الأحد، 23 أكتوبر 2016

لو يجي الريل

نصحتني أستاذتي مرة بعدم استخدام مصطلحات من لهجتنا العراقية العامية في كتاباتي، والسبب هو كي تكون النصوص مفهومة لكل من يقرأ اللغة العربية الفصحى. وأنا استخدم تلك المصطلحات غالباً بهدف ايصال افكاري بصورة واضحة لمستخدمي لهجتنا العامية أو الاستعانة بمثل شعبي كما هو العنوان اليوم.
وقد تأكدت من جدوى النصيحة وأنا اقرأ قبل مدة نصوصاً للأديب والفنان السوداني تاج سر الملك، لم أفهم المصطلحات العامية السودانية، ووجودها يخلق فجوة في قراءة القصة أو المقالة.
في الطرف الآخر نقرأ ونسمع نتاجات الكتّاب المصريين في رواياتهم وقصصهم ومسلسلاتهم وأفلامهم، ونحن نفهم غالباً كل كلمة وتعبير مصري عامي، فهم منذ عشرات الأعوام عملوا على تسويق لهجتهم العامية لكل الدول العربية، وكما قيل قديماً: مصر تكتب .. لبنان تطبع .. والعراق يقرأ.

هذه الجمعة التقطت من رصيف الكتب رواية (السكن في الأدوار العلوية ) لرفعت السعيد، نقلتني لعالم فريد متعدد الطوابق والأبواب ... وأقتبس منها:
-ربنا حكم علينا نقلق الصبح على وابور سونة، والظهر على دوشة المزيكاتي. (وسونة إحدى شخصيات الرواية)

ويوم السبت حكم عليّ ربي أن أقلق بسبب صوت آلة هدم بيت مقابل لبيتنا ومقابل لغرفتي بالتحديد ... بيت قديم ومهجور، أشتكى منه الجيران لصاحبته فقررت أن تهدمه وتحوله الى أرض جرداء قليلة المشاكل ومن ثم تفكر في بنائه مستقبلاً.
ولأني مختص بالبناء سحبني فضولي من غرفتي لمشاهدة عملية الهدم الصباحية:
 مقاول الهدم وعدد من العمال وآلة الهدم وشاحنات لنقل الأنقاض وجيران متفرجين يحرسون أسلاكهم الكهربائية.

ولأن البيت مشيد في الأربعينيات من القرن الماضي كما يقول الحاج هادي، فهو متهالك ... وبمجرد دفعة بسيطة من ذراع الألة تنهار الجدران والسقوف، ويبدأ العمال بفرز الطابوق بأيديهم ونقله لسيارات الشحن لغرض بيعه وإعادة استخدامه في عملية بناء أخرى.
ومن ثم يستخرجون الإطارات الحديدية والخشبية للأبواب والشبابيك ولأن البيت مسقف بنظام (العكَادة) فمن المفترض أن يقوموا بإخراج (الشيلمان) ولكن لم يكن هنالك شيلمان !
هل تساءلتم ما علاقة استخدام اللغة العامية وعملية الهدم بعنوان: لو يجي الريل؟
سأقول لكم، لقد كانت هنالك قطع من سكة قطار مستخدمة في البناء بدلاً عن الشيلمان ... قطع بطول أربعة أمتار تقريباً وهي أجزاء من سكة حديدية سابقة، لا أعرف كيف حصل عليها من بنى البيت ... أما سبب إستخدامها فيقول الحاج هادي أيضاً :
أن الحديد لم يكن متوفر في السابق، واستخدام سكة تم الاستغناء عنها أقل كلفة من شراء الشيلمان، وبالنسبة لي فأنا أعرف بهذا الاستخدام لأول مرة.




نحن ندعوا لمفهوم الإستدامة وهو ما يشغل العالم الآن، ولكننا بعيدين عن تطبيق المفهوم في بنائنا الحالي، في حين أن مباني الماضي هي أكثر تطبيقاً للمفهوم المعاصر.
لقد كان البيت المرحوم مستدام في استخدام مواد بناء محلية قابلة للاستخدام مرة أخرى وإعادة استخدام مقاطع سكك الحديد، بعد إنتفاء استخدامها لوظيفتها الاصلية بالاضافة الى أن صاحبه لا يستطيع أن يستخدم عبارة (لو يجي الريل) للتعبير عن أستحالة الأشياء لأن الريل موجود في سقف بيته!

والريل كما نعلم تسمية عامية للقطار وهي بأصلها الانكليزي (rail) والتي تترجم كسكة وليس القطار نفسه.

ويخاطبه مظفر النواب في (الريل وحمد) فيقول له:
يا ريل طلعوا دغش ... والعشكً جذابي ... دك بيّة كل العمر ما يطفة عطابي

وسأكتب لكم مستقبلاً عن البيت الجديد الذي سيبنى بدلاً عن السابق وعن (العطّابة) كعلاج كانت تستخدمه جدتي لمعالجة الجروح.















هناك تعليق واحد: