الأحد، 31 ديسمبر 2017

سلاح المهندس المعماري

سلاح المهندس المعماري

عندما نفكر بالتحديات فاننا ننجرف غالباً دون وعي الى التشبيه بالحروب، قد تكون حالة ذهنية طبيعية لأفراد في مجتمع يتنفس الحرب، اختر اي كتاب يتحدث عن تاريخ المنطقة التي نعيشها، واختر أي نقطة بداية لتجد أن الفترات الفاصلة بين كل حرب وأخرى تُعد سنواتها على عدد الاصابع.

اتذكر مسطرة الرسم (T square) الاولى التي استخدمتها في رسم مخططاتي المعمارية، ولا زلت امتلك الـ(T square) الثانية، والحقيقة لم أشترِ أي منهما، ففي وقت كان للممتلكات قيمة، فإن تلك المسطرتين كانتا لاقاربي قبلي وانتقلتا لي بعدها. ومن حسن الحظ سابقاً أن المسطرة الاولى نفسها استخدمت في دراسة العمارة في الثمانينات والمسطرة الثانية استخدمت في التسعينات لأستخدمهما أنا في بداية القرن الواحد والعشرين، الفكرة تشابه توريث نفس السيف ليقاتل به الجد والاب ومن ثم الابن.

أما اليوم فقد ازدادت الحروب الحقيقية والحروب المعمارية تعقيداً، لم تعد المسطرة (التي تشبه السيف حقيقة) كافية للبقاء على قيد الحياة، نحن بحاجة الى اسلحة متطورة تقوم بعشرات المهام في وقت واحد، وسلاح اليوم يصبح اقل كفاءة للاستخدام في حرب الغد.


وبعد أن كان يُعرف طالب هندسة العمارة في الشارع عن طريق حمله للفة اوراق ومسطرة رسم طويلة، أصبح يعرف عن طريق حمله نفس لفة الاوراق وحقيبة الكومبيوتر المحمول.

 ينطلق منهج مادة الحاسبات في المرحلة الاولى لهندسة العمارة من سؤال:
ماهي مواصفات (السلاح– الكومبيوتر المحمول) الذي يحتاجه طالب العمارة لخوض (الحروب-التحديات) المعمارية لخمس سنوات قادمة؟
ولأننا نعيش زمن الشبكة التي تجمع الجهود الانسانية سوية، فمن غير المنطقي عدم البحث عن الاجابة في محرك البحث Google، ولأننا نفضل المصادر المرئية والمسموعة فنخصص البحث، لنجد جهداً رائعاً للاجابة عن مواصفات السلاح المطلوب، حيث يحدثنا المعمار الامريكي
 (Eric Reinholdt) في مقطع بعنوان:
How to Choose a Computer for Architecture


ويحدثنا ايضاً طالب العمارة لؤي في مقطع بعنوان:
هل اختيارك للابتوبك مناسب لهندسة العمارة؟ نصائح لشراء لابتوب جديد



واذا كانت الاجوبة في المقطعين تمثل الحالة المثالية الافتراضية فما هي الحالة المتحققة الواقعية؟
ماهي مواصفات الكومبيوترات التي يمتلكها طلبة العمارة فعلاً؟
وهل لمعرفة الواقع أهمية؟ ليمتلكون ما يمتلكون ...

لنعد مرة اخرى الى Google ونبحث هذه المرة عن مفهوم (مجتمع المعرفة)، سنحصل على 524 الف نتيجة بحث وجميعها توضح اهميته وضرورة تأسيسه والتحول اليه في مجتمعاتنا المحلية،  ولكن ماهو مجتمع المعرفة؟ بلغة بسيطة وبمفهوم عام :هو المجتمع الذي يجمع افراده ما يعرفونه في موضع معين وتكون تلك المعارف متاحة للجميع لاستخدامها في اتخاذ القرارات وتحقيق ما ينفعهم في تفصيلات حياتهم اليومية.
فعندما امتلك Eric  ولؤي وغيرهم معلومات عن مواصفات الكومبيوتر الملائم لدراسة العمارة ووضع كلاً منهم تلك المعلومات على شبكة الانترنت واستطاع كل طالب عمارة في العالم رؤيتها اولاً وبالاعتماد عليها ثانياً قرر شراء نوع معين من الكومبيوترات المحمولة لنصل الى النتيجة النهائية وهي عدم ذهاب امواله هباءاً بشراء مواصفات غير ملائمة وانما سيستفيد من كل دولار صرفه في شراءها، وهذه هي غاية مجتمع المعرفة.
وعلى المستوى المحلي هل سنستمر بالمشاركة الاستهلاكية في مجتمع المعرفة فقط؟ أم نستطيع ان نشارك في صناعة المعرفة ونصبح منتجين لها وذو اهمية في مجتمعنا الذي يخطو خطواته الاولى في مواكبة الانظمة العلمية العالمية؟

اراد مهندس معماري حديث التخرج أن يفتتح مشروع لتوفير البرمجيات المعمارية للطلبة والمهنيين زيادة على صيانة كومبيوتراتهم وتوفير قطع الغيار والاكسسوارات لها، هو على وشك اتخاذ قرار بشأن مواصفات البرمجيات والاجهزة التي سيستوردها، ولكي يكون قراره كفوءاً يجب ان يعتمد على معرفة سابقة بمواصفات الحاسبات التي يستعملها طلبة ومهنيي العمارة فعلاً.
واراد وكيل شركة عالمية لصناعة الكومبيوترات معرفة طبيعة زبائنه في العراق ليتخذ قراراً بشأن الاتجاه الذي سيسلكه في تطوير منتجاته، وقبل ان يتخذ هذا القرار ايضاً عليه أن يعرف طبيعة تخصصات زبائنه وكيف يلائم منتجه لتخصص معين دون آخر.

وهنا قرر طلبة المرحلة الاولى في قسم هندسة العمارة الجامعة التكنولوجية للعام الحالي 2017-2018 وللدراستين الصباحية والمسائية المشاركة الفعالة في مجتمع المعرفة وتوفير المعرفة لكل من يليهم من الطلبة او المهنيين او مختصي الكومبيوترات في السوق المحلية، وذلك عن طريق تصميم استمارة استبيان تتضمن عديد من الاسئلة المستوحاة من المقطعين السابقين، وتم تقسيم طلبة المرحلة الى مجموعات كل واحدة منها مسؤولة عن جمع وتنظيم المعلومات الخاصة بمرحلة من المراحل الاربعة التي تسبقهم (الثانية والثالثة والرابعة والخامسة)، لتصبح النتيجة النهائية:

 الواقع الخاص بالكومبيوترات المحمولة لطلبة هندسة العمارة في الجامعة التكنولوجية، وتم تحوليها الى مخططات بيانية يمتلك اولياتها طلبة المرحلة الاولى في حال رغبة جهة معينة الاستفادة من تفاصيلها كما انهم على اتم الاستعداد لعمل استبيانات ذات طبائع أخرى تحتاج نتائجها جهة معينة لاتخاذ قرار كفوء يدر عليها المنافع العلمية والمالية.  






















الجمعة، 8 ديسمبر 2017

ورق

ورق

في الحوار الاخير لبرنامج عصير الكتب، سأل مقدمه بلال فضل ضيفه الروائي هشام مطر:
-         لمن تكتب؟
وهو سؤال وجّه الى كتّاب من قبله، فأجاب عنه خورخي لويس بورخيس بقوله:
-         اكتب لنفسي ولاصدقائي ولتسهيل مرور الوقت ...
وأجاب أرسنت همنكَواي بقوله:
-         أكتب لنفسي وللمرأة التي أحبها حتى لو لم يكن لها القدرة على قراءة كتاباتي.
وأجاب غابريل غارسيا ماركيز بقوله:
-         أكتب لكي يحبني اصدقائي أكثر.

أما أنا فأكتب أولاً لسلامة نفسي وليس لنفسي، واكتب رداً لدَين الآخرين عليَ بتشكيل شخصيتي بما كتبوه قديماً وحديثاً، فتكتمل مسيرة المجتمع والكتب.

ولكن يجب أن اعترف هنا أن الدافع لأول كتابة كان الشعور بالغيرة ...
في فترة دراستي للبكالوريوس نشر أحد زملائي نصاً لا أتذكر موضوعه في مجلة الجامعة الشهرية، ولان لي تجارب سابقة بكتابة نصوص اولية في مواضيع مختلفة ونشرها على الشبكة في زمن شيوع المنتديات، كان السؤال لماذا لا احاول ان أنشر أنا ايضاً  في مجلة الجامعة؟
انشغلت بعدها بدراسة الماجستير لعدة سنوات ولم اتخلى عن تلك الفكرة (النشر في مجلة الجامعة) حتى وجدت الوقت للسعي بتحقيقها، سألت عن القسم المختص بإصدار المجلة، ذهبت اليهم ليبلغوني بمحددات الكتابة، الموضوع، عدد الكلمات، الصور المرفقة ...
خرجت من ذلك القسم غير متفائل، سيكون نصّي تحت رحمة الآخرين.
لا اتذكر الآن كيف ظهرت أمامي أول مدونة ولمن كانت، ولكن كان احدهم مصدراً لفكرة انشاء مدونة والنشر بحرية دون محددات وضوابط مفروضة عليّ.
فكان النص الاول بعنوان (الراحة الحرارية، الجانب الاهم في تصميم منزل المستقبل) وهو نفس النص الذي كنت انوي نشره في المجلة.
مع كل قراءة لكتاب يختص بالعمارة او غيرها من التخصصات المرتبطة بها، مع كل تصفح لمواقع شبكة الانترنت، ومع كل حدث او موقف واقعي، أخذت رغبتي تزداد بالكتابة وقول ما لا يهتم بسماعه الناس في ايامنا العراقية.
وبعد اربعة أعوام من التدوين على الشبكة وإكمال مرحلة دراسية آخرى جاءت فكرة توثيق نتاج تلك السنوات بكتب مسجلة لدى دار الكتب والوثائق في وزارة الثقافة العراقية لتبدأ سلسلة من الخطوات التي سأشاركها مع من ينوي الكتابة والنشر في المستقبل:

تبدأ الخطوات مع العمل على مادة الكتابة: منهج الكتاب، الموضوعات، اللغة، التنظيم وغيرها من التفصيلات ومن ثم خطوة الاظهار الفني للكتاب وغلافه، وهنا يبدأ الجدل بين المهندس المعماري وغيره من التخصصات الفنية، يعتقد المهندس المعماري بدراسته للتصميم إنه قادر على انجاز اي عمل مُصمم خارج العمارة، تصميم اغلفة كتب ومجلات، بوسترات، قطع أثاث، قطع ملابس وغيرها، بينما يرى مختصو تلك الاعمال كمصمم الكرافيك مثلاً أن المعماري غير مؤهل لانجاز تلك الاعمال.
وهنا يلعب الجانب المادي دوراً كبيراً فكما يرغب المعماري بالحصول على اتعاب مناسبة لطبيعة العمل الذي يقوم به فمن الضروري ان يدفع المعماري اجور مناسبة للتخصصات الاخرى التي يعمل معها، وفيما يخص الكتاب فأن تكلف مصمم مختص باخراجه فنياً يتوجب عليك دفع اتعاب مناسبة لذلك وفي حال قلة التخصيص لمشروع الكتاب يلجأ المعمار الى العمل بنفسه وهو ما لجأت اليه في أخراج الكتابين.
بعدها تظهر ضرورة الزيارة الاولى لدار الكتب والوثائق والكائن في منطقة باب المعظم مقابلاً لبناية وزارة الدفاع السابقة، لكي تستلم استمارة لتسجيل الكتاب الذي تنوي ايداعه، تلك الاستمارة تتضمن المعلومات الخاصة بالكتاب والمؤلف زيادة على الجهة التي ستنشر الكتاب والتي يجب ان يتعهد صاحبها بعد تثبيت بياناته بتزويد الدار بخمسة نسخ من الكتاب بعد الطبع وتثبيت رقم الايداع وتاريخه عليه.
تعود بتلك الاستمارة الى الدار من اجل البدأ بمعاملة الايداع والتي تتضمن استلام الاستمارة ودفع رسوم الايداع البالغة خمسة آلاف دينار عن كل كتاب وأخيراً استلام رقم الايداع الخاص بالكتاب. يثبت الرقم على الكتاب وتذهب النسخة النهائية الى المطبعة، ليتم الاتفاق على عدد النسخة واجورها. وبعد استلام الكتاب المطبوع تعود بخمس نسخة الى دار الكتب والوثائق لتسلم وصلاً بالتسليم ويصبح الايداع مكتمل المتطلبات.

أما الكتب فترتب في صناديق تستطيع أن تضعها بجوار سريرك لتتأملها يومياً، وتستمع كثيراً لاشخاص يتحدثون عن الفترة التي تلي تحقيق مشروع معين:

حالة غريبة يعيشها الانسان، تيه، ضبابية، خواء ...
وكأن العقل يعطي لنفسه اجازة جبرية، مع تفكير خفي بطبيعة المشروع القادم.


الخلاصة: زادت كتب العالم كتابين اتمنى ان تكون مفيدة للجميع.










الأحد، 20 أغسطس 2017

يوم في المحكمة

يوم في المحكمة

لا توجد معاملة رسمية في العراق لا تنجز، سواء (بيومها) أو (بعشرتيامها) ولكنها بحاجة الى الصبر، مقدار هائل من الصبر وقلب جديد (ممدشن).
واعتقد اننا كمعماريين ملوك الصبر الشرعيين.

كن منصفاً ياسيدي القاضي ...
لقد رأيت القاضي اليوم في معاملة لفقدان مستمسكات رسمية.


ولم يخلو الأمر من فائدة معمارية، اكاديمية وعملية بالتأكيد.

بعد ان لقنني صديقي الخطوات المطلوبة واماكنها بدقة دخلت الى مبنى المحكمة الموقر، وما ان عبرت عتبة الباب الرئيسي حتى شعرت بالضياع، كان يجب ان تكون القطعة التعريفية (المحكمة الفلانية ... سوك هرج حالياً)، ناس في كل مكان ... تذكرت المثل البغدادي الشعبي الذي يقول: متشابجين ... من الباب للمحراب (والذي لا يمكن قص حكايته هنا).
وبانتظار اتمام اول مرحلة من المعاملة بدأت المراقبة، وكانت الحصيلة مجموعة من الادراكات المفيدة لمستقبل التعامل مع مبنى المحكمة في المشاريع الاكاديمية والعملية.

القضية الاولى في المبنى هي قضية اماكن الانتظار، فالمبنى يتألف من محاور حركة على شكل حرف (H) وتقع على تلك المحاور الفضاءات الادارية المتنوعة، يقف على باب كل غرفة موظف (بواب) ياخذ الملف من المراجع ويأمره (استريح عيني هسة نصيح اسمك) ولكن الواقع لا يوجد مكان للاستراحة سوى ست مصاطب من الحديد والخشب ... ولأنها ممتلئة، نجد الناس وقوفاً في كل مكان، تذكرت لازمة زوج جنان في ولاية بطيخ وابتكرت واحدة :

لو الله خالقني محور حركة بالمحكمة ولا هل عيشة !
ولو سألني أحدهم ليش عود محور حركة بالمحكمة؟ اجيب:
يا أخي لا هو ممر لا هو مكان انتظار مدري شنو !

لذا يجب علينا كمعماريين الاهتمام باماكن الانتظار وعلاقتها بكل فضاء اداري ومدى استيعابها للمراجعين وكيفية تحقيق تهوية طبيعية فيها لاننا لن نعتمد على الطاقة الكهربائية المقيتة.

اما القضية الثانية فهي مرتبطة تماماً بالاولى فعندما ينتظر المدعي او المدعي عليه او الشاهد في محاور الحركة فإنه يتذكر متأخراً الصفة الشعبية (يمشي بصف الحايط)، لذا تجده (ينتظر بصف الحايط) فيعطي للجدار ظهره ويرفع احدى رجليه ليضع اسفل حذائه على (الحايط) كسراً للملل، لذا نجد الجدران قذرة جداً ... والحل العراقي بتغليف المسافة حتى خصر الانسان بمادة قابلة للغسل او لا تتأثر بآثار الاحذية بدلاً عن توفير مناطق انتظار مناسبة، وعندما ترتفع كلفة المبنى من الممكن رفع مادة التغليف أثناء التنفيذ لتبقى آثار كل مراجع على جسد المبنى الموقر.

والقضية الثالثة التي نقنع انفسنا بها اكاديمياً، هي الفصل الحركي بين اصناف المستخدمين للمبنى، حركة للاساتذة وحركة للطلاب في المدرسة وحركة للاطباء وحركة للمرضى في الابنية الصحية ولكن في واقع المحكمة فان الحركة (خبط) القضاة والموظفين والحرس والمراجعين والمجرمين و(محد يعرف فطيّم بسوك الغزل).

أما (أن تكون غرفة حجز المتهمين في موضع مؤمن ومحمي في مبنى المحكمة) فقد اتضح انها خرافة ! فغرفة الحجز بجوار مدخل المحكمة مباشرة ويمر من امامها الجميع، بوابة بحديد مشبك تشاهد من خلاله متهم يفترش الارض معصوب العينين أشعث الشعر.

 قد يقول قائل ان المبنى غير مصمم خصيصاً كمبنى محكمة ... من المحتمل جداً ولكنه على الاقل يمثل حالة دراسية مفيدة عند تصميم مبنى محكمة فعلي قد نكلف به في المستقبل.

اثناء الانتظار في حمامات الساونة الداخلية او الخروج الى الجو البديع تشاهد المحامين وهم ملتزمون بارتداء الملابس الرسمية (القوط)، وانا تحملت الاجواء مضضاً بقميص قطني ابيض مرفوع الاكمام ...

لكل مهنة سلبياتها ...

ولكن هنالك مهن يرتبط صاحبها بالناس مباشرة، وبانواعهم المختلفة وهم في أزمات حقيقية ويحاولون بشتى الطرق الخروج من تلك الازمات ... فكرت بالمهن ذات الاختصاصات الطبية والمهن القانونية لتظهر العمارة كمهنة بجانب تلك المهن مريحة نوعاً ما تحتمل فيها هموم زبائن معدودين على اصابع اليد في كل موسم عمل.


وأخيراً حافظوا على مستمسكاتكم الرسمية، حافظوا على أعصابكم واحتفلوا كونكم معماريين.






الجمعة، 11 أغسطس 2017

أطفال مشوهون

أطفال مشوّهون

قيل في نظام سابق: إن العراقيين بعثيون وإن لم ينتموا ...
وقيل في سياق آخر: إن الانثى أم وإن لم تلد ...
وأنا أقول: إن المعماري أب وإن لم يتزوج ...

كنت أنتظر دوري في مطبعة الاحسان الدائم لارى نتاجي يتحول من شاشة حاسبي المحمول الى الورق، حينها تخيلتها (المطبعة) غرفة انتظار لصالة الولادة، فأنا حرفياً أذرع الارض جيئتاً وذهاباً وأحاول أن اشغل نفسي بتفاصيل مختلفة تتوزع هنا وهناك، الاحبار المرصوصة على الأرفف، البوسترات الدعائية على الجدران والمطبوعات المنجزة تنتظر من (خلّفها) لاستلامها.
هو موقف يعرفه وجربه جميع المعماريين وطلاب العمارة ايضاً خاصة بعد أن تحول اظهار المشاريع النهائية وحتى الاولية منها الى استخدام برامج الاظهار الحاسوبية بدلاً عن الاظهار باليد غير المجردة، فالطلبة (يطلكون ويجيبون) في كل تقديم من التقاديم الكثيرة للعام الدراسي.

ولكن هل تحول خطوط التصميم المعماري من الشاشة الى الورق هي الولادة الوحيدة؟
ماذا عن تحول التصميم من الورق الى الواقع ؟ مبنى واقف بكونكريته وطابوقه.
هل هي ولادة أخرى؟  وأيهما أصعب انتظاراً لرؤية الطفل الموعود؟

أنا من الجيل الذي بدأ طفولته الواعية مع بداية حرب الخليج الاولى والتي نسميها (حرب بوش)، والمفارقة انني في تلك الحرب وعندما توقفت الدراسة كنت حينها في الصف (الثاني) الابتدائي، وفي حرب الخليج الثانية عندما توقفت الدراسة كنت في المرحلة (الثانية) من دراسة العمارة !
بعد نهاية حرب بوش عشت طفولتي كاملة في فترة الحصار الاقتصادي على العراق وتحت آثار الحرب العسكرية السابقة، ولكم أن تتخيلوا نوعية ذكريات الطفولة التي امتلكها ...
وعلى سبيل المثال وارتباطاً بموضوعنا، ذكريات تركيز النظام السابق اعلامياً على الولادات المشوهة ... أطفال كثيرون بتشوهات مؤلمة نتيجة لآثار الاسلحة الحاملة لليورانيوم المنضب التي استخدمها الجانب الامريكي، زيادة على اطفال يعانون من امراض قاتلة نتيجة لعد توفر علاجاتها في المستشفيات العراقية.

ما أنا واثق منه هو عدم اختلاف الأمر في العمارة الآن، فتصاميمنا المعمارية تولد مشوهة على ارض الواقع ...
لو افترضنا ان المصمم انتج تصميماً لن ابالغ بقولي مبدعاً وانما تصميماً مقبولاً من الناحية الجمالية خالي من العيوب الواضحة وهو بذلك يبتعد عن القبح باي حال من الاحوال، ففي الولادة الاولى (من الشاشة الى الورق) قد تنتج التشوهات عن عدم الدقة في اختيار الالوان او سُمك الخطوط او عدم الدقة في اي من خيارات البرامج الحاسوبية، ومعالجة التشوهات تكون بيد المعمار على ان يدفع اجور الطباعة مرة أخرى.
ولكن ماذا عن التشوهات التي تحصل في الولادة الثانية؟ ومن هو لاعب دور اليورانيوم المنضب فيها؟


في تجربتي الاخيرة لانجاز تصميم معماري من المفترض ان ينفذ على ارض الواقع، رأيت (نجوم الظهر) وأنا اتعامل مع المهندس المدني لاعداد التصاميم الانشائية، وفي المقابل أنا متأكد من أنه سيقول للآخرين عني: إن المعماري الفلاني لا يفهم باختصاصه، وليس لديه أي خبرة، حتى انه صرح بذلك ضمنياً عندما قال: (استاذ اني سألت وكالوا انتوا دارسين مادة انشاءات بالبكالوريوس)!
 والقضية الخلافية بيننا انه يتوقع من السهولة على المعماري ان يحول بُعد عنصر معماري من 20 سم الى 40 سم، ولكن جمالياً فإن تلك الـ20 سم ستغير نسبة العنصر مقارنة بالتكوين المعماري ككل وبذلك ينتج تكويناً معمارياً مشوهاً، وهو (المهندس المدني) لا يستشعر ذلك التشوه او لا يهتم به أساساً.
 أما أنا بدوري فكنت انتظر منه ان يقدم لي حلاً إنشائياً بديلاً للحفاظ على بُعد العنصر وانتاج تكوين معماري غير مشوه.
ولو فرضنا مرة اخرى ان المصمم جاهد بالعمل مع المهندس المدني وحافظ على نسب وشكل مشروعه، ولكن لم تتوفر له فرصة الاشراف على تنفيذه، سلم المخططات كاملة للزبون وانقطعت صلته بها وبتحويلها الى واقع، سيأتي دور الامكانيات المادية للزبون ورغبته بتقليلها زيادة على اجتهادات المقاول وتأثيره على الزبون ... وكل هذا في حال كون الزبون من القطاع الخاص، أما القطاع العام فالامر فيه يتعلق بالصلاحيات تماماً، فعندما يرغب الرئيس لا يتبقى لرغبة المعماري المرؤوس أي قيمة.
فعندما تفكر مؤسسات الدولة بتقليل كلف تنفيذ المشروع نتيجة لقلة ميزانيتها فانها ستدوس على كل الاعتبارات المعمارية الاخرى وما على المعماري (الموظف) الا ان ينفذ الطلبات بتقليل كلف المشروع ما يؤدي الى تشويهه غالباً.
سنقرأ في الادبيات المعمارية أو نسمع من المعماريين الذي عملوا خارج العراق وعادوا لتأسيس شركات كبيرة، أن على المعماري أن يرفض اي تغيير في تصميمه مهما كلفه الأمر لأن المشروع في النهاية سيخرج بإسمه وهو من يتحمل قبحهُ الناتج عن متطلبات وضغوطات الآخرين، فالسؤال النهائي الذي سيسأله الناس: من صمم هذا المبنى القبيح!

ولكن ماهو حال المعماريين متواضعي الحال، ممارسة العمارة لديهم  لكسب عيشهم وتوفير متطلبات الحياة الكثيرة؟ هل يرفضون التغيير ويفقدون الزبون ونقوده؟
وقفة .... هل تشعرون انني هنا أقول أن على المعماري ان يغير تصميمه حتى إن ادى لتشوهه، وذلك ليرضي الآخرين و(يشتغل على باب الله)؟
بالتأكيد لا ولن أقول ذلك ...

بعد أن ينتهي المشروع ماراً بكل مراحل التشوه، يأتي أحدنا ليلتقط له صورة ويرميها على صفحات الفيسبوك ... وهنا يأتي دور طلبة العمارة (الشباب) كرواد دائمين له، لنقد المشروع ونقد مصممه وقد يصل الأمر للتجريح والانتقاص، وهم لم يمروا بتجربة تصميم مشروع سيتم تنفيذه على أرض الواقع، لم يتعاملوا مع مهندس مدني، لم يتعاملوا مع الزبائن العراقيين بكل ما يحملونه من قناعات معمارية خاطئة، ولم يتعاملوا مع مقاول يؤمن بعدم جدوى تعامل الزبون مع مهندس يحمل شهادة اكاديمية ولكنه لا يفهم مثله بالتنفيذ العملي للمباني.
 هل الطلبة هم فقط من ينتقص من المشروع المشوه؟ بالتأكيد لا هنالك معماريي الخارج المنفصلين عن الواقع العراقي البائس ومعماريين يتغاضون عن ظروف العمل التي يعرفونها حق المعرفة.


الزبدة .... على الناقد المعماري (في اي مرتبة علمية ومهنية يشغلها) ان يستوعب ويدرك ظروف العمل المعماري في العراق وان يوجه النقد لمن يستحقه، فقد يكون التصميم انقطع عن مصممه والمصمم بريء من كل التشوهات التي يعاني منها المشروع.
وسؤال الختام ... هل يتوقف المعمار عن العمل إذا كان تصميمه سيتشوه لمجرد انه يعمل ضمن نظام العمل العراقي السائب؟ ام ان يستمر بالعمل ويتحمل تشوهات مشاريعه وسمعته المعمارية؟
اعتقد أن هنالك حل ثالث ممكن الحصول: هنالك فرق بين تصميم قبيح مشوه وبين تصميم بسيط قليل التفاصيل ولكن بنسب جميلة مقبولة بصرياً ... وعلى المعماري العراقي وفي بيئة العمل العراقية ان يخطط من البداية لوضع تصميم بسيط قليل التفاصيل وقابل للتنفيذ كما هو دون تحوير وتغيير مما يؤدي الى ولادة طفل معماري مشوه ...

وأخيراً قد يولد لي طفل (مشروع) مشوه في المستقبل والسبب انه ولد في العراق.











الأربعاء، 26 يوليو 2017

الماينفيستو ...

الماينفيستو

-       أتمنى أن أكون داخل رأسه ليوم واحد فقط !

هذا ما صرّحت به (درو) بطلة فلم (the architect) إعجاباً بمهندسها المعماري (مايلز موس)...

أما أنا فكنت أنتظر مشاهدة الفلم لعدة شهور بفارغ الصبر، وبعد أن تحققت الأمنية أستطيع القول إنه: ماينفيستو عمارة السكن المعاصرة.
حيث تبدأ القصة مع الزوجين (درو وكولن) ببحثهما عن مهندس معماري يصمم لهما منزل الاحلام لتنتهي بتشخيص ومناقشة كافة المشاكل العالقة بين المعماري والزبون أو المعماري والمجتمع.



وكم استهلكنا مقولة (أن العالم أصبح قرية صغيرة) ولكنها مقولة حقيقية، فالمشاكل التي يناقشها الفلم في السياق المكاني والاجتماعي والاقتصادي الامريكي هي نفسها تماماً المشاكل التي نعاني منها في سياقاتنا المحلية.

هذه المرة الاولى التي اواجه فيها صعوبة مركبة في الكتابة لأنني لا اريد أن أفسد اي فكرة او مشهد من الفلم وترك المشاهد يستكشفه بنفسه دون أحكام مسبقة.
ولكن من ضرورة القول، أن مشاهدة الفلم واجب على كل معماري ومعمارية، والاهم من ذلك مشاركة المشاهدة او تمرير التوصية لغير المختصين بالعمارة، فما يطرحه الفلم قد يكون غير مسبوق لطلبة العمارة في المراحل الاولية ولكنه مسبوق ومختبر من قبل المعماريين الممارسين للمهنة، لذا تأتي أهمية مشاهدته من قبل ذوي الاختصاصات الأخرى وأفراد المجتمع عامة كبيان سينمائي ممتع عن مهنة هندسة العمارة وتحدياتها.


الفلم متوفر على الشبكة بترجمة وبغيرها، ومع هذا ذهبت الى صديقي (بائع السيديات) الذي لم افارقه منذ مرحلة (الجمبر) وحتى مرحلة المؤسسة الفنية، وطلبت منه اعداد نسخ كثيرة لتوزيعها على الاصدقاء والمعارف، وسوف أطلب منهم تمريرها الى أصدقائهم ومعارفهم ايضاً.


سأعود لأكتب عن الفلم مرة أخرى أو انتظر من الآخرين الكتابة عنه ...







الأحد، 16 يوليو 2017

صفحات مفردة

صفحات مفردة

هي صفحات من مشروع نعمل عليه حالياً، وأتمنى أن يرى النور قريباً لتكتشفوا اهدافه وصفاته ...   

الاثنين 27/3/2017 :

الفكرة الأساسية لليوم هي محاول النظر بشمولية للتكوين المعماري، فبعد أن كانت نقطة البداية بالتصميم هي الأبعاد الثلاثة وإنتاج صور منظورية تحقق مبادئ التصميم، أصبح الواجب النظر الى التكوين الناتج من منظور ثنائي الابعاد علوي وأمامي، ومن ثم محاولة تصحيح نقاط ضعف المبادئ والعلاقات الناتجة ومن ثم تقييم التغييرات الحاصلة على التكوين ثلاثي الأبعاد.
الممتع أو المزعج في العمارة هو عدم قطعية قراراتها، فأنت تضع قاعدة معينة تنصح الطلبة بإتباعها وما أن تمر ساعات او دقائق لتنصح أحد الطلبة بكسر تلك القاعدة... في العمارة لا يوجد (كلام رياجيل) ! فكل القرارات نسبية وتختلف من حالة الى حالة أخرى ولكن يمكن القول أن الخطوط العامة ثابتة ويبقى تحقيق التوازن في تطبيقها.
في توجيه الطلبة لتطوير تكويناتهم أثناء محاضرة اليوم، يتوجب على الأستاذ أن يتقمص دور الطبيب ... تركيز و(صفنة) على كل تكوين ومن ثم التقاط نقطة الضعف وتوضيحها للطالب دون لف ودوران، وبعد سنوات من العمل أعتقد أن الفترة الكافية للصفنة الأولية يبدأ بالنقصان ويمكن للمعمار تشخيص الضعف بسرعة وهذا ما يفعله الطبيب المعالج عندما يلتقي بمريضه بضعة دقائق ليأخذ مبلغ المعاينة الباهض مقارنة بعدد دقائق الكشف.

وفي هلمّة معاينة التكوين بشمولية والموازنة في تطبيق مبادئ التصميم يُضرب مثال بفكرة تدوير الصحون أو الأطباق على العصي لنجوم السيرك، فهو يقوم بتدوير الصحن الاول وإعطاءه زخم حركي كافي (تصميم تكوين ثلاثي الابعاد) ومن ثم ينتقل لتدوير الصحن الثاني (تصميم المسقط الأفقي) والثالث (تصميم المسقط الأمامي) ثم يعود لتدوير الصحن الاول (إجراء التعديلات على التكوين ثلاثي الابعاد)  بعد أو يوشك على الوقوف والسقوط أرضاً، وكأن المعمار لاعب سيرك يجب عليه إمتاع الجمهور دائماً.



وبعد يوم ملئ بالاحداث والنقاشات، يأتي حلم القيلولة العجيب، وكأنني أحد آخر ثلاثة مسافرين وصلوا الى طائرة متجهة الى الولايات المتحدة الأمريكية، التقي بركاب من (الطلبة) على باب الطائرة، ليُعلن بعدها عن تأخير الرحلة لوصول عدد آخر من الركاب ويجب التخلص من البعض لزيادتهم على العدد المقرر، أحد الركاب الجدد هو عالم دين بلباسه التقليدي العباية والجبة والعمامة، يبدأ بتقسيم الركاب على هواه، القسم الفلاني يصعد أولاً القسم الفلاني يبقى أخيراً، وكنت بعد أن إختلط عليَ الأمر في البداية من الفئة التي تضمن الصعود وعدم العودة! يبدأ الركاب (الطلبة) بمناقشة طريقة تقسيم الشيخ بحجج وبراهين (ضبابية أثناء الحلم) ليبدأ موقف الشيخ بالضعف وينتهي الفلم الهندي الغريب ...

 والغريب أكثر بعد استيقاظي فتحت صفحة أحد المواقع التي اتابعها بإستمرار لمعرفة آخر المواضيع على الساحة العراقية فإذا به يقتبس قولاً للسيد الفلاني عن علاقة المسلمين بالعلمانية ...    


الاثنين 15/5/2017 :

اليوم هو موعد التقديم قبل النهائي للمشروع الآخير في العام الدراسي وبعد تقريب الامتحانات يتبقى لنا محاضرة واحدة فقط للنقد وأخرى للتقديم النهائي. ومع ضغط التقديم بدأ ظهور حالة الانهيارات الصحية للطلبة والطالبات خاصة:
-طالبة لم تقدم مع تقرير غير واضح التأريخ لدخول المستشفى.
-طالبة لم تأتي حتى لسوء حالتها مع ارسالها للتقديم مع الزملاء.
-وطالبة انهارت صحياً في المرسم ليأتي والدها لأخذها الى المنزل.

وهذا ما يدفعنا لمقولتين: الاولى ضرورة وضع فحص صحي حقيقي للطلبة المقبولين في دراسة العمارة قبل قبولهم! والثانية ضرورة وضع نظام معيشة صحي للطلبة يتضمن التغذية الجيدة وممارسة الرياضة المستمرة.

ويصدف اليوم أن أستمع قبل المحاضرة لاحد الاساتذة عن غش بعض طلبة المرحلة الاولى في الامتحان الخاص بمادته، لذا كان ضرورياً الاشارة لسوء التصرف من الناحية الدينية والاخلاقية والقانونية وعن خطورة انعدام الثقة بالطالب وسوء سمعته وإمكانية غشه في مواضيع ومواقف اخرى كثيرة ومنها مادة التصميم المعماري كون القبول بالغش هي قضية مبدأ وصفة شخصية لا يمكن التغاضي عنها. وقد تمت الاشارة  الى أن تعامل الكادر التدريسي مع الطلبة طوال السنة كان بحسن نية وتقبل للاعذار التي تمنعهم للتقديم في بعض الاحيان وهو ما يمكن تدميره مع سمعة الغش في بقية المواد الدراسية.

وفي تلك المرحلة النهائية من العام الدراسي كانت لدّي أمنية شديدة في الحصول على هبة قراءة افكار الغير وذلك لمعرفة ما اكتسبه الطلبة من معلومات طوال السنة ومدى نضجهم المعماري مقابل الجهد الذي بذله الاساتذة معهم، لأن الصفة الغالبة على الطلبة هي الصمت وقلة الافصاح عما يدور بداخلهم من افكار سلبية يمكن نقاشها ومعالجتها.

وأخيراً فهنالك ظهور لحالة جديدة بحضور التصوير بتطبيق (snap chat) كدليل لمصادقية بعض الطلبة، فعندما يقول الطالب انني كنت اعمل حتى الرابعة صباحاً ثم تضرر فايل العمل (واذا تريد اراويك مصور بسناب جات حتى تصدك!) ...