الأحد، 3 فبراير 2019

عن ليلة الافكار


عن ليلة الافكار

يقف عادل امام بشخصية الزعيم الحقيقية في مسرحيته الشهيرة مخاطباً الجمهور بهذيان قائلاً:
ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺻﺎﺩ ﻣ ﺃﺟﻞ الشعب ﻭالثورة ﻭالجماهير العريضة.. الامبريالية ﻭالتوسعية، التوسعية ﻣ ﺍﻟﺘﺳﻊ، والامبريالية ﻣ الامبرّة.

اذا كانت الامبريالية من الامبرّة، فماذا عن اصل (العولمة)؟

"تعرّف العولمة بمعنى التضاؤل السريع في المسافات الفاصلة بين المجتمعات الانسانية، سواء فيما يتعلق بانتقال السلع، الاشخاص، رؤوس الاموال، المعلومات ام الافكار والقيم"[1].
فهي تعني اضفاء الطابع العالمي على شئ معين (فكرة، سلوك، سلعة)، ليصبح مشترك لدى الجميع وليصبح العالم كما وصفه البروفيسور (Marshall McLuhan) بعبارته التي اصبحت مستهلكة جداً "كقرية صغيرة".

من الصعب هنا اعطاء صورة كاملة عن العولمة لانها مجال بحث عدد هائل من الكتب والبحوث واللقاءات زيادة على كونها "كفكر متحرك بطبيعته وليس ثابتاً فهي تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة"[2]. ولكننا يجب ان نذكر ان العولمة تؤكد على سيادة الجانب الاقتصادي مع الارتباط الوثيق بالثورات التكنولوجية والمعلوماتية.

ولاننا نحب غالباً اطلاق الاحكام فهل هي كفكرة وكنظام ايجابي ام سلبي؟
هنالك تياران في النظر الى العولمة، تيار منساق لها يراها "عملية تبادل منافع وخبرات ومعارف بين امم وشعوب الارض"[3]، وتيار مواجه لها خوفاً من جملة مخاطر تتعلق "بسيطرة اطراف قوية (شركات، حكومات، شعوب) على ثروات العالم واسواقه لتصريف المنتجات والخدمات وتحقيق ارباح هائلة على حساب الاطراف الاخرى"[4].

وبين منساق او مواجه للعولمة، فانا لم ارفع يدي عندما طلب البروفيسور (Olivier Mongin) يوم الخميس الماضي من الشهود (الحضور) ان نصوّت ضد العولمة في محاكمتها الافتراضية، مع علمي انها السبب في كثير من المشاكل التي نعاني منها حالياً.
(ليلة الافكار) هو عنوان الامسية التي نظمتها المحطة[5] مع السفارة الفرنسية، بحضور البروفيسور لاول مرة للعراق ممثلاً عن مجلة (Esprit) الفرنسية، وتنظم بغداد بهذا الحدث لـ120 مدينة في 70 دولة استضافت هذا النوع من الفعاليات.


تضمنت الامسية حوارات ثنائية بين البروفيسور (Olivier Mongin) والدكتورة غادة رزوقي مرة والاستاذ كفاح الامين مرة ثانية، تحدث فيها البروفيسور عن المدينة تحت تأثير العولمة انطلاقاً من تعريفات المدينة في الدين وعلم الاجتماع ودورها كملجأ لساكنيها، مروراً بتجارب اعادة تشكيل مدن شرق اسيا بفعل النمو الاقتصادي المتسارع، والصعوبات التي تواجه بعض المدن العريقة نتيجة للحركة السياحية الكثيفة تجاهها. ولعل الموضوع الابرز حضرياً وحتى معمارياً هو حديثه عن الجدران في المدينة والتأسيس لمفهوم الـ(Wallification)، كبناء الجدران بين المدن والعلاقة بين الرقابة الامنية الرقمية والجدران الفيزيائية وحتى تأثير الجدران الصماء للمولات التجارية داخل نسيج المدينة.

 The Urban Condition  The City in a Globalizing World

بادلته الدكتورة غادة الحديث عن المراحل السياسية والاجتماعية والعمرانية التي مرت بها مدينة بغداد تحديداً منذ العهد الملكي وحتى الوقت الحاضر، واخيراً الاستاذ كفاح الامين وتأكيده على دور التوثيق الصوري لاحياء المدينة ومبانيها لخلق ذاكرة تلعب دوراً في تقوية الطرف العراقي في الحوار العالمي، لتنتهي الامسية بالمحاكمة الافتراضية للعولمة.

ان الواقع يفرض صعوبة الترافع ضد العولمة او مواجهتها، فالانقطاع عن العالم لم يعد خياراً ابداً فهو خيار الضعفاء، الخيار الآخر هو الانفتاح على جميع شعوب الارض مع الحرص بالتأكيد على أن لا نكون ذلك الطرف الضعيف في المعادلة، وهنا تكمن المشكلة.
 يجب علينا عدم قبول الضعف انفصالاً او اتصالاً، وقد يتم ذلك عن طريق ادراكنا لجميع الظواهر حولنا والعلم بها وتمييز اسبابها ومن ثم اتخاذ قرار سلوكي يلائمنا كأشخاص عراقيين ننتمي الى بيئة مكانية لها متطلباتها. (والكلام هنا ليس وعظاً وانما تفكير بطريقة مكتوبة)  
في العولمة جميع الاطراف باقية جسدياً ولكن البقاء الفكري والثقافي والاقتصادي هو للاقوى فقط، وعلى الجميع اللحاق به حيث يذهب وحيث تذهب مصلحته بالتحديد.
تمظهرات العولمة لا محدودة وقد تدخل في كل تفصيلات حياتنا الشخصية، نرتدي الملابس التركية والتي تتبع خطوط الموضة الايطالية، نتعطر بعطور فرنسية ونتنقل بسيارات كورية ثم نستمتع بافلام امريكية.

في وثائقي عن العولمة على فضائية (DW) تبحث احدى الشخصيات الالمانية عن القطع المحلية الموجودة في غرفة المعيشة فتجد ماكنة خياطة فقط. بحثت وانا اكتب في غرفتي عن سلعة عراقية ودون مبالغة لم اجد سوى (حصوة عراقية) علماً ان الوان الرسم عليها مستوردة بالتأكيد.



وأخيراً فان التواصل مع الآخر في (ليلة الافكار) مفيد، ضروري وممتع جداً ليدفعنا نحو التفكير والبحث والقراءة وبناء قراراتنا اليومية بطريقة عراقية كشراء صمون حجري في نهاية الامسية والعودة الى البيت بسلام.









[1] د.جلال امين، (العولمة والتنمية العربية).
[2] ماجد صالح، (نحن وتحديات العولمة).
[3] سمير رسلان، (مواجهة ازمة عصرنا).
[4] د.مبروك منصوري, (مخاطر تراجع الفكر الاقتصادي العربي).
[5] المحطة: اول مساحة عمل مشترك في العراق، تم انشائها لتوفير البيئة المناسبة لرواد الاعمال للعمل على مشاريعهم الخاصة.