الجمعة، 6 يونيو 2014

أعزائي المعماريين .. لقد سئمت منكم !

إن طبيعة الدراسة المعمارية هي التي تجعل المعمار يعيش حالة من الاختلاف والتميز عن الاختصاصات الهندسية الأخرى، فهو يطلع على تأريخ الحضارات الانسانية، علم الجمال، علم الاجتماع، علم النفس علاوة على العلوم المتعلقة بالبناء والانشاء والكثير من الموضوعات التي تضمن مستقبلاً تصميم مباني تلبي حاجات الانسان النفعية والرمزية والجمالية في مكان وزمان معينين.
لذا عند مواجهة أي قضية فكرية فهو ينظر اليها ويتعامل معها من وجهة نظر مختلفة بالتأكيد عن الأخرين، ولكن في ظل هذا الاختلاف كيف ينظر الناس بدورهم الى المهندس المعماري؟
المعماريون يقولون إنهم أصحاب المهنة الأهم في الحضارة، تصميم مدن وفضاءات تحتوي جميع الانشطة والفعاليات الانسانية حتى إننا تعرفنا على أغلب الحضارات السابقة من خلال ميراثها العمراني، فهل يؤيد الاخرون هذا؟

الكاتبة الامريكية (Annie Choi) تنقل لنا وجهة النظر المقابلة، كيف ينظر الناس للمهندس المعماري وطلاب العمارة، من خلال رسالة مفتوحة بعنوان:




 ونظرتها بالطبع تشير الى واقع الحياة الامريكية، وبالتأكيد هنالك الكثير من المشتركات والاختلافات بينها وبين البيئة الاجتماعية والمهنية العربية والعراقية بالتحديد، وأتمنى أن نقرأ يوماً ما لكاتب عراقي وهو يصف ويفصّل النظرة المجتمعية للمهندس المعماري العراقي.
والنص التالي هو ترجمتي بتصرف لنص الرسالة التي توضح فيها تجربتها مع أصدقائها المعماريين:

" ذات مرة ومنذ وقت طويل جداً في الايام الخوالي، كان لدّي صديقاً يدرس الهندسة المعمارية ليصبح على نحو محتمل مهندس معماري!
هذا الصديق عرفني على أصدقاء أخرين وهم يدرسون الهندسة المعمارية أيضاً، وهؤلاء الاصدقاء لديهم أصدقاء أخرين أصبحوا معماريين(معماريون حقيقيون يصممون مباني حقيقية) وهؤلاء الاصدقاء يعرفون معماريين حقيقيين أخرين وهكذا فإن الناس الوحيدين الذين أصبحت أعرفهم هم المعماريين!
لا تفهموني خطأً، أيها المعماريون .. أنا معجبة بكم كأشخاص، وأنا أظن أنكم لطفاء، وذوو رائحة رائعة طوال الوقت وأنا معجبة بنظاراتكم. تملكون تسريحات شعر مجنونة، وإذا كنتم محظوظين فإن أغلب ذلك الشعر باقٍ على رؤوسكم! ولكنني لا أهتم بالهندسة المعمارية، هذه هي الحقيقة ولكن هذا ما أهتم له:
-       Burritos (طبق طعام مكسيكي).
-       Hedgehogs (القنافذ).
-        Coffee.
وكما ترون فإن العمارة ليست ضمن القائمة، وانا أظن أن العمارة تقع في مكان ما بين تنظيف أصابع القدم وآلام القولون في قائمة الأشياء التي تثير إهتمامي! ربما لو كنتم لا تتكلمون عنها كثيراً لكنت أكثر اهتماماً بها.
عندما تشيرون الى مبنى إسطواني زجاجي وتقولون بفخر: "انظروا مكتبي صمم هذا" فأنا أضحك وأقول إنها تشبه زجاجة لتدخين الممنوعات (bong)، فتديرون وجوهكم وتشعرون بالقرف والعار مني وتقولون لانفسكم: " من الواضح إنها لا تفهم، وماذا تعرف وهي مجرد كاتبة تهتم بالروايات، فهي ليست معمارية! ".


bong

وبعدها يقول أحدكم سوف أقوم بتصميم (lifestyle center) وعندها أسأل: وماهو ذلك؟ فيقول إنه مكان يقدم البضائع والخدمات وفرص البيع بالتجزئة، فأقول أنت تقصد مركز تسوق(mall)؟  فيقول: لا إنه (lifestyle center) فأقول إنه يبدو كـ(mall)! أنا من المدينة أيضاً وأعرف ماهو المول !
أيها المعماريون أنا لن أكذب، أنتم تربكونني، فأنتم تعملون ستين أو ثمانين ساعة في الاسبوع وأنتم لا تزالون فقراء، لماذا لا تشترون لي الشراب؟ أين تنفقون أموالكم؟ إنه لغز وسوف أترك ذلك للعلماء لأكتشافه!
المعماريون يحبون النقاش عن عدد ساعات النوم التي حصلوا عليها، أحدهم يذكر كيف بقى في الاستديو لغاية الخامسة صباحاً، وليعود بعدها الى المكتب بساعتين. ثم يقول الأخر: هذا لا شئ فأنا لم أنم لمدة أسبوع ! ثم أحزروا ماذا يقول الأخر؟ أنا لم أنم أصلاً! أعزائي المعماريين، كم هو عملكم مجهد أو كم انجزتم من العمل لا يقاس بعدد ساعات نومكم! هل سمعتم بـ(Rem Koolhaas)؟ إنه مهندس معماري مشهور، أنا أعرف ذلك لأنكم قلتم لي إنه معماري مشهور، لقد سمعت إن (Rem Koolhaas) كان نائماً دوماً. وانا أفترض إنه نائم الآن.
الحياة صعبة بالنسبة لي، رجاءاً إفهموا، المعماريون جزء مهم من وجودي. يتصلون بي الساعة الحادية عشر مساءاً ليقولوا إنهم أنهوا عملهم، هل أنا جائعة؟
إسمعوا:عملياً إنه منتصف الليل، وأنا أكلت منذ عدة ساعات وهكذا فقد مرت فترة طويلة، وبالحقيقة نعم أنا جائعة، وسأتي للعشاء. ثم أذهب لأجد هنالك معماريين أخرين يتكلمون عن إختصارات برنامج (AutoCAD) وشيئاً ما عن الالواح الكهربائية وهذا كل ما عملوه خلال يومهم، فأنظر حول المنضدة الى المساكين، المتعبون والجائعون حولي وأفكر مع نفسي لو كنت أملك رصاصة واحدة في مسدس من سأختار لأضرب أولاً ؟!
أملك صديقاً وهو طبيب، يعطيني العقاقير وأنا مستمتعة بها. وأملك صديقاً أخر وهو محامي، يساعدني في مقاضاة مالك مسكني. أصدقائي المعماريون لم يعطوني أي شئ، لا عقاقير لا نصائح طبية وهم لا يعلمون كيفية تهجئة كلمة (subpoena)(إستدعاء للمحكمة). أحد أصدقائي المعماريين أشار الى إن شقتي يبلغ مساحتها مئة وثمانية وسبعون قدماً مربعاً، هذا لطيف ! شكرا على ذلك !
لذلك أعزائي المعماريين، سأنتظر في مكاني، فقط القليل من الوقت، وأتامل في يوماً ما أحدكم سيصبح طبيباً أو محامياً أو مستحصل لضرائبي، وسنضحك على الأيام التي قضى فيها طوال الليل يتحدث عن شخص أوربي لم يلتق به أبداً والذي صمم مبنى لم يراه بعينه أبداً لانه كان مشغولاً بتصميم مبنى لم يشيد أبداً، ولكن حتى لو لم يأتي ذلك اليوم فليتصل بي باي حال، فأنا غير مشغولة !

تفضلوا بقبول فائق الاحترام
      

هناك 4 تعليقات:

  1. مقالة فيها الكثير من الحقائق وفيها ايضا الكثير من المغالطات.....الكثير من المعماريين يعيشون في بروج عاجية هذا صحيح.. والكثير منهم ايضا هم من يستطيعون ان يجعلو الواقع اقل ايلاما واسهل معيشة ولكن الناس تكابر وتعتقد بانهم يستطيعون الاستغناء عن خدمات المعماري المتواضعة ويتقمصون دور المعماري ويصممون بانفسهم كوارث ( على المستوى التصميمي والكلفة) لمجرد اعتقادهم بان مايقدر ان يفعله المعماري هم ايضا قادرون على فعله وهو عملية التصميم......اقول ذلك وانا ارى جارتي الحائرة والمهمومة التي تبحث عن شقة صغيرة للايجار لاكبر اولادها الاربعة المتزوج لتنقله اليها كي تفرغ غرفة لتزوج ابنها الثاني فيها ..والبيت الذي بنوه قبل تقريبا 10 سنوات كان من الممكن ان يصمم بطريقة اخرى تضمن وجود اربع شقق صغيرة في الطابق الاول لتضمن لاولادها الاربعة استقلالية وتتخلص من هم الايجار وكان من الممكن ان اعطيها هذه الاستشارة مجانا لو كانت قد سالتني....ولكن ...المقاول الذي بنى البيت اعطاهم الخريطة " الصكط" مجانا هدية مقابل تنفيذ البيت....

    ردحذف
  2. محتاج توازن بين الحياة و العمل
    و المشكلة عند الجميع
    لكن المعمارين اكثر لعشقهم لفن العمارة

    ردحذف
  3. اكثر ما أعجبني بالمقال هو فكرة التقييم الشاملة للمعمارين جميعا على أساس اجتماعي وليس على أساس وظيفي .. ولكن يأخذ على الكاتبة انها تقيم من الناحية النفعية فبذلك هي لا تعتبرهم أصدقاء الا اذا كانت منهم فائدة مادية فماذا مثلا تستفيد من صداقة عالم نووي ! ( المسألة شخصية اما حب قديم او حسد عيشة ) ومع ذلك اتفق معها بكثير من الأمور

    ردحذف
  4. فيه الكثير من الحقيقة

    ردحذف