الثلاثاء، 29 مارس 2016

الزفّة والمطر

بغداد، الشواكة، بيت أم فاضل، عام 1932:
-       يلة ولدي تعالوا تغدوا بسرعة ... سووا مكان لأختكم ... يلة بتي فضيلة تعالي هنا يمي.
-       ما أريد
-       ليش بتي،  دشوفي شلون صايرة عودة.
-       ما أريد أكل بكيفي.
-       دتعالي بتي شبيج؟
-       أريد أكل مثل أبوية بالمماعين ... ليش هو ياكل بالمماعين وإحنة كلنا ناكل بالجدر؟
-       بتي أبوج رجال البيت، يتعب النهار كلة بالشغل ويجي يريد يرتاح وياكل على راحتة، قابل ياكل ويانة بالجدر؟
-       خلي لعد إحنة هم ناكل بالمماعين مثلة.
-       ونظل إحنة نوصخ مماعين؟ مدتشوفيني شلون ينشلع كَلبي من أخذهن وأروح أغسلهن بالشط؟
-       أني أروح أغسلهن مكانج بس خلي أكل بالمماعين.
-       لا بتي شلون يصير، بعدج صغيرة وشريعة حجي إبراهيم بعيدة، متكدرين تاخذين المماعين وتراب الحنطة وحدج، ولا تكدرين تجين وياية ونعوف أخوتج وحدهم.
-       لعد ما أكل ...
-       هذا شلون قهر بالله ! تعالي بتي إكلي ويانة هسة، وإن شاء الله تكبرين ويخطبج إبن الحلال ويسعدج ويهنيج وتاكلين إنتي ووياه بالمماعين، وإن شاء الله متروحين تغسليهن بالشط وتتعبين، الدنيا تمطر والمي هو يجيج للبيت وإنتي كاعدة مسعدة بمكانج.
-       هااا ... شوية حميّد وخر دا أكعد، على كيفكم شبيكم مهروشين!


                           ...................

بغداد الشواكة، باب بيت أم فاضل المطل على الدربونة عام 1936:
-       سبحان الله، تصدكين يا أم حسين جنت أقشمرهة لفضيلة من متقبل تاكل بالجدر وأكلهة هسة من تتزوجين تكوم تمطر الدنيا ويجيج المي للبيت حتى تغسلين بي المماعين، واليوم دياخذوهة لبيت رجلهة والدنيا موكفت مطر والمرازيب تكت من الصبح.
-       نزول عليج دادة أم فاضل شعندج سوالف.
-       شسويلهة لعد مجانت تقبل تاكل. 

                          ...................

وسوت أم حسين الواجب، ومبقت مرية بالدربونة مسمعت بقصة فضيلة المسعدة، بعد مخلت عليهة شوية بهارات، وصارت:عيني فطوم إكلي بالجدر حتى الله يرزقج بإبن الحلال مثل فضيلة والمي يجي لي يمج ومينشلع كلبج بروحة الشط يومية.

 وبمرور الأيام نسوا الناس القصة وبقت بس المعلومة:


الي ياكل بالجدر الزفة مالتة تصير بالمطر!












السبت، 26 مارس 2016

طريق المقابر

وأنا أكتب، وقبلها حتى بساعة حاولت جاهداً أن أتذكر إسم مدرستي المتوسطة، ولكن بلا جدوى ... والسبب أنها على أسم أحد الخلفاء العباسيين ولا أتذكر أيهم هو.
ليس المهم الإسم ...
تذكرتها وأنا أقرأ في فهرس سنان أنطوان :
-أتعرفين أنني أحب المقابر كثيراً؟
-لماذا؟
-لا أعرف منظرها يجتذبني، تناسق القبور والحشيش الأخضر. الأسماء والتواريخ المنقوشة، أشعر بالسكينة فيها، عندما كنت في بوسطن زرت واحدة من أجمل المقابر في البلد في ماونت اوبرن، لابد أن تزوريها في يوم ما.
خلال السنوات الثلاثة في تلك المدرسة، كان طريقنا الى البيت ظهراً يخترق المقبرة التي تقع على الجانب الأخر من الشارع الرئيسي، مقبرة بجدران ولكن بلا أبواب ولا حتى إسم.
طريق ترابي بعرض مترين تقريباً، تمتد القبور على جانبيه متداخلة ومتراكمة، أغمضت عيني الآن ... لا أتذكر إلا ثلاث صور ...
-قبر متهدم (خاسف).
-قبر بقبة خضراء.
-لا يجوز أن نمشي فوق القبور لأن الأموات يتألمون.
فيما يخص مدفن العائلة، فقد نزلت فيه قبل المرحلة المتوسطة أو بعدها لا أتذكر أيضاً، هنا يرقد جدي، هنا يرقد والدي، وهناك أماكن خالية تنتظر ساكنيها.
لم يكن الأمر مخيفاً أيضاً ...
أما الآن فالأمر مختلف ...
لدي صفة سلبية جداً، فأنا أهرب مما أخاف أو أنزعج منه، أحاول الهروب بأي طريقة ممكنة ويزداد الأمر سوءاً بعد الهرب من المواجهة الأولى فأستمر بالهرب الى ما لا نهاية.
لا أؤمن بتخصص التنمية البشرية ولا كلام المختصين به، ليس المشكلة بالكلام ولكنه يبقى مجرد كلام، المهم هو تنفيذه من قبل الإنسان، أعرف أن عدم إيماني هذا لا يستند الى سبب منطقي لان الإنسان بحاجة الى التشجيع والى أمثلة عن الناس الناجحين ولكني مع ذلك لا أنوي الإستماع أو القراءة عن التنمية البشرية.
ولكنهم يقولون أن على الإنسان أن يواجه مخاوفه فتنتهي أو يقل تأثيرها.
وهذا ما دفعني للكتابة عن الموت.
أصبحت أخاف أو لا أرتاح لزيارة القبور وهو أمر طبيعي على ما أعتقد ولكني أقارنه بذكريات الطفولة.
ماهو شعور الإنسان الذي يبلغوه بموعد موته؟
نحن نعلم شعور الإنسان الذي لا يعلم موعد موته!
ولكننا قد نموت في أي لحظة ...

تؤكد وزارة الصحة العراقية أن معدل عمر الإنسان العراقي يقدر بـ58 عاماً لذا فالرجل يمر بأزمة منتصف العمر وهو بعمر 29عام ! 







الثلاثاء، 8 مارس 2016

المرأة هي الحل 

إجابة المرأة الملفتة للنظر اليوم، على تهنئة الرجل بعيدها العالمي: مدا أعرفك !

في نهاية يوم المرأة العالمي، ليس هنالك حاجة للكتابة عن قيمة ومكانة المرأة في المجتمع، فالجميع كتب والجميع قرأ والأهم في كل ذلك هو التطبيق ...

تقول زوزو حديد (على وزن جيجي حديد): أني أشوف كل النساء ذكيات وموهوبات وقويات.

ومن وجهة نظر براكماتية، لماذا لا نحاول الإستفادة من ذكاء وموهبة وقوة المرأة لأقصى حد؟
يجب أن نعترف أن مجتمعنا هو مجتمع ذكوري حتى هذه اللحظة، وحتى هذه اللحظة (مصاير براسنا خير)، فلماذا لا نجرب طرق أخرى ؟؟ ... فعن إنشتاين يقول: إن الإنسان (العبيط) هو من يفعل نفس الشئ بنفس الطريقة مرتين ويتوقع نتيجة مختلفة.
وتمكين الرجل للمرأة لتنمية وإستغلال ذكائها وموهبتها، يتم عن طريق تشجيعها المستمر أولاً والتخلي عن العوائق الشرقية و(غير المدنية) البالية ثانياً وثالثاً ورابعاً.
أتذكر ذلك الحوار عن إختيار نوع ولون مادة إنهاء الأرضية لمسكن معين ... وعن تلك المادة التي (يبين بيهة الوصخ) ويجب أن تُنظف دائماً وذلك ما يتعب (أم البيت) قال (المهندس): وخلي تنظف دائماً ليش هي شعدهة ؟!
لديها كل شئ ... أفكار، أحلام، إهتمامات، هوايات ....

أفكر بكتابة أشياء كثيرة وفي نفس الوقت أفكر بعدم أهمية الكتابة مقابل التطبيق ...
جميع الرجال لديهم مشكلة بالتطبيق ولكن على الأقل أن نؤمن بمكانة المرأة ونحارب الرواسب (غير المدنية) في عقولنا، بدلاً عن التمسك بتلك الرواسب والإيمان بها.

هل تعلمون ... حتى هذا الصباح فإن الإطفال في المدرسة التي تديرها أمي عندما يريدون الإساءة لأحدهم يعيرونه بإسم إمه ... لم تختفي هذه الظاهرة التي تدل على الكثير ولا أعرف متى ستختفي ؟؟  وشوكت راح يصير براسنا خير ؟؟


وبالنسبة لي فبيبيتي إسمهة فضيلة وأمي إسمهة أنوار وأختي زينب وبكيفكم بعد ... 







السبت، 5 مارس 2016

قراءة لسواقي القلوب

إن تقرأ رواية فأنت ترى العالم بعيون الآخرين.

وهذا هو بالتحديد ما يبعدنا على ضيق الأفق والتفكير، عدم الإحساس بالآخرين والتمسك برأي واحد نعتقد بصحته دون غيره، قد لا تكون الرواية المقروءة مرتبطة ظاهرياً بإختصاصنا، ولكنها من ناحية خفية تصب في ممارسة العمارة، فهي تتحدث عن الإنسان، رغباته وأحلامه، عن المجتمع، أفكاره وتقاليده وعن الأوطان رموزها وسلبياتها. يمتزج كل ذلك ليساندنا في إنتاج العمارة، عمارة واسعة الأفق تحترم الإنسان، تتفاعل مع المجتمع وترتبط بالوطن.
سواقي القلوب لـ (إنعام كجه جي) ... (تشيلك من العراق وتشمرك بفرنسا) لتنظر الى العراق مرة أخرى من هناك.


في بداياتها تضعك في وسط الموضوع الأكثر تعقيداً حالياً وحتى سابقاً، العلاقة بين عراقيي الداخل والخارج.
على الحدود يقول ضابط الجوازات للعائد من الخارج: (يعني أنك أمضيت في الخارج، يا أستاذ، أحلى سنوات شبابك، التي هي أتعس سنوات شبابنا...)
ليخاطب العائد صديقه زمزم: (كيف أجعله يفهم، يازمزم، أن الأعمار يمكن أن تتبدد هدراً أيضاً في أكثر بلدان الدنيا جمالاً، وأن الأعمار إذ تتبدد في بلد غريب، بلا حصاد يُذكر، فإن الأمر يصبح أكثر فداحة).
لن نعود للحكم على هذه الثنائية (الداخل-الخارج) بنفس الطريقة بعد قراءة الرواية وروايات أخرى، فلكل منا مأزقه الخاص وهدفه الخاص و(رجال الي يعبي بالسكلة ركَي).

يتسآءل زمزم وهو في حديقة اللوكسمبورغ: (لماذا يتبادل الناس الحب هنا، تحت شمس النهار، وتحجل الحمائم بين أقدام الأطفال بأمان، وتنطلق قطارات المترو في مواعيدها الى الضواحي الخضراء، وتذهب العجائز لتسريح شعورهن عند الكوافير، في حين لا تكف الأحداث عن الغليان في أوطاننا الأبية الغارقة في حروب تطحن البشر؟).
ومن نظرة للتأريخ وحتى الحاضر، فأن الجهات الحاكمة هناك (حيث الحب والأمان والجمال) هي السبب في تغذية حروبنا الطاحنة وهذا لا ينفي طبعا تقصيرنا وإنجرارنا وراء مخططاتهم.

وعن الرموز العراقية في الرواية، ألتقط رمزاً شهياً ... سمك الزبيدي ...
فبعد أن يعود بأربع سمكات بيضاوات عريضات إشتراهن من حوض بقالة الإخوة تانغ، (رفعت الخاتون كفها الى فمها وهلهلت مثل من تلتقي بعزيز طال غيابه. ولما جاء زمزم شم رائحة السمك المقلي وهو بعد في أسفل العمارة. وعندما صعد وشاهد السمكات ممددات بدلال في الصينية، رقص وهو يدق إصبعتين، لقد تعرف على الزبيدي حالما رآه، وكأنه فرد من عشيرته تربطه به وشائج الرحم، فكيف يكون الجنون العراقي إن لم يكن هكذا؟)
وعندما سنستخدم نحن المعماريين السمك كرمز في مشاريعنا مستقبلاً، يجب أن يكون بشكل ونسب سمك الزبيدي وليس أي نوع آخر، لننتج عمارة عراقية من لحمنا ودمنا.

نكتشف من الرواية أننا كمجتمع إستطعنا تجاوز بعض سلبياتنا السابقة وهذا مايدعو للأمل، فعند إكتشاف أن الخاتون العراقية هي كونتسية فرنسية أيضاً يقول البطل (لو جيء لي بمصباح علاء الدين في ذلك الصباح الغائم، المصباح الأصلي لا المصنوع في تايوان، وقيل لي أن الخاتون فركته وطلع لها المارد وقال لها: شبيك لبيك، وأسبغ عليها اللقب النبيل، في غمضة عين، لأطلقت من بين شفتيّ عفطة كرادية تصل أصداؤها الى الرصيف المقابل). والواقع أنا أسكن الكرادة منذ عام 2002 ولم أسمع تلك العفطة الشهيرة لمرة واحدة.
لا أعرف لماذا إختفت؟ هل (راحت مودتها)؟ كنت أسمعها وأعرف المناسبات التي تستخدم بها عندما كنت طفلاَ، وعندما قرأت عن دعبول البلام وهو قد يكون صاحب أشهر عفطة (عفواً) في بغداد أو الكرخ، أصبحت أقول عندما أستمع لشخص يستحقها: وينة عنك دعبول البلام.
ولكن يبقى السؤال ماهي محصلة (ماكسبناه وما تجاوزناه) من السلبيات؟ يمكن لو باقين على (العفا...) هواية أحسن.

وأخيراً تؤيد الرواية فكرة أن أغلب الأحلام تدور في بيت الطفولة، فها هو صبحي أبو البايسكلات، وسدرة بيت هنودي، ودكان أم علوان بياعة المهافيف، وبيت الخوافات في الكرادة.
صحيح .. ما أثر هذه الظاهرة على تصاميم المهندس المعماري؟ فلو وثقنا بيت الطفولة لمعمار معين، ثم قمنا بتحليل نتاجاته المعمارية، فهل سنجد روح ذلك البيت وعناصره حاضرة في تلك التصاميم؟ لا أعلم ...

وفي منتصف الرواية تقريباً تسآءلت، هل من الممكن أن أستمتع برواية ذات أحداث سعيدة؟ حب وزواج وونسة وتحقيق لكل الأحلام؟
أم يجب أن تتحقق المتعة مع أحداث الضيم والقهر والفتيت؟؟

 وكل ذلك حاضراً في سواقي القلوب، فالسطر الأول منها يقول:

أي أحمق، جلف القلب، ذاك الذي قرر أن الرجال لا يبكون ؟؟