الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

مدن الربيع العربي

فكرت يوماً بمبشر الربيع العربي الأول محمد البوعزيزي، كيف إستطاع إحراق نفسه؟ وأنا أدفئ ماء الشرب قليلاً كي لا أصاب بالانفلونزا! ثم مررت بتجربة حياتية بسيطة: أن يساء اليك وليس لك ذنب من قريب أو بعيد، والأدهى إنك لا تستطيع إن تعمل شيئاً لأن المقابل أكبر سناً ولا تريد الإساءة اليه بدورك!

بعدها عرفت الإجابة ... كم من الغضب والمرارة لايوصف ... بركان داخلي تستطيع قوته فعل المستحيل، كإحراق الانسان لنفسه.
وعندها وجد الشعب التونسي طريقة للرد على إساءة الكبير إنتقلت بعدها لبلدان اخرى إنها (التظاهرات السلمية) فتغيرت الأنظمة السابقة الى أنظمة ديمقراطية وأصبحت التظاهرات سلاح المعترضين الأول. برزت هنا مشكلة جديدة هي: تأثير تلك التظاهرات على الأخر وتعطيلها للحياة العامة، فلو تظاهر الطرف(س) ستغلق الشوارع  ويتأخر من لا شأن له عن مواعيده وبالتالي تتولد مشاعر سلبية من الطرف(ص) باتجاه(س) بعيداً عن موضوع المظاهرة ولكن بسبب تأخر(ص) عن مكاسبه المادية.

والحاكم الذي يعنى بالمصالحة والتعايش يجب أن يضع حلاً مستقبلياً لتك المشكلة من خلال دراسة أماكن التظاهر والتساؤل: لماذا يتظاهر المصريون في ميدان التحرير والبحرينيون في دوار اللؤلؤة والعراقيون في ساحة الفردوس؟
هنالك عدد من الاسباب التي قد تبدو بديهية ولكنها تستحق الدراسة تخطيطياً لحصر المشكلة وحلها:
-       إختيار الميدان أو الساحة الأكبر مساحة لإستيعاب أعداد المتظاهرين وخاصة في تظاهرات مصر المليونية.   
-       إختيار الموقع الذي يمكن السيطرة على منافذه من أجل تأمين المتظاهرين من إعتداءات الاطراف الاخرى.
-       القرب من مكاتب المحطات الفضائية والوسائل الإعلامية من أجل نقل التظاهرات الى مشاهدي ومتابعي العالم.
-       القيمة الرمزية لتلك الميادين والساحات من خلال إرتباطها بأحداث تأريخية أساسية للدولة كسقوط رمز النظام السابق في ساحة الفردوس.

ميدان التحرير في القاهرة
دوار اللؤلؤة في البحرين
ساحة الفردوس في بغداد
وبالتالي فإن هنالك 3 حلول مقترحة من الممكن مناقشتها الاول: منع تلك التظاهرات بالاصل ومن يريد التعبير عن رأيه فليتجه الى مواقع التواصل الاجتماعي، الثاني: نقل الدوائر الحكومية والأسواق وعمل الطرق البديلة من أجل عزل تلك الميادين والساحات عن الحياة العامة عند الضرورة والثالث: تخصيص مواقع جديدة للتظاهر لا تؤثر على مصالح الاخرين وهي تتضمن مقومات ساحات التظاهر من حيث المساحة والسيطرة الامنية واحتوائها على المراكز الاعلامية وكل ذلك ضمن مخطط مصمم ومدروس.
وبالنظر الى مواقع الثورات والربيع والاضطرابات الحالية من مقياس اكبر(مصر، لبنان، سوريا، تركيا، العراق، البحرين، اليمن) وتأثير لاجئي سوريا على الاردن وإنشغال السعودية بدعم المعارضة السورية مرة والجيش اللبناني مرة أخرى، ألا نرى إن هنالك بقعة هادئة لم نلاحظها في الشرق الاوسط؟ إسرائيل؟ نعم إسرائيل ... إن ما يحصل بالتأكيد مشابه لإستعمال الساحر مساعدة حسناء فاتنة عندما يحاول أن يخفي فيلاً من أمام الجمهور!
ونحن كمعماريين وكما يقول الجميع يجب أن نفرق بين اليهود والصهاينة، ففي العمارة نرى إن كثير ممن نتغنى ونعجب بأعمالهم من المعماريين اليهود حيث تشير المواقع الالكترونية الى أبرز عشرة معماريون يهود في العالم هم :
-       Frank Gehry             - Peter Eisenman
-       Dankmar Adler        - Marcel Breuer
-       Richard Meier          - Moshe Safdie
-       Luis Kahn                 - Erich Mendelsohn
-       Daniel Libeskind      - Arieh Sharon
          
Frank Gehry
Richard Meier
Daniel Libeskind
أما عن سبب التميز والشهرة وهل للديانة والانتماء دور فيها؟ فمن الممكن تكوين ثلاث نظريات تفسر ذلك الاولى: أنه أمر طبيعي جداً فللديانات والامم الأخرى مشاهير ايضاً وفي إختصاصات وعلوم متنوعة، الثانية: طبيعة المجتمعات اليهودية التي تتميز بالانغلاق وعدم التمازج والانحلال في المجتمعات الانسانية الاخرى وبالتالي التمسك أكثر بفكرهم القائل: إن (يهوه) يئس أن يجد من يعبده فخلق بني أسرائيل ليكونوا شعبه المختار من دون العالمين وجعلهم وسيطاً بينه وبين باقي الامم إذ هم يمثلونه وحدهم وبالتالي يكونوا مسؤولين عن العمل بأستمرار وبأخلاص كل في مجاله من أجل تقدم الانسانية، والثالثة أخيراً: هو إن للإعلام والسياسة والاقتصاد الامريكي دور مؤثر(اغلب العشرة المذكورين هم يعملون من امريكا) في شهرتهم والجميع يعلم بسيطرة اليهود على تلك القطاعات في امريكا والتي تمثل الساحر الذي يستطيع ان يخرج أرنباً من القبعة ونحن مأخوذين بجمال مساعدته الشقراء .  

بلال سمير        

     



الاثنين، 30 ديسمبر 2013

2014

لنودع فضاءات 2013 ونبدء بتأثيث فضاءات 2014 ، أتمنى أن تكون مشمسة ، أنيقة وحافلة بالسعادة .





الأحد، 22 ديسمبر 2013

أنشتاين والنسبية في العمارة

في زحام العقل وسعة مواضيع الصف السادس العلمي وتعقيدها برزت مشكلة صعوبة حفظ مفردة (consolidating) في مادة اللغة الانكليزية، فما كان من استاذنا إلا أن قال: "تخيلوا إن هنالك فتاة جميلة جداً إسمها (كونسوليديتنك)" فحفظنا جميعاً الكلمة ولم انساها حتى الآن! 

 نعم، (الجمال من أفضل وسائل الإيضاح للإنسان) وقد أدرك هذه الحقيقة أعظم الادمغة في التأريخ عالم الفيزياء البرت أينشتاين فرغم تعدد الشارحين للنظرية النسبية إلا إن ابسط الشروح وأكثرها جاذبية حتى الآن هي الطريقة التي كان يستعملها أنشتاين نفسه عند توضيح نظريته لتلاميذه حيث كان يقول: " إذا جلست مع فتاة جميلة فإن ساعتين تمران كما لو كانتا دقيقتين، وأما إذا جلست فوق موقد ساخن لدقيقتين فقط فإنهما تمران كساعتين ، هذه هي النسبية !"



ونحن كمعماريين من الضروري أن نحيط بالعلاقات بين الجمال والمكان والزمان وجريانهُ وذلك مايرتبط بالنظرية النسبية لأنشتاين، ولعل الظاهرة الأبرز المرتبطة بالعمارة هي الإحساس ببطئ جريان الوقت في بعض فضاءات المباني وسرعة جريانه في مباني أخرى والسؤال هنا: هل إن للتصميم المعماري والداخلي بالتحديد تأثير في حدوث هذه الظاهرة؟  الإجابة تتعلق من جانب بما يسمى الزمن السيكولوجي وهو مختلف عن الزمن الميقاتي التقليدي يقول محمد رؤوف حامد:[1] "إن إدراك الطفل للزمن يكون كما لو كان الزمن يزحف (كناية عن بطئ مرور الزمن) حيث يدرك الطفل الزمن من خلال تتابع أو تعاقب الأحداث أكثر من أدراك ذهنه للإستمرار أو الترتيب في الأحداث بالنسبة للزمن وإن البالغين أيضا يعودون للاقتراب من إحساس الطفل بالزمن في حالات معينة عندما يكونون في الموقع الطفولي من ناحية الخبرة حيث يتتابع إستقبال التعليمات وإدراك الأشياء أكثر من التفاعل معها وترتيبها يحدث ذلك عند الإنتقال الى عمل جديد يتلقى المرء في فتراته الأولى تعليمات جديدة، أو عند الانتقال للمعيشة في وطن جديد حيث يمر الزمن من خلال تتابع احداث من نوع جديد أو من خلال تدفق أنطباعات جديدة يكون أحساس المرء بالتتابع أكثر من الاستمرارية والترتيب".(انتهى)
 قد يكون ما سبق مشابه لمرور الوقت بطيئاً أثناء محاضرة معينة يطرح فيها المحاضر معلومات جديدة حتى إن الخمس دقائق الأخيرة تتحول الى سنة كاملة أما في يوم التحضير للإمتحان يمر الوقت بسرعة هائلة نتيجة لإنشغال العقل بترتيب تلك المعلومات المدركة مسبقاً وتنظيمها.





لذا يجب علينا تحديد الهدف من تصميم الفضاء الداخلي فإذا كان فضاءاً لقضاء العطلات أو فضاءات لمنتجع سياحي ويرغب المصمم بإطالة الزمن السيكولوجي على شاغليه فيمكن تحقيق الجمال عن طريق عناصر تصميم وعلاقات مستحدثة، جديدة، غريبة، معقدة يتطلب إداركها وقتاً طويلاً، أما اذا كان فضاءاً لمستشفى أو دائرة حكومية ويرغب المصمم بالعكس أي كبس الزمن وتقصيره على المريض والمراجع ما عليه سوى اللجوء على عناصر وعلاقات مألوفة، متداولة وبسيطة في تصميمه.               
الجانب الأخر الذي يرتبط بالنظرية النسبية هو الإطار المرجعي للزمن حيث (أعطى أنشتاين للزمن أهم وأكثر الأوصاف مصداقية وحسماً على مدى التأريخ عندما قال: لكل جسم مرجعي زمنه الخاص به وبدون معرفه النظام (النسق) المرجعي للجسم وبالتالي الإطار المرجعي  للزمن الخاص به، فليس هنالك أي معنى في ذكر الوقت الخاص بحدث يتعلق بالجسم المشار اليه)[2].
والإطار المرجعي هنا هو إطار مختبر فيزيائياً منتظم ومعروف من قبلنا، وفي العمارة يمكن الاستفادة من الفكرة في إيجاد طريقة لقياس كفاءة الفضاء وتصميمه الداخلي في كونه بيئة مثالية لانجاز الفعاليات البشرية داخله وذلك من خلال قياس الزمن المثالي لانجاز تلك الفعاليات ومن قبلها أيجاد إطار مرجعي لقياس ذلك الزمن . وفي سبيل ايجاد ذلك الإطار تشير أغلب التجارب الى إن الانسان يكون بحالته المثالية عند توفر ثلاث: الماء والخضراء والوجه الحسن، فلو أردنا قياس كفاءة فضاء صناعي أو إداري من خلال زمن الانجاز فما علينا الا أن نقوم بتجربة تتضمن قيام العامل أو الموظف لتلك الفعالية في فضاء يحتوي الماء والخضراء والوجه الحسن! ثم يسجل التوقيت ويقارن مع توقيت انجاز الفعالية في الفضاء المطلوب .
وأخيراً نرى إن الجمال في العمارة والتصميم هو الهدف والمقياس ووسيلة الإيضاح علاوة على الاهداف النفعية والاجتماعية ولعل انشتاين اقترب من وصف العمارة حينما قال: كم جميلا أن يختلط العلم بالفن؟ كم جميلا أن تختلط العبقرية بالجمال.

بلال سمير        




[1] سلسلة الفكر ، إدارة المعرفة والابداع المجتمعي ، ص 38-39 .
[2] المرجع السابق ، ص 36 .

الجمعة، 20 ديسمبر 2013

تسويق العمارة

تتزايد اليوم المشاريع الإستثمارية في مدينة بغداد ومدن العراق كافة ولعل حصة الأسد فيها للمشاريع التجارية المطاعم، الكافيهات، معارض بيع السلع المتنوعة وبالتأكيد المولات التي تتضمن جميع ما سبق، وفي تلك المشاريع يكون التصميم المعماري أحد الاركان الاساسية في تسويق تلك السلع والخدمات وذلك من خلال الدفع بمبانيها من دائرة المألوف وغير الملفت للنظر الى مباني جذابة يرغب الجميع بإرتيادها والتعرف على مابداخلها.
والسؤال هنا: هل من الممكن ان نفكر بالعمارة كسلعة ؟ والأهم كيف نوظف فنون تسويق السلع المختلفة في تسويق العمارة ؟
الجواب مبدئياً : ممكن طبعا، وقد يكون كل ما سأكتب معروف سلفاً ولكنه غير مدون وإنما ناتج عن خبرات تنتقل شفهيا أو يكتسبها المعماريون عند ممارسة المهنة.
لنفترض إننا بصدد فتح مكتب هندسي نطمح من خلاله ممارسة مهنة العمارة بكافة توجهاتها واختصاصاتها وبالتأكيد فإن الهدف الأهم لنا هو المكسب المادي من خلال الحصول على أكبر قدر ممكن من الأعمال المعمارية ولتحقيق ذلك من الممكن الاعتماد على نفس الآليات التسويقية المستخدمة في السوق ومنها :
-     الإهتمام بالتصميم الداخلي للمكتب: لاتبخل ابداً على التصميم الداخلي للمكتب والتوجه بأتجاهين: الاول التصميم الكلاسيكي الراقي بعيدا عن كثرة التفاصيل والبهرجة والثاني التوجه نحو الغرابة المدروسة في تصميم جديد ومبدع مرتبط بموضوع العمارة، وكل ذلك يصب في نقطة واحدة: من منا لا ينبهر بتصميم محل الازياء أو الاسواق؟ فالتصميم الجيد يدفع الشخص للاحساس برقي المكان وتميزه عن غيره من الاماكن.





   الإعلان عن خدمات المكتب: من الضروري الإستفادة من الخدمات الاعلانية التي قدمتها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية من أجل التعرف على المكتب وموقعه الجغرافي والفريق العامل فيه ونوعية الأعمال السابقة ولكن يجب التمييز بين الاعلان الرصين والمبتذل فالرصين يمتاز باللغة السليمة والراقية ويعتمد على العرض فقط دون الحاجة لطلب نشر الاعلان وتداوله، على عكس النوع الاخر الذي يتخذ من أغنية كريم منصور (بس تعالووو) شعاراً له.
-         تقديم الهدايات المجانية: الجميع يفرح بالهدايا المجانية حتى لو كانت (جكليتة) فهي توحي للزبون بإنه عقد صفقة رابحة إذ أخذ شيئاً مجانياً علاوة على السلعة التي اشتراها (مخططات التصاميم) والجميع يعلم ان ثمن تلك الهدية يستحصل من أرباح العمل ولكن للامور النفسية عجائب وغرائب، فمن الرائع أن يقدم المكتب مثلاً لوحة فنية جميلة كهدية للزبون الذي يرغب بتصميم مسكنه.


-      


   
هدايا من الممكن ان تقدم للزبائن
    تثبيت الاسعار مقدماً: أيهما مريح أكثر عند التسوق أن تجد الأسعار مثبته على كل قطعة موجودة؟ أم عدم وجودها فيضطر المشتري سؤال البائع كلما يجد شيئا أعجبه؟ وقد يتحرج لكثرة السؤال لإنه يرغب معرفه سعر قطعة معينة دون الرغبة بشرائها، بالنسبة لي افضل الطريقة الاولى ولكن هل من الممكن الاستفادة من هذه الطريقة في العمارة؟ الخلاصة هي ان تثبت تكاليف التصميم والخدمات الاخرى منذ البداية لتلافي المشاكل لاحقاً فالمثل المصري يقول: (الي أولوو شرط أخروو نور)
-          الزبون وثنائية الرجل والمرأة: بالعودة الى الثنائية الأشهر في الكون فهي مؤثرة جداً في التسويق لاي سلعة فماذا لو كان الزبون رجل؟ أو مرأة؟ ماذا لو كان الزبون أعزب؟ أو متزوج؟ فالنبدء بالرجل لانه خُلق أولاً: لكي نسوق التصميم المعماري للرجل بنجاح وبالاستفادة من تجارب السوق ما علينا سوى توظيف المهندسات المعماريات الجميلات، فذلك يجعل منه زبون مثالي غير مثير للمتاعب. أما التسويق الناجح للمرأة فيعتمد على توفير عدة بدائل تصميمية وجعلها تختار من بينها حيث إن جميع الدراسات تشير الى حب المرأة للتسوق أكثر من أي شي أخر وماعلينا الا أن نجعل إختيار التصميم أشبه بتجربة التسوق الممتع بالنسبة لها. ولو كان الزبون أعزب فنحن بحاجة الى الجمال فقط أما إذا كان متزوجاً فنحن بحاجة الى الجمال والبدائل التصميمية لزوجته فهي صاحبة الحل والعقد وفي هذا السياق يقول المعمار(Frank Gehry): " لكي تقنع زبون أي مشروع عليك أقناع زوجته اولاً ".


بلال سمير

        

الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

زهاء حديد وكوارديولا - مشروع الفريق الفائز

عندما يوصف المدرب الإسباني بيب كوارديولا في موقع (football speak) بـمعمار لعبة المستقبل Guardiola-the Architect of the Future Game))
فهل هو وصفٌ مبالغٌ فيه؟ وعندما يشبّه مدرب كرة القدم بالمهندس المعماري فهل من الممكن أن يشبّه المعماري بمدرب كرة القدم؟ فنقول مثلاً (أذا أردت لمشروعك الفوز فوظف المدربة زهاء حديد).
قد تكون الصورة واضحة للشخص المتابع لمباريات كرة القدم وأحداث دوريات العالم (الأوربية منها خاصة) ولكنها أقل وضوحاً لغير المتابع أو من يشجع نادي ريال مدريد لأن فريد الأطرش غنى لكرستيانو رونالدو أغنية (جميل جمال ملوش مثال)!

تتشابه المهنتان في كثير من الأساسيات والجزئيات حتى من الممكن أن يستفيد المهندس المعماري من مراقبة مهنة التدريب ومتاعبها للخروج بأفكار جديدة تحقق له النجاح في المستقبل وهذا هو الهدف من المقارنة بين الاثنين. حيث يمكن أن نلخص التشابهات سريعاً بالتالي:
-  يمتلك (المدرب-المعمار) عناصر محددة يستخدمها في وضع (خطة-مخطط) تتمثل بـ(اللاعبون- النقطة، الخط، الشكل ....الخ).
- لكل لاعب خصائص جسدية وعقلية يجتهد المدرب في إيجاد علاقة بينه وبين اللاعب الأخر الذي يلعب الى جانبه لتقوية وتكامل تلك الخصائص من أجل خلق فريق قوي يحقق الفوز، كذلك الحال في التصميم المعماري فالمعمار الناجح من يخلق علاقات متينة بين عناصر التصميم تتجسد في (مبادئ التصميم) لانتاج مشروع قوي يحقق الفوز أيضاً .






-   لكل مباراة هنالك ظروف خارجية مؤثرة بلعب الفريق، الجمهور يشجعون الفريق أم الفريق المنافس؟ إتجاه الشمس تؤثر بعيون اللاعبين أم خلف ظهورهم؟ حالة الأرضية ونوعية العشب وغيرها الكثير والتي يجب أن يأخذها المدرب بالحسبان كما يجب أن يفعل المعماري مع طبيعة المجاورات مؤثرة سلباً ام ايجاباً ودراسة عناصر المناخ وطبيعة تضاريس موقع التصميم وغيرها من المؤثرات الأخرى.
-    يعمل مع المدرب مختصون أخرون (مدرب لياقة بدنية، مدرب حراس مرمى، كادرطبي) وعمل كل منهم مؤثر في تحقيق الفوز وهو الحال مع المعماري أيضاً فهنالك (مهندس مدني، مهندس كهرباء، مهندس ميكانيك ......) وإذا أخطأ احدهم فأن المشروع يتعرض للخسارة.
-كل لاعب تتطور إمكانياته ويكتسب مزيداً من الخبرة بمرور الوقت وهو الحال مع العناصر وخصائصها والمبادئ التي يختبرها المصمم فيكتشف ما يكمن داخلها من إمكانيات وقوة ثم يستخدمها سوية بأحسن صورة .

ثم نصل الى الجوانب التي تنقص المهندس المعماري وخاصة في العراق وتوجد في مهنة التدريب :
-  عندما يخوض الفريق المباراة فإن أعين مدربي الفرق التي سيلعب معها في المستقبل مفتوحة على أي عيب أو خطأ في التشكيلة وخطة اللعب لكي يستفيدوا منها عندما يلعبون سوية، لذا على المدرب بعد كل مباراة سواء انتهت بالفوز أو الخسارة أن يصلح العيوب التي يكتشفها بنفسه أو يصرح بها المعلقون والمحللون والصحف والمواقع الالكترونية، قد تسمى هذه الحالة في العمارة (التغذية العكسية) فعلى المعماري أن يدرس تصميمه بعد التنفيذ وحتى بعد الاستعمال ويتصل بالمستخدمين لمعرفة المشاكل التي يعاني منها التصميم من أجل عدم تكرارها في تصاميمه القادمة، فهل نقوم نحن بذلك ؟ أنا شخصياً (لا) سوى مرة واحدة أتصلت بصاحب المسكن الذي صممته لسؤاله عن تفصيل يزيد من تدفق الهواء لإحدى الغرف فأجاب إن المقاول رفض تنفيذه وقال (هذا المهندس بطران!)[1].
-  نتيجة لتغير الملعب والجمهور والفريق المنافس والظروف الجوية في كل مباراة لايستطيع المدرب الثبات على خطة وتشكيلة واحدة طوال الموسم وهذا هو الحال مع التصميم المعماري فهل من الممكن ان توضع تصاميم موحدة للمساكن إعتماداً على مساحة وأبعاد قطعة الارض؟ بالتأكيد لا فلكل مسكن حالة خاصة ولكن ما يحدث حاليا مختلف، فإذا كانت قطعة الارض (5*20)متر ما على صاحب البيت إلا أن (يستنكي) مخططات منتشرة بين المقاولين والمهندسين المدنيين أو حتى المعماريين منهم والسبب في أغلب الاحيان هو الاجور المتدنية التي يدفعها الزبائن لأنهم غير مقتنعين وخصوصاً في العراق إن هذه الاموال يدفعونها لقاء رسوم على ورق! فمن وجه نظرهم يبقى ناتج المعماري ورق بينما ناتج المقاول (طابوك وصب وسيراميك!).        
وأخيراً فإن حال المعماريين في العراق وبسبب إنعدام النظام مشابه لحال مدرب المنتخب الوطني العراقي حكيم شاكر فهو يلعب بخطة عنوانها (شوت وبلكت تجي كول!)[2] .



[1] يتمثل التفصيل في جعل احدى جدران المنور ( الستارة) أعلى من البقية لكونها تقابل اتجاه الرياح السائد فتدفع الرياح الى داخل المنور و من ثم الى شباك الغرفة عندما يفتح وهذه المعالجة مختبرة في بحوث الدكتور مقداد الجوادي في الجامعة التكنولوجية- بغداد .
[2] العنوان من أحد المشجعين على تويتر .

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

عمارة عالمة _ عمارة شعبية


غنى كاظم الساهر فيما مضى " كَثُر الحديث عن التي أهواها ..... بيضاء أم سمراء؟..... هي أجمل من كل جميلة ..... هي أرشق من كل رشيقة ... بغداد .. وهل خلق الله مثلكِ في الدنيا أجمعها ..؟ "
 واليوم كَثُر وكَثُر الحديث عن التي نهواها ولكن هل مازالت اجمل من كل جميلة؟ أرشق من كل رشيق؟ أبداً ، إنها في حال يرثى له أجتماعياً ، أمنياً والأهم ما يعنينا (معمارياً).

فهنالك الكثير من المشاكل المعمارية على مستوى المباني الخاصة والعامة تعاني منها المدينة فالمساكن السابقة تم تقسيمها الى ثلاث أو أربع او خمس مساكن صغيرة لا تراعي أي معايير أو شروط خاصة ببناء المساكن في أحياء بغداد السكنية مما أثر بالتالي على كفاءة البنية التحتية الخدمية المصممة لعدد اقل بكثير من المساكن وأما المباني العامة فقد أُهملت التراثية منها والتي شكلت صورة بغداد لدى ساكنيها وزائريها أو رممت بطريقة عشوائية غير مدروسة علاوة على المباني الجديدة التي لاتتلائم مع تراث ومناخ مدينة بغداد وهي نتيجة لإعتماد مصمموها على متطلبات الجهات المستفيدة الأهلية أوالحكومية ولعل الإطلاع على العديد من التجمعات التي تشكلت على مواقع التواصل الاجتماعي يعطي أفضل صورة للمشاكل الحالية ومقترحات حلولها من قبل المختصين فهنالك حملة (تراث بغداد) وهنالك تجمع(من أجل عمارة عراقية وقورة) وغيرها من الدعوات والمشاريع الفردية.
تغليف المباني التراثية بصفائح الالمنيوم

مبنى محافظة بغداد الجديد الذي تم اجراء العديد من التغييرات على التصاميم الاصلية من قبل الجهة المستفيدة
مبنى تجاري في منطقة سكنية
وبدلاً عن التعمق في المشاكل والمقترحات والحلول هل نعرف السبب وراء كل ما سبق؟ فقد يبطل العجب إذا عُرف السبب!
نقلاً عن محمد غازي الاخرس في كتابه (المكاريد) يقول : "عبد الجبار توقف في كتابه (فالح عبد الجبار عالم إجتماع عراقي وكتابه في الاحوال والاهوال) عند تفريق شائع بين نوعين من الثقافات واحدة عالمة وأخرى شعبية أو بتسميات أخرى (دنيا-عليا) أو(واطئة-رفيعة). قدر تعلق الأمربالمجتمع العراقي يشير فالح عبد الجبار أن(للثقافة الدنيا مستودعها وحاملها وشروط تجديد إنتاجها: البوادي، الأرياف، البلدات الطرفية. ولئن ظلت الثقافة لفترة مضمراً اجتماعياً ينقل شفاهياً، فإن دفق المهاجرين الى مدن الصفيح وتوفرهم على قسط من التعليم يعطي لهذه الثقافة ممثليها الجدد القادرين على اكسابها وجوداً جديداً وإكسائها طابعا أحتجاجياً حيث تعلن خروجها على الثقافة الحديثة ودائرتها العقلانية المزعومة) " إنتهى
وفي حوار أخر سأل فالح عبد الجبار : "منذ خمسينات القرن الماضي قرأ السوسيولوجي العراقي على الوردي المجتمع العراقي على إنه صراع بين البداوة والحضارة .. هل مازلنا نعيش في ظل هذا الصراع؟ فأجاب : جوابي هو نعم ولا.. هناك تضاد في منظومات القيم، وطراز العيش، والتنظيم الاجتماعي، وأنماط التدين، الخ.. بين حضر ولا حضر. لكن هذا الصنف الأخير لم يعد بدويا، بل أصبح ريفيا. هناك جيوب ريفية كبيرة في المدن، نلحظها بوضوح في العاصمة بغداد، في البصرة، في الموصل، وفي اربيل. الوردي كان يتحدث عن بداوة ونحن اليوم نتحدث عن ريف. الوردي كان يرى التضاد كامنا في كل فرد عراقي على أنه نوع من ازدواجية سلوكية، لكن برأيي هذا ينطبق فقط على الفئات الانتقالية الوسطى بين الريف والحواضر."

فالح عبد الجبار، مواليد بغداد 1946 عالم اجتماع عراقي غادر العراق عام 1978 عمل استاذا و باحثا في علم الاجتماع في جامعة لندن  
مما سبق يمكن القول إن هنالك أختلافات واضحة بين حاملي الثقافة العالمة (الحضرية أو المدنية) وحاملي الثقافة الشعبية (الريفية) هذه الاختلافات تتمثل في الرموز والذكريات الاجتماعية، الأمثال والقصص والقيم المستمدة منها، الإنتماء والثوابت والتقديس، التفضيلات الجمالية النابعة من البيئة، وغيرها الكثير والتي تترجم وتجسد في كل القرارت الهندسية الجمالية، الاقتصادية والاستخدام الاجتماعي للعمارة وقد لا نخطئ إذا قلنا ان الاختلاف يؤثر على كل شئ في المدينة، والأهم هنا إننا لسنا في محل تقييم أو تفضيل واحدة على الاخرى ولكن يجب التمييز بين الإثنين والإعتراف إن لكل منها عالم أخر مختلف.
إذن ما الذي حدث بعد 2003؟ هاجرت عائلة حاملة لثقافة عالمة فحلت محلها عائلة حاملة لثقافة شعبية هاجر طبيب فحل محله طبيب هاجر تاجر فحل محله تاجر هاجر مهندس فحل محله مهندس واستمرت الهجرة وأستمر من هو داخل العراق في اخذ مكانه من أجل استمرار الحياة وتلبية متطلبات المجتمع للأيدي العاملة وأصحاب التجارة وأصحاب الشهادات العلمية كل في اختصاصه ولكن كل جديد جاء معه بكل ما يملك من فكر شعبي والذي تحول بالتالي الى صور شعبية او تجسيد شعبي، هاجر من يحترم قوانين الدولة كمنظم للحياة العامة وحل محله من يحترم قوانين العشيرة في تنظيم حياة العشيرة ومجابهة العشائر الاخرى، هاجر الذي لا يستطيع أن يعيش بمسكن مساحة 200 متر مربع وحل محله من يستطيع ان يسكن بـ50 متر مربع، هاجر من لا يحب الالوان الفاقعة، هاجر من يتمسك بتقاليده الدينية على أن لا يفرضها على الاخرين، هاجر من يؤمن بالتعددية لانه تربى مع جار مسيحي وصابئي وحل محلهم جميعاً عبعوب!

فتحولت بغداد أخيراً الى مدينة شعبية معمارياً، وكل من يتذكر بغداد كاظم الساهر وترك مكانه فيها فهو مسؤول بصورة غير مباشرة عن تحولها. أما إعادتها الى ثقافتها وعمارتها العالمة فنحن بحاجة الى قراءة تأريخ العالم وهل مرت مدينة بنفس الحال وعادت الى صورتها العالمة أم بقت جميع المدن المتحولة شعبية الى الأبد ؟