الأربعاء، 22 أغسطس 2018

عبير


عبير*

لم يعتد ان ينام هكذا دون احلام، لذا عندما استيقظ هذه المرة كان راسه خالياً من اي صورة او مشهد او خوفاً من كونها حدثت في الواقع، كان يشعر بالالم فقط، الم في كل خلية من جسده يرافقه رغبة قسرية للخروج الى العمل.
 كبائع سمك تقليدي لا يعرف لماذا اصابه الغثيان من رائحة بضاعته المستلقية في عربته الخشبية، وكي لا يتقيأ فطوره الوهمي حاول ان لا يفكر بالرائحة، حاول التركيز على شي آخر، سمكة تصارع الموت بين الاسماك أمامه، قد يأتي احدهم فيشتريها ويعيدها الى النهر، كمن يفتح باب زنزانة لسجين يلفظ انفاسه الاخيرة داخلها.

-انت ايها الرجل، لماذا تريد ان تقتل حبيبتي!؟
التفت يميناً وشمالاً لا يوجد أحد!
-انت نعم انت.
ليس هنالك احد بالقرب منه، شاهد امرأة تسير وحدها في الجهة المقابلة من الشارع، طفل يتحدث لمجموعة اشخاص التفوا حوله ليتأكدوا من سلامته بعد ان كادت تسحقه احدى السيارات المارة بسرعة، رجل مسن يبيع المناديل الورقية ومن المؤكد ان جميع من احبهم قد فارقوا الحياة قبله.
انتبه لرجل يتقدم باتجاهه وهو يدفع كرسياً خالياً للمعاقين، لكنه لم يفعل شيئاً لحبيبة هذا الرجل، هو متأكد من عدم تفكيره بايذاء احد غيره.
عندما اصبح الكرسي امام عربته سمع الرجل وهو يتمتم بحنان:
-هل نشتري السمك يا أمي؟ لا تقلقي فانا استطيع ان انظفه واقليه كربة منزل ماهرة.
لعلها لم تحب رائحة السمك ايضاً! فراقبه وهو يدفع الكرسي مبتعداً، وبعد عدة خطوات اختفى رأس الرجل، ثم اختفى صدره ويديه، لم يبق سوى جذع يلاحق ذلك الكرسي.
سحب شهيقاً حتى امتلئت رئتاه، علَّ الرائحة توقظه مما يسمعه ويراه في تلك اللحظات.
اعاد النظر الى الشارع، رفرف امام العربة نورساً ثم وقف على حافتها:
-ارجوك، لم تقل لي لماذا تريد ان تقتلها؟
دعك جبينه عدة مرات ثم اجابه بارتباك:
-لقد تذكرت، أنا لست بائع سمك، انا ابيع الورود للعشاق عند الاشارات الضوئية.




* النص نتاج لاحد تمارين ورشة كتابة الرواية التي شاركت فيها مؤخراً والتي اقامها الروائي العراقي احمد سعداوي بالتعاون مع (درج: bookstore). اعتمد التمرين على العصف الذهني في اختيار الحضور لعبارات عشوائية تمثل مواقف معينة وبعد تثبيت تلك العبارات على اللوحة يتطلب التمرين ربط تلك العبارات بعلاقات او تضمينها في نص واحد مترابط في سبيل تنشيط الخيال. الخيال في تقريب تلك العبارات المتباعدة لخلق المعنى والذي يمثل الهدف من الكتابة الادبية بكافة انواعها.

العبارات التي تمثل اساس النص: