الأحد، 31 مارس 2019

ديالكتيك طالب العمارة


ديالكتيك طالب العمارة

اقول دائماً:
"لا يوجد كلام رجال في العمارة"

 فلايوجد رأي او موقف ثابت في كل الاحوال، فاغلب الآراء والقرارات المعمارية نسبية قد تتغير بالاعتماد على الحالة او سياقها.
والمرونة في الرأي والنسبية هي صفات علمية بصورة عامة، اشار اليها الدكتور علي الوردي منذ زمن بعيد كمقياس للفرق بين المتعلم والمثقف، فالمتعلم اقتنع بشئ ولا يستطيع ان يعيد النظر فيه او يتقبّل ما يغايره اما المثقف فهو من يعيد تشكيل قناعاته كلما استجدت الاحداث من حوله.
وكحاجتنا لصفة النسبية فنحن بحاجة للمنهج الجدلي في التفكير، ولكن ليس الجدل بمفهومه السلبي الشائع في ثقافتنا الشعبية، اي رد القول بقول آخر معاكس له في سبيل انتصار احد الطرفين، وانما بمفهومه الايجابي العالمي (الديالكتيك) المتمثل بوجود طرفين أو قضيتين متعارضتين وتسمى (حدين) ليهدف الجدل للوصول الى (حد ثالث) يقع بينهما ويعتمد على جزئيات من هذا الطرف وذاك، دون التفكير باي الحدود سوف ينتصر على الآخر. وواقعنا المعماري المحلي هو منبع للقضايا المتعارضة، والتالي محاولة لمراجعة الذات واستعراض جدليتين في دراسة العمارة تحديداً.



الجدلية الاولى:

نشتكي دائماً من أن اغلب الطلبة الذي يقبلون في دراسة العمارة لا يمتلكون معرفة مسبقة عن طبيعة الاختصاص او طبيعة الدراسة فيه والمهارات التي هم بحاجة اليها للنجاح والتفوق. وتكون اغلب قرارات التقديم مبنية على عنوان التخصص فقط او اعتماداً على رأي لصديق او قريب غير معماري. وبعد القبول والتسجيل يكتشفون الواقع والذي قد يلائمهم وقد لا يلائمهم في حالات كثيرة. حتى مهارات الخيال والتخطيط فان اغلب الطلبة لا يعرفون ان كانوا يمتلكونها ام لا قبل البدأ بالدراسة، ثم يبدأون باستكشاف انفسهم بعد الانخراط فيها.
ثم نطيل الحديث عن نُظم القبول العالمية في دراسة العمارة وحتى بعض النُظم العربية وكيف ان الطالب يمتلك الثقافة تجاه العمارة قبل التقديم والقبول فيها وهذا ما يمثل الحل الامثل للاستاذ والطالب سوية.

لذا فالمفترض ان الطالب الذي يمتلك تلك المعرفة المسبقة او الثقافة المعمارية الاولية لدينا، تصبح فرصهُ اعلى في النجاح والتفوق على زملائه.
 ولكن الواقع قد يثبت عدم صحة تلك الفرضية !

لا يخفى على احد الهوّة الواسعة بين المعرفة المعمارية العلمية التي تحاول المؤسسة الاكاديمية بناء الطالب المعماري على اساسها، وبين المعرفة المعمارية التجارية او الشعبية المنتشرة في البيئات التي نعيش فيها. ولسنا هنا لمناقشة اسباب الفرق بين المعرفتين لتشعبات الموضوع، ولكن الفكرة هو ان بعض الطلبة يأتي محملاً بمعرفة معمارية مشوّهة غير علمية ناتجة عن طبيعة البيئة التي اكتسبها منها. وتظهر تلك الحالة واضحة في المرحلة الاولى عن طريق البناء الجمالي لاعمال الطالب، فهو ينتج تكوينات تمتلك معالم تجارية او شعبية، ولا تخضع للاجراءات العلمية التي يعتمدها المنهج الدراسي.
ما يزيد من سلبية هذه الحالة هو عدم وجود ايمان داخلي او قناعة لدى الطالب بعدم سلامة ما يمتلكه من خزين شكلي او معرفة معمارية، فهو مقتنع بانه قد اختار دراسة العمارة لانه يمتلك خبرة مناسبة يستطيع توظيفها فيها، لذا فهو لا يستطيع بسهولة التخلي عما يمتلكه والانخراط في المنهج العلمي الاكاديمي.
الامر اشبه بضرورة اجراء عملية (Format) للبدأ من جديد بصورة سليمة.
وهنا يصبح المثل المناسب هو ان اقامة بناء معين من الصفر وعلى ارض خالية اسهل كثيراً من عملية اجراء تعديلات واصلاحات لهيكل منجز سابقاً وجعله مناسب للوظيفة الجديدة!

وبذلك تنتفي صحة مطالبنا الاولى بضرورة وجود المعرفة المعمارية المسبقة، وهذه حالة عراقية خاصة بالتأكيد ولا تنطبق في سياقات عالمية اخرى.

كيف نستطيع تحقيق (حد ثالث) بتأهيل طالب يمتلك معرفة معمارية اولية علمية صحيحة قبل دراسته للعمارة، فلمثل هذا فليعمل العاملون.

الجدلية الثانية:

نقول دائماً ان العمارة تتألف من ثنائية (الفن- العلم)، ولكن هنالك ثنائية أخرى هي (الذات- الموضوع) وقد بحثها وناقشها الكثيرين سابقاً والتي تتعلق بمصادر الاشكال المعمارية. ولكنني سأسميها هنا ثنائية (الخيال- القواعد) لارتباطها بالحالة التي اقوم بدراستها.
عندما نريد تعليم الطلبة الجدد كيفية انتاج التكوينات المعمارية الجميلة فاننا نعتمد على مجموعة من القواعد او الخطوات التي تم وضعها من قبل مصادر معتمدة علمياً، نشرح تلك القواعد ونضرب الامثلة ثم نعود لتقييم نتاجات الطلبة وفق تلك القواعد. فمن اتبعها وانتج تكويناً جميلاً فسوف ينال درجة النجاح، ومن لم يتبعها فلن ينال درجة النجاح، ومن اتبعها وانتج تكويناً غير جميل فلن ينال درجة النجاح ايضاً.
ان اتباع جميع الطلبة لتلك القواعد حرفياً سيؤدي الى انتاج تكوينات متشابهة بنسب عالية، لذا يأتي هنا دور خيال الطالب او (ذاته) المتميزة عن بقية الطلبة، لاضافة عناصر او علاقات تتحرر قليلاً من القواعد فتعطي للتكوين شخصيته المميزة وتجعله يعلق في ذهن المقيّم او المتلقي. وسنجد ان الاساتذة سوف يتقبلون هذا التميّز بل ويرحبون به في حالة كونه ايجابياً او يصب في مصلحة جمال التكوين.

ولكن ما يحصل فعلياً هو ان خوف الطلبة من الفشل او عدم نيل درجة النجاح او الرسوب بالمحصلة النهائية، يجعلهم خائفين من اضافة تلك اللمسة، هم يحاولون التقيّد بالقواعد حرفياً لعلمهم بانها طريقهم للنجاح. هذا الصراع بين الذات والموضوع او الخيال والقواعد قديم قِدَم العمارة نفسها، ولكن الجديد فيه هو تأثير الخوف من الفشل وكون درجة النجاح تصطف بجانب احد طرفي الثنائية.

يحدثنا الدكتور على الوردي في كتابه (خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة) عن (المواهب النفسية) أو (القوى النفسية الداخلية) والتي تقابل (الخيال) في حالتنا، وكيف اننا يجب ان نتحرر من التركيز والارادة للانتفاع من تلك القوى، فيقول:
"ان نابليون وغيره من اولي الفراسة الصادقة ربما فقدوا فراستهم لو أنهم استعملوا فيها الارادة والتعمد. ان صاحب المواهب النفسية يجب ان يسير على رسله في الحياة فلا يحرص او يتقصد الانتفاع من تلك المواهب، وكلما كان انبثاق قواه النفسية ارتجالياً لا تكلف فيه كان ذلك أدعى الى نجاحه وانتظام أمره".

ان خلاصة ماسبق هو وقوف فكرة الخوف من الفشل عائقاً امام استخدام خيال الطالب كخطوة اولى تجاه الابداع. لذا قد يقول قائل: ارفعوا نظام الدرجات! الم تسمعوا بنظام التعليم الفلندي؟
والذي يُطلق على مدارسه (منطقة خالية من الاختبارات):
"فالسلطات التعليمية في فنلندا غير مقتنعة بمردود سياسة الاختبارات. والتوصيف الوظيفي للمدرس الفنلندي محدد بمساعدة كل طالب لفهم المادة داخل الصف، دون ملاحقته بالامتحانات الطويلة والقصيرة والمفاجئة، أو مواسم الرعب النهائية. فإذا اطمأن الطالب في يومياته الدراسية، استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور". (نظام التعليم الفلندي: معجزة تتحدى المنطق، موقع منشور)

اقول ان ذلك صعب بل مستحيل التحقيق في دراسة العمارة في العراق، لان مادة التصميم المعماري مادة اساسية وذات تقييم مستمر وان هنالك مستويات علمية مختلفة للطلبة، هنالك الطالب المتميز والطالب المتوسط والطالب الضعيف.
فهل نرفع نظام الدرجات ويتساوى الطالب المتميز والذي يبذل جهداً متواصلاً مع الطالب الضعيف؟ هل من الممكن ان نرفع نظام الدرجات فينجح الجميع حتى الطالب الضعيف الذي سوف يصبح النجاح وبالاً عليه لانه سينتقل الى مرحلة دراسية اصعب.
حتى اذا فكرنا بتقليل عدد مرات التقييم وترك الكثير من التقاديم دون درجات لرفع الضغط عن الطالب، فستواجهنا مشكلة (التقييم المستمر)، فمن الصعوبة ان يعتمد النجاح بمادة التصميم على ثلاث او اربع درجات فقط، قد يكون الطالب لم يتوفق في اثنين منها او واجه بعض الصعوبات التي يواجههات جميع الطلبة في بعض الاحيان. لذا فالعدد الكبير من الدرجات لمادة التصميم يعطي فرصة للطالب ومصداقية للدرجة النهائية.

فيصبح حدي الجدلية الثانية هما (التشجيع على استخدام خيال الطالب) و(نظام الدرجات) وبالتالي تقييد استخدامه لقواه الداخلية.
 كيف نصل الى حد وسطي ثالث؟ لا اعلم حالياً!

ولكني اعلم ان تواصل الطلبة مع بعضهم قبل التقديم يزيد الطين بلّة، فقد كان الطالب سابقاً يجلس مع نفسه ساعات للتفكير ومن ثم يضع التصميم الذي قد يخرج عن القواعد ويمتلك شخصية خاصة، لا احد يرى التصميم حتى يأتي لتثبيته صباحاً.
 ولكن اليوم فان الطالب يضع تصميماً اولياً ثم يريه لزملائه على فيسبوك او وسيلة اخرى قبل التقديم، ليقوموا هم بتمثيل سلطة القواعد الدراسية، سوف يقتلون لديه اي اختلاف او تميّز، سيقومون بتخويفه من ان الاساتذة لم يقولوا كذا، وقد لا يسمحوا بالقرارات المتميزة التي اتخذها.
وسيؤثر رأي الطالب ذو المستوى المتواضع على ثقة الطالب المتميز بنفسه وبتصميمه.

لذا نجد كثيراً ان الطالب يرتكب خطأ معين وعندما نقوم بتصحيحه يقول:
لقد نفذته بتلك الطريقة (الصحيحة) ولكن الطلبة قالوا لي ان انفذه بهذه الطريقة (الخاطئة).

 لقد قلت سابقاً ان : العمارة ظاهرة فردية.

يجب على الطالب ان يعمل بمفرده وان يكف الطلبة عن تشارك نتاجاتهم مع بعض ليلة التقديم.

















السبت، 23 مارس 2019

تمرين عن المقياس الانساني


تمرين عن المقياس الانساني

التطور طريق حتمي تسير فيه الحضارة الانسانية، ومن يتأخر في سلوك ذلك الطريق سيكون خلف جميع من سبقهُ اليه، عندما يدرك متأخراً ان لا مفر من اتباعهم.
ومع الحوارات حول الكثير من القضايا المستحدثة، هل تصنّف كحالات تطور ام هي حالات سلبية تبعدنا عن التقدم الى الامام، تظهر حالة التطور التكنولوجي.
نظرة سريعة الى التأريخ البعيد او حتى القريب، او لتكن النظرة الى تجربتنا الشخصية مع التكنولوجيا، وتحديداً التكنولوجيا التي تثبت كفائتها في تلبية الحاجات الانسانية، سنجد انها مسألة وقت فقط لنبدأ باستخدامها. بعد الانفتاح عام 2003، الستالايتات، الهواتف النقالة، مكيفات الهواء، الانترنت، كاميرات المراقبة والاهم بالتأكيد الكومبيوترات العظيمة.
ولان كل تجاربنا الجديدة تتضمن قُصر نظر وارتكاب اخطاء المبتدئين، فمن المنطقي ان نبدأ باستخدام التكنولوجيا مبكراً ثم نوفر الوقت بعدها لاستكشافها وتجربتها وايجاد الحلول للاخطاء التي نقع بها. بهذه الطريقة سنسبق الكثير وليس الجميع ممن يستخدم تلك التكنولوجيا بعدنا.
اتذكر بدايتي مع استخدام التكنولوجيا معمارياً، من برنامج AutoCAD عام 2004 في مختبرات الجامعة ومن ثم الذهاب مساءاً الى بيت قريب لي يمتلك جهاز كومبيوتر للتطبيق، والذي يقترب سعره من سعر سيارة مستعملة حينها، لتتسارع خطواتي مع اول جهاز كومبيوتر Pentium 4 اقتنيته وتعلّمي للبرامج الاساسية وصولاً الى حالة الدهشة الاخيرة وانا اتعلم برنامج Rhino  وملحقه Grasshopper الذي يمثل بوابة للتصميم البارامتري المعاصر.
تسير رحلتي مع البرامج المعمارية مع التصنيف الذي يُذكر دائماً لتلك البرامج، فبعضها مخصص لتنفيذ مخططات ومناظير التصميم المعماري فقط، والمعاصر منها مخصص للتصميم ثم للتنفيذ، فالمشاريع المبهرة التي نشاهدها يومياً على الشبكة لايمكن تصميمها دون وجود الكومبيوتر ولا يمكن تنفيذها حتى دون وجوده، فالعمارة المعاصرة تعتمد على الكومبيوتر كلياً.
ولان هذا الطريق حتمي وسيثبت المستقبل ذلك وجب علينا استخدام الكومبيوتر مبكراً في دراسة العمارة وممارستها لاحقاً، مع الادراك التام للسلبيات والاخطاء التي نقع بها كمبدئين، وتشخيصها ومحاولات حلها بعقل علمي منفتح.

من المآخذ التي قد تؤشر على استخدام طلبة العمارة للكومبيوتر في مشاريعهم الدراسية هي عدم تقديرهم لمقياس ما يقومون بتصميمه (وسيتم مناقشة المآخذ الاخرى ومحاولات حلها في تدوينات قادمة). مع العلم ان ذلك لم يثبت بدراسة علمية معتمدة وانما عن طريق ملاحظة ومناقشة الطلبة ونتاجاتهم. ويعزي اصحاب هذا الرأي السبب الى عدم ثبات مقياس الكتلة او المخطط على الشاشة كما يثبت على الورق وانما هو في حالة تغير مستمر بالاقتراب والابتعاد عنه في شاشة العمل.
وقضية  المقياس في التصميم المعماري تعود الى نقطة مرجعية دائماً هي مقياس جسم الانسان، لتتم المقارنه به وبحالات متعددة تمثل ما يريد المصمم خلقه من فضاءات تؤدي وظائف معينة او تحيط المستخدم بمشاعر معينة وغيرها من القضايا المعمارية المتعددة.
وفي حال وجود عدم الادراك ذاك للمقياس الانساني نتيجة لاستخدام الكومبيوتر، فمن المنطقي ان نقوم بمعالجته عن طريق تطوير استخدامنا للتكنولوجيا وليس الابتعاد عنها. لان الابتعاد سيعود علينا سلباً وسنواجه نفس المشكلة عندما نقرر استخدام الكومبيوتر عند حاجتنا الحتمية له.

يوفر لنا اولاً برنامج Sketch up وفي الواجهة القياسية له Figure)) تشبيهاً لانسان بقياس يرتبط بوحدات القياس التي يتم اختيارها للعمل، ويوفر ايضاً شخصيات متنوعة لكل منها اسم معين لزيادة الصلة والألفة معهم (سوزان، ستيف، صوفيا، سانك، نانسي، ديريك، ليزان). ومن الممكن وضع هذا الـ(Figure) او غيره من الشخصيات التي يوفرها البرنامج في اي فضاء داخل او حول التصميم والهدف الاساسي منه هو الاحساس بالمقياس الانساني عند العمل في البرنامج. ونحن نؤكد على الطالب بوضع الـ(Figure) بجانب الكتل التي يصممها وداخل جميع الفضاءات التي تحتويها.
قد نقول انه هذا الخيار متاح في كل البرامج ولم يعالج سوء التقدير السابق! والاجابة ان الـ(Figure) هنا جزء اساسي من واجهة البرنامج وهو مرتبط بوحدات قياس العمل ولا يتم اضافته مثل بقية البرامج ليحصل عدم مطابقة بين مقياسه ومقياس التصميم.


والاعتماد على البرامج في كل الاحوال ليس كافياً، فالعمارة اساساً هي ظاهرة يدركها الانسان بكافة حواسه، وليست صور على شاشة الكترونية، لذا يجب ان يقترن تعليم العمارة الذي يعتمد على استخدام الكومبيوتر بتجارب واقعية تؤكد على قضية المقياس والمقياس الانساني خاصة وبقية القضايا الاخرى.

وهذا هو هدف الزيارة التي تم تنظيمها الى نصب ومتحف الشهيد في بغداد.
 لماذا نصب الشهيد دون غيره؟

لان النصب وبسبب وظيفته الرمزية يتضمن عناصر معمارية وفضاءات ذات مقياس كبير وغير تقليدي، لم نعتد عليه في حياتنا اليومية، وبزيارته والاحساس بتأثير ذلك المقياس المضاعف على الجانب البصري والروحي سنشعر بقيمة المقياس الانساني التقليدي لابنيتنا اليومية، فالنصب يمثل اللون الابيض الضروري لادراك اللون الاسود.

وهنا يأتي دور التمرين الخاص بتلك الزيارة، والذي يوظف رغبة الطلبة بالتصوير وتوثيق الحدث، فكان على كل طالب ان يلتقط لنفسه او لاحد زملائه خمسة صور، تبدأ الاولى مع عنصر معماري او فضاء يقترب كثيراً من المقياس الانساني، ثم يبدأ بالتدرّج مع كل صورة بانتخاب عناصر اكبر من المقياس الانساني حتى يصل الى الذروة في الصورة الخامسة وهي علاقة جسم الانسان بانصاف قبة النصب العظيمة.

ان تجربة زيارة النصب هي متعة لا تعوّض حتى مع تكرارها للمرة الرابعة او الخامسة، وهذه المرة كانت في يوم عاصف بمعنى الكلمة، والذي تفاعلت رياحه مع مياه ينبوع النصب لترشق الصاعدين من باطن الارض الى السماء بزخّات ماء تحبس الانفاس.

الصور بعدسة الطالب: مجتبى زياد/ المرحلة الاولى.










  















الجمعة، 8 مارس 2019

ثرثرة معمارية في اليوم العالمي للمرأة


ثرثرة معمارية في اليوم العالمي للمرأة 

 -1-

      عندما تم قبولنا في الجامعات العراقية قبل العام 2003 كان نظام القبول المعتمد يضع فارقاً في المعدلات بين الذكور والاناث للقبول في نفس التخصص او الكلية والقسم، ويبلغ هذا الفرق 50 درجة للمجموع الذي يحصل عليه الطالب.
والفرق لصالح الذكور بالتأكيد، فاذا كان الحد الادنى لمجموع الطالب الذكر للقبول في قسم معين هو 600 درجة مثلاً، فان الحد الادنى لمجموع الانثى هو 650 درجة للقبول في نفس القسم.
وهذا ما جمع حينها في قسم الهندسة المعمارية مجموعة طلبة متقاربة العدد من حيث الذكور والاناث ولكن بمعدلات اعلى لصالح الطالبات.
بعد تغير النظام السابق تم رفع هذا التمييز بين الذكر والانثى في القبولات والاعتماد على المجموع او المعدل الذي يحصل عليه الطالب فقط. ونتيجة لمثابرة الطالبات في الدراسة غالباً (ويثبت ذلك عدد الطالبات ضمن العشرة الاوائل على العراق في كل عام)، فكنّ صاحبات المعدلات الاعلى، ولان لكل قسم طاقة استيعابية محددة وقسم هندسة العمارة صاحب اعلى معدلات قبولات في الجامعة التكنولوجية، شغلن الطالبات معظم تلك الطاقة الاستيعابية.
وهذا ما جمع حينها في قسم الهندسة المعمارية مجموعة طلبة يزيد فيها عدد الاناث على الذكور بشكل ملحوظ جداً.
        منذ عامين فقط استقلّت الجامعة التكنولوجية في بغداد واعتمدت نظام قبول مباشر خاص بها منفصل عن نظام القبول المركزي. وهذا النظام بدوره يعتمد على معدلات الطلبة الذي يرغبون الدراسة في الجامعة التكنولوجية دون غيرها، ومن ثم تحديد الحدود الدنيا للاقسام، والذي يحتل فيه قسم هندسة العمارة المرتبة الثانية او الثالثة. اما عن قضية الذكور والاناث فقد كان النظام يعتمد على المساواة في العدد بين الطرفين.
وهذا ما جمع في قسم هندسة العمارة مجموعة طلبة متساوية (تقريباً) في العدد بين الذكور والاناث.

فتصبح الحالات تسلسلاً كالتالي:
-       اعداد متقاربة مع فرق واضح في المعدلات. (قبل 2003)
-       زيادة نسبة الطالبات بشكل واضح. (بعد 2003)
-       تساوي عدد الذكور والاناث تقريباً. (منذ عامين فقط)

المهم في كل ما سبق، هو تأثير نظام القبول على نسبة الاناث والذكور في العشرة الاوائل المتخرجين من القسم والذي يشير الى الطرف المتفوق في دراسة العمارة.

 ولكن ماذا بعد الحصول على نتائج المقارنة؟
الحصول على نتائج ثنائية الذكور والاناث، بمرحلتي (الدراسة الاعدادية العامة-دراسة العمارة)، تعطينا صورة واضحة عن قضية دراسة المرأة للعمارة في العراق تحديداً، وكيفية توظيف تلك الصورة لاتخاذ قرارات تمكين المرأة في مجتمع العمارة.

-2-

يخلط المعمار معاذ الالوسي المعلومات بالحكايات بالثرثرة بالدسائس البغدادية في كتابه (ذروموس-حكاية مهنة) معبراً عن نفسه قائلاً:

"اتصالي بالطلبة يختلف عن اتصال الاساتذة الاكاديميين بهم. انا خارجي، غير متأثر بمسيرة الطالب كالامتحانات والمواظبة على الدوام، لذا بامكاني الحكم عليه من تصرفه. خلال ساعة واحدة استطيع ان احدد اي منهم في المسار الصحيح، ومن منهم سيتخرج ويكون صالحاً لممارسة العمارة. استطيع ان احدد الجيد، من يوحي بالامل. كيف؟
لانه يجلب انتباهي مباشرة، من نمط التصرف وحتى نوعية الملبس. أما البنات فيعكسن التصرف المعماري على نحو اسرع واوضح، بسبب حاجة البنت في منطقتنا لكسر الاصفاد. انهن منذ الصغر يترعرعن ضمن القيم الجمالية البالية والسائدة في المجتمع والبيئة التي تحيطهن. ولسوف ابحث عن مقدار خروجهن عما اعتدن عليه من حدود وقيود.
في برلين ينازل الاستاذ البنات المبتدئات في دراسة العمارة في جولة ملاكمة، لينزع عنهم رواسب ما اعتدن عليه" (انتهى الاقتباس) ص183

لا احد هنا يطالب بجولة ملاكمة، ولكن المهم ان يحدد كلاً منا ما يؤمن به حقيقة وما يعتبره حدوداً وقيوداً لا يؤمن بها ليثور عليها ويكسر الاصفاد.

-3-

يوضح لنا (Frank Jacobus) في كتابه:
(ARCHI-GRAPHIC, AN INFOGRAPHIC LOOK AT ARCHITECTURE)

نسبة المعماريات الحاصلات على اجازة ممارسة العمارة منذ تأسيس (AIA) (الجمعية الأمريكية للمعماريين) عام 1857 وتطور تلك النسبة بمرور الوقت مقارنة بالمعماريين الذكور المسجلين في الجمعية.
وتبدأ بحصول اول أمراة للاجازة عام 1888 لتنتهي الدراسة بالعام 2013 وبنسبة معماريات 17% فقط.



ما هو الحال في العمارة العراقية؟
نستطيع الرجوع الى سجلات جمعية المهندسين العراقية والتي تأسست عام 1938 ومن ثم نقابة المهندسين العراقية التي تأسست عام 1959 ومعرفة نقطة البداية النسائية مع العمارة في العراق ومن ثم نسبة المعماريات منذ ذلك الوقت وحتى العام الماضي.

ونعود الى نفس التساؤل السابق: ماذا بعد الحصول على النتائج؟
نتائج النسب هذه المرة تعطينا صورة واضحة عن ممارسة المرأة لمهنة العمارة في العراق بعد تخرجها من دراسة العمارة، ومن ثم توظيف تلك الصورة في قضايا المرأة ايضاً. (مع العلم ان الكثير من المتخرجات المنتميات الى النقابة لا يمارسن المهنة فعلياً)

-4-

"لأنك امرأة، يجب ان تكفي عن وصف نفسك بالضعف"

ماري كوم، ملاكمة هندية