السبت، 23 مارس 2019

تمرين عن المقياس الانساني


تمرين عن المقياس الانساني

التطور طريق حتمي تسير فيه الحضارة الانسانية، ومن يتأخر في سلوك ذلك الطريق سيكون خلف جميع من سبقهُ اليه، عندما يدرك متأخراً ان لا مفر من اتباعهم.
ومع الحوارات حول الكثير من القضايا المستحدثة، هل تصنّف كحالات تطور ام هي حالات سلبية تبعدنا عن التقدم الى الامام، تظهر حالة التطور التكنولوجي.
نظرة سريعة الى التأريخ البعيد او حتى القريب، او لتكن النظرة الى تجربتنا الشخصية مع التكنولوجيا، وتحديداً التكنولوجيا التي تثبت كفائتها في تلبية الحاجات الانسانية، سنجد انها مسألة وقت فقط لنبدأ باستخدامها. بعد الانفتاح عام 2003، الستالايتات، الهواتف النقالة، مكيفات الهواء، الانترنت، كاميرات المراقبة والاهم بالتأكيد الكومبيوترات العظيمة.
ولان كل تجاربنا الجديدة تتضمن قُصر نظر وارتكاب اخطاء المبتدئين، فمن المنطقي ان نبدأ باستخدام التكنولوجيا مبكراً ثم نوفر الوقت بعدها لاستكشافها وتجربتها وايجاد الحلول للاخطاء التي نقع بها. بهذه الطريقة سنسبق الكثير وليس الجميع ممن يستخدم تلك التكنولوجيا بعدنا.
اتذكر بدايتي مع استخدام التكنولوجيا معمارياً، من برنامج AutoCAD عام 2004 في مختبرات الجامعة ومن ثم الذهاب مساءاً الى بيت قريب لي يمتلك جهاز كومبيوتر للتطبيق، والذي يقترب سعره من سعر سيارة مستعملة حينها، لتتسارع خطواتي مع اول جهاز كومبيوتر Pentium 4 اقتنيته وتعلّمي للبرامج الاساسية وصولاً الى حالة الدهشة الاخيرة وانا اتعلم برنامج Rhino  وملحقه Grasshopper الذي يمثل بوابة للتصميم البارامتري المعاصر.
تسير رحلتي مع البرامج المعمارية مع التصنيف الذي يُذكر دائماً لتلك البرامج، فبعضها مخصص لتنفيذ مخططات ومناظير التصميم المعماري فقط، والمعاصر منها مخصص للتصميم ثم للتنفيذ، فالمشاريع المبهرة التي نشاهدها يومياً على الشبكة لايمكن تصميمها دون وجود الكومبيوتر ولا يمكن تنفيذها حتى دون وجوده، فالعمارة المعاصرة تعتمد على الكومبيوتر كلياً.
ولان هذا الطريق حتمي وسيثبت المستقبل ذلك وجب علينا استخدام الكومبيوتر مبكراً في دراسة العمارة وممارستها لاحقاً، مع الادراك التام للسلبيات والاخطاء التي نقع بها كمبدئين، وتشخيصها ومحاولات حلها بعقل علمي منفتح.

من المآخذ التي قد تؤشر على استخدام طلبة العمارة للكومبيوتر في مشاريعهم الدراسية هي عدم تقديرهم لمقياس ما يقومون بتصميمه (وسيتم مناقشة المآخذ الاخرى ومحاولات حلها في تدوينات قادمة). مع العلم ان ذلك لم يثبت بدراسة علمية معتمدة وانما عن طريق ملاحظة ومناقشة الطلبة ونتاجاتهم. ويعزي اصحاب هذا الرأي السبب الى عدم ثبات مقياس الكتلة او المخطط على الشاشة كما يثبت على الورق وانما هو في حالة تغير مستمر بالاقتراب والابتعاد عنه في شاشة العمل.
وقضية  المقياس في التصميم المعماري تعود الى نقطة مرجعية دائماً هي مقياس جسم الانسان، لتتم المقارنه به وبحالات متعددة تمثل ما يريد المصمم خلقه من فضاءات تؤدي وظائف معينة او تحيط المستخدم بمشاعر معينة وغيرها من القضايا المعمارية المتعددة.
وفي حال وجود عدم الادراك ذاك للمقياس الانساني نتيجة لاستخدام الكومبيوتر، فمن المنطقي ان نقوم بمعالجته عن طريق تطوير استخدامنا للتكنولوجيا وليس الابتعاد عنها. لان الابتعاد سيعود علينا سلباً وسنواجه نفس المشكلة عندما نقرر استخدام الكومبيوتر عند حاجتنا الحتمية له.

يوفر لنا اولاً برنامج Sketch up وفي الواجهة القياسية له Figure)) تشبيهاً لانسان بقياس يرتبط بوحدات القياس التي يتم اختيارها للعمل، ويوفر ايضاً شخصيات متنوعة لكل منها اسم معين لزيادة الصلة والألفة معهم (سوزان، ستيف، صوفيا، سانك، نانسي، ديريك، ليزان). ومن الممكن وضع هذا الـ(Figure) او غيره من الشخصيات التي يوفرها البرنامج في اي فضاء داخل او حول التصميم والهدف الاساسي منه هو الاحساس بالمقياس الانساني عند العمل في البرنامج. ونحن نؤكد على الطالب بوضع الـ(Figure) بجانب الكتل التي يصممها وداخل جميع الفضاءات التي تحتويها.
قد نقول انه هذا الخيار متاح في كل البرامج ولم يعالج سوء التقدير السابق! والاجابة ان الـ(Figure) هنا جزء اساسي من واجهة البرنامج وهو مرتبط بوحدات قياس العمل ولا يتم اضافته مثل بقية البرامج ليحصل عدم مطابقة بين مقياسه ومقياس التصميم.


والاعتماد على البرامج في كل الاحوال ليس كافياً، فالعمارة اساساً هي ظاهرة يدركها الانسان بكافة حواسه، وليست صور على شاشة الكترونية، لذا يجب ان يقترن تعليم العمارة الذي يعتمد على استخدام الكومبيوتر بتجارب واقعية تؤكد على قضية المقياس والمقياس الانساني خاصة وبقية القضايا الاخرى.

وهذا هو هدف الزيارة التي تم تنظيمها الى نصب ومتحف الشهيد في بغداد.
 لماذا نصب الشهيد دون غيره؟

لان النصب وبسبب وظيفته الرمزية يتضمن عناصر معمارية وفضاءات ذات مقياس كبير وغير تقليدي، لم نعتد عليه في حياتنا اليومية، وبزيارته والاحساس بتأثير ذلك المقياس المضاعف على الجانب البصري والروحي سنشعر بقيمة المقياس الانساني التقليدي لابنيتنا اليومية، فالنصب يمثل اللون الابيض الضروري لادراك اللون الاسود.

وهنا يأتي دور التمرين الخاص بتلك الزيارة، والذي يوظف رغبة الطلبة بالتصوير وتوثيق الحدث، فكان على كل طالب ان يلتقط لنفسه او لاحد زملائه خمسة صور، تبدأ الاولى مع عنصر معماري او فضاء يقترب كثيراً من المقياس الانساني، ثم يبدأ بالتدرّج مع كل صورة بانتخاب عناصر اكبر من المقياس الانساني حتى يصل الى الذروة في الصورة الخامسة وهي علاقة جسم الانسان بانصاف قبة النصب العظيمة.

ان تجربة زيارة النصب هي متعة لا تعوّض حتى مع تكرارها للمرة الرابعة او الخامسة، وهذه المرة كانت في يوم عاصف بمعنى الكلمة، والذي تفاعلت رياحه مع مياه ينبوع النصب لترشق الصاعدين من باطن الارض الى السماء بزخّات ماء تحبس الانفاس.

الصور بعدسة الطالب: مجتبى زياد/ المرحلة الاولى.










  















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق