الأحد، 27 سبتمبر 2020

تداعِ التبغ

 

تداعِ التبغ


التكرار الابدي او (Eternal Return)، فكرة نجدها لدى الفيلسوف الالماني نيتشه نقلاً عن الحضارات القديمة، ملخصها ان الاحداث والوقائع التي وقعت في الكون او الوجود ستتكرر بالطريقة والكيفية نفسها دون زيادة او نقصان. وسوف تواصل التكرار بعدد لا نهائي من المرات.

يدور فلم (Repression) في فلك الفكرة ويفسرها بطريقته الخاصة، تقول البطلة لزوجها:

"اسمعت بعبارة التكرار الابدي؟

حين تحاول القيام بكل شئ بطريقة مثالية، حتى الامور الصغيرة بحال حُكم عليك بتكرارها الى الابد."

يذكرنا حوار الفلم باشخاص حولنا يقومون بتلك المحاولة.

يمكننا تصنيفهم لصنفين، من يحاولون بمفردهم فنعجب باعمالهم الخالية من العيوب الواضحة. ومن يحاولون مع مجموعة من الاشخاص قد نكون نحن منهم فنبدأ بالضيق والتذمر من دقتهم الشديدة حتى بالتفاصيل الصغيرة غير المرئية.

وكنت انتظر ليلة البارحة احد تلك الاعمال الفردية.

بعد استعراض العمل المتقن قفزت برأسي كلمة بلحن اسباني ممطوط: (Perfecto).

وكعادتي مع تلك الكلمات الهاربة من العقل الباطن، فانا اضعها على محرك البحث (Google)، لاستكشاف امتداداتها الفكرية والبصرية غير المتوقعة.

ومن تعريفات اوكسفورد لـ(Perfecto) نقرأ:

A type of cigar that is thick in the center and tapered at each end.

 

في نفس لحظة الانتظار تلك كنت أقرأ لـ(Olivia Laing) عن الشبابيك والجدران الزجاجية وتجسيدها في اعمال الرسام الامريكي (Edward Hopper)، فتتحدث تفصيلاً عن رؤيتها للوحة (Nighthawks):

"وفي لوحة المطعم في الخارج تظهر ماركة (PHILLIES) امريكان للسيكار، فقط بـ5 سنتات، مكتوبة اسفل السيكار."


وفي نفس لحظة الانتظار تلك كنت استنشق رائحة دخان سجائر غريبة على المنزل، دخان لزائر يعتاد التدخين بحرية.

أن تجتمع الكلمة مع الصورة مع الرائحة فهو تداعٍ يستحق التدوين.


والآن، ماذا لو كانت حياتنا تكرار لحيوات آبائنا وأجدادنا؟

لنحاول القيام باشياء مختلفة عنهم لمنع امكانية التكرار، او هكذا نبرر ما نفشل بانجازه.





الجمعة، 25 سبتمبر 2020

هجر التدوير في عماراتنا المحلية المعاصرة

 

هجر التدوير في عماراتنا المحلية المعاصرة


فكرت قبل خمس اعوام بـ(محاكاة منهج المعمار رفعة الجادرجي بمعطيات العمارة المعاصرة). وكان تطبيق المحاكاة من قبل طلبة المرحلة الاولى لمشروعهم الختامي للعام الدراسي2015-2016.

دونت تفاصيل الفكرة وآليات التطبيق والتحديات التي واجهتها، حيث يمكن العودة لجميع ذلك هنا على المدونة بتأريخ شهر يوليو من عام 2016.

ما يخصنا من تلك الذكرى اليوم هو تشخيصي حينها للتوجه السائد في العمارة المعاصرة، حيث كتبت:

" التوجه السائد في العمارة المعاصرة، والذي نتعرض لنماذجه من خلال البحث والتصفح على شبكة الأنترنت. تمتلك نماذج ذلك التوجه الكثير من العناصر والعلاقات والمبادئ الموحدة ولكن من غير تسميته بتسمية واضحة أو التنظير له معمارياً، هو أقرب للـ(مودة) في العمارة وأسميته مبدئياً: (عمارة السطوح الحرة) وذلك نتيجة لـ:

·        تفكيك الكتل الى سطوحها المتعددة.

·        إستخدام سطوح متداخلة ومتراكبة.

·        التركيز على المفاصل بين السطوح والكتل.

·        الإهتمام بتنوع مواد الإنهاء.

·        وأخيراً الإعتماد على زوايا متعامدة فقط دون درجات زاوية أخرى."

وارفق لكم التكوينات التي كنت اتحدث عنها تحديداً في ذلك الوقت.




هل تذكركم بتكوينات معينة؟

قد تكون هي البدايات لما نشهده من توجه معماري شبابي في عمارة المساكن غالبا كمشاريع بمقياس ممكن التحقيق في سوق العمارة المحلي. نشاهده على صفحات المعماريين على الشبكة وبدأنا نشاهده متحققاً في الواقع العراقي ايضاً.

اذكركم هنا بالفقرة الاخيرة من تحليلي السابق "وأخيراً الإعتماد على زوايا متعامدة فقط دون درجات زاوية أخرى"، فلا يعتمد توجه (السطوح الحرة) على تدوير (Rotate) بعض عناصر التكوين، وهو ما كان سائداً فيما قبل.

سأحكي لكم حكايتي مع التدوير:

كان احد تمارين مرحلتي الاولى في العمارة يتضمن تصميم شبكة ثلاثية الابعاد مفرّغة تضم بين فضاءاتها الداخلية مجسمات وشرائط منحنية، وكان من بينها كما اتذكر بضبابية حالياً مخروط مستقر على قاعدته الدائرية، وعندما شاهد احد طلبة المرحلة الثانية التكوين نصحني ان اقلب المخروط على طرفه المدبب وان اجعله مائلاً بزاوية تختلف عن زوايا الشبكة المتعامدة.

 وقد آتت النصيحة ثمارها.

مع تعرفنا على نتاجات طلبة المراحل الاكبر والحديث معهم تعرفنا على التفكيكية. وسمعنا معها بالراحلة زهاء حديد لاول مرة كواحدة من سبع معماريين تم عرض اعمالهم عام 1988 في معرض MoMA في نيويورك تحت اسم العمارة التفكيكية.

لقد كانت التفكيكية (المودة) الطلابية الرائجة حينها، ولا استطيع الحديث عن بدايات تلك المودة في قسمنا لعدم دقة المعلومات التي امتلكها.  

بعدها وبالعطلة الصيفية بدأت القراءة عن التفكيكية، كان الانترنت متوفراً بشكل نادر والخيار الاسهل هو القراءة الورقية متمثلة بالحصول على نسخة من رسالة الماجستير (التفكيكية في العمارة) لراستي عمر الخفاف والمنجزة عام 1996.



تخطيطي اثناء القراءة - عام 2002

                                             تخطيطات لقراءة التحولات الشكلية لبيتر آيزنمان- عام 2002

نقرأ سريعاً تحت عنوان المميزات الشكلية للعمارة التفكيكية "امتازت الاعمال التي عرضت في المعرض بتوجهاتها الشكلية المتنوعة: شبكات تخطيطية محطمة، جسور متقاطعة، اشكال متناقضة ظاهرياً، جسور طائرة، مخططات مربكة ومحاور دورانية". نعم محاور دورانية، "فلم يكن هنالك محور واحد او تدرج في الاشكال، ولكن مجموعة من المحاور والاشكال المتنافسة".

واخيراً جميعنا نحفظ باعجاب قول زهاء حديد:


لا اتذكر بعدها قد صممت تكويناً من دون تدوير احد عناصره او كتله، وكان هذا حال زملائي ايضاً، ولا استطيع ان اتذكر بدقّة ان كان ذلك بتوجيه ونقد الاساتذة ايضاً ام بسبب مودة التفكيك السائدة فقط.

انا افترض ان تلك المودة الاكاديمية قد انتقلت الى مهنة العمارة وعمارة المساكن في المدينة، لنبدأ برؤية توجه واضح يعتمد تدوير احد كتل التكوين الرئيسة. وقد نراه لدى بعض المعماريين حتى الان ولكننا نعتبره قديماً ومستهلكاً.


الجديد حالياً هو توجه السطوح الحرة الخالي من التدوير والمعتمد على نقاط قوة اخرى قد يكون ابرزها الاهتمام بالنسب واظهارها جلياً في التكوين.

ماذا اريد ان اقول؟

نستطيع ان نفترض سيناريو لتوجهات عمارة السكن المحلية وتبدلاتها:

 يبدأ السيناريو بظهور توجه عالمي معين، ثم فيض من صور تجسيدات ذلك التوجه على شبكة الانترنت، ثم تأثر طلبة العمارة الشباب به، ليبدأ بفرض نفسه على نتاجاتهم الاكاديمية، لا يستطيع الاساتذة غالباً الوقوف امامه او ليس لديهم السبب او الرغبة لمنعه. فيبدأ ذلك التوجه بالظهور في اعمال الطلبة المهنية قبل التخرج او بعد التخرج، فيتم تطويع التوجه مع متطلبات البيئة المحلية من حيث مساحات البناء او المتطلبات الاجتماعية (كما في متطلب السلم الخارجي وكيفية التعامل معه)، ثم يبدأ اصحاب الحظ من اولئك الشباب بتنفيذ تصاميمهم، وتنتشر في المدينة، ليبدأ اخيرأ الطارئين على التصميم من المشاهدين لتلك المشاريع او المشتغلين بتنفيذها، بنقل معالم ذلك التوجه ومسخه الى توجه قردي خاسئ.

تنتهي هذه الدورة لتبدأ دورة اخرى بعدها ودورات مستمرة.

من يريد ان يثور على واقع عمارة السكن ويمتلك مقومات نجاح الثورة عليه ان يلتقط هذه الحلقات وان يقرر على اي منها يسلط تاثيره فيكسر الحلقة ويفصل السلسلة ليبدأ ببناء سلسلة جديدة تتلائم مع افكار واهداف ثورته المجيدة.

وافكر اخيراً، هل يستطيع اساتذة العمارة صرف نظر الشباب عن التأثر بالتوجهات المعمارية العالمية وبناء توجه محلي اصيل نابع من متطلبات البيئة؟

 ما هي معالم هذا التوجه المحلي؟ ولماذا نحاول الانفصال عن العالم؟ لماذا لا نحاول التأسيس علمياً لتلك التوجهات العالمية بدراستها وفهمها وتطويعها محلياً؟

قد تكون ذات الاسئلة التي فكر بها الراحل محمد مكية والمئات بعده.

يتردد صوت في رأسي ينادي:

المجد للشبكة ... المجد للشبكة ...