أحاديث الحلاقة
يروي لي جدي ذكريات طفولته عن الحِلاقة (الزيان):
في منطقة الشواكة كان يقع محل (هاشم الحلاق) وكان يستوفي
أجراً مقداره خمسين فلساً عن حلاقة الطفل الصغير...
أما الطفل الصغير (جدي) فكان يأخذ (الخمسين فلس) من أهله
ليذهب الى حلاق آخر، حلاق يثبت مرآة على جذع نخلة (في الموقع الحالي للمتحف
العراقي في العلاوي) ويُجلس الزبون على علبة صفيح فارغة (تنكة) ويرتبط إسمه بها
فيسمى حلاق (أبو التنكة).
أبو التنكة كان يستوفي ثلاثين فلساً فقط ثمناً للحلاقة
ويبقى لجدي عشرين فلساً لشراء الحلويات بعد الزيان، ولكنه عندما يعود الى المنزل
يفتضح أمره سريعاً لأن حلاقة هاشم الحلاق لا تتضمن هذا العدد من الجروح والطبرات
...
وهنالك ذكرى أخرى نشترك بها أنا وجدي معاً هي ذكرى مسلسل
(تحت موس الحلاق) وبطليها حجي راضي وعبوسي. مسلسل تحت موس الحلاق ومسرحية الخيط
والعصفور أيضاً نتاجات عراقية أصيلة، ولعل عدم رؤيتها والاستمتاع بها هي من أكثر
خسائر الأجيال المعاصرة.
واليوم يجب عليك أن تختار بين حلاق شاب مواكب للمودة
وآخر متوسط العمر تقليدي، ولكن هذا الاختيار يرافقه خيارات الزامية لا مفر منها تتعلق
بنوع الأشخاص الموجودين في المكان (الحلاقين والزبائن) والأحاديث التي ستسمعها أثناء الحلاقة وفترة
الإنتظار قبلها...
وهنا يجب قول (غالباً) للإبتعاد عن خطر التعميم: غالباً
عند إختيارك لحلاق مواكب للمودة فإنك تستمع لأنواع متعددة من الشتائم وقصص وبطولات
غير مناسبة ابداً، فتنتهي من الحلاقة وأنت فاقد الأمل بالمجتمع الذي نعيش فيه.
في الطرف الآخر نجد أن الحلاق التقليدي وغالباً أيضاً يوفر
بيئة أكثر راحة، مواضيع أكثر إحتراماً ولفظات بذيئة قليلة.
لذا وتحت ثنائية الشكل والمعنى فأنت تستطيع أن تحصل على شكل
جميل وتتعرض لمعاني سيئة، أو أن تحصل على شكل مقبول ومعاني إيجابية.
وأخيراً فأن تجربة بعد أخرى تثبت ماسبق وأتمنى أن تنكسر القاعدة ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق