الخميس، 12 يونيو 2014

(الغربة – الاضطراب- الانفجارات) ثلاثة أوجه لعملة واحدة

نظرة تأريخية سريعة للشخصيات ذات التأثير الكبير على المسيرة المعمارية في العراق أو حتى الشخصيات المؤثرة في المجالات الفنية والاجتماعية تؤكد إن نسبة كبيرة منهم قد حصل على شهادته الجامعية من جامعات عالمية، فنتساءل: هل الدراسة خارج العراق هي شرط ضروري ليكون الانسان العراقي مميزاً، مجدداً ومبدعاً؟
وإن كان هذا الشرط في العراق او عموم الشرق صحيحاً، فما هو شرط التميز أو الابداع في أوربا وأمريكا؟
هي ليست قاعدة بالتأكيد ولكن النسبة ملحوظة جداً، فقد أشارت العديد من الدراسات الى علاقة الأضطرابات النفسية ومرض التوحد بالذكاء والإبداع !
إدغار ألان بو، فيرجينيا وولف، فينسنت فان كوخ، أرسنت همنغواي كانوا يعانون من أمراض عقلية صعبة، أما مرض التوحد فهنالك قائمة طويلة (غير موثوقة المصدر) تتضمن أشهر المجددين في العالم الغربي من المصابين به : ليوناردو دافنشي، مايكل أنجلو، كراهام بيل، بيتهوفن، موزارت، نيوتن، أديسون، آينشتاين، جين اوستن، مارك توين!

فنسنت فان كوخ
أرسنت همنغواي

فهل هنالك إرتباط بين أن يعيش ويدرس الانسان في بلد وحضارة جديدة وبين الاضطرابات النفسية والعقلية؟!
في الحالة الأولى ينتقل الفرد من بيئة يحيطه بها أفراد عائلته وأصدقائه، لغة يعرف جميع تفصيلاتها، نظام إجتماعي وثقافي مترسخ، الى بيئة جديدة عليه كلياً، مما يؤدي الى إنخفاض تواصله مع محيطيه من المنتمين للبيئة الجديدة، وإهتمامه الأكبر بإختصاصه العلمي أو الأدبي الذي ذهب ليحصل على شهادة عليا فيه.
أما الحالة الثانية فتتمثل بالأعراض التي يعاني منها المصابين بأغلب تلك الأضطرابات وهي الإنعزال عن المحيط الإجتماعي الخارجي والتقوقع في عالم خاص يهتم بنشاطات وقضايا متكررة ومحدودة والارتباط غير الطبيعي ببعض الظواهر والاشياء.
ومن تلك الحالتين تنطلق عملية الإنجاز الفكري للمغترب أو المضطرب وكل ذلك بسبب التفرّغ أو الإنعزال والذي يصب في زيادة عملية التفكّر، وفي الحديث الشريف لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام يقول: " إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَة خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَة"  وفي حديث غيره " إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَة خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَة" وفي رواية  "سَبْعِينَ سَنَة "، يزيد من كفاءة هذا التفكّر تجرده من القيود الفكرية التي يفرضها المحيط على الفرد نتيجة لعدم قوة تواصله الاجتماعي مع الافراد الأخرين.
 وللمبتعث العراقي قصة مميزة تزيد من عملية الابداع: هو يمتلك حضارة ماضية عظيمة (وادي رافدينية، إسلامية) تمتلك الكثير من مقومات القوة في وقتها، يعترف الجميع بتلك الحضارة ويتناولونها بالبحث والتحليل، ولكن اليوم أو بعد دخول المغول الى بغداد بدأت تلك الحضارة بالاضمحلال، وفي المقابل بدأت فترة إزدهار الحضارة الغربية حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم من صورة مبهرة يعيشها المبتعث ويقارنها مع ماضي بلده المشرق وحاضره المظلم.
من هنا يعمل على المزاوجة بين ماضي الشرق وحاضر الغرب للوصول الى حلول جديدة لمشاكل الشرق متجردة بالكامل من القيود التي يفرضها المجتمع الشرقي !
أقول هذا بالاعتماد على التجربة المعمارية لكلٍ من الدكتور محمد مكية والاستاذ رفعت الجادرجي وهما صاحبي أبرز التوجهات المعمارية الحديثة في العراق، والتي تتمثل بالاعتماد على الموروث المعماري أولاً ومن ثم التعامل معه بطريقة جديدة نابعة من فكر حركة الحداثة الذي درسوه وتأثروا به في الجامعات البريطانية.

