اسطورة
الممر الجانبي والباب المائل
ما الذي يدفع مواطن اشترى قطعة ارض مساحة 100 متر (5X20) بشق
الانفس للذهاب الى المعمار ليصممها له؟
وهو يستطيع ان يكتب على محرك البحث Google (خارطة بيت
100 متر 5X20) لتظهر امامه 2.160.000 نتيجة للبحث.
في عالم موازي فان الاجابة هي: تطبيق القانون، فالقانون هو من يدفع كل
انسان للذهاب الى المعمار اذا اراد ان يبني اي منشأ او مبنى. ولكن في عالمنا لا
يمكن اعتماد هذه الاجابة وليس هنالك امل قريب بعودة تطبيق القوانين المجمّدة.
هل هنالك طرق اخرى؟
يجب اولاً دراسة الحالة، وهي في الواقع حالة معقدة ومتشابكة.
تبدأ القصة مع ازمة السكن، وذلك بتكوين عوائل جديدة وهي حالة طبيعية لنمو
المجتمع في مقابل عدم امكانية الحصول على مسكن جديد وملائم بطرق مدعومة من الجهات
المسؤولة. مما يدفع رب العائلة الى جمع اقصى ما يستطيع من اموال لشراء قطعة ارض
تلائم امكانياته المتواضعة وهي السبب (امكانياته) الذي دفعنا باتجاه قطع الاراضي
(5x20) المقسمة عن قطع اراضي اوسع وبيوت قديمة تم هدمها. فـ(المساحة
الضيقة ونسبتها الطولية) هي بطل القصة الاول، ثم يأتي دور (قلّة الامكانية
المادية) لصاحب الارض فلا يفكر بالتأكيد للذهاب الى معمار واعطاءه اجور تصميم على
ورق في مقابل تصاميم مجانية يجدها على الشبكة او لدى المقاول او يضعها هو نفسه بعد
الاطلاع على بيوت ومخططات اخرى. ويأتي بعدها دور (الخبرة الهندسية المتواضعة
للمقاول) فصاحب البيت سوف يبحث عن التنفيذ بارخص الاسعار وهو ما لا يسمح له
بالذهاب الى المكاتب الهندسية التي قد تبالغ بارباح التنفيذ، ويبحث عن مقاول ينفذ له بارخص الاسعار او يشرف هو بنفسه على التنفيذ
وبالتالي فان الخبرة الهندسية المتواضعة او غير المتوفرة لمن سينفذ بناء هذا النوع
من قطع الاراضي هي البطل الثالث. والبطل الاخير هو (طبيعة الحياة الاجتماعية)، اي
(العادات والتقاليد اذا صح التعبير) والتي تتطلب قرارات معينة مثل فصل الضيوف عن
اصحاب البيت، واضافة حمام خارجي لهم او حتى العزل التام لغرفة النوم عن بقية اجزاء
المنزل.
تلك الرباعية (المساحة الضيقة ونسبتها الطولية، قلة الامكانات المادية،
الخبرة الهندسية المتواضعة للمقاول وطبيعة الحياة الاجتماعية) هي السبب في طبيعة
التصاميم الحالية لمساحات (5x20).
والآن ماذا لو قال المعمار لصاحب قطعة الارض بانه سيقوم بتصميم البيت له
مجاناً؟!
ماذا لو قال له ان التصميم الذي سيقدمه له يختصر كثيراً من كلف التنفيذ؟
ماذا لو قال له بانه سيشرف على جودة بناء التصميم بكلفة مقبولة؟
فالقضية هي قانونية اولاً ومن ثم مادية، وثقافية ثالثاً:
فهنالك اعتقاد لدى افراد الشعب العراقي بانهم لا يقلون خبرة عن المهندسين
المعماريين، وهنالك رأي شائع او قناعة بان ذلك النوع من قطع الاراضي (5x20) لا يحتمل
الكثير من الخيارات التصميمية فهو يتالف من غرفة ضيوف في المقدمة ثم معيشة ومطبخ
وثمة غرفة نوم في المؤخرة مع المناورة والتغيير في التفاصيل فقط.
وتلك قناعة خاطئة بالتأكيد، ولكنها محكومة بالرباعية السابقة. واي خيار
تصميمي جديد هو بحاجة لتهديم احد اركانها.
ما ارغب بمناقشته هنا هو تفصيل متكرر بل غالب على التصاميم الشعبية او
المعمارية لتلك القطع وهو ان تقسم واجهة المنزل الى غرفة ضيوف ومن ثم ممر معزول
بعرض (1) متر او اقل ينفذ الى داخل البيت، على ان تكون بوابة غرفة الضيوف مائلة
بزاوية باتجاه باب السياج الخارجي.
هل نستطيع ان نستغني عن ذلك الممر ويصبح عرض قطعة الارض باكمله هو لغرفة
الضيوف بدلاً عن اقتطاع ذلك المتر المقدّس؟
وهل من الممكن ان تكون باب غرفة الضيوف على احد الضلعين المتعامدين باتجاه
الواجهة او باتجاه متعامد معها؟
لنحاول معرفة اسباب القرارين اولاً.
للممر الجانبي اغراض ترتبط بطبيعة الحياة الاجتماعية، فنحن لا نريد من
الضيوف الاطلاع سوى على مايوجد ويحدث في غرفة الضيوف فقط. لا نريدهم ان يشاهدوا من
يخرج ويدخل الى البيت اثناء وجودهم ولا ما يحمله الخارجون والداخلون. ولذلك فنحن
نضحي بـ(6) امتار مربعة تقريبا مع سمك الجدار الفاصل بين الممر وغرفة الضيوف.
قد يكون هنالك سبب آخر وهو عدم الرغبة بمرور الحركة اليومية للساكنين على
غرفة الضيوف النظيفة والمرتبة لاستقبالهم.
وهنا يجب ان تبدأ عملية التهديم، لماذا لا يجب على الضيوف رؤية ما يحدث
بذلك الممر السري؟ ليشاهدوا الابناء والبنات والنساء وما يحملونه من بضائع، و
يتشوقون عندما يرون السمك والدجاج الذي تم طلبه لغدائهم او عشائهم.
تلك الرؤية او المعرفة في مقابل غرفة ضيوف اوسع واجمل واكثر راحة.
اما عن مشكلة الحركة اليومية فمن الممكن عزلها بواسطة الاثاث او اي قواطع
قليلة السمك بدلاً عن الجدار الطابوقي
العظيم.
الباب المائل؟
انقل لكم ما يقوله احد المقاولين عندما يستعرض احد البيوت التي نفذها وقد
يكون صممها ايضاً على قناته بموقع youtube: "هنا
ما سوينا تيبر (Taper) ابو البيت
ما قبل، كال اريد الباب عدل، احنة دائماً نسوي الباب تيبر علمود الجمالية، ابو البيت
كال لا اريده عدل".
قد تكون هنالك اسباب اخرى ولكن نعرف من هذه العينة ان القضية جمالية.
من قال ان الباب المائل اجمل من (العدل)؟
الواقع في حال الارتداد القليل عن
السياج الخارجي فان الباب المائل يوفر مساحة بصرية وحركية اكبر للـ(طرمة)، ولكن
ذلك على حساب المساحة الداخلية لغرفة الضيوف، لان المساحة التي تستهلكها حركة
الباب ولا يمكن تأثيثها هي اكبر في حال الباب المائلة عن الباب الـ(عدل).
زيادة على عدم الملائمة البصرية والحركية للباب عندما تفتح لتقف في وسط
الفضاء ومن دون جدار جانبي تصطف بجانبه.
لا اعرف ماذا يمكن ان نهدّم لنجعل الناس يعيدون التفكير بالباب المائل ولكن
من الممكن ان نقوم بتأثيت غرفة الضيوف ونريهم ان الباب سيعيق عملية التأثيث في
فضاء هو صغير مقدماً.
واخيراً فجميعنا يستخدم موقع او تطبيق Pintrest ونستطيع البحث مثلاً عن (Tiny Houses) مع اضافة (Design Or Plan) ونشاهد الحلول التصميمية التي يفكر بها العالم لذلك النوع من
المساحات.
آه... تذكرت، انها لا تلائم عاداتنا وتقاليدنا!
اذن من رباعية (المساحة الضيقة ونسبتها الطولية، قلة الامكانات المادية،
الخبرة الهندسية المتواضعة للمقاول وطبيعة الحياة الاجتماعية) لنغير طبيعة حياتنا
الاجتماعية فهي تحت سلطتنا وليست بحاجة الى المال لتغييرها.
آه... تذكرت ايضاً، قد يكون تغيير الانسان هو اصعب انواع التغيير في العالم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق