الثلاثاء، 12 يوليو 2022

بغداد من الطابق 30

 بغداد من الطابق 30

 

أجرت الدكتورة Linda Henkel، أستاذة علم النفس في جامعة Fairfield،USA  تجربة لدراسة أثر التصوير الفوتوغرافي على ذاكرة زوار متحف الفنون في الجامعة. قسّمت المشاركين في التجربة الى مجموعتين، الأولى سمحت لها بتصوير الأعمال الفنية المعروضة، والثانية لم تسمح لها بالتصوير والاكتفاء بالنظر الى الأعمال الفنية والاستماع للمعلومات من المرشد أثناء التجول في المتحف.

تم اختبار ذاكرة المجموعتين فيما يتعلق بما رأوه بعد يوم واحد من الزيارة. تذّكر أفراد المجموعة الأولى معلومات أقل عن الأعمال التي قاموا بتصويرها. بينما تذكر أفراد المجموعة الثانية معلومات أكثر بالاعتماد على تركيز النظر ومعلومات المرشد الفني.

 

وقفت أمام مبنى البنك المركزي العراقي الجديد وأنا في حيرة التشبّه بالمجموعة الأولى أم المجموعة الثانية من التجربة السابقة. هل أجهز كاميرا هاتفي المحمول؟ أم أدع الهاتف يستريح في حقيبتي اليدوية. استغرقني القرار نصف دقيقة تقريباً فتسلّحت بهاتفي متأسفاً على خسارة ذكريات تفصيلية ثمينة.

قرار زيارة المبنى بالأصل لم يستغرقني سوى أجزاء من الثانية. اتصل بي المعمار أحمد سالم المحترم رئيس القسم المعماري في نقابة المهندسين العراقية مستفسراً عن رغبتي بالانضمام الى وفد النقابة لزيارة المبنى يوم الاثنين الموافق 2/7/2022، أجبته : نعم أرغب بكل تأكيد.

كانت استعدادات الصباح كمن يريد حضور حَدَث عظيم، على الرغم من قرب المبنى عن منطقة سكني ومتابعتي شبه اليومية لتطوراته الإنشائية.

أول مفاجأت الزيارة والتي لم أرصدها في متابعتي المزعومة هو استخدام الفريق الهندسي للبنك المركزي لمنزلين في المنطقة لإدارة المشروع. الأول في الجهة المقابلة للمبنى والذي تم استقبالنا فيه لتقديم عرض توضيحي عن تفاصيل المشروع. والثاني في صف المنازل الملاصقة للموقع وهو يستخدم كنقطة تفتيش وسيطرة للدخول الى الموقع.

أعوام وأرقام

بعد حفاوة الاستقبال والتعارف الرسمي على مقاعد طاولة اجتماعات تملئ غرفة ضيوف سابقة، بدأ فريق البنك المركزي بعرض شرائح أنيقة عن منجزهم الفريد. البداية بمتابعة أبنية البنك المركزي العراقي منذ البناية الأولى عام 1959 وحتى الوقت الحاضر، ثم توثيقاً لتواريخ مراحل المفاوضات مع مكتب الراحلة زهاء حديد لقبول العمل على المشروع ثم توقيع العقد في كانون الثاني عام 2012، ثم مراحل إعداد التصاميم والبدأ بالعمل وتطور المراحل الإنشائية الرئيسة للوصول الى النهاية الايكونية المفترضة.

بعد الأعوام جاءت الأرقام، أبعاد الموقع ومساحته، ارتفاع المبنى وعدد طوابقه ومساحاته البنائية، عدد الموظفين المفترض عملهم في المبنى، مواقف السيارات الخاصة بهم، وغيرها الكثير من أرقام عناصر المشروع ومواصفاته. دونت في دفتري الصغير ثلاثة من تلك الارقام فقط:

أبعاد الموقع 100X200 متر.

عدد الموظفين 1700 موظف.

عدد المصاعد 22 مصعد!

الطريق الى القمة

حصلت على بطاقة زائر مع مجموعة بالرقم 24. وحذاء سلامة مهنية بالقياس 41. وخوذة سلامة للرأس ضبطتها على القياس 57.

من الفضاء الخارجي الفاصل بين المبنى وصف المنازل الملاصقة لحدود الموقع، أخذنا منحدر واسع الى فناء داخلي عملاق، أرضيته بمستوى تحت الطابق الأرضي وسقفه مغطى بشبكة معدنية تبرز من بينها السماء. لابد من الإشارة الى أن الجولة كانت برفقة إدارة المشروع وعدد من المهندسين المشرفين على التنفيذ، وعلى الرغم من ذلك فإن انشغالي بالتصوير وانشغالهم بالإجابة عن أسئلة أعضاء الوفد الآخرين ترك الكثير من أسئلتي دون إجابات. ماهي وظيفة الفناء الداخلي سابق الذكر؟ لا أعلم. لكنني من مراجعة مخطط الموقع (Site) المعلن فالفناء يمثل جزء من المنطقة المركزية للكتلة الأفقية للمبنى والمسقفة بجسور موازية للكتلة العمودية (البرج).

من أحد اضلاع الفناء المطابق لمحور حركة عمودي على البرج، انتقلنا الى منطقة المصاعد التي تمثل مركز البرج وإسناده الإنشائي. ملئنا مصعدين للعمال بأبواب تفتح عمودياً وليس أفقياً وبكابينة مليئة بالملصقات الإرشادية والتحذيرية وباللغات الإنكليزية والعربية والتركية. استغرق الصعود الى الطابق 30 وقتاً طويلاً على الرغم من أن حركة المصعد والأصوات التي يصدرها توهمنا بأنه مصعد فائق السرعة.


الدخول الى الفناء

الخروج من الفناء


الطابق 30

استقبلنا عند الخروج من المصعد ممر عرضي ضيّق يقسّم المنطقة المركزية الـ(Core) للبرج الى قسمين، الأول خاص بالحركة العمودية يتضمن المصاعد وزوج من السلالم، والقسم المقابل يتضمن الخدمات الصحية للطابق ومحاور عمودية للخدمات الأخرى.

على أحد الجدران الكونكريتية تم تثبيت مخطط أفقي للطابق، والذي يظهر بوضوح النسبة بين مساحة الـ(Core) ومساحات الفضاءات الوظيفية للطابق. لعل النسبة تقترب من 1:1 أو 1:1.2 ، أي أن المساحتين متساويتين أو مساحة الفضاءات تزيد قليلاً على مساحة الـ(Core). تتضمن الفضاءات الوظيفية حلقة حركية حول الـ(Core) ومكاتب مائلة بزاوية 45 درجة على تلك الحلقة وبحافات منحنية، ثم تطل تلك المكاتب من الجهة الأخرى على الواجهات الأربع للبرج.

تذكرت وأنا أتجول في الطابق وأنظر الى المدينة من ارتفاع شاهق نصوص من الفكرة التصميمية للمبنى والمعلنة على الموقع الرسمي لمكتب المعمارية الراحلة، "ان تصميم البنك المركزي العراقي ينبثق من نهر دجلة الذي شكل المدينة وهو يشكل أيضاً المبنى المسؤول عن مؤسسة وطنية مهمة". "ينفتح البرج على النهر الذي يمثل المرجع الثابت لكل الموظفين والزوار فهو يمثل الماضي والحاضر والمستقبل". ليس الهدف هنا مناقشة الفكرة التصميمية ولكننا بصدق نشاهد نهر دجلة من جميع واجهات البرج والسبب كون المبنى يقع في نهاية إبهام بغداد (شبه جزيرة الكرادة)، فنستطيع رؤية مجرى نهر دجلة المحاذي لمنطقة كرادة مريم ثم المجرى المحاذي لجزيرة ام الخنازير (اللوفة) ثم المجرى المعاكس والمحاذي لمنطقة الدورة.

 

دليل الصعود

الجسر المعلق وكرادة مريم

جزيرة ام الخنازير

جسر الجادرية


الطابق 12

انحشرنا في المصعد مرة أخرى للنزول الى الطابق 12، الطابق الذي وصلت اليه أعمال الإنهاء الخارجي للبرج. قبل أيام كنت اشتري متطلبات المنزل من أسواق قريبة. تخيلت الاضلاع التي تم تثبيتها على المساحات الزجاجية بين الجدران الكونكريتية للبرج كخياشيم سمكة. تشاركت خيالي هذا مع المهندس المشرف على المشروع فقال إننا نسمي جدران البرج المتكررة والمنحية بـ (Fin Wall)!

جُدران زُعنفية.

يرتبط المشروع وثيقاً بالنهر وشارع النهر (ابو نؤاس) كأشهر مكان يرتبط بذاكرة السمك (المسكوف) البغدادي.

تأتي قطع التغليف وقطع الزجاج والاضلاع الزعنفية من المصانع في الخارج مرّمزة برموز خاصة تشير الى مكانها بالضبط. وما على العمال إلا وضعها في المكان المناسب.

الزعانف والخياشيم

تثبيت العمال لقطع الزجاج المؤطّرة

مفصل الاستقرار/ الانبثاق

بعد العودة الى الأرض كانت وجهتنا هذه المرة فضاء البهو أو الـ(Foyer)، الفضاء الذي يقع أسفل البرج تماماً. الممتع في ذلك الفضاء هو التأكيد على مفصل (استقرار/انبثاق) البرج (على/ من) الأرض. يستطيع المستخدم رؤية ذلك المفصل ومن ثم استمرارية رؤية البرج حتى نهايته السماوية. كون ذلك البهو فضاء داخلي مبرّد فهو لايمنع ذلك التواصل البصري بين خط الأرض وخط السماء بتسقيفه بجسور معدنية والواح زجاجية تظهر أيضاً في الـ(Site) الخاص بالمشروع.

البهو اسفل البرج

البرج من البهو

البحث عن زهاء

ملكة المنحنيات، هذا ما عرفنا به الراحلة زهاء حديد بعد أن تحولت عن التفكيك وزواياه المتعددة. تظهر المنحنيات في برج مبنى البنك المركزي وحافات كتلته الأفقية، لكننا عندما ننتقل الى داخل المبنى تختفي المنحنيات تماماً. جدران كونكريتية ومقاطع معدنية متعامدة كتعامدها في أي مشروع آخر. حتى الجدران المنحنية للبرج لا تدرك انحنائاتها بوضوح من داخل الطوابق لأن الارتفاع المتاح لكل طابق يمثل جزء من المنحنيات العمودية.  

لعلنا نجد منحنيات زهاء حديد في الداخل بعد البدأ بأعمال الإنهاءات المختلفة، مع علمنا أن الراحلة قد صممت مجموعة من قطع الاثاث باسلوبها المميز خصيصاً لبعض فضاءات المشروع.

 

الهيكل المعدني لتثبيت انحناءات الكتلة الخارجية


كانت جدّتي تختتم قصصها بــوعد ممتنع "لو بيتنا قريب جان جبتلكم طبكَ حمّص وطبكَ زبيب". نعم أنا بيتي قريب عن مبنى البنك المركزي العراقي ولكنني سأختتم قصتي بتحذير:

"إن جميع الانطباعات والآراء السابقة صالحة لغاية الزيارة القادمة للمبنى فقط".

 






 


الأحد، 3 يوليو 2022

مصادر عن الفكرة التصميمية في العمارة

 مصادر عن الفكرة التصميمية في العمارة

 

Introduction to Architecture

J.C.Snyder, A.J.Catanese. (1979)

CH 9: Concept in Architecture. P :(208-235)

يتحدث الكتاب في الفصل التاسع عن مفهوم الفكرة التصميمية في العمارة والفرق بين مفاهيم  Idea, Notion, Concept وشرح أنواع الفكرة الخمسة وتطبيقاتها.

 


Introduction to Architecture

Francis D. K. ChingJames F. Eckler. (2013)

CH8: The Design Process: tools and techniques for generating ideas. P :(199-230)

يتحدث الكتاب في الفصل الثامن عن مصادر الفكرة التصميمية وكيفية تطويرها.

 


The elements of modern architecture

Understanding contemporary building

Antony Radford, Selena Morkoc, Amit Srivastava. (2014)

يحلل الكتاب الأفكار التصميمية لـ50 مشروع معماري عالمي، وكيفية استجابة تلك الأفكار لمتطلبات الموقع والبرنامج الوظيفي والبيئة وتحديات أخرى.

 


الإلهام المعماري

أ.د. نوبي محمد حسن (2014)

يتحدث الكتاب عن مفهوم الإلهام المعماري ومقوماته ودوره في بناء الفكرة المعمارية، ثم يستعرض منابع الإلهام وتوظيفه في المشاريع المعمارية.

 


محاكاة الطبيعة في العمارة

Michael pawlyn

ترجمة: د.محمد بن سعيد الغامدي (2016)

يتحدث الكتاب كما هو واضح من عنوانه عن كيفية بناء أفكار معمارية تحاكي الطبيعة لتصميم مباني أكثر كفاءة.

 


عبقرية التصميم

قصة مائة مشروع في سطور

أ.د. هشام جريشة. (2016)

يقص الكاتب المعمار في كتابه التحديات والفكرة التصميمية لمئة مشروع عمل على تصميمه في مسيرته المعمارية.