تكامل التصميم والاظهار المعماري في دراسة العمارة
لم يعد لـ(سلطة المنع) قوّة في عالمنا الحالي، سقطت الحدود والجدران واصبحت
عبارة (العالم قرية صغيرة) مستهلكة جداً. لتزداد في نفس الوقت اهمية (سلطة العقل).
فلتوجيه انسان تجاه فعل معيّن لا جدوى من اجباره عليه فيزياوياً مقابل
اقناعه بفائدة ذلك الفعل.
ولتجنّب فعل معيّن فلا جدوى ايضاً من منعه عنه فيزياوياً مقابل اقناعه
بمضار ذلك الفعل.
اما اذا لم يرغب ذلك الانسان بالتفكير والاختيار فهذا بحثٌ آخر.
من هذه القناعة ولتوجيه طالب العمارة تجاه (فعل التصميم) يستوجب اولاً تحديد
معنى (التصميم)، والذي يعني كفعل (عام) قبل التخصص في العمارة بانه (الارادة على
فعل عمل ما)[1]
كما في (انا مصمم على السفر). اما في المجال العملي ومنه المعماري فهو يعني (التخطيط
الفكري ومن ثم رسم مخطط لكيفية صناعة شئ معين)[2]
والـ(شئ) هو المنتج المعماري باختلاف انواعه ومقاييسه. وهذا التخطيط الفكري ورسم
المخطط هو نشاط ارادي بالتاكيد.
وهنا نتسآءل: ماهو معنى الارادة؟
يعرّفها (فردريك انجلز) بانها قدرة الانسان على اتخاذ قراره من تلقاء نفسه.[3]
ويعرفها (رينيه ديكارت) بانها قدرة الانسان على فعل شئ وعدم فعله، وايضاً
القدرة على اثباته ونفيه، اي قدرة ذهن الشخص على اتخاذ هذه القرارات من عدمها.[4]
لنصل الى ان فعل التصميم المعماري هو ان يقوم الفاعل (المصمم) باتخاذ
مجموعة من القرارات تخص طبيعة العناصر الاولية التي يستخدمها لانتاج منتج معماري
جديد، وقرارات تخص صفاتها وطبيعة تجميعها سوية، والكثير من القرارات الاخرى ليحقق
المنتج الهدف الذي يطمح اليه.
ولكن ماذا نعني بالقرار؟ او اتخاذ القرار؟
القرار هو اختيار فعل تصميمي معين او عنصر معين من بين مجموعة من الخيارات
الممكنة لدى المصمم، على ان يحقق هذا الاختيار الهدف المطلوب من التصميم ويلتزم
بالقواعد والاخلاقيات الخاصة بسياق التصميم. (سياق التصميم: حالة التصميم التي
يعمل عليها المصمم)
فالمصمم يتخيل، يفكر، يتخذ القرارات باختيار انواع عناصر التصميم معينة
وانواع المبادئ وانواع العلاقات من بين مجموعات متعددة متاحة امامه، ثم يخطط تخطيط
اولي (sketch) لكل هذا الذي يدور في رأسه.
ولكن هل يكفي التخطيط الاولي (sketch) لتوضيح
كيفية التنفيذ، كما يقول تعريف التصميم؟
التخطيط الاولي يوضح الفكرة العامة او خطوات التنفيذ العامة ولكن تنقصه (الدقّة)،
تنقصه القياسات الدقيقة والتحديد الدقيق لصفات عناصر التصميم، والعلاقات ومسافات
التداخل بينها.
وهنا يأتي دور الرسم الهندسي (المعماري). باستخدام الادوات الهندسية او
باستخدام البرامج الحاسوبية.
فنفكّر، ما هو الرسم الهندسي (المعماري)؟
هو انتاج رسوم تقنية فنية كوسيلة للتعبير عن افكار التصميم بدقّة، حيث يحدد
خصائص العناصر الهندسية وفقاً لمعايير متفق عليها من قبل المختصين (المهندسون-
المعماريون). وهو يتطلب التدريب لاكتساب القدرة لفهم معايير تلك الرسوم اولاً ومن
ثم انتاجها. وعناصر انتاجه هي (النقاط)، (الخطوط) باختلاف انواعها وصفاتها،
والمساحات اللونية (اللون).
واذا كانت هذه هي وظيفة الرسم الهندسي (المعماري) فما هي وظيفة الاظهار
المعماري؟ او ما يقابله بالانكليزية (Graphic Design)؟
هل هي اضافة الالوان للمخطاطات الهندسية؟ ام اضافة الخامات؟
هل هي اختيار زوايا عرض المشروع بصيغته ثلاثية الابعاد (المناظير)؟
هل هي توضيح كيفية تفاعل التصميم مع عناصر البيئة المحيطة؟
ام جمع المخططات الهندسية المتعددة للتصميم في لوحة واحدة نهائية واضافة
الكتابات والمخططات التوضيحية بانواعها؟
نستطيع ان نجيب ان وظيفة الاظهار المعماري هي: جميع ما سبق.
يخبرنا Ryan Tyler
Martinez الاستاذ في School of Architecture at Woodbury University
بان المعماريين لا ينتجون المبنى في الواقع ولكنهم ينتجون صورة المبنى بدلاً
عن ذلك.
فهم يجمعون وينظمون جميع معلومات ذلك المبنى على
الورق، وفي حين ان تلك المعلومات متعددة جداً والمبنى يتألف من مئات او الاف
العناصر الشكلية والتقنية، يأتي دور الاظهار المعماري (Graphic Design) في لعب دور فعال في ذلك التنظيم، ومساعدة المتلقي على الابحار في
تعقيد المخططات المعمارية وفهمها. فهو اداة تواصل تلعب دوراً اساسياً في التصميم
المعماري.
بعبارة مختصرة، فان استخدام اداة الاظهار هو لتحقيق الوحدة الدقيقة لكافة
معلومات المشروع المعماري.
ونستطيع القول ان من الصعب الفصل بين الرسم المعماري (اظهار التصميم من
الفكر الى الورق) والاظهار المعماري في اللوحة النهائية لاي مشروع، لانهما وسيلتا
تواصل متكاملتين للتعبير عن وحدة التصميم المعماري، على الرغم من وجودهما في بعض
المدارس المعمارية كمادتين منفصلتين، وذلك لاغراض تنظيم وقت المنهج الدراسي
والتركيز في كل مادة على مفاصل معينة.
لنناقش التفاصيل، ماهي عناصر او ادوات الاظهار المعماري؟ (الخطوط، الالوان،
الخامات، الكتابة)، اليست تلك عناصر تصميمية؟ اليست هي نفسها المستخدمة في الرسم
المعماري والتي تحدد قيمة التصميم؟
عنصر الملمس (الناتج عن النقاط والخطوط والالوان)، اليس الملمس عنصر
تصميمي؟
وما هي مبادئ تنظيم المخططات ضمن لوحة واحدة؟ الحجم؟ النسب والتوجيه؟ التجميع؟
التراتبية البصرية؟ اليس جميع ما سبق هي خصائص ومبادئ تصميمية يجب ان يمتلك طالب
العمارة مهارة استخدامها؟
ثم اليس الهدف من الجمع هو تحقيق وحدة مخططات المبنى للتعبير عنه بصورة
مفهومة (مهارة ادارة مكونات المشروع )؟ هل هذه الوحدة ليست من اختصاص المعمار او
طالب العمارة؟
هل من السليم ان يكون المعمار جاهلا ولا يمتلك القدرة لعرض وتسويق مشروعه
بافضل صورة؟
نعم نعرف ان هنالك
مختصين بالاظهار المعماري في مهنة العمارة ولا يشترط ان يكونوا من معماريين ولكن
هل يتحقق ذلك في بيئتنا العراقية؟ في سوقنا المعماري، مكاتبنا وشركاتنا؟
بل على العكس، فان
اغلب فرص المعمار حديث التخرج هي في مجال الاظهار المعماري عندما يعمل في المكاتب
والشركات الرصينة ومع معماريين ذوي خبرة يحاول ان يكتسبها منهم، قبل ان يقوم بنفسه
بفعل التصميم الواقعي وليس الاكاديمي.
لنبحث سوية عن منظّر
معماري رصين او مدرسة معمارية عالمية رصينة، يدّعي او تدّعي ان هدفها تعليم الطلبة
التصميم فقط، وليس بالضرورة ان يعرفوا مهارات اظهار المشروع المعماري.
او ان الاظهار المعماري لا يتداخل مع التصميم
ويزيد من قيمته او يقللها.
ثم ان وحدة مخططات
المبنى او المشروع تكتمل مع صناعة الموديل ثلاثي الابعاد (المجسم)، وهو بدوره
يعتمد على مفهوم (التصور المكاني Spatial
visualization)، وهو القدرة على تصور شكل وحجم ونسب ومكونات وموقع عناصر
الكيان الكلي، زيادة على قدرة تصور التكوين في الذهن وتخيل مراحل تحليله وتشكيله
(التنقل بين التعبير ببعدين وبثلاثة ابعاد).
اليست هذه قدرات يحتاجها المعمار في عمله؟
نعم نعرف ايضاً ان هنالك بعد التخرج مكاتب وشركات مختصة بصناعة المجسمات
المعمارية وما عليه سوى ان يبعث لهم بالمخططات المطلوبة، ولكن هل من السليم ان لا
يتعلّم تلك المهارات والقدرات لكي يعرف كيف يجهز تصميمه مستقبلا لتلك الشركات؟
لذا نقول ان على طالب العمارة ان يتعلم التصميم المعماري والاظهار المعماري
وصناعة المجسمات لتحقيق وحدة مشروعه، وان يعتمد على نفسه في تنفيذ جميع ذلك.
واذا فرضنا ان تلقي (طالب العمارة تحديداً) المساعدة من (احد) في (تصميم)
مشروعه هي حالة غير شرعية، فان تلقيه المساعدة في (اظهار) مشروعه و(صناعة المجسم
الخاص به) هي حالات غير شرعية ايضاً.
نفكّر: هل تعتبر الاجهزة الالكترونية الذكية (احد)؟ ولا يجوز لها
مساعدتنا في تحقيق تلك الوحدة المنشودة؟
تبدأ الاجابة بضرورة تمييز مستويات ذكاء تلك الاجهزة، فنقرأ عن الذكاء
الاصطناعي الضيّق، والذكاء الاصطناعي العام، والذكاء الاصطناعي الفائق.
اما عن تعاريف الذكاء الاصطناعي نفسه فهي متعددة، ونستطيع ان نورد ما قاله
الالماني اندرياس كابلان بانه (قدرة النظام المصنّع على تفسير البيانات الخارجية
بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق اهداف ومهام
محددة لم يبرمج لها من خلال التكيّف المرن)[5].
ولان الموضوع واسع ومتشعب جداً فنحن بحاجة لتحديد الاجهزة التي تهم حوارنا
الحالي:
-اجهزة التصميم والرسم (Laptop, Desktop).
-اجهزة الطباعة (Plotter, Printer).
-اجهزة صناعة الموديلات (Laser Cutter, 3D Printer).
لنبدأ من الاسفل الى الاعلى، هل تمتلك اجهزة صناعة الموديلات واجهزة
الطباعة القدرة على التعلّم واستخدام المعرفة لتحقيق اهداف لم تبرمج لها؟ هل هي
مرنة وتستطيع التكيف مع مهام واوضاع جديدة؟
ام انها تقوم بانجاز المهام التي يكلفها بها المصمم عن طريق تنفيذ المخططات
(البيانات) التي يزودها بها؟
هل تقوم هي باتخاذ (قرارات) معينة في التنفيذ؟ ام انها تنفذ فقط؟
قد تكون اسئلة بديهية، فهي تقوم بتفيذ عناصر وخصائص المخططات التي يزودها
بها المصمم.
ولكن اذا كان المصمم لا يمتلك تلك الاجهزة او لا يتعامل معها مباشرة بل عن
طريق مشغّل لذلك الجهاز، فما هو دور ذلك المشغّل؟ الا يعتبر (احد) ولا يجوز له
مساعدة المصمم؟
نقول مرة اخرى ان في الحالة السليمة فان ذلك المشغل لا يتخذ (القرارات)
ايضاً، هو وسيط بين المصمم والجهاز. ففيما يخص اجهزة صناعة الموديلات، هل يحدد
المشغّل اشكال القطع او مسافات القطع او اي خصائص ثانية؟
نعم قد ينظم التطابق بين مقياس المخططات ومقياس القطع المادية الناتجة، وهو
ما يقع ضمن مهام التشغيل.
اذن هل يصح مقارنة مشغّل اجهزة الطباعة وصناعة الموديلات بمعمار او طالب
عمارة يساعد طالب عمارة آخر بتنفيذ الاظهار المعماري الخاص بمشروعه؟
هل سيقوم ذلك المعمار او الطالب (الذي يقدم المساعدة) باتخاذ القرارات؟ هل
سيختار لون معين لاظهار عنصر معين؟ هل سيختار نوع اظهار معين (تحديد خصائص اظهار المخططات)؟
هل سيختار مبادئ توزيع المخططات ضمن اللوحة النهائي؟ بالتأكيد!
وبالعودة الى صعوبة الفصل بين التصميم والاظهار المعماري لانهما متكاملان،
فان الذي يقوم بالمساعدة في الاظهار سوف يتخذ قرارات تؤثر في الخصائص التصميمية
بطريقة واعية او غير واعية. واتخاذ القرارات اي الاختيار بين بدائل متعددة هو دور
المصمم نفسه كما مر في التعاريف سابقاً.
وهنا نقول بعدم سلامة المقارنة بين المساعدتين لان واحدة لا تتضمن اتخاذ
القرارات التصميمية (وهي استخدام اجهزة الطباعة وصناعة الموديلات ومشغليهم)،
والاخرى تتضمن اتخاذ قرارات تصميمية متعددة (وهي مساعدة معمار او طالب عمارة لطالب
آخر في اظهار مشروعه).
واذا قبلنا بصحّة ما سبق وسمحنا للطالب بان يستخدم تلك الاجهزة ويستفيد من
امكانياتها على مواد انيقة كنوعية الورق اللمّاع او بملمس ولون مميز لمواد صناعة
الموديلات فان الناتج النهائي سوف يؤثر في جودة التصميم وسيبهر عيون الاساتذة كما
فعلت المساعدة في الاظهار والتي قلنا بعدم شرعيتها!
نعم انها تؤثر في عيون الاساتذة (والعملاء في المستقبل) ولكنها نتجت عن
قرارات اتخذها المصمم وحدهُ دون ان يتدخّل احد آخر، والعلّة (سبب الابهار) هو في
امكانية تنفيذ الجهاز وخصائص المادة (الخامة) المستخدمة.
وهنا بالتحديد سوف يواجهنا سؤال العدالة!
لدينا طلبة ميسوري الحال المادي ولدينا طلبة متوسطي او ضعيفي الحال. منهم
من يستطيع تحمل الكلف المالية العالية لاستخدام تلك الاجهزة وخاماتها، ومنهم من لا
يستطيع ذلك.
وبمنع المساعدة البشرية المجانية بالاظهار لضعيفي الحال والسماح بمساعدة
الاجهزة لميسوري الحال، سوف تظهر مشاريع الميسورين بصورة اجمل واكثر تأثير بصري في
عيون الاساتذة والمقيّمين.
وسيؤدي ذلك الى نيلهم التقييمات الاعلى ضمن مرحلتهم.
فاين العدالة اذن في
التقييم؟
قبل الاجابة لنعلم ان ثنائية (الاغنياء- الفقراء) ليست ثنائية تظهر في
التعليم المعماري فقط، وانما هي ثنائية انسانية اجتماعية قديمة قدم التاريخ. لذا
فان من السليم ان تمر محاولات تحقيق العدالة داخل الاقسام المعمارية بالمحاولات
المتعددة خارجها والتعلّم منها.
لن نستطيع بالتأكيد استعراض جميع المحاولات الانسانية هنا، ولكن سريعاً ولان
اغلبنا من مسلمين فلنفكر اولاً في محاولة الدين الاسلامي كغيره من (الاديان
السماوية) الاخرى بتحقيق العدالة في تلك الثنائية.
هل طالب الفكر الاسلامي بسحب جميع
اموال الاغنياء وتوزيعها على الفقراء حتى يتساوى الجميع بما يملكونه؟ ويتحول
المجتمع الى طبقة واحدة لا تمييز فيها بين اغنياء وفقراء، ام فرض على الاغنياء
الزكاة وشجعهم على الصدقة وفعل الخير ليحصل الفقراء على جزء من اموالهم، ويبقى كل
منهم بصفته؟
لم يحاول الفكر الاسلامي ان يجعل المجتمع طبقة واحدة بالتأكيد، ولكن الحفاظ
على الطبقات سيؤدي الى ان الغني الملتزم سوف يستخدم امواله لكسب الحسنات، سوف يطعم
الفقراء ويكفل الايتام والمحتاجين، ويساعد في علاج المرضى وغيرها من الاعمال
الصالحة، ومن ثم هناك الفقير الذي لا يستطيع ان يفعل كل ذلك!
هل سيدخل الاغنياء الملتزمين الجنّة دون الفقراء؟
كلا بالتأكيد، فالله هو العادل في حسابهم يوم القيامة وكلاً بحسب امكاناته
في الحياة الدنيا.
ماذا عن انظمة الانسان (الانظمة الوضعية)؟ لنقرأ عن النظام الشيوعي:
وفقاً للفكر الشيوعي فان الطبقة العاملة (الفقراء) يجب ان تثور ضد
الراسماليين (الاغنياء) وتقيم مجتمعاً جديداً خالياً من الملكية الخاصة والطبقات
الاقتصادية والارباح الشخصية. فكل شي في المجتمع الشيوعي (المثالي) مملوك من قبل
الطبقة العاملة والجميع يعمل بتعاون للوصول نحو هدف عام.
فلايوجد طبقات غنية وفقيرة بل
الجميع متساوٍ. حيث يتم توزيع الانتاج على الافراد حسب الحاجة والجهد والعمل
المبذولين.[6]
هل هو نظام ناجح وقابل للتطبيق؟
نقرأ ايضاً عن نقد تجربة تطبيق النظام الشيوعي بأن انعدام الملكية الخاصة والقدرة
على تحقيق الارباح الشخصية والتفوق على الآخرين سوف يؤدي بالمبدعين المحتملين وذوي
الافكار المهمة بان لا يقوموا بتقديم افكارهم اصلاً او العمل لتحقيقها كونها لن
تقدم لهم الفائدة الشخصية، وحتى مع وجود فئات من الناس التي تحفزها مساعدة الآخرين
وتطوير المجتمع بالدرجة الاولى، فالربح الشخصي الغائب في النظام الشيوعي هو المحفز
الاساسي للغالبية العظمى من الناس، وهذا
ما سينعكس على شكل احباط عام وغياب للابداع. [7]
والآن لنحاول ان نتعلم من النظام الاسلامي والنظام الشيوعي.
هل نستطيع مساواة مستوى نتاجات الطلبة الاغنياء والفقراء من حيث (التصميم
المعماري) فقط؟
هناك طالب لاسرة غنية، يحضر منذ طفولته المعارض الفنية، يستمع للموسيقى
ويتعلمها، يسافر سنوياً الى اجمل مدن العالم، فينعكس كل ذلك على مخزونه الفكري
والبصري ويساعده لانتاج تصاميم تتقدم على تصاميم زملائهم الاقل منه خبرة وتجربة.
(ليس جميع الاغنياء بالتأكيد، ولكن رفعة الجادرجي وزهاء حديد هم خير مثال لتلك
الحالة)
فكيف نستطيع سحب تلك الامكانات التصميمية الناتجة عن امكانياته المادية؟
هو بحاجة الى فقدان للذاكرة ليتساوى مع زملاءه.
هل يستطيع ان يساعدهم ويشاركهم مصادره الفكرية والمالية؟ نعم بالتأكيد. وهو
خيار شخصي يعود اليه تحديداً.
ماذا عن الاظهار المعماري؟ هل نستطيع مساواة مستوى اظهار نتاجات الطلبة
الاغنياء والفقراء؟
نعرف ان ميزة اختصاص العمارة هي البحث عن النتاج المبدع، ونحن نحاول تحقيقه
دائماً، وهو لا يتحقق دون وجود صفة تميّز النتاج عن غيره وكونه جديداً لم يسبق له
مثيل.
هذا التميّز والجدّة يشمل المشروع بوحدته التصميمية المتكاملة، اي صورته النهائية
التي عمل على انتاجها التصميم والاظهار والموديل ثلاثي الابعاد سوية.
ونحن نعلم ان اغلب الاشياء المتميزة والجديدة غالية الثمن في بدايتها. لذا
ان فرضنا نوع واحد من ورق الطباعة وهو الورق المناسب لامكانية الفقراء، ونوع
واحد من تقنية صناعة الموديلات وهو ما يناسبهم ايضاً، فكيف سنضمن وجود فرص الابداع
باشياء جديدة قد تكون مكلفة مادياً؟
ان توحيد مستوى الاظهار (بحده الادنى) سوف يقلل من فرص التطور والابداع في
بيئة التعليم المعماري.
من تعتقدون اول من استخدم الحاسبة في الرسم المعماري او الاظهار المعماري؟
من اول من استخدم الطباعة ثلاثية الابعاد في صناعة الموديلات؟
اما الاغنياء او من وظّف مقدار كبير من الاموال التي يمتلكها في سبيل فتح
طريق الابداع والتطور لمن ياتي بعده من دارسي العمارة.
كل تلك الفرضيات لا تلغي بالتأكيد المطالبة الشرعية والواجبة بعدالة تقييم
المشاريع في دراسة العمارة، ولا تلغي بالتأكيد ضرورة ان يتصف استاذ العمارة بصفة
العدالة، ولكنها عدالة لا تمنع الطلبة من توظيف امكانياتهم في سبيل تحقيق الابداع
المعماري.
نعم ان اشكالية عدالة التقييم هي اشكالية قديمة في تعليم العمارة، ولا احد
يستطيع ان يقول ان العدالة متحققة تماماً ودائماً في اقسام العمارة في العراق وحتى
العالم، وانما هي هدف يعمل الاساتذة دائماً للاقتراب منه قدر الامكان، ويضعون في
سبيل ذلك الكثير من القواعد والمعايير اثناء عملية تقييم المشاريع، ويعينهم او
يعرقلهم في ذلك ظروف بيئة العمل كالوقت المخصص لعملية التقييم مثلاً وغيره.
ان الاساتذة ليسوا ملائكة او انبياء، هم بشر ويحاول كل منهم ان يتقن مهنته التي
يمارسها، وقد تنجح تلك المحاولات في بعض الاحيان وقد تفشل في اخرى، ولكن من الضروري
ان يبقى الاستاذ مؤمناً بضرورة تحقيق العدالة مع الابداع.
اما الطلبة فعليهم ان يبذلوا اقصى الجهد في سبيل صناعة مستقبلهم، جهد فكري،
جهد بدني، وجهد مادّي، ومن الممكن جداً تعويض الجهد المادّي بالجهد الفكري والبدني.
الافكار المبدعة تفرض نفسها عند التقييم، والجهد البدني المبدع يفرض نفسه
ايضاً عند التقييم، وتوظيف الاجهزة المبدع يفرض نفسه ايضاً.
ان صفة النجاح في دراسة العمارة كما اقول
دائماً سوف تزيد من فرص العمل والنجاح بعد التخرج، لذا يجب علينا ان نستثمر في ذلك
النجاح، فهي عملية استثمار مضمونة، وسنجني ثمارها بعد التخرج بلا ادنى شك.
[5] Siri, Siri, in my hand: Who’s the fairest in the land? On the
interpretations, illustrations, and implications of artificial intelligence.