الدكتور محمد مكية يسار الصورة
رفعت الجادرجي

 ونتساءل أخيراً: هل للمعماري او طالب العمارة الذي لم يغادر العراق أبداً نصيباً من الابتكار والابداع؟!

هنالك مستجدات تنتمي لنفس الواقع السيء الذي يعيشه العراق قد تشابه نفس الظروف المساعدة السابقة وهي :
-       الحالة الامنية السيئة وهبوط المستوى الثقافي للافراد قد تفرض على المعمار التزام مسكنه والابتعاد عن الحياة العامة وإقتصار تواصله مع المقربين فقط.
-       توفر شبكة الانترنت العالمية جعل من السهولة الاطلاع ودراسة الحضارة الغربية المتميزة والإنطلاق من إنجازاتها في محاولة لتنشيط عناصر الحضارة والمجتمع العراقي.

وقد يقول الرأي الأخر: إن جميع ما سبق ليس له أي تأثير فمن يريد أو يمتلك مقومات الإبداع يستطيع إنجازه في أي بيئة وتحت أي ظروف محيطة، ولكنها محاولة مني لإيجاد التقارب بين المبدعين والمجددين في الحضارة الانسانية بأكملها. 

بلال سمير

الجمعة، 6 يونيو 2014

أعزائي المعماريين .. لقد سئمت منكم !

إن طبيعة الدراسة المعمارية هي التي تجعل المعمار يعيش حالة من الاختلاف والتميز عن الاختصاصات الهندسية الأخرى، فهو يطلع على تأريخ الحضارات الانسانية، علم الجمال، علم الاجتماع، علم النفس علاوة على العلوم المتعلقة بالبناء والانشاء والكثير من الموضوعات التي تضمن مستقبلاً تصميم مباني تلبي حاجات الانسان النفعية والرمزية والجمالية في مكان وزمان معينين.
لذا عند مواجهة أي قضية فكرية فهو ينظر اليها ويتعامل معها من وجهة نظر مختلفة بالتأكيد عن الأخرين، ولكن في ظل هذا الاختلاف كيف ينظر الناس بدورهم الى المهندس المعماري؟
المعماريون يقولون إنهم أصحاب المهنة الأهم في الحضارة، تصميم مدن وفضاءات تحتوي جميع الانشطة والفعاليات الانسانية حتى إننا تعرفنا على أغلب الحضارات السابقة من خلال ميراثها العمراني، فهل يؤيد الاخرون هذا؟

الكاتبة الامريكية (Annie Choi) تنقل لنا وجهة النظر المقابلة، كيف ينظر الناس للمهندس المعماري وطلاب العمارة، من خلال رسالة مفتوحة بعنوان:




 ونظرتها بالطبع تشير الى واقع الحياة الامريكية، وبالتأكيد هنالك الكثير من المشتركات والاختلافات بينها وبين البيئة الاجتماعية والمهنية العربية والعراقية بالتحديد، وأتمنى أن نقرأ يوماً ما لكاتب عراقي وهو يصف ويفصّل النظرة المجتمعية للمهندس المعماري العراقي.
والنص التالي هو ترجمتي بتصرف لنص الرسالة التي توضح فيها تجربتها مع أصدقائها المعماريين:

" ذات مرة ومنذ وقت طويل جداً في الايام الخوالي، كان لدّي صديقاً يدرس الهندسة المعمارية ليصبح على نحو محتمل مهندس معماري!
هذا الصديق عرفني على أصدقاء أخرين وهم يدرسون الهندسة المعمارية أيضاً، وهؤلاء الاصدقاء لديهم أصدقاء أخرين أصبحوا معماريين(معماريون حقيقيون يصممون مباني حقيقية) وهؤلاء الاصدقاء يعرفون معماريين حقيقيين أخرين وهكذا فإن الناس الوحيدين الذين أصبحت أعرفهم هم المعماريين!
لا تفهموني خطأً، أيها المعماريون .. أنا معجبة بكم كأشخاص، وأنا أظن أنكم لطفاء، وذوو رائحة رائعة طوال الوقت وأنا معجبة بنظاراتكم. تملكون تسريحات شعر مجنونة، وإذا كنتم محظوظين فإن أغلب ذلك الشعر باقٍ على رؤوسكم! ولكنني لا أهتم بالهندسة المعمارية، هذه هي الحقيقة ولكن هذا ما أهتم له:
-       Burritos (طبق طعام مكسيكي).
-       Hedgehogs (القنافذ).
-        Coffee.
وكما ترون فإن العمارة ليست ضمن القائمة، وانا أظن أن العمارة تقع في مكان ما بين تنظيف أصابع القدم وآلام القولون في قائمة الأشياء التي تثير إهتمامي! ربما لو كنتم لا تتكلمون عنها كثيراً لكنت أكثر اهتماماً بها.
عندما تشيرون الى مبنى إسطواني زجاجي وتقولون بفخر: "انظروا مكتبي صمم هذا" فأنا أضحك وأقول إنها تشبه زجاجة لتدخين الممنوعات (bong)، فتديرون وجوهكم وتشعرون بالقرف والعار مني وتقولون لانفسكم: " من الواضح إنها لا تفهم، وماذا تعرف وهي مجرد كاتبة تهتم بالروايات، فهي ليست معمارية! ".


bong

وبعدها يقول أحدكم سوف أقوم بتصميم (lifestyle center) وعندها أسأل: وماهو ذلك؟ فيقول إنه مكان يقدم البضائع والخدمات وفرص البيع بالتجزئة، فأقول أنت تقصد مركز تسوق(mall)؟  فيقول: لا إنه (lifestyle center) فأقول إنه يبدو كـ(mall)! أنا من المدينة أيضاً وأعرف ماهو المول !
أيها المعماريون أنا لن أكذب، أنتم تربكونني، فأنتم تعملون ستين أو ثمانين ساعة في الاسبوع وأنتم لا تزالون فقراء، لماذا لا تشترون لي الشراب؟ أين تنفقون أموالكم؟ إنه لغز وسوف أترك ذلك للعلماء لأكتشافه!
المعماريون يحبون النقاش عن عدد ساعات النوم التي حصلوا عليها، أحدهم يذكر كيف بقى في الاستديو لغاية الخامسة صباحاً، وليعود بعدها الى المكتب بساعتين. ثم يقول الأخر: هذا لا شئ فأنا لم أنم لمدة أسبوع ! ثم أحزروا ماذا يقول الأخر؟ أنا لم أنم أصلاً! أعزائي المعماريين، كم هو عملكم مجهد أو كم انجزتم من العمل لا يقاس بعدد ساعات نومكم! هل سمعتم بـ(Rem Koolhaas)؟ إنه مهندس معماري مشهور، أنا أعرف ذلك لأنكم قلتم لي إنه معماري مشهور، لقد سمعت إن (Rem Koolhaas) كان نائماً دوماً. وانا أفترض إنه نائم الآن.
الحياة صعبة بالنسبة لي، رجاءاً إفهموا، المعماريون جزء مهم من وجودي. يتصلون بي الساعة الحادية عشر مساءاً ليقولوا إنهم أنهوا عملهم، هل أنا جائعة؟
إسمعوا:عملياً إنه منتصف الليل، وأنا أكلت منذ عدة ساعات وهكذا فقد مرت فترة طويلة، وبالحقيقة نعم أنا جائعة، وسأتي للعشاء. ثم أذهب لأجد هنالك معماريين أخرين يتكلمون عن إختصارات برنامج (AutoCAD) وشيئاً ما عن الالواح الكهربائية وهذا كل ما عملوه خلال يومهم، فأنظر حول المنضدة الى المساكين، المتعبون والجائعون حولي وأفكر مع نفسي لو كنت أملك رصاصة واحدة في مسدس من سأختار لأضرب أولاً ؟!
أملك صديقاً وهو طبيب، يعطيني العقاقير وأنا مستمتعة بها. وأملك صديقاً أخر وهو محامي، يساعدني في مقاضاة مالك مسكني. أصدقائي المعماريون لم يعطوني أي شئ، لا عقاقير لا نصائح طبية وهم لا يعلمون كيفية تهجئة كلمة (subpoena)(إستدعاء للمحكمة). أحد أصدقائي المعماريين أشار الى إن شقتي يبلغ مساحتها مئة وثمانية وسبعون قدماً مربعاً، هذا لطيف ! شكرا على ذلك !
لذلك أعزائي المعماريين، سأنتظر في مكاني، فقط القليل من الوقت، وأتامل في يوماً ما أحدكم سيصبح طبيباً أو محامياً أو مستحصل لضرائبي، وسنضحك على الأيام التي قضى فيها طوال الليل يتحدث عن شخص أوربي لم يلتق به أبداً والذي صمم مبنى لم يراه بعينه أبداً لانه كان مشغولاً بتصميم مبنى لم يشيد أبداً، ولكن حتى لو لم يأتي ذلك اليوم فليتصل بي باي حال، فأنا غير مشغولة !

تفضلوا بقبول فائق الاحترام
      

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

ثلاثة متاحف ونص

الخبر الأول:أصدرت حكومة إقليم كردستان قراراً بتكليف المعماري  Daniel Libeskind بتصميم المتحف الوطني الكوردي في اربيل شمال موقع القلعة التأريخية، ويشير الخبر الى إن المصمم سيقدم تصميمه التفصيلي نهاية شهر أيار/مايو الماضي وهو سيكون بديلاً عن متحف اربيل الحضاري الذي افتتح عام 1989.
الخبر الثاني: قرب إتفاق إدارة العتبة الحسينية المقدسة مع مكتب المعمارية العراقية زهاء حديد لإشرافها على تصميم مشروع (بانوراما واقعة الطف) وهو عبارة عن متحف (بانورامي) يؤرخ لواقعة الطف في كربلاء والمشروع بتمويل من العتبة الحسينية، ويشير الخبر الى إن زهاء حديد قد قبلت دعوة المشاركة وأرسلت مبعوثاً من مكتبها لمقابلة الإدارة في العتبة.
الخبر الثالث: وزير السياحة والاثار في الحكومة العراقية بحث مع وفد إستشاري من مكتب المعمارية العالمية زهاء حديد موضوع إعداد التصميم الخاص بالمتحف العراقي الكبير الذي تعتزم الوزارة إنشاءه على أرض مطار المثنى بمساحة 200 دونم، وقد رحبت زهاء حديد بالفكرة وأبدت إستعدادها لتصميم هذا المشروع الكبير.

 يكثُر الحديث عن هذه الثلاثية من الجوانب المعمارية، الإقتصادية، الإيديولوجية والسياسية، ولكن الجانب الأهم هو توجيه الدعوة المباشرة لمكتب معماري معين دون التفكير بالحصول على بدائل وخيارات تصميمية اخرى يقدمها معماريون على المستوى المحلي أو العالمي، حيث يدل القرار على إقتناع كامل بالمهندس المعماري المنتخب من قبل الجهة صاحبة المشروع.
ولمحاولة تفسير هذا القرار والقناعة التامة خلفه من الممكن النظر الى تلك الثلاثية من خلال معادلة مفترضة تتمثل بالتالي :
شهرة معماري + طبيعة الأنظمة الحاكمة + الإستعراض = قرار الدعوة المباشرة

 والحديث أولاً عن المعماريين دانيال ليبسكند وزهاء حديد: فكلاهما قد حقق في السنوات الاخيرة شهرة عالمية واسعة ولعل السبب الأهم في شهرتهما هو(اللامألوف) فمنذ البداية كانت تتميز تصاميمهم باشكال وعلاقات غير متداولة ولامألوفة في الهندسة المعمارية على مر العصور والحضارات، أما سبب قدرتهما على هذا الانتاج المتميز فهو إنطلاقة الإثنين من فكر الحركة التفكيكية، والتي تعتمد بدورها على فكر جاك داريدا في الأدب (وهو فيلسوف فرنسي ولد في الجزائر عام 1930) والذي دعى الى: إعادة التفكير بكل الانظمة والحقول والأطر والحدود فيما بينها بطريقة جديدة متحررة من القيم والتقاليد السابقة وبتفريغ العقل من كل ما يحمله من قيود ومحددات. وكان تطبيق هذا الفكر معمارياً يدعو الى: تحطيم الحدود بين العمارة والنصوص الاخرى مثل الفلسفة، الفن، الادب، ومحاولة فك سيطرة فرضيات معمارية معينة مثل الوظيفة، النفعية، المعيشة وكانت النتاجات الشكلية عبارة عن شبكات تخطيطية محطمة، جسور متقاطعة، أشكال متناقضة ظاهرياً، جسور طائرة، مخططات مربكة ومحاور دورانية.[1] وبعد هذه البداية المشتركة بدأ كل منهما بإتخاذ توجهه المعماري الخاص لإنتاج أشكال معمارية محافظة على اللامألوف بإستمرار.


 Zaha Hadid - Heydar Aliyev Center


Daniel Libeskind - Jewish Museum Berlin
أما ما يخص الأنظمة الحاكمة، وعلى إختلاف تصنيفاتها السياسية والادارية فنحن نعلم الاشكاليات التي ترافق إختيار الاشخاص لشغل مناصب تخولهم إتخاذ قرارات مهمة، ونعلم المعايير التي يتم على أساسها وضع اولئك الاشخاص في المكان المناسب! فذات يوم في المؤتمر القطري الثالث لقسم الهندسة المعمارية/الجامعة التكنولوجية وقف مسؤول في مجلس محافظة بغداد لالقاء كلمة بالمناسبة فطلب من المعماريين العراقيين الاقتداء بالمعمارية زهاء (حميد)!   
وأخيراً الاستعراض: كل نظام حاكم (حكومة اقليم كردستان، الحكومة العراقية او احدى وزاراتها، ادارة العتبة الحسينية) تبحث عن دلائل مادية تثبت للعامة إنجازاتها العظيمة خدمة للمدينة أو للقضية التي تنتمي اليها، وبسبب الأموال الهائلة المتوفرة فهم يذهبون الى القمة، قمة المتداول في وسائل الاعلام بدون التفكير بالكثير من القضايا والاشكلات الفكرية التي تخص تفاصيل ذلك القرار الاستعراضي!

واليكم السيناريو الافتراضي التالي: يشتكي المجتمع من سوء بناية المتحف الوطني في أربيل وهي لا تناسب المستوى الحضاري للمدينة التي تطمح ان تكون مدينة دبي الثانية فيتداول أصحاب القرار ضرورة إنشاء متحف جديد، ولأن هنالك عدد منهم سافر او قضى فترة من حياته في امريكا، المانيا، انكلترا والدنمارك وانبهر بالمتاحف الـ10 او اكثر التي صممها دانيال ليبسكند فأقنع الجميع بأن ليبسكاند هو أفضل من يصمم متحف للمدينة لتنافس بمبانيها مدينة دبي العالمية ولم يخطر على بالهم أو لم يعطوا أهمية لكون ليبسكند من أشد المناصرين لقضيتهُ (القضية الاسرائيلية).

أما سيناريو متحف بانوراما الطف فهو لا يختلف ابداً: الرغبة في الاستعراض والتأثر بالمدح والتمجيد اليومي لزهاء حديد في وسائل الاعلام جعل أحد المعماريين الشباب ان يقترح على الادارة ان تدعوها وهو ما يمثل بنظرهم قمة الانجاز والخدمة للمدينة والقضية، متناسين أو غير مهتمين بخلفية زهاء الفكرية وكيفية تعاملها مع التراث عامة والاسلامي خاصة وكيفية تعاملها مع مفردات العمارة الاسلامية التي تشتهر بها مدينة كربلاء المقدسة، وفيما يخص التكاليف المادية للتصاميم المعمارية وتكاليف إنشاء أشكال زهاء حديد اللاتقليدية، هل هنالك مورد أخر أكثر ضرورة وحاجة لتلك الاموال الهائلة؟ هل انقرض الفقراء في المدينة او المدن المجاورة؟ وفيما يخص أفراد المجتمع المتلقين، الجميع يعلم المستوى الثقافي والفكري لسكان الغالبية العظمى من المحافظات الجنوبية هل سيتقبلون تصميم زهاء حديد أم إن شهرة الاسم كافية لإنجاح المشروع؟!

وأخيراً تصبح المعادلة الموضوعة وتفاصيلها:
 شهرة معماري (التفكيكية-اللامألوف) + طبيعة الأنظمة الحاكمة (الحكم السطحي-الاغراض الإعلامية) + الإستعراض (الذهاب الى قمة ما يبهر المجتمع) = قرار الدعوة المباشرة (تجاهل جميع التفاصيل والقضايا الفكرية المختصة بالعمارة)
بلال سمير.





[1] التفكيكية في العمارة، دراسة تحليلية للخلفية الفكرية والشكلية للعمارة التفكيكية، عمر راستي الخفاف،1996.