الفهم والعلم
يقول المثل الشعبي العراقي: أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة
...
وبالنسبة لي وللكثيرين كما أعتقد، عندما نلعب دور الأصغر
فأننا سوف نعترض على هذا المثل ونشكك به، من يقول أن الأكبر عمراً أكثر فهماً ؟!
هل العمر هو مقياس للفهم؟
ولكننا عندما نلعب دور الأكبر فأننا نؤيد المثل ونؤمن به
... هذه هي سُنة الحياة.
المثل بالتأكيد يتحدث عن الفهم الناتج عن الخبرة فقط،
والخبرة ناتجة عن تجربة الكثير من المواقف في الحياة وهي تزداد إفتراضياً بزيادة
عدد أيام العمر، ولا يتحدث عن الصفات الشخصية والقابليات العقلية وغيرها من
متعلقات الذكاء والفهم.
والأمر المزعج هو أن تثور على فكرة معينة عندما تكون
صغيراً أو تعتبر أن رأي معين غير مناسب ولا ينم عن فهم قائله، ولكنك عندما تكبر
تجد أن تلك الفكرة أو ذلك الرأي مناسب جداً بعد أن تمر بعدد من التجارب وتتأكد من
صحته.
والفكرة التي كنتُ ثائراً عليها هي: عدم استخدام المعالجات
المعمارية المعتمدة على التكنولوجيا المتقدمة في الأبنية العامة (العائدة لدوائر
الدولة).
كنت أتسآءل: إذا كانت هنالك معالجات متطورة لحل القضايا
المعمارية فلماذا لا نستخدمها في المباني وحتى العامة منها؟ لماذا نستخدم معالجات
قديمة نوعاً ما؟
وكان الرأي المعتمدة على الخبرة حينها يقول: إن تلك
المعالجات بحاجة مستمرة للصيانة والعناية في الاستخدام، وهو ما ينعدم في المباني
الحكومية العامة وفي العراق بالتحديد.
نعرف المشاكل التي تعاني منها الدوائر الحكومية وطرق إدارتها
للعمل وهو ما ينعكس على مبانيها أيضاً، حيث تلعب الناحية المادية دوراً هاماً في
أغلب القرارات، لذا فإن عملية الصيانة قد تناط بجهة غير كفوءة لأنها تطالب بمبالغ
أقل من الجهات الكفوءة، وقد تؤجل عمليات الصيانة وتلغى حتى في حالة عدم توفر
المبالغ اللازمة مما يؤدي الى توقف تلك المعالجات التكنولوجية عن العمل، ومن يفهم
عندما يكبر طرق ادارة مؤسسات الدولة سوف يؤمن بصحة الفكرة السابقة ويجب القول مرة
أخرى أنها صحيحة في دول العالم الثالث والعراق منها.
ولا تنطبق الفكرة السابقة على المعالجات التكنولوجية
فقط، وإنما أي معالجة بحاجة الى متابعة وصيانة مستمرة، ويتضح ذلك بمثل من الشارع،
شارع الكرادة خارج في بغداد، وهو يقترب من المباني الحكومية العامة كون إدارته
وصيانته من مسؤوليات أمانة بغداد وهي تحمل كل الصفات الدوائر الحكومية
العراقية.
وقد عملت كوادر أمانة بغداد على زراعة الجزرة الوسطية للشارع
بأشجار الكينوكاربس.
جمالياً: هو قرار مقبول ومناسب بإضافة الخضرة للشارع والبيئة
العراقية، ولكن ما يعكر صحة القرار هو نوعية الاشجار المختارة، وهي لها ايجابية
بالتأكيد فهي شجرة قوية ومجاهدة مع درجات الحرارة الخرافية في العراق، ومن سلبيات
قوتها أنها تنمو (تطكطك) في كل المواسم وتنمو سريعاً جداً.
هذا النمو السريع قد لا يسبب المشاكل في مواقع أخرى ولكن
في شارع الكرادة خارج يسبب ارباكاً للسائقين والسابلة، فعندما يزداد قطر الشجرة
فأنها تشغل كل عرض الجزرة الوسطية وإذا أراد السابلة الذين يعبرون الشارع رؤية
السيارات القادمة فيجب عليهم الاقتراب من حافة الجزرة الوسطية وقد يصل الأمر الى
وضع قدم على الشارع حتى، مما يعرضهم لخطر السيارات المسرعة ... أما السائقين فهم
يفاجئون بالسابلة وهم يظهرون فجأة من بين الأشجار دون سابق إنذار.
هنالك بالتأكيد معالجة ممكنة وتتناسب مع صفات الشجرة في
قابليتها على التشكيل، تلك المعالجة تتمثل بازالة اوراق الشجرة حتى مستوى قامة الانسان
ومن ثم يسمح للورق بالنمو والطكطكة... وإذا كان رأي كوادر الأمانة توفير مستوى منخفض
من الأوراق من أجل منع إزعاج انارة السيارات المتقابلة لبعضها فمن الممكن ترك
مستوى أوراق منخفض ومن ثم تفريغ مسافة من مستوى وسط الانسان وحتى قمة الرأس من أجل
توفير الرؤية المناسبة للسابلة والسائقين.
وبالتأكيد فإن رفع مستوى أوراق الشجرة فوق مستوى قامة
الإنسان سوف يصعّب عملية تقليم الاشجار (صيانتها) ويحتاج العاملون الى سلالم مثلاً
بينما يتحركون الآن على الأرض بحرية، ولكن هذه الصعوبة يقابلها المحافظة على سلامة
السابلة ممن يعبرون الشارع وبكثرة.
ويبقى على أمانة بغداد الإختيار بين سهولة الصيانة والحفاظ على سلامة الناس ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق