الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

تحدي جائزة رفعة الجادرجي 2018


تحدي جائزة رفعة الجادرجي 2018

"تعتبر المسابقات المعمارية اسمى ظواهر العمل المعماري السليم، تحفز الابتكار المعماري وتظهر مواهب جيل جديد من المعماريين، او تعيد للاذهان امكانات معمارية كانت غائبة عن الاذهان، وتلجأ اليها الكثير من المؤسسات العامة والخاصة بهدف الوصول الى التميز في اعمالها المعمارية."

هذا ما يخبرنا به الدكتور مأمون الورع في مجلة ابداعات هندسية، ومانختبره حقاً ونحن نشارك في مسابقة او نراقب مسابقة معمارية رصينة.

جائزة رفعة الجادرجي لهذا العام كانت فرصة ذهبية لتجربة متعة العمل المعماري (السليم) بعيداً عن منغصات العمل المحلي. وقد ضاعف المتعة موضوعها او التحدي الذي فرضته على المشاركين (مبنى المتصرفية في بغداد).
 قد نقف امامه اسبوعياً، ندخل فيه او نكمل المسير الى وجهات اخرى، ولكنه اصبح مع المسابقة لغز نحاول الوقوف على اسراره للانطلاق منها نحو التصميم المستقبلي المقترح، نبحث عن تلك الاسرار في الكتب التي تتحدث عن تأريخيه، نزوره اكثر من مرة للدراسة وتوثيق ابعاد جدرانه وفتحاتها، تفاصيلها المعمارية والانشائية، نسأل شيخاً فيخبرنا ان المبنى كان يحتوي على سلالم يمين وشمال بوابة المدخل لم يبقى لها اي اثر.



وبعد اللقاءات المستمرة للفريق وانجاز مراحل التصميم المتتالية وعمل الايام الاخيرة المتراكم ولد المقترح التصميمي النهائي والمطابق لمتطلبات المسابقة التنظيمية.

وكانت الفكرة التصميمية تتلخص بالتالي:

تشير المصادر (مدينة الحكايا، للدكتورة غادة رزوقي) الى ان موقع مبنى المتصرفية المطلوب اعادة تصميمه " كان يقوم عليه جامع يعود للعهد العباسي تم اصلاحه في العهد العثماني وحوله الوالي مدحت باشا الى مدرسة عام 1869 ثم شغلته كلية الحقوق عام 1896 لكن المبنى تعرض للتدهور والتساقط فاعيد بناءه واضيف له بناء جديد ليصبح مقراً لمتصرفية لواء بغداد عام 1934 بعدها شغلته امانة العاصمة وشغله بعدها المركز الاقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية في الثمانينات ليتعرض بعد عام 2003 الى سرقة للمحتويات ثم تم حرقه وتهديم جميع جدرانه الداخلية."

ان نقاط الانحدار تلك في الهيئة الفيزيائية للمبنى واستخدامه والتي ترافقها انحدارات اجتماعية واقتصادية محيطة به ومن ثم النهوض مرة اخرى ليقوم بوظيفته من جديد تحيلنا الى دورة حياة طائر الفينيق، ذلك الطائر الذي ذكر في حكايات الف ليلة وليلة التي تدور في بغداد وذكر في اساطير معظم الحضارات الشرقية والغربية الاخرى، فهو رمز للخلود والتجدد والنهوض من جديد، ففي نهاية حياته يجثم في عشه الى ان تنير الشمس الافق فيحترق ويتحول رماداً وعندما يكون الجسد الضخم قد احترق بالكامل يخرج طائر يرقة صغيرة من بين الرماد وسرعان ما تتحول الى طائر فينيق جديد يعيش حياة طويلة.

وقد حدث الحريق عام 2003 في مدينة بغداد عامة وفي المبنى ذاته مما سيجعل التصميم الجديد لمركز بغداد للتصميم تلك الولادة الجديدة والاستمرارية للتراث العراقي العريق.



وتتجسد الاستراتيجية التصميمية بالبحث اولاً عن آثار جدران المبنى عن طريق بقاياها على الجدران الخارجية الشاهدة، ليتم النهوض بها وجعلها تشارك في ولادة التصميم الجديد، هذه الطبقة التأريخية تتفاعل مع الخطوط المجردة لطائر الفينيق بهيئة تعتمد على فن طي الورق للتواصل مع مجاروات المشروع التي تمثل مركز صناعة الكتب وبيع الورق والطباعة في العراق. كل ذلك زيادة على حضور العناصر المعمارية التراثية وتوظيفها بما يخدم متطلبات المشروع الحركية والوظيفية والرمزية، فنجد معالم الرواق والزقاق والايوان والفضوة بصور معاصرة في التصميم المقترح.




آثار الجدران الداخلية (عناصر المخطط الاصلي) على الجدران الخارجية القائمة والشبكة التوليدية الناتجة عنها





اللوحة النهائية للمشروع

يخبرنا منظموا الجائزة ان عدد المشاركين الكلي في الجائزة هو 314 مكتب او فريق من 52 دولة، و 20 منهم فقط من العراق، ليترشح مشارك واحد من العشرين في القائمة الطويلة للجائزة. ولضرورة عدم اطلاق الاحكام دون رؤية التصاميم المشاركة كنا ننتظر اعلان مشاريع القائمة القصيرة والتي تمتاز مشاريعها بكافة الصفات  المعمارية الايجابية، فهي انيقة متنوعة وذات حلول ابداعية جميلة تغني واقع العمارة المحلية.

ومع عدم الاطلاع على المشاريع المشاركة من العراق فقد يكون الحكم غير دقيق جداً ولكنه يعبر عن التحدي كفريق تصميمي يعيش في العراق ويتعامل مع كافة تعقيدات الواقع فيه. فبعد الاعلان عن الجائزة وعقد القرار بالمشاركة فيها، اعلنت المؤسسات الرسمية العراقية بدورها عن نيتها باطلاق مشروع اعادة احياء المبنى ووضع حجر الاساس لذلك، فما كان من المهتمين الا بمناشدة تلك الجهات بانتظار نتائج جائزة رفعة الجادرجي للاستفادة من التصاميم المقدمة، وهذا ما اعلن عنه منظموا الجائزة للمشاركين.

وهنا يقع المشارك العراقي في مأزق المقارنة مع امكانات الواقع الادارية والمعمارية، فهو يعلم ان المسابقات المعمارية تتطلب حلول ابداعية مبتكرة من جهة ومن جهة اخرى يدفعه عقله الباطن والواعي تجاه وضع حلول قابلة للتنفيذ ضمن الامكانات لاحتمال اختيار مشروعه للتنفيذ من قبل المؤسسات المحلية، نستطيع القول بالتاكيد ان الشركات العالمية تستطيع اليوم تنفيذ كافة الحلول المعمارية مهما تتطلب من تحديات، ولكننا نعلم الواقع الاقتصادي الحالي وعدم توفر المبالغ اللازمة للتعاقد مع تلك الشركات.
نعتقد ان نتائج المسابقة تشير بوضوح الى اثر السياق الاجتماعي والاقتصادي والمعماري على اعمال المهندس المعماري العراقي والذي يعيش الصراع بين المتطلبات الاكاديمية المثالية لمهنة العمارة وبين تحديات الواقع الصعب الذي يعيشه منذ سنوات.


اعضاء فريق التصميم:
بلال سمير/ مهندس معماري
شذى سليم/ مهندسة معمارية
اسراء محمد حسين/ طالبة هندسة عمارة
امير اكرم/ طالب هندسة عمارة