الأحد، 22 ديسمبر 2013

أنشتاين والنسبية في العمارة

في زحام العقل وسعة مواضيع الصف السادس العلمي وتعقيدها برزت مشكلة صعوبة حفظ مفردة (consolidating) في مادة اللغة الانكليزية، فما كان من استاذنا إلا أن قال: "تخيلوا إن هنالك فتاة جميلة جداً إسمها (كونسوليديتنك)" فحفظنا جميعاً الكلمة ولم انساها حتى الآن! 

 نعم، (الجمال من أفضل وسائل الإيضاح للإنسان) وقد أدرك هذه الحقيقة أعظم الادمغة في التأريخ عالم الفيزياء البرت أينشتاين فرغم تعدد الشارحين للنظرية النسبية إلا إن ابسط الشروح وأكثرها جاذبية حتى الآن هي الطريقة التي كان يستعملها أنشتاين نفسه عند توضيح نظريته لتلاميذه حيث كان يقول: " إذا جلست مع فتاة جميلة فإن ساعتين تمران كما لو كانتا دقيقتين، وأما إذا جلست فوق موقد ساخن لدقيقتين فقط فإنهما تمران كساعتين ، هذه هي النسبية !"



ونحن كمعماريين من الضروري أن نحيط بالعلاقات بين الجمال والمكان والزمان وجريانهُ وذلك مايرتبط بالنظرية النسبية لأنشتاين، ولعل الظاهرة الأبرز المرتبطة بالعمارة هي الإحساس ببطئ جريان الوقت في بعض فضاءات المباني وسرعة جريانه في مباني أخرى والسؤال هنا: هل إن للتصميم المعماري والداخلي بالتحديد تأثير في حدوث هذه الظاهرة؟  الإجابة تتعلق من جانب بما يسمى الزمن السيكولوجي وهو مختلف عن الزمن الميقاتي التقليدي يقول محمد رؤوف حامد:[1] "إن إدراك الطفل للزمن يكون كما لو كان الزمن يزحف (كناية عن بطئ مرور الزمن) حيث يدرك الطفل الزمن من خلال تتابع أو تعاقب الأحداث أكثر من أدراك ذهنه للإستمرار أو الترتيب في الأحداث بالنسبة للزمن وإن البالغين أيضا يعودون للاقتراب من إحساس الطفل بالزمن في حالات معينة عندما يكونون في الموقع الطفولي من ناحية الخبرة حيث يتتابع إستقبال التعليمات وإدراك الأشياء أكثر من التفاعل معها وترتيبها يحدث ذلك عند الإنتقال الى عمل جديد يتلقى المرء في فتراته الأولى تعليمات جديدة، أو عند الانتقال للمعيشة في وطن جديد حيث يمر الزمن من خلال تتابع احداث من نوع جديد أو من خلال تدفق أنطباعات جديدة يكون أحساس المرء بالتتابع أكثر من الاستمرارية والترتيب".(انتهى)
 قد يكون ما سبق مشابه لمرور الوقت بطيئاً أثناء محاضرة معينة يطرح فيها المحاضر معلومات جديدة حتى إن الخمس دقائق الأخيرة تتحول الى سنة كاملة أما في يوم التحضير للإمتحان يمر الوقت بسرعة هائلة نتيجة لإنشغال العقل بترتيب تلك المعلومات المدركة مسبقاً وتنظيمها.





لذا يجب علينا تحديد الهدف من تصميم الفضاء الداخلي فإذا كان فضاءاً لقضاء العطلات أو فضاءات لمنتجع سياحي ويرغب المصمم بإطالة الزمن السيكولوجي على شاغليه فيمكن تحقيق الجمال عن طريق عناصر تصميم وعلاقات مستحدثة، جديدة، غريبة، معقدة يتطلب إداركها وقتاً طويلاً، أما اذا كان فضاءاً لمستشفى أو دائرة حكومية ويرغب المصمم بالعكس أي كبس الزمن وتقصيره على المريض والمراجع ما عليه سوى اللجوء على عناصر وعلاقات مألوفة، متداولة وبسيطة في تصميمه.               
الجانب الأخر الذي يرتبط بالنظرية النسبية هو الإطار المرجعي للزمن حيث (أعطى أنشتاين للزمن أهم وأكثر الأوصاف مصداقية وحسماً على مدى التأريخ عندما قال: لكل جسم مرجعي زمنه الخاص به وبدون معرفه النظام (النسق) المرجعي للجسم وبالتالي الإطار المرجعي  للزمن الخاص به، فليس هنالك أي معنى في ذكر الوقت الخاص بحدث يتعلق بالجسم المشار اليه)[2].
والإطار المرجعي هنا هو إطار مختبر فيزيائياً منتظم ومعروف من قبلنا، وفي العمارة يمكن الاستفادة من الفكرة في إيجاد طريقة لقياس كفاءة الفضاء وتصميمه الداخلي في كونه بيئة مثالية لانجاز الفعاليات البشرية داخله وذلك من خلال قياس الزمن المثالي لانجاز تلك الفعاليات ومن قبلها أيجاد إطار مرجعي لقياس ذلك الزمن . وفي سبيل ايجاد ذلك الإطار تشير أغلب التجارب الى إن الانسان يكون بحالته المثالية عند توفر ثلاث: الماء والخضراء والوجه الحسن، فلو أردنا قياس كفاءة فضاء صناعي أو إداري من خلال زمن الانجاز فما علينا الا أن نقوم بتجربة تتضمن قيام العامل أو الموظف لتلك الفعالية في فضاء يحتوي الماء والخضراء والوجه الحسن! ثم يسجل التوقيت ويقارن مع توقيت انجاز الفعالية في الفضاء المطلوب .
وأخيراً نرى إن الجمال في العمارة والتصميم هو الهدف والمقياس ووسيلة الإيضاح علاوة على الاهداف النفعية والاجتماعية ولعل انشتاين اقترب من وصف العمارة حينما قال: كم جميلا أن يختلط العلم بالفن؟ كم جميلا أن تختلط العبقرية بالجمال.

بلال سمير        




[1] سلسلة الفكر ، إدارة المعرفة والابداع المجتمعي ، ص 38-39 .
[2] المرجع السابق ، ص 36 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق