السبت، 19 يونيو 2021

تجارب طلبة العمارة في تنمية التصور المكاني

 

تجارب طلبة العمارة في تنمية التصور المكاني


أحلم في كثير من الأحيان بعودة العمل باختبار القبول للطلبة الراغبين بدراسة العمارة، ولكنني أنا نفسي تم قبولي في قسم العمارة دون ذلك الاختبار!

كما نعلم فإن دراسة العمارة تتطلب إمكانات ومهارات فكرية خاصة، ومن غير المناسب الاعتماد على معدل الدراسة الاعدادية فقطة للقبول فيها، فتتحول بعدها أيام الكثير من الطلبة الى جحيم مُقيم، فينقمون بعدها على المهنة ويمارسونها بفوضى ثأراً منها.

بعد قَبولي بأيام قليلة أُجري لنا إختباراً ورقياً تضمن أشكالاً غامضة، مربعات ومدورات، نجوم وإضافات وقطوعات، وكان علينا أن نختار شكلاً منها كإجابة لكل فقرة.

لم أعلم حينها عمّا يدور هذا الاختبار ولا الهدف منه، ولم أعلم أيضاً كيفية الإجابة عن الاسئلة ولا الدرجة التي حصلت عليها في النهاية.

فعالية عابرة أتذكرها الآن بـ(Opacity) 20%.

على رصيف شارع المتنبي وبعد سنوات طويلة عثرت على كتاب (معارك قيس وليلى)، وكعادتنا في السؤال عن سبب أي شجار يحصل في الشارع، أردت معرفة سبب المعارك. ما الذي جعل قيس يهيم على وجهه في البراري والقفار ويأنس الوحوش والصَبّار؟ فيُرى حيناً في الشام وحين في أطراف الحجاز الى أن وجِدَ ميتاً بين الأحجار.

في فصل الكتاب الخامس إكتشفت أسباب الإختبار سابق الذكر ودلالاته، إنه يبحث عن قدرة التصوّر المكاني لدى الطلبة. وقدرة التصور المكاني باختصار هي إمكانية تقليب وتدوير الانسان للاشكال بخياله، بمستويات ثنائية الابعاد وثلاثية الابعاد والانتقال بين المستويين بكفاءة. وهي قدرة ومهارة مهمة جداً لدارسي العمارة في التعامل مع التكوينات والمخططات وتفصيلاتهما المتشعبة.



لتلك القدرة طرق قياس وإختبارات متنوعة متوفرة مجاناً على الشبكة، وهنالك طرق لتنميتها في حال إكتشف طلبة العمارة ضعفها لديهم. من تلك الطرق إستخدام الخرائط الورقية او الالكترونية في السفر، حل الالغاز والمتاهات، لعب الالعاب اللالكترونية الاستراتيجية، اللعب بالليكَو والميكانو، رسم وتخطيط الاشكال من الواقع والخيال، النظر الى ما خلف الصور الفوتوغرافية وأخيراً بناء ذاكرة مكانية وخلق القصص من الصور دون كلمات.

يهدف التعليم اليوم الى كشف الأسرار، إعلان أهداف ما نقوم به من تمارين واختبارات، ومشاركة جميع المعلومات والمصادر، ليتمكن الطالب المجتهد الاستزادة منها، ولا عزاء للمتكاسلين. ولتحقيق ذلك الهدف، قرأ طلبة المرحلة الاولى في قسم هندسة العمارة الجامعة التكنولوجية عن قدرة التصور المكاني، ثم أجرى كل منهم إختباراً لقياس تلك القدرة لديه.

هل يمتلك قدرة تصور مكاني ضعيفة ام قوية؟ أمرٌ يعرفه هو فقط، ولكنهم شاركونا تجاربهم في محاولة تنمية وتطوير تلك القدرة وبواحدة من الطرق التي تم ذكرها سابقاً.

 

MOHAMED JAWAD HAIDER

Using maps for navigation

As someone who studies Architecture and has passion for Graphic Design and playing Video Games I really need to improve these skills, there are many ways to boost our Spatial Visualization skills, one of these is using maps for navigation which was the one I chose to describe.

So the destination was Al-Mutanabbi Street and the start point was Sinak Bridge, I opened Google Maps and turned off the GPS to get the full benefits of the experience, then we started to walk towards Hafiz Alqadhi Square as the map says, while reading the map and continuing to walk my brain started to recognise and understand the symbols and the keys of the map, the white lines are streets, the big blue strip is the Tigris and the gray shapes are buildings, this is where the Spatial Visualization skills will show up.

After we arrived in Hafiz Alqadhi Square we headed north to Al Rusafi Square, and passed Maruf al Rusafi statue, about 90m to get to our destination, we crossed Al Rasheed Street and Al-Mutanabbi Street was on the left.

This experience helped me improve my spatial intelligence and increase my sense of direction.

I hope to do more exercises in the future.

 

استبرق سامي

حل الألغاز باستخدام الـ Puzzles))

قمت بالبحث في Google عن العاب الـ (Puzzles)  لتقوية قدرة التصور المكاني لدي، وجدت احد الروابط التي تحتوي على الكثير من الصور غير المركبة.

قمت باختيار صورة لضريح تاج محل الواقع في الهند، إضافة إلى إن الموقع يحتوي على عداد للوقت لحساب كم استغرقت في حل اللغز. في المرة الأولى باستخدام (63) قطعة Puzzles استغرقت (15:03) من الوقت. وعند إعادة التركيب مرة أخرى استغرقت (7:51) من الوقت للوصول إلى النتيجة النهائية.

ولاحظت عند إعادة التركيب للمرة الثانية قد استغرقت نصف الوقت الذي قضيته لإكمال الصورة في المرة الأولى، واعتقد إنني توصلت إلى مرحلة أفضل في قدرة التصور المكاني من حيث الوقت وسرعة تخيل شكل الصورة النهائي  وعلاقة الأجزاء المختلفة في الشكل الهندسي بعد أن يتغير وضعها المكاني فـعندما نريد إثبات أن مثلثين يتضمنهما شكل مرسوم ينطبق أحدهما على الأخر، نتصور تغير وضع الأول لينطبق على الثاني.

وأيقنت أن التصور البصري المكاني نشاط عقلي معرفي يتميز بالتصور البصري المكاني لحركة الأشكال والأجسام في الفراغ، ويعتمد على إدراك العلاقات الهندسية بين الأشكال والأجسام و السرعة والدقة في ذلك، واستعمال الشيء أو تحويله لتنظيم بصري أخر أو إحداث بعض التغيرات في الأشكال المدركة بصرياً.


زيد خالد جاسم

لعب الالعاب الالكترونية الاستراتيجية

منذ صغري وانا احب الالعاب الاستراتيجة والعبها دوماً ولكن لم اكن ادرك اهميتها في العمارة وتطوير التصور المكاني فقد جربت انواع عديدة منها الحربية ومنها بناء المدن. والان بعد تجربتها كنوع من انواع تطوير التصور المكاني اصبحت أراها بشكل مختلف.

بالنسبة للحربية منها كلعبة Age Of Empires فطريقة لعبها متعلقة بخطط الشخص نفسه وهل يريد الدفاع لكي يستنزف موارد العدو او يقوم بالتخطيط للهجوم وغزو مناطق العدو، وأن كل خطوة يمكن أن تؤثر على الاحداث الاخرى لذا كان يجب دوماً دراسة الخطط المتوفرة وكيفية ادارة الموارد بما يساعد هذه الخطط فليس هنالك حركات عشوائية لانها سوف تمنح الافضلية للعدو.

فكان التخيل هو ما يساعدني على توقع ما سيحدث تالياً وكيف استطيع التعامل معه والفوز.

اما النوع الآخر وهو ادارة المدن وبنائها وتطوير نظامها الاقتصادي كلعبة Cities Skylines، فهذه اللعبة تعتمد على تخطيط مدينة وتقسيمها بين القطاع السكني والتجاري والصناعي وكيف يمكن توظيف كل من هذه القطاعات ليساعد القطاع الاخر لانه يجب عليّ كعمدة توفير كل شيء للمدينة من مستشفيات ومدارس ومراكز شرطة وفي نفس الوقت يجب عليّ تنمية الاقتصاد فيها وربح الاموال بدلاً من خسارتها.

 فهنا يجب التخطيط للمستقبل وليس للحاضر فقط لان عليّ ان اتوقع تأثير كل خطوة قبل القيام بها والا سيصبح تصحيح هذه الخطوة في الوقت اللاحق اصعب بكثير.

لقد كنت دوماً معجباً بالالعاب لانها كانت تطور معرفتي وارى الكثير من المعالم المختلفة فقد رأيت حضارات الماضي ورأيت تصور العلماء كيف يمكن ان يكون المستقبل وايضاً رأيت الحاضر في مختلف الاماكن من العالم الا انني لم اكن اتوقع ان تكون مرتبطة بالعمارة وبالاخص بالتصور المكاني بهذا الشكل.

 

مريم سعد غريب

لعبة الشطرنج

سأتكلم عن تجربتي الاولى في هذه اللعبة وعن ماعليه انا الآن.

في اول تجربة لي مع اخي في هذهِ اللعبة وهو اكبر مني سناً تغلب علي بكل سهولة .. فكرت ما السبب في ذالك؟ 

لاحظت بعض الملاحظات التي يلعب بها وهي أن ياخذ فترة معينة للتفكير وينظر للوح قليلاً بعدها يقرر اللعب، اما انا كنت ارى اللوح مجرد قطع استطيع تحريكها بمطلق الحرية وحتى خطوتي التالية لم اكن اقررها، كان مبدأي هو عندما يحين دوري سأفكر بأي قطعة شطرنج سالعب وليس تفكير سابق ضمن خطة للوصول للهدف. بعدها في المرة الثانية حاولت ان اتماشى معه ايضا ماستكون خطوتي الأولى؟ كيف سافكر؟ ما الخطوة التالية؟ هل استطيع تحريك هذه ام لا؟ حسناً اعترف بانه كان امر متعب جدا بلنسبه اليّ.

حتى انني سأمتُ من اللعب فيها بسبب استمرار فوزهُ بها وبكل سهولة وحتى حاولت اللعب مع والدي  وكان هو الاقوى.. بعد مدة وتفكير مطول بدأت افهم اكثر واكثر في هذه اللعبة الغريبة حتى اصبحت ارى شكل لوح الشطرنج بطريقة مختلفة.

وحسب خطوات المقابل اصبح يمكنني رسم تحركاتي بمخيلتي لاصل للملك وفي كل خطوة اضع خيارات واسال نفسي ماسبب هذه الخطوة لافكر بافضل تفسير وهو يكون الافضل واقرر خطواتي التاليه فأحياناً تفشل الخطة واضطر بتبديلها بأخرى وايضاً ابدأ بتصور خطواتي وخطوات المقابل واللعب على هذا الاساس .. في النهاية اصبحت لاعبة ليست سهلة كما في البداية لاني اعتمدت اكثر على التصور المكاني في اللعب ولا انكر انني فزت مرتين فقط من اصل 9 ولكنها البداية بالنسبة لي وساكمل تطوير تفكيري ومخيلتي .


غادة ليث ابراهيم

ماذا لو تحركت القلعة ثلاث خطوات الى اليسار؟

حل الألغاز والألعاب التي تتطلب تخيل كامل لمواضع الأجسام، هي وسيلة لتطوير التحسس المكاني للفرد، والتي على وجه التقريب تكون ضعيفة نسبياً في حالات اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركةadhd.

فما هي العلاقة التي تربطهم بالعمارة؟ مكونة هذا الثلاثي الشائع؟

من المهارات التي يتوجب على المعمار تطويرها في مشوار التعلم المستمر في بحر العمارة، هي القدرة على تحسس مواضع الاشياء وتوقع النتائج التي تترتب على تحريكها في الاحتمالات الممكنة، والتي توفر الالغاز نموذجاً مناسباً للتدرب والمحاولة على توجيه العقل للبحث عن الاحتمالات، وما قد يؤول كل منها، وبذلك التمسك برفيق المعمار(ماذا لو؟)

من الاضطرابات غير المشخصة الشائعة لدى البالغين والتي قد تتطور نتيجة لاستعداد جيني او طبيعة نمط الحياة المعتمد لفترة زمنية طويلة نسبياً، والتي لطالما تم تجاهلها او ايعازها لخصال مثل الاهمال او سوء التنظيم، هو اضطراب قصور او تشتت الانتباه وفرط الحركة، والذي ليس بالضرورة حركة بدنية.

يمثل مجال العمارة في صورته الحالية بيئة خصبة لتطور هذا الاضطراب، الذي من اعراضه المحتملة الصعوبة في التصور المكاني، ما يعارض طبيعة العمل ومتطلباته، فما هي اهم ميكانيكيات التكيف الشائعة؟ وكيف كانت تجربتي الشخصية مع العاب الالغاز؟

يميل الافراد لتطوير سلوك دفاعي يتمثل بتعيين وترتيب الاولويات وتثبيتها خطياً والافراط باستخدام وسائل التنظيم، وهو ما كانت لدي قدرة بتوجيهه في هذا النوع من الالعاب، حيث تعرف العقل على الانماط وقدرته على اكمال بعضها تعطي استراحة صغيرة من التفكير في محاور اخرى لاحتياجها الى مستويات متوسطة الى عالية من التركيز وبحسب طبيعة اللعبة، اضافة الى كون استمرارية في اللعب تؤدي لتطور ملحوظ على المدى البعيد في القدرة على تخيل وتوقع المواضع والاتجاهات واكمال الصور ذهنياً.

 

علي عبد الامير حسن

التصور المكاني و لعبة كرة القدم         

 من خلال اطلاعي على بعض التقارير التي تهتم بالتصور المكاني عرفت كم هي مفيدة ومهمة للانسان وكل انسان ممكن ان  يستعمل هذه الميزة ولكن بدرجات مختلفة تختلف من فرد لأخر وممكن تطوير هذه الميزة لتكسبك مهارات مختلفة ومفيدة في الاماكن التي تحتاجها ومن هذه الاماكن هي في لعبة كرة القدم سواء كانت على ارض الواقع  او في الالعاب الالكترونية. اني اكتسب القليل من هذه المهارة في لعبة كرة القدم التي تنفعني في تحديد مواقع تمرير الكرة وحتى تسديد الكرة لتأخذ طريقها الى المرمى او لتمرير الكرة الى زميلي في الفريق فهذه الخطوات تحتاج الى تصور حركة الاعبين الخصم ولاعبين الفريق خلال وقت قصير جدا لا يتعدى الثواني فخلالها يجب ان تتخذ القرار وهو ما يتطلب التفكير السريع وتصور حركة جميع اللاعبين الذين يحيطون بك فمنهم من يريد ان تمرر له ومنهم من يريد ان يقطعها منك وانت تفكر في القرار ثم تتصور الخيارات ثم تقرر ما الذي عليك فعله خلال هذه الثانية ودليل عل ان لعبة كرة القدم تحتاج اللى ميزة التصور المكاني هي تمريرات لاعبين خط الوسط الكبار ومنهم انسيتا وجافي وطريقة تمريرهم وتصورهم لمواقع اللاعبين بشكل كبير ولاعبين خط الهجوم وحارس المرمى الذي يتصور مكان تسديد الكرة فهو يتطلب منه تصور عالي اكثر من اي لاعب اخر لكي يمسك الكرة, فعندما ترتفع الكرة في السماء الجميع ينظر اليها ويتصور مكان سقوطها لكي يحصل عليها فكل هذه الحالات تنطبق على كل لاعب كرة قدم فجميعهم يمر باغلب هذه المواقف لكنهم لايتمتعون بنفس الدرجة من التصور المكاني فأكاد اجزم ان اللاعب الذي لا يتقن التصور المكاني لا يمكن ان يحترف بلعبة كرة القدم, واحدة من المواقف التي حصلت لي وانا العب كرة القدم هي اني في احدى المباريات المهمة لفريقي وفي اخير دقيقة من المباراة قطعت الكرة من المدافع وإنطلقت بسرعة نحو المرمى انا وصديقي المهاجم واحد المدافعين مع صديقي واخر يجري خلفي فوصلت للمرمى  وهنا سمعت صوت صديقي المدافع ينادي من الخلف على الجانب الايسر مررت الكرة لصديقي دون ان أراه فسجل وفزنا وتأهلنا للمباراة النهائية.


Hajar Ali Safaa

See through photographs

Seeing through photographs is one of most interesting ways for Improving the spatial intelligence, I was excited to try this exercise out of the other ones and I thought it'd help me specifically since I always struggle with remembering the whole scene of a place or a building. I started this experience with looking back at my old pictures, In different places that I used to go, It wasn't as easy as I thought it'd be, I tried to finish or remember my surroundings in the picture but my memory wasn't as clear as I needed it to be. But my second try was better, I was watching a movie and I screenshotted some scenes so I can go back to it later and see if I can remember how the whole place looked like and can finish it in my brain. And I did it right but the process wasn’t fast. I did it again But with another series and I found it easier this time, It didn’t take that long to see through the pictures, Even though I’m still missing some details and I need to try it more along with other exercises, I was genuinely shocked from the improvement that I saw in the last time I tried visualizing the photograph in my head, from what I’ve seen, I shouldn’t just look at the photos and expect my brain to remember it, I should observe it more and pay attention to the details.


ريام ياسر فرحان

النظر الى ما خلف الصور الفوتوغرافية   

احد اكثر الأماكن التي لطالما نظرت اليها في الصور وتأملتها عند مشاهدة المسلسلات او الأفلام هو جامع السلطان احمد في إسطنبول  كان احد الأماكن المثيرة للاهتمام  بالنسبة لي دائما في الصور لجمال هذا المكان ولكثرة مشاهدتي له  بسبب اهتمامي بالثقافة التركية ومعالمهم.

لطالما تخيلت كيف سيكون هذا المكان في الواقع كيف سيختلف  شعور الأشخاص في هذه الحدائق وكيف سيتنقل السياح في هذا المكان. ان مساحة المكان الكبيرة والحدائق العديدة في الخارج  ستخلق تجربة مختلفة تماما للشخص منه عن الدخول للفناء وسط المسجد الذي قد يخيل للشخص دخوله الى قلعة قديمة او شيء من هذا القبيل بسبب  حجم المسجد الكبير، وهذا ما حدث لي  تقريبا عندما زرت هذا المكان فعلا بعد فترة من الزمن.

ولاحظت الاختلاف الكبير بين رؤية المكان في الصورة والتجول بداخله الذي كان شبيه  بدرجة جيدة ما تخيلت عنه  ولهذا اعتقد ان قدرتي على التصور المكاني جيدة فتجربتي كانت شبيهة جدا بما تصورته عن هذا المكان من حركة الأشخاص في الخارج والاصوات وحتى طبيعة الجو المعتدل بسبب الحدائق الكثيرة وروائح الكستناء المشوي والذرة المشهورة في هذه المنطقة.    

عند رؤيتي لبعض التفاصيل في الحدائق مثل أماكن الجلوس حمراء اللون تخيلت كيف سيكون الواقع عند جلوس الكثير من السياح هنا ووجود ضوضاء مختلفة حولهم  كيف سيتنقل الأشخاص في هذا المكان وكيف سيؤثر وجود القباب العالية للمسجد امامهم من شعورهم في هذا المكان ورأيت هذا كله بعد ذهابي الى هناك وكنت أرى مختلف التفاصيل في المكان واحاول ربطها بما أتذكر في الصور التي نظرت اليها كثيرا لاتوقع الأماكن  الأخرى المختلفة في المكان ايضاً.

 

عمار صباح حسن

الهدف : إيجاد دار نشر محددة في معرض الكتاب 2021 بناء على الذاكرة المكانية أثناء الزيارة السابقة لمعرض الكتاب 2020

لكل قارئ قائمة محددة بأسماء الكتب والروايات المرغوب  اقتنائها أثناء زيارته لمعرض الكتاب ، ومن أكثر الدور نشراً لهذه الروايات والكتب نسبة لي هي دار الرافدين المتواجدة في قاعة دور النشر العراقية ، وكان عليّ أثناء زيارتي للمعرض يوم أمس البحث عنها وفقاً للذاكرة المكانية السابقة اثناء البحث عن الدار في المعرض السابق في سنة 2020 ، فكان عليّ تخيل الطريق المؤدي الى قاعة دور النشر العراقية ، في بداية الأمر وبعد اجتيازي بوابة الدخول المؤدية إلى أرض معرض بغداد ، اكتشفت أن الأمر مختلف عن ما كان عليه في المعرض السابق ، إذ أنني عثرت على قاعة دور النشر العراقية والتي كانت مجاورة لقاعة دور النشر الخليجية ومقابلة للمكان التي قامت فيه الندوات السابقة ، أما الان وقد تم إلغاء قاعة دور النشر الخليجية وقاعة الندوات فقد زاد الأمر صعوبة ، كان عليّ تخيل الانعطافات التي اخذتها سابقا يميناً ويساراً من دون أي نقطة دالة كقاعة الندوات أو أي اشارة ثانية مؤدية إلى المكان المطلوب ، اعتمدت على ذاكرتي وتركت عقلي يحرك ساقيّ كما يشاء ، بعد أن انتهيت من التفكير في تحديد الوجهة وجدتني أعبر الأرض الفارغة التي تتوسطها النافورة ثم أنعطف يساراً حيث كانت بوابة الدخول التي افتتحها رئيس الوزراء في المعرض السابق والتي لم يعد لها أي أثر الان ، استعاد عقلي شيء من الذاكرة أثناء مروري بقاعة دور النشر المصرية يميناً والتي اصبح اسمها قاعة زها حديد فمشيت في استقامة وعند رؤيتي قاعة نشر بإسم مصطفى جواد وتقابلها قاعة نشر بإسم الدكتور علي الوردي تذكرت فوراً أنها كانت قاعة دور النشر السورية وتقابلها اللبنانية والأردنية ، والتي كانت مجاورة لقاعة الندوات ، فانعطفت يميناً الى قاعة دور النشر العراقية سابقاً والتي اصبح اسمها قاعة أبي نؤاس ، وبحثت عن دار الرافدين لكني لم أجدها ، فإعتقدت أن تصوري للمكان كان خاطئاً ، لكن تبين لي أنني لم اكن مخطئاً في طريقة التفكير ، فعندما استعلمت عن دار الرافدين علمت أنها لم تشارك في معرض الكتاب لهذه السنة ..

 

تقى علاء عبدالرضا لطيف

بناء ذاكرة مكانية

بعد اسبوع طويل ومرهق مليء بالانجازات، قررت أن اكافئ نفسي بشيء احبه وهو الذهاب إلى السينما ومشاهدة احدى الافلام الموجودة في قائمتي السنوية للافلام. أردت ان أستغل فرصة ذهابي للسينما بجمع معلومات يمكنني الاستفادة منها لتقديم واجب الهندسة الوصفية، لذلك ذهبت سيرًا على الاقدام الى السينما الموجودة في احدى المراكز التجارية القريبة من منزلي.

انطلقت من نقطة البداية وهي منزلي متجهة الى المركز التجاري بإستعمال ذاكرتي، فلم أكن  بحاجة الى استعمال Google Map فالخارطة محفوظة في ذهني لانني اعتدتُ أن أكتشف المدينة التي أسكن فيها سواءً الاماكن القريبة من منزلي التي اكتشفها بدون استعمال المواصلات او الاماكن البعيدة باستعمال المواصلات.

ركزت في رحلتي باكتشاف اماكن جديدة والبحث عن طرق مختصرة أكثر لاضافتها الى الخارطة التي صنعتها في ذهني، فلاحظت ألوان الابنية بشكل أكثف، وبدأت بتحليل الابنية والمقارنة فيما بينها لتمييزها وحفظها وتجسيدها بالذاكرة لوقت أطول. وصلت الى وجهتي بوقت اكثر من المتوقع وذلك بسبب تجربتي باكتشاف طرق مختصرة أكثر، لكن عند عودتي استطعت الوصول بوقت أقل من المتوقع وذلك لانني اعتمدت على الطرق المختصرة التي اكتشفتها.

الهدف الثالث للرحلة كان اختبار قدراتي في تصور طرق مختصرة، وقد نجحت في ذلك وأثبتُ أن لا أختلاف بين المرأة والرجل في القدرة على التصور المكاني كما يقول البعض وأنما يعتمد على التكرار وعدد المحاولات فليست التجربة الاولى كما هي العاشرة ! فسبب وجود هذا الخلل هو المجتمع، يقارنون التجربة العاشرة للرجل بالتجربة الاولى للمرأة، عندما لا يعطونها فرصة للتجربة أكثر!

 

فرح بسام عدنان

خلق القصص من الصور

 التصور المكاني يعتمد على الخيال وهذه الصفة تنطبق على القصص والروايات المصورة وكل هذه التسميات تقع تحت مضلة الفنون المتسلسلة، حيث يقوم الكاتب بهذه الفنون بالتعبي عن أفكاره بإستخدام الصور والاشكال.

أتذكر قراءتي لمجموعة من القصص المصورة كنت اجدها في مكتبتنا حيث كانت تجذبني الوانها الزاهية ونسبة الى الفئة العمرية التي كنت انتمي اليها كانت القصص المصورة هي الطريقة الملائمة للاستمتاع واكتساب المعلومات حيث أقوم بتصور نفسي باتمان واتخيل مشيي في شوارع مدينة غوثام.

وعند بلوغي عمر الـ15 سنة أتذكر قراءتي لأولى الروايات المصورة باللغة الانكليزية (برسبولس) ونسبة لعدم معرفتي باللغة فكان اعتمادي مقتصر على الصور لعيش هذه القصة ووضع نفسي في مكانها اعتماداً على قدرة الرسام في التعبير عن الفكرة دون استخدام الكلمات، الرواية المصورة الثانية عديمة الكلمات عنوانها (الوصول).

بغض النظر عن الفكرة الأساسية للروايتان فأن كِلا الروايتان يتحدث عن الهجرة وهذه الصور من الكتابان نستطيع تخيل العوالم التي ستدخل اليها الشخصيات ويمكننا احساسها وتحويلها من صور ثنائية الابعاد على ورق الى مخيلة ثلاثية الابعاد في عقولنا يمكننا عيشها.

ان هذه القصص تساعد على تنمية التصور المكاني للشخص لانها تحتاج لمخيلة شاسعة لفك شفرات الصور وتحويلها الى نصوص وأيضا تخيل الأماكن التي تجري فيها هذه القصص، استخدام الكاتب للصور والاشكال للتعبير عن فكرة معينة هو مشابه لاستخدام المعماري الاشكال الهندسية او العضوية للحصول على التكوين، واذا كانت التقارير طريقة للتعبير عن عالمنا الحالي فأن الروايات الخيالية هي طريقه لتَخيُل عن كيف يمكن ان يكون، فيمكننا ان نقول ان العمارة هي مُخيله العالم الواقعي.

(العمارة هي الصفحة الفارغة من الكتاب التي يُرسم عليها مافي مُخيلتنا ويتحول الى واقع)






 

السبت، 27 مارس 2021

دار عارف آغا والجوادي، قصة تحديث البيت الشرقي

 

دار عارف آغا والجوادي

قصة تحديث البيت الشرقي 

يُعجبني تصميم دار هديْب الحاج حمود للمعمار الراحل رفعة الجادرجي.

أستطيع تبرير هذا الاعجاب الآن بالكثير من السِمات الجمالية والرمزية التي تجعله مختلفاً عن غيره. لكنني أتخيّل نفسي وأنا مستلقٍ على كرسي طبيب نفسي فيسألني: لما أنت مُعجب بهذه الدار دون غيرها؟

يتأثر الانسان بالصور الاولى، الإنطباع الاول، والصورة الذهنية التي تُرسم على ورقة بيضاء (بداية التعرّف على الحياة أو مجال جديد فيها) هي الأكثر ثباتاً بين الصور التي يرسمها العقل فوق تلك الصورة (يرسمها على ورقة مليئة بالمخططات).

من أوائل الكتب المعمارية التي إقتنيتها كان (Architekten Der Dritten Welt). كتاب باللغة الألمانية يتحدث عن معماريي العالم الثالث ونتاجاتهم بين التراث والتجديد. إنتخب مؤلفه (Udo Kultermann) محمد مكيّة، رفعة الجادرجي وراسم بدران لتمثيل عرب هذا العالم، وفي الجزء الخاص بالمعمار الراحل رفعة الجادرجي توجد صورة أنيقة بالابيض والاسود لواجهة دار هديْب وهي تشغل أكثر من نصف الصفحة رقم 88.

نعم أنا متأثر بتلك الصورة.

ترتبط الكثير من تفضيلاتنا وقراراتنا بأسباب وذكريات ذاتية بحتة، ثم نحاول بعدها أن نحشد ما نستطيع من مبررات لندّعي العلمية والموضوعية وإستخدام المنطق. لما كُل هذا الجُهد؟ الإنسان ثم المعمار لن يتجردا من الذات، وهذا ما يجب أن نعترف به دائماً. 

تواصلت علاقتي بالكُتب وبدار هديْب أيضاً، تعرّفت على المخطط الافقي للدار مع الاستاذ محمد رضا الجلبي في الجزء الثالث من موسوعة العمارة العراقية، وقرأت عن كَون (دار هديْب الحاج حمود.. رمزاً للانتماء) للدكتور خالد السلطاني، وفي معرض الكتاب الأخير ظهر أمامي على رفوف دار المدى كتاب (هديْب الحاج حمود، شيخ السياسة البيضاء)، لكنني تكاسلت عن شراءهِ لأفقده في زيارتي الثانية للمعرض، وأخيراً وصلت لإستنتاجي عن الدار (الذي دعاني للكتابة) وأنا أقرأ كتاب (مقام الجلوس في بيت عارف آغا) لمصممها المعمار رفعة الجادرجي.



يتغزّل الدكتور خالد السلطاني في مقاله (الذي لا غنى عن قراءته) بـ(فورم) الدار الاستثنائي وهو ما يعجبنا نحن أيضاً، فالجميع ينظر الى واجهة الدار ذات الاقواس الممتدة لتتحول الى أقبية (برميلية، إيقاعية، طابوقية). لكن قبل الـ(فورم) أو بعده يأتي المخطط الافقي الـ(فنكشن) بفضاءاتهِ وعلاقاتها البصرية والحركية.

أنا شُبه متأكد بأن الجادرجي بتصميمه كان متأثراً بتصميم دار محمود عارف آغا (جَد والدته). حيث يُخبرنا بنفسه عن علاقته الاولى بالدار بين آواخر عام 1933 لغاية منتصف 1937 أي بعمر (7-11)، ثم الفترة الثانية من تلك العلاقة عندما كان يتهيأ للسفر والدراسة بداية عام 1945 أي بعمر (19) سنة، حيث إستعمل الدار للراحة وتناول الغداء مع عمته، والفترة الثالثة بتصوير الدار وتوثيقه قبل أن يُهدم نهاية السبعينات من القرن الماضي.

تقع الدار فيما مضى على شارع الرشيد مقابل مقهى الزهاوي الآن، ومالكها محمود عارف آغا جاء الى بغداد من تركيا وكان قدومه مقترناً بوجود عمر باشا والي بغداد "إما بسبب كونه صديقاً له أو من أتباعهِ أو من أقاربه أو له علاقة بوالده". ثم أسس لعائلته موقعاً ووجاهة مرموقة بين العوائل البغدادية.

يصف الجادرجي في (مقام الجلوس...) العلاقات الاجتماعية والأتيكيت العثماني الصارم الذي يحكم تصرفات شخصيات الدار وعلاقاتهم ببعضهم. وبسبب المكانة الاقتصادية والاجتماعية للافندي (محمود عارف آغا) كان هنالك تصنيف لمستخدمي الدار(رجال عائلة الافندي، نساء عائلة الافندي، الحارس، الشغالة والطباخة وأخيراً الضيوف الغرباء)، ويتم تنظيم العلاقات بينهم (السيطرة عليها) بعنصرين من عناصر التصميم الفضائي، الاول هو (الحوش) أو الفناء الداخلي والثاني هو(المجاز) أي الممر.

لكل صنف من المستخدمين فضاءه المفتوح الخاص، فللرجال الديوه خانة (الفناء الاول) وللنساء الحرم (الفناء الثاني) وللطباخة المطبخ المفتوح (الفناء الثالث) وللغرباء الشارع. ثم يأتي دَور المجاوِز (جمع مجاز باللغة العربية)، وأنا أجمعها بالعامية (المجازات) والتي وظيفتها (الوصل والعزل).

تصل بين الشارع والفناء الرئيس الاول ولكن يسيطر الحارس بجلوسه في المجاز على الدخول والخروج. تصل بين الفناء الاول (الديوه خانة للرجال) والفناء الثاني (الحرم للنساء) لكن مع عدم السماح بالارتباط البصري بين الفنائين. تصل بين فناء الحرم وفناء المطبخ مع عدم السماح للروائح والدخان بالانتقال من الثاني الى الأول.


منظومة إجتماعية ومعمارية متماسكة يصفها الجادرجي بالتفصيل في كتابه، لكننا يجب أن نميّز أنها منظومة عِلْيَة القوم. ليس منظومة العوائل البغدادية متوسطة أو فقيرة الحال التي كانت منازلهم تتألف من فناء واحد ومجاز واحد ولا يملكون حارساً أو شغالة ولا طباخة.

عند دراسة مخطط دار هديْب نرى أن الجادرجي حاول تطبيق تلك المنظومة إنطلاقاً من المماثلة بين مكانة محمود عارف آغا وهديْب الحاج حمود الذي هو (سياسي وزعيم قبلي) كما تصفه وكيبيديا.

واجه الجادرجي في تطبيقهِ قضيتين، الاولى تفكك النسيج الحضري الجديد مقابل تَضام النسيج الحضري التقليدي، والثانية أن يتحرك مستخدمو الدار ضمن فضاءات مغلقة (Indoor) باستمرار، وليس الإنتقال بين الفضاءات المغلقة (Indoor) والمفتوحة (Outdoor) كما في دار عارف آغا.

ونتيجة لمعالجة تلك القضيتين فقد تعددت الفناءات والمجازات الرابطة بين فضاءات الدار، لكن لا يزال باستطاعتنا تمييز تلك المنظومة، فالجادرجي قام بتجميع الفضاءات ضمن أربع مجاميع، فضاءات إستقبال الضيوف، فضاءات نوم العائلة، فضاءات السائق والشغالة، وفضاء يجمع بين العائلة والمستخدمين (الشغالة والطباخة). ثم يربط بينهم بممرات (مجازات) واصلة فاصلة وتبقى الفناءات الوسطية المتعددة فضاءات بصرية وبيئية لكن ليست حركية.

حتى فضاءات الإستقبال والمكتبة (في مقدمة الدار) فقد زودها الجادرجي بمجازات شكلية (أقبية أبواب الدخول)، تقوم بعمل مجاز الدخول من الزقاق المتفرع من شارع الرشيد الى فضاء الديوه خانة في دار عارف آغا.



المجاز الشكلي

(قد) أكون أنا (بلال) محظوظاً بزيارتي وقضائي عدّة ليالٍ في بيت تقليدي (شرقي) ذو فناء وسطي وهو بيت جدّة والدتي الذي لا يزال قائماً وبحالة جيدة بعد عدّة جولات ترميم وإغلاق الحوش من الاعلى وردم السرداب الممتد على طول الواجهة. لكنه لا يحتل مكانة مميزة في ذكريات طفولتي او صورته الذهنية محفورة في لاوعيي فتظهر آثارها في تصاميمي الحالية والمستقبلية.

ثم يأتي بعدي من المعماريين الشباب وطلاب العمارة ممن لم يحضروا البيت الشرقي المفتوح ولا يمثل لهم أي قيمة عاطفية أو معمارية سوى قيمته الاكاديمية في المواد الدراسية المختصة بتاريخ العمارة والعمارة المحلية وعلاقتها بالبيئة.

إحدى تلك المواد هي (العمارة والبيئة) التي دَرَستها أكثر من مرّة لنيل شهاداتي الثلاث على يد الراحل المرحوم الدكتور مقداد الجوادي،  كان الدكتور مختصاً ومهتماً بتحقيق الراحة الحرارية في المباني، وهو من مواليد عام 1942 أي يصغر الجادرجي بـ16 عاماً فقط، لذا أنا أفترض أنه قد سكن بداية حياته أيضاً في بيت شرقي وإرتبط به. ومن هنا فقد حاول الدكتور تحديث تصميمه ولكن برؤية تميل لقضايا البيئة أكثر من القضايا الاخرى التي إهتم بها الجادرجي.

جاءت محاولة التحديث عندما صمم الدكتور الجوادي داره الواقع في منطقة الوزيرية، ثم وثّق ذلك التصميم ومن ثم إستخدام الدار في بحوثه المتعددة ومنها بحثه الموسوم (طريقة جديدة لتوظيف وسائل التهوية والتبريد التراثية في الابنية الحديثة). إهتم البحث بالجوانب التي كان المعماريون القدامى يتبعونها لتنقية وتهوية وتبريد المباني والدور خاصة من أجل السيطرة على قساوة البيئة في منطقتنا، ومن ثم كيف يمكن توظيف هذه الجوانب في التصاميم الحديثة وبما يتلائم مع طبيعة الحياة العصرية. وكما إنتخب الجادرجي الحوش والمجاز لتحقيق أهدافه التصميمية، فقد إنتخب دكتور مقداد البادكَير (الملقف) والحوش لتحقيق أهدافه البيئية (بعد أن استغنى عن السرداب الذي يمثل عنصراً أساسياً في المنظومة البيئية التقليدية).

واجهة دار الدكتور مقداد الجوادي

حاول الدكتور تحقيق أعمدة هوائية موجبة (ذات ضغط عالي) والتي تتمثل بالمناور في البيت الحديث وتقابل البادكَير (الملقف) في البيت الشرقي (برفع جدران المنور المقابلة للرياح السائدة)، وتحقيق عمود هوائي سالب (ذو ضغط واطئ) والذي يتمثل بالفناء الداخلي (بعدم إحاطته بستارة طابوقية) والذي يقابل الحوش في البيت الشرقي مع فرق تغليف ذلك الفناء والفصل بينه كفضاء خارجي (Outdoor) وبين الفضاءات الداخلية (Indoor) كما فعل الجادرجي قبله.

وبعد فتح شبابيك الغرف المطلة على المناور والشبابيك المطلة على الفناء الوسطي تبدأ حركة الهواء من الضغط العالي الى الواطئ وتخلق تيار هوائي بارد وطبيعي في الفضاءات الداخلية للبيت.

حركة الهواء بين الملاقف والفناء في دار الدكتور مقداد الجوادي

نعلم أن هذه الطريقة لا تُغني عن أجهزة التبريد طوال فصل الصيف، ولكن يمكن استخدامها في بداياته ونهاياته، ومن ثم الإعتماد على المكيفات في ذروته القاتلة. وكذلك كان الحال في البيت الشرقي فبالاضافة للبادكَير والسرداب والحوش كانوا يستخدمون شبكات من الخوص تملئ بالعاكَول وترش بالماء وتوضع على فتحتات الشبابيك لتمثل النموذج الاول لمبردة الهواء الحالية.

هنا سأحاول إستخدام المنطق!

لكل مدينة طوبوغرافيتها ومناخها وطبيعة سكانها، وهذه المميزات ليست مستجدّة تماماً وإنما مستمرة منذ تأسيس أي مدينة مع تغيّرات تدريجيّة متواصلة. وخلال سنوات طويلة يحاول معمار المدينة أن يصمم مباني تتفاعل مع تلك المميزات لتحقيق مباني مريحة بصرياً وحركياً وحرارياً. يُجرّب فيخطئ وينجح فيكرر العمل الناجح (الملائم) ثم يطوّر هو أو من يأتي خلفهُ العمل الناجح حسب مستجدات معينة وتستمر حركة النتاج المعماري. فهل نستغني عن كل تلك التجارب المتجذّرة في تاريخ المدينة ونبدأ تجاربنا من نقطة البداية؟

نحن بحاجة لدراسة عمارة الماضي وإنتخاب مواضع نجاحها والعمل على تطويرها كما فعل الجادرجي والجوادي وغيرهم الكثير بالتأكيد لم تأتي المناسبة لذكرهم. (نصيحة مستهلكة جداً لكن لابد منها)

أستطيع أن أختم هذه القصة بمطالبة الجهات المختصة بترميم دار هديْب الحاج حمود وجعلها متحفاً لما تركه مالكها ومصممها وأن تنظم الأقسام المعمارية زيارات لدار الدكتور مقداد الجوادي، ولكنني لن أفعل ذلك. لقد فعلت أصلاً!

ستكون تلك المطالبات هواء في شبك، وتحقيقها خارج صلاحياتنا الشخصية، لذا الأكثر منطقية مُطالبة المعماريين الشباب بزيارة ودراسة البيت الشرقي (البغدادي وغيره)، ومن ثم البناء على منجزاته التي حققها السابقين لتحقيق دور معاصرة مريحة لساكني مدينتنا المسكينة. مريحة حرارياً بالدرجة الاولى بما نواجهه الآن وسنواجهه في المستقبل من ارتفاع شديد في درجات الحرارة وعدم وجود حلول مقنعة لتوفير طاقة كهربائية مستمرة.

أعلم أننا نواجه العديد من التحديات ومنها قلّة الايمان بالمعرفة التقليدية وضيق المساحات بعد حُمى تقسيم دور المدينة. لكننا نستطيع مع كل ذلك دراسة البيت الشرقي وتوظيف نجاحاته ضمنياً في تصاميمنا.

سأخالف قناعتي بعدم مطالبة أي مؤسسة بعمل شئ وسأطالب بإقامة مسابقة معمارية لتصميم دار سكني بابعاد 5×20 على أن يكون التصميم مستوحى من البيت الشرقي التقليدي. وتقوم تلك المؤسسة الافتراضية بتنفيذ ذلك الدار وجعله (قبلة) للراغبين بزيارته لتجربته ثم نسخ مخططاته.

تسكُن قريبتنا المُسنة في بيت شرقي ذو فناء وسطي مفتوح للسماء وعندما يطلُب منها إبنها مرافقته الى بيته للعناية بها بعد أن إشتد مرضها ترفض قاطعة وتقول له:

"إنتوا بيتكم ما بي الله"!   







الاثنين، 15 فبراير 2021

البيت حليق الرأس

 

 

البيت حليق الرأس


تُخبِرنا الكاتبة الأمريكية Fran Lebowitz أن أغلب الناس يذهبون للطبيب النفسي كي يتحدَثوا عن أمهاتِهم وعن (أزواجِهم-زوجاتِهم)، ولكن سكان مدينة نيويورك يذهبون للطبيب النفسي ليشتكوا من الضجيج، يدفعون مئات الدولارات للتذمر من ضوضاء المدينة فقط.

أما )أبو لافي البدول( فيُخبِرنا في وثائقي عن الأنباط الجدد أنهم لا يزالون يسكنون كهوف مدينة البتراء في صحراء الأردن لأنهم مرتاحين وفكرهم مرتاح أيضاً بعيداً عن الضوضاء وضجيج السيارات.  

هذا "بعيداً عن مدينتنا" بغداد التي لا تزال مناطقها السكنية تحتفظ بــ"هدوء نسبي" الا الشوارع التي تحول إستخدامها من سكني الى تجاري بقدرة قادر. لكننا نفتقد ذلك الهدوء عندما تمر أبراجنا الفلكية بفترة "خلو مسار" ويقرر أحد الجيران أن يشيّد داراً جديدة بعد قِسمة دار قديمة. أتذكر تلك الليالي الصيفية التعيسة التي صادفت صب سقوف الدار المقابل لغرفتي، ما زاد الليالي سوءاً هو الصب بطريقة الخبّاطة التقليدية وليس بالمضخة والكونكريت القادم من الشركة.

قد يكون هذا الإزعاج مؤقت مقابل الإزعاج الدائم لبعض القرارات التصميمية او البنائية للجيران وخاصة المجاورين منهم، كالتطاول في البُنيان.

قال التويجري: "يتطاولون في البنيان يعني يتبارون ويتباهون في تطويله".

تطويلهُ عمودياً بزيادة إرتفاعات الطوابق وعددها وتطويله أفقياً أيضاً، فهم يتطاولون في الإقتراب من السياج الخارجي لحدود الارض، وإن كانوا مضطرين لترك مسافة لموقف سيارة او حديقة او لأجهزة التبريد فهم يتطاولون افقياً بمد الجدران الجانبية للواجهة. يعزلون بذلك المسكن المجاور بصرياً عن القادم من بداية الشارع، ويعزلونه مناخياً أيضاً بمنع الشمس من الوصول الى الحديقة والفضاءات الأمامية وبحسب توجيه ذلك المنزل.

كنت اطلّع ليلة البارحة كعادتي على عالم البناء الموازي لعالم المعماريين والمهندسين، وكان (الاسطة/ المقاول) أبو فلان الفلاني يستعرض منجزه المتفرّد في بيت (أبو محمد الله ينطيه الصحة والعافية)، فيشير الى الجدران الجانبية للواجهة قائلاً: "هاي بمصطلح البناء، هاي الطلعات يسموهة قامة، هاي جداً مهمة، بشغلة الديكور وبشغلة التغليف، يعني البيت المابي قامة مثل الاكَرع" !

تحيلنا مفردة القامة، الى قامة الانسان أي طوله، والى أداة حادة كبيرة أيضاً تستخدم لأغراض مختلفة. ومصطلح البناء قد يميل للقامة السلاح كون الجدار الجانبي مضاعف الإرتفاع وحاد بسمك 24 سم فقط.


لا تقتصر القامات على البناء خارج التصاميم المعمارية، بل تتواجد في أغلب تصاميمنا السكنية، وباسترجاع ذاتي للزمن، فأنا أتذكر حضورها بذاكرتي في عقد التسعينات، مترافقة مع الحجوم المضاعفة لفضاءات الإستقبال، والتغليف بالحجر الدخيل على مدينة بغداد.


القصور الرئاسية، مصدر عناصر عمارة التسعينات

أفكر حالياً بعلّة ظهورها في الحالات الأولى، لعل السبب هو حاجة المعمار الى إسناد إنشائي لسقف الطابق الأول الذي يعلو الحجم المضاعف، مقابل للاعمدة التي تسند الطرف الآخر للسقف.

ثم إنتهت مودة الحجم المضاعف وإستمرت القامات كعناصر إنشائية او عناصر جمالية يظهر البنائون إبداعاتهم الفنية على سطحها المواجه للمنزل، وللجار سطح طابوقي عظيم، قد نغطيه باللّبخ فيصبح سماء غائمة رمادية اللون.

"البيت المابي قامة مثل الأكَرع" فالقامات تشبه السَوالف (الزلوف) والتي تحمل صبّة السطح (الكدلة) فتحيط السطوح الثلاثة بواجهة المنزل كما يحيط الشعر بوجه الانسان.

 فكرة الإحاطة أو التأطير هو ما قد يدفع المعمار اليوم للاحتفاظ بالقامات، والسبب هو لا وحدة تصاميم المساكن المتجاورة، أساليب تصميمية ولغات بصرية ومواد إنهاء متعددة، فحتى المعمار المتمكن يحاول عزل تصميمه الجديد عن القباحة المجاورة بإطار عازل واضح. ولو كانت الواجهات تمتاز بالوحدة لإنتفت حاجة العزل، كما في فكرة اللوحة المجزءة عديمة الأُطر.


لابد من القول أن الوحدة لن تتحقق الا بقوانين صارمة تُفرض على جميع المصممين، أو بوحدة المصمم كما في المجمعات السكنية الجديدة.

ولابد من القول أنني أستطيع الكتابة متذمراً عن غياب وحدة المدينة لصفحات عديدة إضافية.

ولكنني تذكرت جزءاً من الحوار مع Fran Lebowitz سابقة الذكر:  

المحاور: هل يغيّر التذمر شيئاً؟

هي: تقصد هل هو مفيد؟

المحاور: نعم.

هي: هل تقصد إذا تذمرت على الامور التي أشتكي منها، هل ستتغير؟

المحاور: نعم.

هي: بالطبع كلا، لن يتغير شئ.

 






الأحد، 20 ديسمبر 2020

الهوية للغالبين

الهوية للغالبين

بحث في جدوى البحث عن هوية معمارية محلية

لِما تَخرج بعض الشخصيات التاريخية من صفحاتِ الكتب الى مسامع وألسنة الناس حتى يومنا الحاضر، وتبقى شخصيات آخرى حبيسة المكتبات إن كانت محظوظة وكتَبَ عنها أحد؟

هل سمعتهم بعالم الإجتماع إبن خلدون المتوفي عام 1406م؟ هل سمعتم بـ(مقدمة إبن خلدون) التي جاء بها لكتابه (العِبر وديوان المبتدأ والخبر)؟

أنا سمعت بها، إن لم يكن من أستاذ او من باحث فمن الممثل الراحل حسن مصطفى في مسرحية مدرسة المشاغبين.

لنقرأ نصاً من تلك المقدمة تحت عنوان (في أن المغلوب مولع أبداً بالإقتداء بالغالب في شعاره، وزيّه، ونحلته، وسائر أحواله وعوائده) عسى أن نعرف سبب شهرة إبن خلدون وشهرة المقدمة الخالدة:

يقول: "أن النفسَ أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وإنقادت إليه، إما لنظرهِ بالكمال بما وقرَ عندها تعظيمه، أو لما تُغالط به من أن إنقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك وأتصل لها، حصل إعتقاداً فإنتحلت جميع مذاهب الغالب، وتشبهت به، وذلك هو الإقتداء".

ثم يقول: "حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى ولها الغَلب عليها فيسري اليهم من هذا التشبه والإقتداء حظ كبير، كما هو في الأندلس لهذا العهد من أمم الجلالقة، فإنك تجدُهُم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت".

ثم نتساءل كعراقيين هل غلبنا المغول؟ التتار؟ الفرس؟ العثمانيون؟ الإنكليز؟ الأمريكان؟ أم هم الغالبون؟

 كنتُ أستمتع وأنا أستعمل المفردات التي أعتقدُها بغدادية أصيلة ورثتها عن جدّتي رحمها الله مع كثير من القصص والأمثال الشعبية. ثم عثرتُ في يومٍ ما على كتاب (معجم الألفاظ الدخيلة في اللهجة العراقية الدارجة)، لأجد أن أغلب إن لم يكن جميع تلك المفردات هي من اللغتين الفارسية والتركية. ثم هنالك المفردات القديمة ذات الاصول الانكليزية والمفردات الانكلو-أمريكية المعاصرة التي نستعملها في لغتنا اليومية.

هل سمعتم بنيكولو مكيافللي المتوفي عام 1527م؟ هل سمعتم بكتابه (الأمير)؟ كان هتلر يضعه على مقربة من سريرهِ فيقرأ فيه كل ليلة قبل أن ينام.

لنقرأ منه نصاً تحت عنوان (حُكم المدن أو الممالك التي كانت قبل إحتلالها تعيش في ظل قوانينها الخاصة)، فقد نكتشف السبب الذي جعله رفيقاً لهتلر دون غيرهِ من الكتب.

يقول مكيافللي: "عندما تكون الدول التي تم إحتلالها، قد ألِفت الحرية في ظل قوانينها الخاصة، فهنالك ثلاثة سبل للإحتفاظ بهذه الدول، أما السبيل الأول فهو تجريدها من كل شي، وأما الثاني فهو أن يذهب الأمير المحتل ليقيم في ربوعها، وأما الثالث والأخير فهو أن يسمح لأهلها بالعيش في ظل قوانينهم مكتفياً بتناول الجزية منهم وخالِقاً فيها حكومة تعتمد على الأقلية الموالية للحاكم. وتدرك مثل هذه الحكومة التي خلقها الأمير، أنها تعتمد في بقاءها على صداقته وحمايته، ولذا فهي تبذل بالغ الجهد للحفاظ عليهما. يضاف الى هذا أن المدينة التي ألقت الحرية لا تُذعِن بسهولة إلا الى أبنائها ومواطنيها، هذا هو السبيل الصحيح للإحتفاظ بها".

ثم يضرب مثلاً بالاسبرطيين في تخريبهم لعدد من المدن للاحتفاظ بها قائلاً: " وكل من يسيطر على مدينة حرّة لا يقوم بتهديمها، يتعرض هو للدمار منها، لأنها ستجد دائماً الحافز على العصيان بإسم الحرية وبإسم أعرافها القديمة التي لا يسدل الزمن عليها سجف النسيان، ولا تلحق بها المنافع الجديدة الإهمال والتغاضي، ومهما عمل الحاكم الجديد، فإنه لن يستطيع أن يُنسي أهلها إسم مدينتهم أو أعرافها الا إذا مزقهم شر ممزق، وفرقهم في كل صقيع".

 هل نعرف كيف سيطر المغول على بغداد؟ التتار؟ الفرس؟ العثمانيون؟ كيف سيطر الانكليز سابقاً والأمريكان بعد2003 على بغداد واحتفظوا بها؟

من منهم قام بتهديمها وقتل أهلها ومن منهم قام بتشكيل حكومة موالية له عملت على تمزيق المجتمع شر ممزق؟ من منهم إختار سبيل الهدم ثم سبيل تشكيل الحكومة الموالية توالياً؟

كنت في الصف الثاني الابتدائي حينها ولكنني أقرأ الآن عن حرب الخليج عام 1991 في كتاب (دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التأريخ). يصف المؤلف بغداد ليلة الحرب: "جنّت المدينة التي يلفها الظلام، وخَطت سماء الليل خطوط أضواء ملونة صادرة عن قذائف منحنية المسارات. كانت السنة اللهب الصادرة عن فوهات المدافع الكبيرة تعكس ظلال الابنية العالية، ومثل عاصفة رعدية شيطانية، تداخل صخب دوي المدافع، إنفجار القنابل، فرقعة البنادق الآلية وعويل محركات الصواريخ الساقطة من السماء. وميض نار، هسيس هائل فانفجار جديد. هذا كله من أول 52 صار كروز تطلق على العراق، ثم أُسقط عليه  95000 طن من القنابل بعد ذلك". وكانت تلك الحرب كمُزحة لما حصل بعدها عام 2003.

كُنت أنوي الكتابة عن الهوية المعمارية!

أذكر نفسي وأذكركم دائماً أن القضايا المعمارية هي غالباً قضايا مفتوحة وجدلية، ففي قضية الهوية تحديداً نجد العديد من الكتب ورسائل وأطاريح الدراسات العليا، وعلينا أن لا نجعل ذلك عائقاً أمام بناء رأي خاص بنا وقول ما نعتقد به.

لو بذلنا أبسط جهد في كتابة (هوية) على Google والذهاب الى أول نتيجة بحث في وكيبيديا فسنجد أنها تعرّف الهوية كـ(مصطلح يُستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعة، وهي أيضاً مُجمل السمات التي تُميز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها).

فنترجم ذلك الى العمارة بالمبادئ والعلاقات والعناصر المعمارية التي تميز عمارة مجتمع معين ضمن منطقة جغرافية (قرية، مدينة، دولة) دون غيرهِ من المجتمعات والمناطق. ليس التكوين الشكلي المادي الناتج فقط، وإنما طبيعة الفضاءات التي يحيط بها التكوين وطبيعة إستخداماتها. أي القضايا المعمارية المادية وغير المادية.

هل لا زلتم تتذكرون ماذا قال إبن خلدون ومكيافيللي؟

نحن مجتمع مغلوب نسكن في منطقة جغرافية مُثيرة لمطامع الآخرين بشكل عجيب. فيأتون لتهديم منطقتنا وتنصيب حكومات موالية لهم، ونتيجة لهذه السيطرة فنحن ننقاد لهم، نتشبه بهم ثم نقتدي بهم، ولا أعتقد إنني بحاجة للحديث عن علاقتنا بالأمريكان كحالة دراسية، لنفهم كيف كانت علاقة أجدادنا بالمحتلين حيث يدّعي أحد الكتّاب العراقيين إنه بغدادي أصلي لأن نسبه يرتبط بالباشوات العثمانيين!

لذا فإننا نبدل جلودنا وما نتميز به مع كل إحتلال دوري، ولا نستطيع المحافظة على سمات هويتنا الشخصية والتي تنعكس على الهوية المعمارية بالتأكيد.

لكن ألم يستطع أجدادنا وآباءنا التأسيس لهوية معمارية عراقية على الرغم من عيشهم بنفس هذه الحتمية التأريخية؟

الإجابة هي أننا قد نشترك مع بعض المحتلين السابقين بالمنطقة الجغرافية لأنهم يجاورونا من الشمال والشرق، (فنشترك بالطوبوغرافيا والمناخ ومواد البناء) أو نشترك معهم بالديانة وما توجه به من أخلاقيات ومبادئ وسلوكيات فردية ومجتمعية. ثم قد يأتي بعض المحتلين بمعماريين لديهم خبرة سابقة للعمل في منطقة جغرافية شرقية آسيوية قد نشترك معها بنفس ما سبق (مناخ، مواد بناء، أفكار وسلوك).

تلك المشتركات جعلتنا نتقبل ونهضم بسرعة ما تم فرضهُ علينا ثم نقتدي به ويصبح جزءاً من هويتنا العراقية. لست بحاجة أيضاً لضرب الأمثال لأننا سنكتشف أن البعض من خير العمائر التي نعتز بها تعود أصولها الى غيرنا من المجتمعات المجاورة.

لكننا اليوم نعيش ظروف مختلفة جداً، فالمحتلين من قارات بعيدة جداً لا نرتبط معها بمشتركات كثيرة، ثم أن ذلك الإحتلال يمتاز بوسائلهِ المتعددة، العسكرية، التكنولوجية والثقافية. ولسنا وحدنا من يعاني من ذلك الإحتلال وإنما جميع المجتمعات المسلوبة في العالم. والتسمية الرسمية لذلك الاحتلال هي (العولمة).

أن تفرض المجتمعات القوية نفسها على المجتمعات التي تشعر بالضعف، فتجعلها تقتدي بها وكل ذلك في سبيل الإستيراد والشراء والإستهلاك.

قد نكتشف أن لا جدوى من محاولة المعماريين بمفردهم البحث عن تحقيق هوية معمارية عراقية موحدة في أعمالهم والمجتمع مغلوب ويحاول الإقتداء بالغالب. يجب علينا اولاً أن نقتنع أننا شعب قوي وعظيم ويمتلك من السمات المميزة التي لا حاجة معها للتشبه بالآخرين. (لا أعرف كيف ونحن نذهب سنوياً الى دول المحتلين ونندهش بمنجزاتهم ونعود للبكاء على أرض الوطن).

واحدة من وظائف الهوية المعمارية هي التواصل مع الماضي، أن يتذكر الإنسان ماضيه الذي يحّن اليه. أخبرني المعمار راسم بدران عن ذلك الأمير السعودي الذي دخل الى أحد مشاريعه الجديدة فقال للمعمار: وكأنني دخلت لبيت جدي الذي كنت اعيش فيه أحلى أيام طفولتي. أتذكر أيضاً مشهداً من فلم Ratatouille عندما يتذوق المقيّم طبق الـ Ratatouille فيعود دودياً (خلال ثقب دودي) الى طفولته وهو يتناول طعام والدته اللذيذ على طاولة المطبخ.

ولكن ماذا إن كان المجتمع يريد ويحاول نسيان الماضي؟ إن كان الإنسان فقيراً معدماً ثم تحول الى أغنى الأغنياء (نتحدث عن أولئك المتحولين يومياً) هل يريد أن يتذكر الماضي؟ هل نعتب عليه لأنه لا يريد أن يتذكر تلك الأيام التعيسة وتفاصيلها؟

لا أعرف لِما يتحمل المعمار ذنب عدم تحقيق هوية معمارية وهو يلبي متطلبات العميل العراقي؟ قرأت مؤخراً للدكتور خالد السلطاني وأنا أبحث عن (هديبْ العظيم) يقول : "في كثير من الحالات عندما يتعاطى المعماريون مع موضوعة تصميم البيت السكني، فإنهم يلجأون الى أمرين: أولهما، يكمن في نزوع المعمار الى تأكيد (الذات) المُصَمِمة، من خلال تخليق تكوين تشي مفرداته التصميمية بذلك التأكيد وبالرغبة في الإستدلال عليه، والثاني يكمن في مراعاة المُصمم لرغبات رب العمل و(ساكن) الدار المستقبلية والتماهي معه، أكثر بكثير من الاشارة الى (ذاتهِ المُصَمِمة). في عمارة (دار هديبْ) تلاقت تلك النزعتان على سطح واحد لتطرح في الأخير أحد النماذج التصميمية ذات اللغة المعمارية الفريدة".


 وإن لم تتلاق؟ الا يحق للعميل (رب البيت) أن يعبر عن ذاتهِ في بيت الحلم وعنوان إجتهاده وشخصيته؟

نحن بحاجة للإعتراف أن قضية الهوية المعمارية هي قضية سياسية وإجتماعية وإقتصادية قبل أن تكون قضية معمارية، وليس من السليم أن يتحمل المعماريون فقط ذنب عدم تحقيقها.

ونحن بحاجة الى الاعتراف أيضاً أن هويتنا المعمارية هوية تجميعية مرنة ولم تكن هوية عراقية صافية في يوم من الأيام.

هل نتحرر من مسؤوليتنا كمعماريين؟

أعتقد أن مسؤوليتنا هي أن نبحث عن نقاط قوتنا أولاً ونعتقد نحن كمعماريين فقط أننا ننتمي لمجتمع متعدد مختلط مرن، مر بتجارب عديدة وإكتسب من الخبرة المعمارية الكافية لخلق مباني تلائم متطلبات المجتمع المعاصر وترتبط بالماضي الغني لذلك المجتمع وأرضه.

ثم ننتظر أن يرزقنا الله بعميل مشابه لـ(هديب الحاج حمود) رحمه الله، فتتلاقى ذاتينا ونحقق منجزاً معمارياً جميلاً يدفع الآخرين الى الإعجاب به ومن ثم محاوله التشبه به وتقليده.

والآن حان موعد الإجابة عن سؤال الإفتتاح، لما لا زلنا نتذكر إبن خلدون ومكيافيللي؟

يقول عبد الهادي فنجان عن كتاب الأمير: "إن سر نجاح كتاب الأمير وصموده لمئات السنين هو في جرأته على طرح ما يخجل الآخرون عن طرحه في حين هم الذين يمارسون هذه الطروحات".

فنحن نقتدي بالغالبين ونحترم الموالين للمحتلين ونريد أن نحقق هوية معمارية عراقية.