السبت، 31 ديسمبر 2016

نهاية جديدة

يوهمنا اليوم الأخير بأنه ملائم لإتخاذ القرارات الجديدة وقد يصل بنا الأمر لغناء (خلاص أنا بُكرة ناوي أعيش حياتي بكَد)، والمشكلة أنه وهَم سنوي مزمن لا يمكن الخلاص منه ...
بحثت قبل قليل عن الصفة الرجالية المقابلة لـ(دراما كوين) التي تشير الى كونها صفة نسائية غالباً ولكني لم أجدها، والفكرة أنني لا أريد أن أكون (دراما كوين) بالكتابة عن الواقع العراقي في السنة الماضية، وللتأكيد على التخلص من تلك الصفة أنقل لكم النصائح الثمانية لموقع ((WikiHow:
-لا تستمر بالحديث عن المشاكل التي تواجهها عند الحديث مع الناس.
-لا تكن مزاجياً طيلة الوقت.
-لا تنخرط في نوبات الغضب.
-لا (تستقتل) من أجل الحصول على الإهتمام.
-إنشغل بالفنون.
-لا تغضب عندما لا تحصل على الدور الذي تريده في مسرحيات الحياة.
-اعمل أفضل ما يمكنك في كل دور تحصل عليه.
-وأخيراً كن علي طبيعتك.

لذا سأنشغل بالفنون وأحاول أن أكون كما أنا ...
ولكنني يجب أن أقول أنني فقدت أشخاصاً هذه السنة، وفقدت معهم نظرتي السابقة لمسرحية الحياة.
ويجب أن أقول أنني أستيقظت اليوم على أصوات صياح وعويل ... لأكتشف بعد قليل إستشهاد إبن الجيران وإبنه الصغير بإنفجار منطقة السنك... (رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته) ... وقد حرروني من وهم التخطيط السنوي.
وفي سياق آخر أروي لكم حكاية:
إبن خالتي والتزاماً بالمودة السائدة، ذهب الى جامعته وهو يرتدي جوارب قصيرة جداً لا تظهر من حافة الحذاء، ليبدو وكأنه لا يرتدي جوارب أصلاً، أوقفه رئيس قسمه لمحاسبته ... وبعد رزالة لم ينقل لي تفاصيلها قال له الرئيس:
أبوك يدري طالع بلية جواريب ؟؟
وبين فقدان الحياة وفقدان الجوارب هموم لا تنتهي ...


اليوم نهاية العام الرابع من التدوين ...

أتمنى لكم سنة سعيدة ... وفكروا بالأيام التالية :

2017/11/17
2017/6/5
2017/8/9




















السبت، 10 ديسمبر 2016

أحاديث الحلاقة

يروي لي جدي ذكريات طفولته عن الحِلاقة (الزيان):
في منطقة الشواكة كان يقع محل (هاشم الحلاق) وكان يستوفي أجراً مقداره خمسين فلساً عن حلاقة الطفل الصغير...
أما الطفل الصغير (جدي) فكان يأخذ (الخمسين فلس) من أهله ليذهب الى حلاق آخر، حلاق يثبت مرآة على جذع نخلة (في الموقع الحالي للمتحف العراقي في العلاوي) ويُجلس الزبون على علبة صفيح فارغة (تنكة) ويرتبط إسمه بها فيسمى حلاق (أبو التنكة).
أبو التنكة كان يستوفي ثلاثين فلساً فقط ثمناً للحلاقة ويبقى لجدي عشرين فلساً لشراء الحلويات بعد الزيان، ولكنه عندما يعود الى المنزل يفتضح أمره سريعاً لأن حلاقة هاشم الحلاق لا تتضمن هذا العدد من الجروح والطبرات ...
وهنالك ذكرى أخرى نشترك بها أنا وجدي معاً هي ذكرى مسلسل (تحت موس الحلاق) وبطليها حجي راضي وعبوسي. مسلسل تحت موس الحلاق ومسرحية الخيط والعصفور أيضاً نتاجات عراقية أصيلة، ولعل عدم رؤيتها والاستمتاع بها هي من أكثر خسائر الأجيال المعاصرة. 



واليوم يجب عليك أن تختار بين حلاق شاب مواكب للمودة وآخر متوسط العمر تقليدي، ولكن هذا الاختيار يرافقه خيارات الزامية لا مفر منها تتعلق بنوع الأشخاص الموجودين في المكان (الحلاقين والزبائن) والأحاديث التي ستسمعها أثناء الحلاقة وفترة الإنتظار قبلها...
وهنا يجب قول (غالباً) للإبتعاد عن خطر التعميم: غالباً عند إختيارك لحلاق مواكب للمودة فإنك تستمع لأنواع متعددة من الشتائم وقصص وبطولات غير مناسبة ابداً، فتنتهي من الحلاقة وأنت فاقد الأمل بالمجتمع الذي نعيش فيه.
في الطرف الآخر نجد أن الحلاق التقليدي وغالباً أيضاً يوفر بيئة أكثر راحة، مواضيع أكثر إحتراماً ولفظات بذيئة قليلة.
لذا وتحت ثنائية الشكل والمعنى فأنت تستطيع أن تحصل على شكل جميل وتتعرض لمعاني سيئة، أو أن تحصل على شكل مقبول ومعاني إيجابية. 

وأخيراً فأن تجربة بعد أخرى تثبت ماسبق وأتمنى أن تنكسر القاعدة ....







السبت، 26 نوفمبر 2016

الفهم والعلم

يقول المثل الشعبي العراقي: أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة ...
وبالنسبة لي وللكثيرين كما أعتقد، عندما نلعب دور الأصغر فأننا سوف نعترض على هذا المثل ونشكك به، من يقول أن الأكبر عمراً أكثر فهماً ؟!
هل العمر هو مقياس للفهم؟
ولكننا عندما نلعب دور الأكبر فأننا نؤيد المثل ونؤمن به ... هذه هي سُنة الحياة.
المثل بالتأكيد يتحدث عن الفهم الناتج عن الخبرة فقط، والخبرة ناتجة عن تجربة الكثير من المواقف في الحياة وهي تزداد إفتراضياً بزيادة عدد أيام العمر، ولا يتحدث عن الصفات الشخصية والقابليات العقلية وغيرها من متعلقات الذكاء والفهم.
والأمر المزعج هو أن تثور على فكرة معينة عندما تكون صغيراً أو تعتبر أن رأي معين غير مناسب ولا ينم عن فهم قائله، ولكنك عندما تكبر تجد أن تلك الفكرة أو ذلك الرأي مناسب جداً بعد أن تمر بعدد من التجارب وتتأكد من صحته.
والفكرة التي كنتُ ثائراً عليها هي: عدم استخدام المعالجات المعمارية المعتمدة على التكنولوجيا المتقدمة في الأبنية العامة (العائدة لدوائر الدولة).
كنت أتسآءل: إذا كانت هنالك معالجات متطورة لحل القضايا المعمارية فلماذا لا نستخدمها في المباني وحتى العامة منها؟ لماذا نستخدم معالجات قديمة نوعاً ما؟
وكان الرأي المعتمدة على الخبرة حينها يقول: إن تلك المعالجات بحاجة مستمرة للصيانة والعناية في الاستخدام، وهو ما ينعدم في المباني الحكومية العامة وفي العراق بالتحديد.
نعرف المشاكل التي تعاني منها الدوائر الحكومية وطرق إدارتها للعمل وهو ما ينعكس على مبانيها أيضاً، حيث تلعب الناحية المادية دوراً هاماً في أغلب القرارات، لذا فإن عملية الصيانة قد تناط بجهة غير كفوءة لأنها تطالب بمبالغ أقل من الجهات الكفوءة، وقد تؤجل عمليات الصيانة وتلغى حتى في حالة عدم توفر المبالغ اللازمة مما يؤدي الى توقف تلك المعالجات التكنولوجية عن العمل، ومن يفهم عندما يكبر طرق ادارة مؤسسات الدولة سوف يؤمن بصحة الفكرة السابقة ويجب القول مرة أخرى أنها صحيحة في دول العالم الثالث والعراق منها.
ولا تنطبق الفكرة السابقة على المعالجات التكنولوجية فقط، وإنما أي معالجة بحاجة الى متابعة وصيانة مستمرة، ويتضح ذلك بمثل من الشارع، شارع الكرادة خارج في بغداد، وهو يقترب من المباني الحكومية العامة كون إدارته وصيانته من مسؤوليات أمانة بغداد وهي تحمل كل الصفات الدوائر الحكومية العراقية.
وقد عملت كوادر أمانة بغداد على زراعة الجزرة الوسطية للشارع بأشجار الكينوكاربس.


 جمالياً: هو قرار مقبول ومناسب بإضافة الخضرة للشارع والبيئة العراقية، ولكن ما يعكر صحة القرار هو نوعية الاشجار المختارة، وهي لها ايجابية بالتأكيد فهي شجرة قوية ومجاهدة مع درجات الحرارة الخرافية في العراق، ومن سلبيات قوتها أنها تنمو (تطكطك) في كل المواسم وتنمو سريعاً جداً.
هذا النمو السريع قد لا يسبب المشاكل في مواقع أخرى ولكن في شارع الكرادة خارج يسبب ارباكاً للسائقين والسابلة، فعندما يزداد قطر الشجرة فأنها تشغل كل عرض الجزرة الوسطية وإذا أراد السابلة الذين يعبرون الشارع رؤية السيارات القادمة فيجب عليهم الاقتراب من حافة الجزرة الوسطية وقد يصل الأمر الى وضع قدم على الشارع حتى، مما يعرضهم لخطر السيارات المسرعة ... أما السائقين فهم يفاجئون بالسابلة وهم يظهرون فجأة من بين الأشجار دون سابق إنذار.



هنالك بالتأكيد معالجة ممكنة وتتناسب مع صفات الشجرة في قابليتها على التشكيل، تلك المعالجة تتمثل بازالة اوراق الشجرة حتى مستوى قامة الانسان ومن ثم يسمح للورق بالنمو والطكطكة... وإذا كان رأي كوادر الأمانة توفير مستوى منخفض من الأوراق من أجل منع إزعاج انارة السيارات المتقابلة لبعضها فمن الممكن ترك مستوى أوراق منخفض ومن ثم تفريغ مسافة من مستوى وسط الانسان وحتى قمة الرأس من أجل توفير الرؤية المناسبة للسابلة والسائقين.
وبالتأكيد فإن رفع مستوى أوراق الشجرة فوق مستوى قامة الإنسان سوف يصعّب عملية تقليم الاشجار (صيانتها) ويحتاج العاملون الى سلالم مثلاً بينما يتحركون الآن على الأرض بحرية، ولكن هذه الصعوبة يقابلها المحافظة على سلامة السابلة ممن يعبرون الشارع وبكثرة.

ويبقى على أمانة بغداد الإختيار بين سهولة الصيانة والحفاظ على سلامة الناس ...








الاثنين، 21 نوفمبر 2016

أفكار مبتلّة

قيل لي مرة: إن ملامسة الماء تطرد الطاقة السلبية وتستجمع الأفكار الإيجابية ...
وقيل لي أيضاً: إن الفترة التي يقضيها الإنسان في التنظيف هي أفضل أوقات التفكير...
هل تقترب هذه الأقوال من الصواب؟
لا أعلم ...
ولكنني قضيت ساعة في تنظيف الحمام، وذهب عقلي قريباً وبعيداً، وبدلاً عن كتمان ما فكرت به صالحاً كان أم سيئاً، سأكتبه لتحكمون من خلاله على صحة أو خطأ القولين السابقين...



الشتائم:
لماذا تلتصق الشتائم التي نسمعها أو نقرأها لأول مرة في أذهاننا؟
يتردد صداها بصورة مستمرة داخل الرأس وهي تجاهد لكي تجد طريقها على ألسنتنا ... أو يجب أن أقول على لساني كونها حالة فردية خاصة بي، أم هي حالة عامة؟
هي ترتبط بظاهرة طفولية، فالطفل يلتقط غالباً الألفاظ السيئة التي يسمعها في الشارع أو الروضة أو المدرسة ويرددها، ليأتي دور العائلة في التخلص منها، أو قد تكون العائلة هي مصدرها الأول.
قد يكون السبب هو متعة الخروج عن مألوف الكلام المحترم، وخاصة عندما تكون الشتائم جديدة ومبدعة وهو ما قرأته في (معرض الجثث) لحسن بلاسم، ولكنها ستبقى حبيستي الى الأبد ولن تكون وحيدة بالتأكيد.

القطط:
القطة الأولى... كانت تمتلك ثلاثة قوائم فقط، فقدت قائمتها الأمامية بطريقة مجهولة، وقد إتخذت من الحديقة محلاً لنشاطها، وكانت تمشي قفزاً وبطريقة مضحكة تجعلنا نقول ( هلة .. هلة ..) وكنا نمشي جميعنا بطريقة طبيعية.
القط الثاني... ولدته أمه في الحديقة مع ثلاثة إخوة آخرين، كان هو أضعفهم وأقلهم جمالاً، وبمرور الوقت ذهب الآخرون وبقي هو ملكاً للحديقة نظيفاً وجميلاً فإكتسب إسم (صافي)، صافي يمشي بطريقة رشيقة جداً ولكنه يراقب جدّي وهو يمشي بصعوبة ولا أعرف ما يقوله في داخله ...

المرأة:
ماهي نسبة الرجال الذين تغزلوا بالمرأة وكتبوا أفضل نصوصهم وهم بعيدين عنها؟
وما هي نسبتهم وهم قريبين منها؟

العَمارة:

منذ مدة وأنا لا أكتب عن العَمارة ... خارجاً عن إختصاصي وعنوان المدونة، هي فترة خالية من المحفزات المعمارية في العمل والمجتمع، لا أعرف إن كانت تلك الفترة ستطول أم تقصر ولكنني سأستمر بالكتابة، وهي (أحسن من الجكاير).









الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

الصورة والروح

هل يحق لنا الايمان بخرافاتنا الخاصة؟
مع علمنا بأنها إعتقادات غير قائمة على سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم، هل يحق لنا أن نختار بعضاً منها للإيمان به، ونستسخف الخرافات الأخرى التي يؤمن بها أفراد مجتمعنا؟
عندما تتأخر شجرة عن تكوين الثمر فاننا نهددها بسكين: إن لم تثمر سنقطعها قريباً ...
عندما يستمر جفن العين بالرّفرفة فإن هناك حدث سيء سيحدث قريباً أيضاً ...

الجميل أنني عرفت اليوم أن الأصل اللغوي لكلمة خرافة هو شخص يدعى (خُرافة) من بني عُذرة، حدّثَ الناس بأحاديث عجيبة غير معقولة بعد أن إختطفه الجن زمناً ...

وعن خرافتي المفضلة يحدثنا السير جيمس جورج فريزر في كتابه الغصن الذهبي عن الأخطار المحدقة بالروح كونها (وكما كان يعتقد الانسان البدائي) المحرك لجسم الانسان الخارجي، فكان يُرجع حدوث الظواهر في الطبيعة الجامدة لأشياء حية تقوم بها أو تسببها وبالتالي فأن تلك الأشياء أو الأجسام الحية بدورها تحتوي على أجسام داخلها تحركها، فالإنسان داخله إنسان هو الروح وقد تخيلوا الروح بأشكال متنوعة مرة مشابهة لشكل الانسان ومرة على شكل قزم ومرة طائر وسحلية ...


تعتقد بعض الشعوب بأن روح الإنسان موجودة في إنعكاس صورته في الماء أو المرآة، وعندما تكون تلك الروح خارج الجسم عن طريق وجود الصورة وبالتالي الروح على سطح الماء أو بالمرآة فإنها معرضة للمخاطر وقد تسلب من الجسم ولا تعود اليه مرة أخرى مما يؤدي الى الموت.
وما ينطبق على الانعكاسات ينطبق أيضاً على الصور الشخصية، إذ كثير ما يعتقد الناس أن الصورة تحتوي على روح صاحبها. وكل من يؤمن بهذه العقيدة يكره أن تؤخذ صورته.
فشعب تبهوان في مكسيكو يتملكهم رعب قاتل من الكاميرا، وتطلب إقناعهم بالوقوف أمامها خمسة أيام كاملة، ولما وافقوا أخيراً بدوا وكأنهم مجرمون على وشك أن تنزل بهم عقوبة الإعدام.
وكان القرويون في سيكيم يعتقدون أن الكاميرا (الصندوق الشرير) تأخذ أرواحهم مع صورهم وتمنح من يمتلك الصورة القدرة على ممارسة قوة سحرية عليهم.
وما زالت بعض هذه المعتقدات سارية، حيث غضبت بعض العجائز في جزيرة كرباثوس اليونانية من تصويرهن لإعتقادهن أن ذلك سيؤدي الى إصابتهن بالوهن والموت.

وهل تعرفون لماذا أعتبرها خرافتي المفضلة؟
بدأت طفولتي مع صور شهداء الحرب العراقية الإيرانية، لقد كانت صورة الشهيد منهم مأخوذة بعناية وبـ (pose) شامخ وكأنها جاهزة لإضافة الشريط الأسود والتثبيت على جدران أحدى الغرف الرئيسية للبيت.
وحالياً تثبت خرافتي صحتها، ففي (التفجير الكبير) إستشهد من عائلتي من يمتلك أكبر عدد من الصور الشخصية الفنية ...








الجمعة، 11 نوفمبر 2016

الجنون حرقاً

في برنامج مخصص لسيرته ... يظهر بنظارته الطبية وغطاء رأسه وسكسوكته أمام خلفية سوداء خالية.
(Zoom out)  ... هنالك مغسلة في الخلفية تبرز من العتمة!
 (Zoom out)مرة أخرى ... إنه يجلس على تواليت غربي!            
أما سيجارته التي يمتصها في منتصف جُملهِ وأنتظره لثانيتين لإكمال المعنى، فيرمى رمادها على حاملة ورق التواليت ...
نعم ... لقد كان يجري لقاءه في الحمام! وعندما أنهى كلامه أفرغ خزان التواليت وتوجه الى المغسلة ليغسل يده ووجهه...

هل يسمح له عنوان البرنامج (تصريح بالجنون) هذا الخروج الفظيع عن الشائع والمألوف؟
وهل يؤدي هذا الخروج الفظيع لأن يموت الإنسان وحيداً منفصلاً عن الآخرين ممن يحبون السائد والمألوف كما مات هو؟

لا أعرف مرة أخرى لماذا جذبني عنوان كتابه: (كتاب الجيب للمحكومين بالإعدام).
ويجب أن أقول: لم أفهم منه سوى مقاطع قليلة ولكنني فهمت (الخاتمة):
-لا أريد غير الله حلاً.
-عاش ومات غير هارب وغير متهرب من الموت.
-ياقارئ كتابي ابكي على شبابي.
-كنت أكثر واحد يحب الحياة فأنظر الى قبري وإتعظ.
-كنت مناضلاً من أجل أبنائي.
هذه عبارات عشوائية قرأتها على شاهدات القبور بينما لم توقفني سوى العبارة الآتية: (كنت عرضياً تماماً حتى أن الموت نفسه لا يزيدني الا عبوراً). وهذه الشاهدة لم تكتب بعد ... حسب علمي.
 (إنتهى الأقتباس)

ولا أعلم هل كتب أحدهم هذه العبارة على شاهده كما تمنى؟

وهل سيلتزم الآخرون بالعبارات التي سنوصي بأن تكتب على شواهدنا حتى لو كانت غريبة ومجنونة؟
أريد أن أكتب عبارة: لقد عشت في العراق وإنتوا تعرفون بعد ...

تذكرت الآن السبب الذي جعلني أنجذب للكتاب من بين عشرات الكتب ... يتضمن الكتاب صورة لحبل المشنقة وكنتُ أبحث حينها عن حبل سميك لتجربة صناعة سلم للنجاة من الحرائق في المباني متعددة الطوابق.



لا أعرف إن كنا نحن العراقيين نمتلك كمية هائلة من الأمل، أم أننا نعاني من نقص في الاحساس؟

بعد التفجير الذي حصدت الحرائق التي سببها أرواح المئات من الشباب، وبعد أن علم الجميع أن تلك الخسائر كان سببها عدم توفر متطلبات الوقاية والسلامة والهروب من الحرائق في تلك المباني، لم نطالب المسؤولين عن البناية التي نسكنها أو ندرس فيها أو نمارس عملنا فيها بتوفير تلك المتطلبات لإحتمال حدوث حريق لأي سبب كان.
ففي اليوم السابق قرر أحد (العراقيين الضايجين) أن يدخن سيجارة ضرورية وبعد أن أكملها رمى عقبها في (سندانة) ماتت شجرتها وتركت اوراقها وتربتها يابسة، وبينما كنا نجلس في القاعة، وجدنا أن ممر الحركة قد إمتلئ بالدخان الأبيض وكان الأمر يتطلب عشرين دقيقة تقريباً ليتحول الأمر الى حريق مخيف.
لقد كنا في الطابق الثاني وليس لنا سوى الشبابيك التي نقفز منها الى الأرض موتى ... وهو نفس ما كان لدى شهداء التفجير الآخير.


لذا ... لنختلف ... لنطلب من المسؤولين توفير سلالم للهروب ... لنصنع سلالمنا بأنفسنا ... ولنوصي بالعبارات التي ستكتب على شواهد قبورنا ... ولنقرأ سورة الفاتحة على روح فيلسوف الجنون خضير ميري.






الجمعة، 28 أكتوبر 2016

عن (حبي الضائع في بغداد)

ماهي المشكلة في هذا المكان؟ ما هي المشكلة الكامنة في هؤلاء الناس؟
هل هو المناخ؟ أم الثقافة؟
أم أن المشكلة فينا؟
هذا مايقوله سكوت (مدير أمن بريطاني) متمتماً وهو يخطو في المطبخ بعد فوز المنتخب العراقي لكرة القدم في إحدى مباريات كأس أسيا عام 2006 بعد أن إستعادت مدينة بغداد أنفاسها من جديد وتوجهت بنادق الكلاشنكوف نحو السماء.

أما رانيا فتقول: إنها لا تستطيع أن تفهم العراقيين، وإن جدتها تلقي اللوم كله على نهر دجلة!
فحين كانوا أطفالاً (العراقيون) شربوا من ماء نهر دجلة فحولهم الى أشخاص غريبي الأطوار.

ما أروع أن نحيا بعد الموت .. إنه لرائع فعلاً أن لا يكون الإنسان ميتاً .. إنه لمدهش أن أجد نفسي حياً أرزق وأنا أطير بإتجاه الوطن، كانت الموسيقى تصدح في اذني وأنا أطفو رويداً رويداً بعيداً عن الحرب ... تباً لبغداد... وهذا ماقاله مايكل هيستنغز وهو على متن الطائرة المغادرة لبغداد بإتجاه دبي في إكتوبر عام 2005.

ومايكل هيستنغز هو صحفي وكاتب أمريكي عمل في العراق كمراسل لمجلة نيوزويك وموقع Buzz Feed بعد دخول القوات الأمريكية عام 2003، ليكتب لنا (حبي الضائع في بغداد، قصة حرب معاصرة)، و(منها الأقتباسات السابقة).


عثرت على القصة بين مئات العناوين الأخرى في الشارع، ولعل السبب هو إهتمامي بما يكتبه الآخرون عنا وعن مدينتنا، وأسباب أخرى.
وتمثل القصة وثيقة تأريخية مميزة، نحن بحاجة لها في المستقبل لتقرأها الأجيال القادمة عن الفترة بين 14 آب 2005 و22 كانون الثاني 2007 وبإسلوب وقاعدة معلوماتية محايدة لا تميل الى أي طرف من الأطراف العراقية، تنقلنا عند قرائتها بين مطار بغداد والمنطقة الخضراء والقواعد الأمريكية المختلفة ومناطق بغداد الساخنة والباردة في تلك الفترة.
وبين كل تلك المواضيع الهامشية يظهر الموضوع الرئيس في القصة وهو العلاقة بين مايكل و(آندي)، خطيبته التي تعرف عليها في حفل بمدينة نيويورك لتأتي بعدها للعمل في العراق في المعهد الجمهوري الدولي ومن ثم تتعرض لكمين من قبل طرف معين فتقتل مع حارسها الشخصي وآخرين في موكبها بتأريخ 17 كانون الثاني عام 2007.
لقد أحسست أنني أعرف آندي !
أما مايكل وكما هو الحال دائماً، لا تكتمل القراءة من دون البحث عن الكاتب على الشبكة ... وما أن توصلت الى الأحرف الانكليزية الصحيحة لأسمه حتى كانت المفاجأة.
لقد توفي عام 2013 ... أو: لقد قتل عام 2013 في مدينة لوس أنجلوس بحادث سيارة قد يكون مدبراً ... والاختيار بين الوفاة والقتل قضية أمريكية لم أدخل في تفاصيلها كثيراً.
ولكن المرعب أو الجميل، لا أعرف ... هو موته بنفس الطريقة التي ماتت بها خطيبته في بغداد.


 الحقيقة أن مدينتنا سحرية غريبة الأطوار وقاتلة ... و(رحم الله من زار وخفف). 










الأحد، 23 أكتوبر 2016

لو يجي الريل

نصحتني أستاذتي مرة بعدم استخدام مصطلحات من لهجتنا العراقية العامية في كتاباتي، والسبب هو كي تكون النصوص مفهومة لكل من يقرأ اللغة العربية الفصحى. وأنا استخدم تلك المصطلحات غالباً بهدف ايصال افكاري بصورة واضحة لمستخدمي لهجتنا العامية أو الاستعانة بمثل شعبي كما هو العنوان اليوم.
وقد تأكدت من جدوى النصيحة وأنا اقرأ قبل مدة نصوصاً للأديب والفنان السوداني تاج سر الملك، لم أفهم المصطلحات العامية السودانية، ووجودها يخلق فجوة في قراءة القصة أو المقالة.
في الطرف الآخر نقرأ ونسمع نتاجات الكتّاب المصريين في رواياتهم وقصصهم ومسلسلاتهم وأفلامهم، ونحن نفهم غالباً كل كلمة وتعبير مصري عامي، فهم منذ عشرات الأعوام عملوا على تسويق لهجتهم العامية لكل الدول العربية، وكما قيل قديماً: مصر تكتب .. لبنان تطبع .. والعراق يقرأ.

