دراسة العمارة بين الترهيب والترغيب
هل سمعتم عن )المحاضرة التهجيجية(؟
أنا سمعت.
التقيت شخصياً بالدكتور (مؤمل علاء الدين) في بداية العام الحالي لأول مرة،
وقد سبق اللقاء صورة متخيلة ناتجة عن جميع ما سمعته عنه.
رئيس سابق لقسم هندسة العمارة في الجامعة التكنولوجية، إيجابي ومؤثر دائماً
في ذكريات الآخرين، وعلى المستوى العلمي والإداري والإنساني.
من الذكريات التي نسمعها تلك المحاضرة الأولى التي يلقيها على الطلبة
المقبولين لدراسة العمارة.
هدف المحاضرة هو تعريفهم بجميع تحديات دراسة العمارة وممارستها كمهنة
مستقبلية.
يتفق الكثير على طبيعة المهارات التي يجب أن يمتلكها الطالب للنجاح في
مواجهة تلك التحديات. الثقافة، التذوق الفني، المهارة اليدوية، الفضول العلمي،
الصبر، مواكبة التكنولوجيا، الشخصية القيادية واخيراً الإمكانية المادية. وما يثبت
صحة ما سمعته عن تلك المحاضرة لقائي بالصدفة بأحد اساتذة جامعتنا المتقاعدين في
ورشة (تعزيز الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص)، قال:
-كان الدكتور مؤمل يقول للطلبة "من لا يستطيع توفير مبلغ كبير من
المال لدراسة العمارة فليصرف النظر عن دراستها".
تبث المحاضرة رسالة صريحة وواضحة للطلبة: من لا يمتلك المهارات المطلوبة
فلن يستطيع النجاح في دراسة العمارة وبالتالي هي فرصة لاستغلال الوقت المبكر من
العام الدراسي والبحث عن تخصص ملائم آخر.
تلك هي المحاضرة التهجيجية.
لقد كنت مؤمناً بأهمية تلك المحاضرة حتى وقت قريب (أربع سنوات تقريباً).
بعدها قال لي الحمزة وكما كتبت سابقاً: لماذا تضعون الطالب في جو الرعب هذا
وهو لم يستكشف بدقة بعد امتلاكه لتلك المهارات من عدم امتلاكها؟ (باستثاء حالته
المادية التي يعرفها بالتأكيد).
لذا أصبحت المحاضرة الأولى أو المحاضرات الأولى تتضمن فعالية وتصريحين:
-فعالية قراءة ومناقشة لكتيبات وقصص تتحدث عن العمارة والتصميم بلغة بسيطة
ومخططات أولية ممتعة تهدف الى إعطاء فكرة أولية عن طبيعة المهنة وبالتالي دراستها،
ثم:
- التصريح الأول: من الطبيعي جداً أن نجد طالباً يرغب بدراسة العمارة وكتب اسم القسم عن سبق إصرار وترصد ثم يفشل فيه، ومن الطبيعي أيضاً أن نجد طالباً جاء
به نظام القبول مرغماً الى القسم ثم ينجح في دراسته. وسبب ذلك هو ما قاله الحمزة
عن عدم استكشاف الطالب بدقة لإمكانياته المؤهلة للنجاح في العمارة.
-التصريح الثاني: إن الطالب الذي يكتب قسم هندسة العمارة في استمارة القبول
ولم يسأل عن طبيعة الدراسة فيه بدقة عن طريق المعماريين أنفسهم وليس غيرهم فهو
يرتكب (خطيئة) قد تصل مرتبتها الى الخطيئة الثامنة بعد الغرور والجشع والشهوة
والحسد والشراهة والغضب والكسل.
هل أصبحت المحاضرة الأولى أقل إثارة للفزع والتهجيج؟
نعلم جميعاً أن المشكلة الأساس هي نظام القبول في الجامعات العراقية، وأن أقسام العمارة يفترض أن تنتمي لأقسام وكليات التقديم المباشر وأن يخضع المتقدم
لاختبار كفاءة يكتشف من خلاله ملائمته أو عدم ملائمته لدراسة العمارة.
وقد تغيّر نظام القبول أخيراً في الجامعة التكنولوجية وتفاءلنا خيراً بان
الطالب هو أكثر رغبة بدراسة العمارة لانه سيكتب القسم ضمن عدد أقل من الخيارات.
لكن القضية المؤلمة هي أن الطلبة لا زالوا يتعاملون مع قسم العمارة كعنوان فقط دون دراية بتفاصيله،
وباجراء استبيان سريع للطلبة هذا العام، فان الاغلب قد استقى معلوماته عن القسم من أشخاص
ليسوا بمعماريين حتى، وهو تقصير وخطيئة من قبلهم بالتأكيد، وليس تقصير نظام القبول
فقط.
لنتخيل أن يكون جميع الطلبة المقبولين في القسم على دراية واضحة بطبيعة
الدراسة ويمتلكون نسبة عالية من المؤهلات المطلوبة.
هل تخيلتم؟
أما في الواقع البعيد عن الخيال فيمكن تصنيف الطلبة الى ثلاث مجموعات:
-طلبة يعرفون العمارة ويمتلكون مؤهلات دراستها.
-طلبة لا يعرفون العمارة بدقة ولكنهم يجتهدون لاستكشاف وتنمية مؤهلاتها
لديهم.
-طلبة لا يعرفون العمارة ولا يمتلكون مؤهلاتها ولا يجتهدون لاكتسابها، أو أن قابلياتهم تعجز عن قدرة اكتساب تلك المهارات.
واعتقد أن استمرار الفئة الاخيرة هو نوع من العبث وليس له بالتفكير العلمي أي صلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق