمل على تجاوزها لنسبق الآخرين.










السبت، 14 مارس 2020

اسطورة الممر الجانبي والباب المائل


اسطورة الممر الجانبي والباب المائل

ما الذي يدفع مواطن اشترى قطعة ارض مساحة 100 متر (5X20) بشق الانفس للذهاب الى المعمار ليصممها له؟
وهو يستطيع ان يكتب على محرك البحث Google (خارطة بيت 100 متر 5X20) لتظهر امامه 2.160.000 نتيجة للبحث.

في عالم موازي فان الاجابة هي: تطبيق القانون، فالقانون هو من يدفع كل انسان للذهاب الى المعمار اذا اراد ان يبني اي منشأ او مبنى. ولكن في عالمنا لا يمكن اعتماد هذه الاجابة وليس هنالك امل قريب بعودة تطبيق القوانين المجمّدة.

هل هنالك طرق اخرى؟

يجب اولاً دراسة الحالة، وهي في الواقع حالة معقدة ومتشابكة.

تبدأ القصة مع ازمة السكن، وذلك بتكوين عوائل جديدة وهي حالة طبيعية لنمو المجتمع في مقابل عدم امكانية الحصول على مسكن جديد وملائم بطرق مدعومة من الجهات المسؤولة. مما يدفع رب العائلة الى جمع اقصى ما يستطيع من اموال لشراء قطعة ارض تلائم امكانياته المتواضعة وهي السبب (امكانياته) الذي دفعنا باتجاه قطع الاراضي (5x20) المقسمة عن قطع اراضي اوسع وبيوت قديمة تم هدمها. فـ(المساحة الضيقة ونسبتها الطولية) هي بطل القصة الاول، ثم يأتي دور (قلّة الامكانية المادية) لصاحب الارض فلا يفكر بالتأكيد للذهاب الى معمار واعطاءه اجور تصميم على ورق في مقابل تصاميم مجانية يجدها على الشبكة او لدى المقاول او يضعها هو نفسه بعد الاطلاع على بيوت ومخططات اخرى. ويأتي بعدها دور (الخبرة الهندسية المتواضعة للمقاول) فصاحب البيت سوف يبحث عن التنفيذ بارخص الاسعار وهو ما لا يسمح له بالذهاب الى المكاتب الهندسية التي قد تبالغ بارباح التنفيذ، ويبحث عن مقاول ينفذ له بارخص الاسعار او يشرف هو بنفسه على التنفيذ وبالتالي فان الخبرة الهندسية المتواضعة او غير المتوفرة لمن سينفذ بناء هذا النوع من قطع الاراضي هي البطل الثالث. والبطل الاخير هو (طبيعة الحياة الاجتماعية)، اي (العادات والتقاليد اذا صح التعبير) والتي تتطلب قرارات معينة مثل فصل الضيوف عن اصحاب البيت، واضافة حمام خارجي لهم او حتى العزل التام لغرفة النوم عن بقية اجزاء المنزل.

تلك الرباعية (المساحة الضيقة ونسبتها الطولية، قلة الامكانات المادية، الخبرة الهندسية المتواضعة للمقاول وطبيعة الحياة الاجتماعية) هي السبب في طبيعة التصاميم الحالية لمساحات (5x20).

والآن ماذا لو قال المعمار لصاحب قطعة الارض بانه سيقوم بتصميم البيت له مجاناً؟!

ماذا لو قال له ان التصميم الذي سيقدمه له يختصر كثيراً من كلف التنفيذ؟

ماذا لو قال له بانه سيشرف على جودة بناء التصميم بكلفة مقبولة؟

فالقضية هي قانونية اولاً ومن ثم مادية، وثقافية ثالثاً:
فهنالك اعتقاد لدى افراد الشعب العراقي بانهم لا يقلون خبرة عن المهندسين المعماريين، وهنالك رأي شائع  او قناعة بان ذلك النوع من قطع الاراضي (5x20) لا يحتمل الكثير من الخيارات التصميمية فهو يتالف من غرفة ضيوف في المقدمة ثم معيشة ومطبخ وثمة غرفة نوم في المؤخرة مع المناورة والتغيير في التفاصيل فقط.

وتلك قناعة خاطئة بالتأكيد، ولكنها محكومة بالرباعية السابقة. واي خيار تصميمي جديد هو بحاجة لتهديم احد اركانها.

ما ارغب بمناقشته هنا هو تفصيل متكرر بل غالب على التصاميم الشعبية او المعمارية لتلك القطع وهو ان تقسم واجهة المنزل الى غرفة ضيوف ومن ثم ممر معزول بعرض (1) متر او اقل ينفذ الى داخل البيت، على ان تكون بوابة غرفة الضيوف مائلة بزاوية باتجاه باب السياج الخارجي.




هل نستطيع ان نستغني عن ذلك الممر ويصبح عرض قطعة الارض باكمله هو لغرفة الضيوف بدلاً عن اقتطاع ذلك المتر المقدّس؟

وهل من الممكن ان تكون باب غرفة الضيوف على احد الضلعين المتعامدين باتجاه الواجهة او باتجاه متعامد معها؟

لنحاول معرفة اسباب القرارين اولاً.
للممر الجانبي اغراض ترتبط بطبيعة الحياة الاجتماعية، فنحن لا نريد من الضيوف الاطلاع سوى على مايوجد ويحدث في غرفة الضيوف فقط. لا نريدهم ان يشاهدوا من يخرج ويدخل الى البيت اثناء وجودهم ولا ما يحمله الخارجون والداخلون. ولذلك فنحن نضحي بـ(6) امتار مربعة تقريبا مع سمك الجدار الفاصل بين الممر وغرفة الضيوف.
قد يكون هنالك سبب آخر وهو عدم الرغبة بمرور الحركة اليومية للساكنين على غرفة الضيوف النظيفة والمرتبة لاستقبالهم.

وهنا يجب ان تبدأ عملية التهديم، لماذا لا يجب على الضيوف رؤية ما يحدث بذلك الممر السري؟ ليشاهدوا الابناء والبنات والنساء وما يحملونه من بضائع، و يتشوقون عندما يرون السمك والدجاج الذي تم طلبه لغدائهم او عشائهم.
تلك الرؤية او المعرفة في مقابل غرفة ضيوف اوسع واجمل واكثر راحة.
اما عن مشكلة الحركة اليومية فمن الممكن عزلها بواسطة الاثاث او اي قواطع قليلة السمك بدلاً عن  الجدار الطابوقي العظيم.

الباب المائل؟
انقل لكم ما يقوله احد المقاولين عندما يستعرض احد البيوت التي نفذها وقد يكون صممها ايضاً على قناته بموقع youtube: "هنا ما سوينا تيبر (Taper) ابو البيت ما قبل، كال اريد الباب عدل، احنة دائماً نسوي الباب تيبر علمود الجمالية، ابو البيت كال لا اريده عدل".
قد تكون هنالك اسباب اخرى ولكن نعرف من هذه العينة ان القضية جمالية.


من قال ان الباب المائل اجمل من (العدل)؟

 الواقع في حال الارتداد القليل عن السياج الخارجي فان الباب المائل يوفر مساحة بصرية وحركية اكبر للـ(طرمة)، ولكن ذلك على حساب المساحة الداخلية لغرفة الضيوف، لان المساحة التي تستهلكها حركة الباب ولا يمكن تأثيثها هي اكبر في حال الباب المائلة عن الباب الـ(عدل).
زيادة على عدم الملائمة البصرية والحركية للباب عندما تفتح لتقف في وسط الفضاء ومن دون جدار جانبي تصطف بجانبه.

لا اعرف ماذا يمكن ان نهدّم لنجعل الناس يعيدون التفكير بالباب المائل ولكن من الممكن ان نقوم بتأثيت غرفة الضيوف ونريهم ان الباب سيعيق عملية التأثيث في فضاء هو صغير مقدماً.

واخيراً فجميعنا يستخدم موقع او تطبيق Pintrest ونستطيع البحث مثلاً عن (Tiny Houses) مع اضافة (Design Or Plan) ونشاهد الحلول التصميمية التي يفكر بها العالم لذلك النوع من المساحات.


آه... تذكرت، انها لا تلائم عاداتنا وتقاليدنا!

اذن من رباعية (المساحة الضيقة ونسبتها الطولية، قلة الامكانات المادية، الخبرة الهندسية المتواضعة للمقاول وطبيعة الحياة الاجتماعية) لنغير طبيعة حياتنا الاجتماعية فهي تحت سلطتنا وليست بحاجة الى المال لتغييرها.

آه... تذكرت ايضاً، قد يكون تغيير الانسان هو اصعب انواع التغيير في العالم!









الاثنين، 9 مارس 2020

اسطورة البيت الركن


اسطورة البيت الركن

لانني اعيش في بيت ركن منذ عشر سنوات تقريباً، اثارني تشبيه السرير مع مأخذ كهرباء مجاور لشحن الموبايل بـ" بيت ركن بالمنصور".

لن نناقش تميّز المنصور عن بقية احياء مدينة بغداد، ولكننا سنحاول اكتشاف اسباب تميز البيت الركن عن بقية البيوت. وهل هو تميّز واقعي ام زائف؟

لنقرأ اولاً ما يجيب به المعمار الامريكي Steve Ramos عن سؤال:
Why corner buildings are important?
في مدونته Building Are Cool.

يعتقد ستيف انها مهمة في تخطيط المدينة لعدّة اسباب:
- بسبب اهمية موقعها وهو موقع تقاطع شارعين، وهو الموقع الذي يكثر فيه اجتماع الناس.
-الابنية الركن هي الابنية الاكثر وضوحاً او الابرز بصرياً، فالابنية الاخرى تتألف من واجهة واحدة وبقية الاضلاع ملتصقة بالابنية المجاورة لها. اما هي فلها واجهتين يبصرها سالكي الشوارع المجاورة.
- الابنية الركن وكأنها تقول (Look At Me)!

وبعد ان يرشدنا لعدد من مبادئ تصميم تلك المباني يسألنا: هل اقتنعنا بتلك الاسباب؟ 



لننتظر قليلاً قبل ان الاجابة، ونقرأ مقالين للمعمارية Hilary Barlow لموقع payette.com الممتع.

الاولى: An Architectural History of the Corner “Problem”

والثانية: The Corner in Contemporary Practice

في المقالة الاولى تستكشف هيلاري كيف عالج المعماريون مشكلة الركن على مر الحقب والعمائر الانسانية، وهي تخبرنا انها مشكلة ذات جذور تاريخية عميقة وبدأت حلولها لاهداف شكلية اولاً ثم تدرجت لتصبح حلولاً مرتبطة بالفضاءات الخارجية والداخلية ومن ثم حلولاً اجتماعية. ومن ثم تبدأ باستعراض تلك الحلول بداية من العمارة اليونانية والرومانية، مروراً بفرانك لويت رايت وريم كولهاس ونهاية بالعمارة المعاصرة.

ثم تناقش في المقالة الثانية مشكلة الركن او الزاوية في المشاريع المعاصرة تفصيلاً وكيف تغيرت طريقة التعامل معها من قبل المصممين المعماريين.


لننتبه بعدها في القراءات الثلاثة الى ان التعامل مع او مناقشة الركن يتم من الناحية البصرية، اي كيف نصمم منطقة الركن في التكوين المعماري، العناصر المعمارية المستخدمة والعلاقات بينها والمبادئ التصميمية في زوايا المبنى والعلاقة مع الفضاء الخارجي او الداخلي. وبالتالي كيف يدرك المشاهد او المتلقي تلك القرارات المعمارية.
لذا فان تميز البيت الركن هو تميز بصري، فهو ذو موقع مرئي لعدد كبير من الناس اولاً ومن ثم هو يمتلك واجهتين تمثلان مساحة او لوحة واسعة لاظهار الجهد التصميمي في التكوين وتحقيق الجمال المعماري وبتوجهات متنوعة.

ثم نفكر، هل هذه هي وظيفة البيت الوحيدة؟ استعراض المالك لجمال منزله.
هو سؤال استنكاري بالتأكيد، فهنالك قضية الراحة بانواعها، الراحة الوظيفية (راحة الاستخدام) والراحة الحرارية وحتى النفسية.

ونتيجة للتجربة فان تحقيق الراحة الحرارية هو الاكثر تحدياً عند تصميم البيت الركن.
جميعنا نعيش سنوياً الجحيم الصيفي. واغلبنا يعلم ان المصدر الرئيس لدخول الحرارة الى البيت هي سطحهُ وواجهاته المكشوفة.
فضلع كتلة البيت الملتصق بكتلة البناء المجاور هو محمي من دخول الحرارة، فعلى الجانبين فضاءات مبردة، وبذلك فان درجات الحرارة متقاربة بين طرفي الجدران ولا يحدث الانتقال الحراري.
اما الواجهتين المكشوفة للشارع في البيت الركن فهي اساس المصائب، حيث تكتسب الحرارة من الاشعاع الشمسي المباشر او من حرارة الهواء التي تحاول ان تغزو جدران البيت بسبب فرق الحرارة مع الفضاءات الداخلية المبردة. والعنصر الاكثر ضعفاً في ذلك الانتقال الحراري هو المساحات الزجاجية مقارنة بالجدران الطابوقية او غيرها من مواد البناء.

تميز البيت الركن يصبح غير واقعي اذا لم يصمم من قبل معمار خبير بتحقيق الراحة الحرارية، وهنالك الكثير من المعالجات المعمارية، تقليل مساحة الشبابيك اولاً وجعل اشكالها مستطيلة عمودياً، تظليل تلك الشبابيك، زيادة سمك الجدران واستخدام المواد العازلة للحرارة، تشجير تلك الواجهات بانواع اشجار مدروسة. وكل تلك المعالجات تعتمد على معرفة توجيه كل واجهة (شرقية، جنوبية، غربية، شمالية وما بينهم)، وطبيعة حركة الشمس عليها في الصيف والشتاء.
المعرفة المعمارية الخاصة بتحقيق الراحة الحرارية متوفرة في الكثير من المصادر المعمارية وتدرس في مراحل البكالوريوس ويتم التركيز عليها في دراسة الماجستير غالباً.

لذا انا متأكد من ان البيت الركن المصمم من قبل (غير المعماريين او من طالب عمارة لم يطلّع على تلك المعرفة او من معمار غير كفوء) سيصبح من ازعج انواع البيوت في العالم.
هو بيت حار قاتل صيفاً واذا تم الاعتماد في تبريده على اجهزة التبريد الميكانيكية فهو بحاجة الى مصاريف عالية للطاقة الكهربائية خاصة مع انقطاع الطاقة الوطنية باستمرار.

ثنائية المظهر والجوهر تظهر بوضوح في البيت الركن.
 هل هما منفصلان؟
فيكون البيت جميل من الخارج (اذا كان المصمم قد اعتمد المعرفة المعمارية العالمية في كيفية التعامل الشكلي مع البيت الركن) ويكون جحيم من الداخل.
ام هما وجهين لعملة واحدة ؟ 
فيحاول المصمم ان يحقق الموازنة الصعبة بين الجمال الخارجي والراحة الحرارية الداخلية وباقل مصاريف.

وفي كل الاحوال يبقى البيت الركن بحاجة لمصاريف وجهد تشغيل وادامة اكثر من البيوت المجاورة له.

وفي كل الاحوال ايضاً يبقى مرغوباً من المجتمع لاغراض استعراضية بحتة، ونادراً ما يفكر الناس بقضية الراحة الحرارية، فمن يشتريه يملك المال الكافي لشراء مولدة كبيرة ايضاً ونصبها على رصيف الشارع وتشويه جمال اي منطقة بالانبعاثات الضارة والضوضاء.









الخميس، 5 مارس 2020

دراسة العمارة بين الترهيب والترغيب


دراسة العمارة بين الترهيب والترغيب

هل سمعتم عن )المحاضرة التهجيجية(؟
أنا سمعت.
التقيت شخصياً بالدكتور (مؤمل علاء الدين) في بداية العام الحالي لأول مرة، وقد سبق اللقاء صورة متخيلة ناتجة عن جميع ما سمعته عنه.
رئيس سابق لقسم هندسة العمارة في الجامعة التكنولوجية، إيجابي ومؤثر دائماً في ذكريات الآخرين، وعلى المستوى العلمي والإداري والإنساني. 

من الذكريات التي نسمعها تلك المحاضرة الأولى التي يلقيها على الطلبة المقبولين لدراسة العمارة.
هدف المحاضرة هو تعريفهم بجميع تحديات دراسة العمارة وممارستها كمهنة مستقبلية.

يتفق الكثير على طبيعة المهارات التي يجب أن يمتلكها الطالب للنجاح في مواجهة تلك التحديات. الثقافة، التذوق الفني، المهارة اليدوية، الفضول العلمي، الصبر، مواكبة التكنولوجيا، الشخصية القيادية واخيراً الإمكانية المادية. وما يثبت صحة ما سمعته عن تلك المحاضرة لقائي بالصدفة بأحد اساتذة جامعتنا المتقاعدين في ورشة (تعزيز الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص)، قال:
-كان الدكتور مؤمل يقول للطلبة "من لا يستطيع توفير مبلغ كبير من المال لدراسة العمارة فليصرف النظر عن دراستها".
  
تبث المحاضرة رسالة صريحة وواضحة للطلبة: من لا يمتلك المهارات المطلوبة فلن يستطيع النجاح في دراسة العمارة وبالتالي هي فرصة لاستغلال الوقت المبكر من العام الدراسي والبحث عن تخصص ملائم آخر.

تلك هي المحاضرة التهجيجية.

لقد كنت مؤمناً بأهمية تلك المحاضرة حتى وقت قريب (أربع سنوات تقريباً).
بعدها قال لي الحمزة وكما كتبت سابقاً: لماذا تضعون الطالب في جو الرعب هذا وهو لم يستكشف بدقة بعد امتلاكه لتلك المهارات من عدم امتلاكها؟ (باستثاء حالته المادية التي يعرفها بالتأكيد).

لذا أصبحت المحاضرة الأولى أو المحاضرات الأولى تتضمن فعالية وتصريحين:
-فعالية قراءة ومناقشة لكتيبات وقصص تتحدث عن العمارة والتصميم بلغة بسيطة ومخططات أولية ممتعة تهدف الى إعطاء فكرة أولية عن طبيعة المهنة وبالتالي دراستها، ثم:

- التصريح الأول: من الطبيعي جداً أن نجد طالباً يرغب بدراسة العمارة وكتب اسم القسم عن سبق إصرار وترصد ثم يفشل فيه، ومن الطبيعي أيضاً أن نجد طالباً جاء به نظام القبول مرغماً الى القسم ثم ينجح في دراسته. وسبب ذلك هو ما قاله الحمزة عن عدم استكشاف الطالب بدقة لإمكانياته المؤهلة للنجاح في العمارة.

-التصريح الثاني: إن الطالب الذي يكتب قسم هندسة العمارة في استمارة القبول ولم يسأل عن طبيعة الدراسة فيه بدقة عن طريق المعماريين أنفسهم وليس غيرهم فهو يرتكب (خطيئة) قد تصل مرتبتها الى الخطيئة الثامنة بعد الغرور والجشع والشهوة والحسد والشراهة والغضب والكسل.

هل أصبحت المحاضرة الأولى أقل إثارة للفزع والتهجيج؟

نعلم جميعاً أن المشكلة الأساس هي نظام القبول في الجامعات العراقية، وأن أقسام العمارة يفترض أن تنتمي لأقسام وكليات التقديم المباشر وأن يخضع المتقدم لاختبار كفاءة يكتشف من خلاله ملائمته أو عدم ملائمته لدراسة العمارة.
وقد تغيّر نظام القبول أخيراً في الجامعة التكنولوجية وتفاءلنا خيراً بان الطالب هو أكثر رغبة بدراسة العمارة لانه سيكتب القسم ضمن عدد أقل من الخيارات.
لكن القضية المؤلمة هي أن الطلبة لا زالوا يتعاملون مع قسم العمارة كعنوان فقط دون دراية بتفاصيله، وباجراء استبيان سريع للطلبة هذا العام، فان الاغلب قد استقى معلوماته عن القسم من أشخاص ليسوا بمعماريين حتى، وهو تقصير وخطيئة من قبلهم بالتأكيد، وليس تقصير نظام القبول فقط.

لنتخيل أن يكون جميع الطلبة المقبولين في القسم على دراية واضحة بطبيعة الدراسة ويمتلكون نسبة عالية من المؤهلات المطلوبة.

هل تخيلتم؟

أما في الواقع البعيد عن الخيال فيمكن تصنيف الطلبة الى ثلاث مجموعات:
-طلبة يعرفون العمارة ويمتلكون مؤهلات دراستها.
-طلبة لا يعرفون العمارة بدقة ولكنهم يجتهدون لاستكشاف وتنمية مؤهلاتها لديهم.
-طلبة لا يعرفون العمارة ولا يمتلكون مؤهلاتها ولا يجتهدون لاكتسابها، أو أن قابلياتهم تعجز عن قدرة اكتساب تلك المهارات.


واعتقد أن استمرار الفئة الاخيرة هو نوع من العبث وليس له بالتفكير العلمي أي صلة.