هذه الجمعة التقطت من رصيف الكتب رواية (السكن في الأدوار العلوية ) لرفعت السعيد، نقلتني لعالم فريد متعدد الطوابق والأبواب ... وأقتبس منها:
-ربنا حكم علينا نقلق الصبح على وابور سونة، والظهر على دوشة المزيكاتي. (وسونة إحدى شخصيات الرواية)

ويوم السبت حكم عليّ ربي أن أقلق بسبب صوت آلة هدم بيت مقابل لبيتنا ومقابل لغرفتي بالتحديد ... بيت قديم ومهجور، أشتكى منه الجيران لصاحبته فقررت أن تهدمه وتحوله الى أرض جرداء قليلة المشاكل ومن ثم تفكر في بنائه مستقبلاً.
ولأني مختص بالبناء سحبني فضولي من غرفتي لمشاهدة عملية الهدم الصباحية:
 مقاول الهدم وعدد من العمال وآلة الهدم وشاحنات لنقل الأنقاض وجيران متفرجين يحرسون أسلاكهم الكهربائية.

ولأن البيت مشيد في الأربعينيات من القرن الماضي كما يقول الحاج هادي، فهو متهالك ... وبمجرد دفعة بسيطة من ذراع الألة تنهار الجدران والسقوف، ويبدأ العمال بفرز الطابوق بأيديهم ونقله لسيارات الشحن لغرض بيعه وإعادة استخدامه في عملية بناء أخرى.
ومن ثم يستخرجون الإطارات الحديدية والخشبية للأبواب والشبابيك ولأن البيت مسقف بنظام (العكَادة) فمن المفترض أن يقوموا بإخراج (الشيلمان) ولكن لم يكن هنالك شيلمان !
هل تساءلتم ما علاقة استخدام اللغة العامية وعملية الهدم بعنوان: لو يجي الريل؟
سأقول لكم، لقد كانت هنالك قطع من سكة قطار مستخدمة في البناء بدلاً عن الشيلمان ... قطع بطول أربعة أمتار تقريباً وهي أجزاء من سكة حديدية سابقة، لا أعرف كيف حصل عليها من بنى البيت ... أما سبب إستخدامها فيقول الحاج هادي أيضاً :
أن الحديد لم يكن متوفر في السابق، واستخدام سكة تم الاستغناء عنها أقل كلفة من شراء الشيلمان، وبالنسبة لي فأنا أعرف بهذا الاستخدام لأول مرة.




نحن ندعوا لمفهوم الإستدامة وهو ما يشغل العالم الآن، ولكننا بعيدين عن تطبيق المفهوم في بنائنا الحالي، في حين أن مباني الماضي هي أكثر تطبيقاً للمفهوم المعاصر.
لقد كان البيت المرحوم مستدام في استخدام مواد بناء محلية قابلة للاستخدام مرة أخرى وإعادة استخدام مقاطع سكك الحديد، بعد إنتفاء استخدامها لوظيفتها الاصلية بالاضافة الى أن صاحبه لا يستطيع أن يستخدم عبارة (لو يجي الريل) للتعبير عن أستحالة الأشياء لأن الريل موجود في سقف بيته!

والريل كما نعلم تسمية عامية للقطار وهي بأصلها الانكليزي (rail) والتي تترجم كسكة وليس القطار نفسه.

ويخاطبه مظفر النواب في (الريل وحمد) فيقول له:
يا ريل طلعوا دغش ... والعشكً جذابي ... دك بيّة كل العمر ما يطفة عطابي

وسأكتب لكم مستقبلاً عن البيت الجديد الذي سيبنى بدلاً عن السابق وعن (العطّابة) كعلاج كانت تستخدمه جدتي لمعالجة الجروح.















الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

قال لي الحمزة

في وقت سابق ونتيجة لإستطلاع آراء عدد من الطلبة، توصلنا الى أن هنالك عدد من الامكانات الضرورية لدى طالب هندسة العمارة، ليتمكن من النجاح في سنوات دراسته أولاً وفي ممارسة المهنة ثانياً، وهو في كلا الحالتين راغب أو متعايش مع طبيعة تلك الدراسة والمهنة وليس منزعج أو مكتئب منها. وتلك الامكانات تتمثل بــ:
-       امتلاك المهارة اليدوية في الرسم وانجاز الأعمال الدقيقة.
-       امتلاك مخيلة واسعة، بمعنى أن تكون قادراً على تكوين صور في ذهنك لأشياء غير موجودة أمامك في الواقع المادي.
-       الاهتمام بالتكنولوجيا المعاصرة والمهارة في استخدام أجهزة وبرمجيات الكومبيوتر.
-       القابلية البدنية والقدرة على العمل المستمر وامتلاك صفات التحمل والصبر.
-       امتلاك شخصية غير تقليدية مجردة من قيود المجتمع المحدد للفكر والسلوك.
-       امتلاك القابليات الفنية، ليس بممارسة الرسم حصراً وإنما قد تكون في تذوق الفن والإعجاب بالأعمال الفنية.
-       الإمكانية المادية للعائلة، لأن سنوات الدراسة الخمسة بحاجة الي الكثير من المصاريف المستمرة.
-       القابليات الاجتماعية في التكيف مع المجموعة وإمكانيات الحوار والإقناع والعمل الجماعي.
وقلنا في حينها أيضاً أن توفر كل تلك الإمكانات مبالغ به جداً، ولكن الهدف هو أن يكون الطالب على وعي بالتحديات التي سيواجهها في دراسته، وأن لا يقع في مطب القبول في دراسة لا يتناسب معها ليعيش 5 سنوات من المعاناة والتوتر النفسي ليتخرج مهندساً معمارياً غير ناجح.


وحتى اليوم كنت أعتقد أن من لا يمتلك هذه الإمكانات أو أهمها كامتلاك المخيلة الواسعة والتذوق الفني، عليه أن يختار دراسة تخصص آخر يتلائم مع قابلياته الشخصية، ومع ما تتوفر لديه من فرص طبعاً في قوانين وزارة التعليم العالي العراقية من التحويل أو إعادة الترشيح أو ماتوفره الكليات الأهلية من فرص أخرى.
ولأنني كنت شاهداً على الطلبة الذين قضوا سنوات الدراسة وهم يعانون من متطلباتها، وينجحون (بطلعان الروح) سنة بعد أخرى، ليتخرجوا بعدها بحد أدنى من المعرفة المعمارية ورغبة بترك هندسة العمارة الى الأبد، فقد كنت أعتقد أن توضيح ذلك الموقف لطلبة المرحلة الأولى في بداية العام الدراسي ودعوتهم لاتخاذ القرار بترك هندسة العمارة يصب في مصلحتهم، لأن العام الدراسي في بدايته ولديهم إمكانية الإنتظام في دراسة أخرى بنفس العام، دون خسارة سنة في حال انتظامهم في دراسة العمارة ثم بعد منتصف العام الدراسي مثلاً أو أكثر يقرروا تركها واختيار دراسة أخرى في السنة اللاحقة.

ولكن قال لي الحمزة اليوم أن هذه الفكرة غير صحيحة ...
بعد محاضرة أو محاضرتين من بدأ العام الدراسي لا يستطيع الطالب التعرف على حقيقة متطلبات الدراسة، فنحن نقول له أنت بحاجة الى كذا وكذا وكذا، ولكنه لا يعرف إن كان يمتلكها أصلا أو لا ...
لم يجرب أن يستخدم خياله، ولا يعرف بالضبط ماهو التذوق الفني وهل يمتلكه أو لا، لم يجرب أن يرسم أو يصنع شئ بيده، ونحن نأتي لنقول له إذا لم تمتلك تلك القابليات فعليك بترك هندسة العمارة ...
لذا سيقع تحت تأثير الترهيب من صعوبة الدراسة ومتطلباتها ونتيجة لكلامنا فقط وليس نتيجة للتجربة الشخصية.
يقول الحمزة: علينا أن نترك الطلبة يجربوا الدراسة بأنفسهم ولمدة كافية قد تكون نصف سنة أو أكثر، ومن ثم يقرروا تركها أو البقاء فيها بعد أن يعرفوا جيداً ما يتوفر لديهم من إمكانيات شخصية قد تكون كامنة وغير مكتشفة.
لذا كان رأيي يعتمد على فكرة عدم تضييع عام دراسي على الطالب واختيار دراسة أخرى في نفس العام.
ورأي الحمزة يعتمد على ترك الطالب ليجرب هندسة العمارة بنفسه ولا يعتمد على كلامنا فقط بصعوبة الدراسة وضرورة تركها.

يجب أن أعترف هنا أنني سأخذ برأي الحمزة مستقبلاً ... ليخسر الطالب سنة دراسية ولكنه على الأقل ليتعرف على هندسة العمارة بنفسه ويختارها أو يتركها عن قناعة وتجربة.