الاثنين، 9 مارس 2020

اسطورة البيت الركن


اسطورة البيت الركن

لانني اعيش في بيت ركن منذ عشر سنوات تقريباً، اثارني تشبيه السرير مع مأخذ كهرباء مجاور لشحن الموبايل بـ" بيت ركن بالمنصور".

لن نناقش تميّز المنصور عن بقية احياء مدينة بغداد، ولكننا سنحاول اكتشاف اسباب تميز البيت الركن عن بقية البيوت. وهل هو تميّز واقعي ام زائف؟

لنقرأ اولاً ما يجيب به المعمار الامريكي Steve Ramos عن سؤال:
Why corner buildings are important?
في مدونته Building Are Cool.

يعتقد ستيف انها مهمة في تخطيط المدينة لعدّة اسباب:
- بسبب اهمية موقعها وهو موقع تقاطع شارعين، وهو الموقع الذي يكثر فيه اجتماع الناس.
-الابنية الركن هي الابنية الاكثر وضوحاً او الابرز بصرياً، فالابنية الاخرى تتألف من واجهة واحدة وبقية الاضلاع ملتصقة بالابنية المجاورة لها. اما هي فلها واجهتين يبصرها سالكي الشوارع المجاورة.
- الابنية الركن وكأنها تقول (Look At Me)!

وبعد ان يرشدنا لعدد من مبادئ تصميم تلك المباني يسألنا: هل اقتنعنا بتلك الاسباب؟ 



لننتظر قليلاً قبل ان الاجابة، ونقرأ مقالين للمعمارية Hilary Barlow لموقع payette.com الممتع.

الاولى: An Architectural History of the Corner “Problem”

والثانية: The Corner in Contemporary Practice

في المقالة الاولى تستكشف هيلاري كيف عالج المعماريون مشكلة الركن على مر الحقب والعمائر الانسانية، وهي تخبرنا انها مشكلة ذات جذور تاريخية عميقة وبدأت حلولها لاهداف شكلية اولاً ثم تدرجت لتصبح حلولاً مرتبطة بالفضاءات الخارجية والداخلية ومن ثم حلولاً اجتماعية. ومن ثم تبدأ باستعراض تلك الحلول بداية من العمارة اليونانية والرومانية، مروراً بفرانك لويت رايت وريم كولهاس ونهاية بالعمارة المعاصرة.

ثم تناقش في المقالة الثانية مشكلة الركن او الزاوية في المشاريع المعاصرة تفصيلاً وكيف تغيرت طريقة التعامل معها من قبل المصممين المعماريين.


لننتبه بعدها في القراءات الثلاثة الى ان التعامل مع او مناقشة الركن يتم من الناحية البصرية، اي كيف نصمم منطقة الركن في التكوين المعماري، العناصر المعمارية المستخدمة والعلاقات بينها والمبادئ التصميمية في زوايا المبنى والعلاقة مع الفضاء الخارجي او الداخلي. وبالتالي كيف يدرك المشاهد او المتلقي تلك القرارات المعمارية.
لذا فان تميز البيت الركن هو تميز بصري، فهو ذو موقع مرئي لعدد كبير من الناس اولاً ومن ثم هو يمتلك واجهتين تمثلان مساحة او لوحة واسعة لاظهار الجهد التصميمي في التكوين وتحقيق الجمال المعماري وبتوجهات متنوعة.

ثم نفكر، هل هذه هي وظيفة البيت الوحيدة؟ استعراض المالك لجمال منزله.
هو سؤال استنكاري بالتأكيد، فهنالك قضية الراحة بانواعها، الراحة الوظيفية (راحة الاستخدام) والراحة الحرارية وحتى النفسية.

ونتيجة للتجربة فان تحقيق الراحة الحرارية هو الاكثر تحدياً عند تصميم البيت الركن.
جميعنا نعيش سنوياً الجحيم الصيفي. واغلبنا يعلم ان المصدر الرئيس لدخول الحرارة الى البيت هي سطحهُ وواجهاته المكشوفة.
فضلع كتلة البيت الملتصق بكتلة البناء المجاور هو محمي من دخول الحرارة، فعلى الجانبين فضاءات مبردة، وبذلك فان درجات الحرارة متقاربة بين طرفي الجدران ولا يحدث الانتقال الحراري.
اما الواجهتين المكشوفة للشارع في البيت الركن فهي اساس المصائب، حيث تكتسب الحرارة من الاشعاع الشمسي المباشر او من حرارة الهواء التي تحاول ان تغزو جدران البيت بسبب فرق الحرارة مع الفضاءات الداخلية المبردة. والعنصر الاكثر ضعفاً في ذلك الانتقال الحراري هو المساحات الزجاجية مقارنة بالجدران الطابوقية او غيرها من مواد البناء.

تميز البيت الركن يصبح غير واقعي اذا لم يصمم من قبل معمار خبير بتحقيق الراحة الحرارية، وهنالك الكثير من المعالجات المعمارية، تقليل مساحة الشبابيك اولاً وجعل اشكالها مستطيلة عمودياً، تظليل تلك الشبابيك، زيادة سمك الجدران واستخدام المواد العازلة للحرارة، تشجير تلك الواجهات بانواع اشجار مدروسة. وكل تلك المعالجات تعتمد على معرفة توجيه كل واجهة (شرقية، جنوبية، غربية، شمالية وما بينهم)، وطبيعة حركة الشمس عليها في الصيف والشتاء.
المعرفة المعمارية الخاصة بتحقيق الراحة الحرارية متوفرة في الكثير من المصادر المعمارية وتدرس في مراحل البكالوريوس ويتم التركيز عليها في دراسة الماجستير غالباً.

لذا انا متأكد من ان البيت الركن المصمم من قبل (غير المعماريين او من طالب عمارة لم يطلّع على تلك المعرفة او من معمار غير كفوء) سيصبح من ازعج انواع البيوت في العالم.
هو بيت حار قاتل صيفاً واذا تم الاعتماد في تبريده على اجهزة التبريد الميكانيكية فهو بحاجة الى مصاريف عالية للطاقة الكهربائية خاصة مع انقطاع الطاقة الوطنية باستمرار.

ثنائية المظهر والجوهر تظهر بوضوح في البيت الركن.
 هل هما منفصلان؟
فيكون البيت جميل من الخارج (اذا كان المصمم قد اعتمد المعرفة المعمارية العالمية في كيفية التعامل الشكلي مع البيت الركن) ويكون جحيم من الداخل.
ام هما وجهين لعملة واحدة ؟ 
فيحاول المصمم ان يحقق الموازنة الصعبة بين الجمال الخارجي والراحة الحرارية الداخلية وباقل مصاريف.

وفي كل الاحوال يبقى البيت الركن بحاجة لمصاريف وجهد تشغيل وادامة اكثر من البيوت المجاورة له.

وفي كل الاحوال ايضاً يبقى مرغوباً من المجتمع لاغراض استعراضية بحتة، ونادراً ما يفكر الناس بقضية الراحة الحرارية، فمن يشتريه يملك المال الكافي لشراء مولدة كبيرة ايضاً ونصبها على رصيف الشارع وتشويه جمال اي منطقة بالانبعاثات الضارة والضوضاء.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق