عمارة مدبلجة
نصوص بين أمرين
التقديم
سوزان بويل ... إبنة عامل المناجم الفقير...
المدرسون كانوا يعتقدون أنها متخلفة عقلياً، فهي تعاني من إعاقة ذهنية، وهي ترهل
في الدماغ بسبب نقص الاوكسجين عند الولادة، خرجت من المدرسة بتقديرات ضعيفة لتكون
الوظيفة الوحيدة التي حصلت عليها في حياتها هي (مساعد طباخ) ولم تستطع الاستمرار
فيها! عندما بلغت الثانية والخمسين ... وقفت أمام لجنة تحكيم برنامج Britains got talent لينبهر الجميع بصوتها
الاوبرالي وهي تغني أغنية I dreamed a dream والتي قد إختارتها من
مسرحية موسيقية عن رواية البؤساء!
في عام 2009 أصدرت سوزان البومها الأول
والذي حطم الأرقام القياسية في المبيعات على مر العصور، وجنت ثروة تقدر بخمسة
ملايين جنيه إسترليني. إكتشفت أخيراً إنها مصابة بمتلازمة (إسبراجير) وهو نوع من
أنواع التوحد وليس بعطب في الدماغ جراء الولادة!
ومربط الفرس هنا هو إنها بعد هذه التجربة أصدرت كتاب:
(The woman I was born to be) ليدخل ضمن قائمة
نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة الامريكية! ومع معرفة إن
للأمر جانب تجاري وربحي فإنه كذلك مؤشر على الفرق بين (هم) و(نحن).
الفرق بين أن يحلم شاب إنكليزي بالغناء
والشهرة فيذهب ليقرأ عن تجربة سوزان وأسرار شهرتها العالمية، وبين شاب عراقي يبحث
عن سيرة مكتوبة للمطربين العراقيين الرواد قد لا يجدها أبداً!
وقد أطلق الدكتور صلاح نيازي على هذا الفرق
(الصراع بين العقلية الشفاهية والعقلية التدوينية)، عقلية تعتمد على النقل الشفهي
للتجارب والمعارف الناتجة عنها، يرافقها النسيان والإضافة والتحوير (نحن)، وعقلية
تعتمد على الكتابة لتبقى التجارب والأفكار، مثبتة يمكن تداولها بين الناس بإختلاف
الأماكن والأزمنة (هم).
بالمقابل ونحن في عصر السرعة أصبحنا وأنا
الأول، لا نمتلك قابلية الإستماع طويلاً لمتكلم يحدثنا عن تجاربه ومغامراته وماذا
قال وماذا قيل، أصبحنا نبحث عن (الزبدة)، وكتبت سابقاً (عندما أصبح شيخاً، لن أتكلم،
بل سأكتب أفكاري ليختار الأخرون قراءتها بدلاً عن مجاملتي بسماعها، وقد أربي كلباً
).
لذا أعرض بين أيديكم محاولة أولى مني في
تدوين ما يدور في رأسي من أسئلة أولاً ومن ثم محاولة إيجاد علاقات بين مفاهيم
متعددة للوصول الى أجوبة مقترحة تصيب مرة وتخطا أخرى، كل ذلك كان في سياق عام هو
هندسة العمارة، ومن ثم أحداث داخل هذا السياق تتمثل في تعرضي لقراءات ومواقف مع بدايتي
لدراسة الدكتوراه في قسم الهندسة المعمارية، الجامعة التكنولوجية وتدريسي لمادة
الحاسبات في نفس القسم، لطلبة المرحلة الأولى للعام الدراسي 2013-2014، علاوة على
طبيعة الحياة في مدينة بغداد ومآسيها !
الخطوة الأولى كانت في إنشاء مدونة
ألكترونية بعنوان (إناء من بحر العمارة) دونت فيها تلك النصوص، وإخترت لها عنوان
ثانوي يقول (الهندسة المعمارية بحر عميق الأغوار، مترامي الأطراف، ولكل معمار إناء
يغرف به من الماء ما إستطاع، وهذا إنائي) قد تكون التسمية مبالغ فيها لأني حين
قلتها لأحد الاصدقاء قال: (بلكت تنطيني مجعة!).
وبعد أن إقترب موعد ذكرى ميلادي الـ31 قررت
أن أكمل عدد النصوص الى نفس الرقم، وإخراجها من الفضاء الإفتراضي الى نسخة ورقية ذات
وجود مادي، وهنا جاء دور إختيار عنوان للمجموعة، ومن قراءة أخيرة وجدت أن أغلب
المحفزات، مصادر النصوص، الشخصيات، الأمثلة هي تدور في ثنائيات الـ(هم - نحن)، (العالمية
- المحلية)، (الحضارة الغربية- الحضارة العربية الاسلامية)، ومن الواقع الذي نعيشه
يومياً نجد تفوق الطرف الأول في تفاصيل حياتنا الشخصية بصورة عامة والهندسة
المعمارية بصورة خاصة، لذا جاء العنوان الرئيس معبراً عن التبعية التي نعيشها في
تلك الثنائيات، أما العنوان الثانوي فيعبر عن المحاولة في الجمع أو المقارنة أو
التقريب بين أمري الثنائيات في أغلب الموضوعات.
وبما إن جميع النصوص الـ31 تمتلك كما قلت
عامل مشترك واحد فقط هو حديثها عن هندسة العمارة، لذا جاء ترتيبها بحسب التسلسل
الزمني لكتابتها، ولأنها في الغالب كانت تأتي نتيجة لقراءة معينة في كتاب أو
المواقع الالكترونية المتعددة، فقد حاولت أن اثبّت مصادر تلك النصوص دائماً ولكن
في بعض الأحيان تختلط فكرة الكاتب مع النص الذي أكتبه، لذا لا أدّعي لنفسي سوى جمع
النصوص والأفكار لمن سبق ممن نظّر وفكّر ودوّن في العمارة ومحاولة إيجاد العلاقات
بينها.
وفيما يخص الشكر والتقدير فهو موجه بالتأكيد
الى أمي، أكثر من أي وقت مضى، بعدها لجميع من كتب كلمة أو جملة لأقرأها في يومٍ
ما، ولكل من علمني حرفاً في قسم الهندسة المعمارية وبالتحديد الدكتورة أنوار
المحترمة لتفضلها بقراءة وتقديم النصوص، ومن ساهم في تأسيس وتطوير شبكة المعلومات
العالمية التي أضافت لنا الكثير وسلبتنا الكثير، وطلبة المرحلة الأولى لكونهم
السبب في فكرة أو مشاركتهم في إنجاح فكرة، وأخيراً لطائر الكناري الذي كان رفيقي
في أغلب أوقات كتابتي.
بلال