رؤية هوليودية للجدران الكونكريتية
لا أتذكر نقطة البداية ولكنها فكرة أمريكية بالتأكيد،
الجدران الكونكريتية أو (الصبات الكونكريتية) في بغداد، بدأت بإحاطة مبنى معين ثم فصل
ممر السيارات في الشارع عن الرصيف والمحلات وأخيراً إحاطة أحياء كاملة ليقتصر
الدخول والخروج على مدخلين فقط أو أكثر بقليل.
وحالها كحال الإجراءات الأمنية الأخرى، لم تستطيع إيقاف
التفجيرات الإرهابية في تلك المناطق، ولكنها قد تقلل منها، لأنها تمنع دخول
السيارات والاشخاص الى تلك المناطق الا من المداخل المحددة والتي تكمن مشكلة عدم
السيطرة فيها.
وفي الفترة الأخيرة
تعرضت مدينة الكاظمية للعديد من التفجيرات خارج نطاق سور الصبات الكونكريتية
وداخله أيضاً، وما يلفت النظر هنا أن هنالك فتحة في ذلك السور مخصصة لخروج ودخول
السابلة فقط يذهبون من خلالها الى اعمالهم والتزاماتهم خارج مدينة الكاظمية، وهي
تؤدي الى الشارع القادم من ساحة عدن، وقد تداول الناس على تسميتها بـ(معبر رفح) !
فكرت بكل ذلك وأنا أخلد للنوم بعد مشاهدة فلم (world z war) للممثل (Brad Pitt)، الفلم تدور أحداثه حول فايروس يصيب
الإنسان ليحوله الى (زومبي) (ميت حي) ينقض على كل من يصادفه ليعضه وينقل اليه
الفايروس المجهول، ولكون (Brad Pitt) موظف ميداني سابق في الامم المتحدة يكلف بتتبع حالة ظهور
الفايروس الأولى لمحاولة التوصل للعلاج، يسافر اولاً الى كوريا الجنوبية وبعد كمية
هائلة من الأكشن يجد شخص مجنون محبوس في زنزانة، يثير عديد من الاسئلة آخرها:
لماذا تربح أسرائيل؟ يسأله براد: كيف تربح أسرائيل؟ فيقول:
لقد أحكموا إغلاق دولتهم بالكامل، قبل أيام من ظهور
الوباء، هم أول من يعلم وأول من يتصرف!
يجيبه براد: الاناس هنالك يبنون الجدران منذ أكثر من
قرنين؟
نعم ولكن تمكنوا من إنهاء عمل مئات السنين منذ اسبوع!
أتريد إجابات؟ يورغن وارمبران، هذا الرجل الذي يجب أن تراه في القدس!
أنا أقول إن الهدف الرئيسي من الفلم هو تشريع بناء جدار الفصل
العنصري (حسب الفلسطينيين) أو الحاجز الامني (حسب الاسرائيليين) والذي هو عبارة عن
جدار طويل تبنيه اسرائيل في الضفة الغربية، حيث يزرع الفلم فكرة مستقبلية بأن بناء
الجدار هو لصالح الإنسانية وقد ينقذها في يوم ما.
قد يستسخف الكثير هذا، من يصنع فلم بمبلغ 190 مليون
دولار من أجل هذه الفكرة، الا يجب علينا الكف عن التفكير بنظرية المؤامرة واتخاذها
شماعة نعلق عليها الفشل العربي؟
بالنسبة لي اعتمدت على نظرية (الرجل العاشر) في القول أن
ذلك هو هدف الفلم غير المعلن، وهي ذات النظرية الاسرائيلية التي يشرحها لنا الفلم.
يذهب براد الى القدس ويقابل يورغن وارمبران ويسأله: كيف
جاءتكم فكرة إنشاء جدار كونكريتي عازل يحيط بدولة اسرائيل؟ وكانت الاجابة:
-مشكلة أغلب الناس أنهم لا يصدقون أن شيئاً قد يحدث، حتى
يحدث بالفعل، الأمر ليس غباءاً أو ضعفاً، إنها الطبيعة البشرية.
-كيف علمت بالأمر؟ كيف علمت أسرائيل بالأمر؟
-لقد قاطعنا إتصالاً من قائد هندي، قال أنه يقاتل
(الراكاشا) وهم الموتى الاحياء.
-يورغن وارمبران ، مسؤول رفيع المستوى في المخابرات
الاسرائيلية، يوصف بأنه واقعي فعال وليس خيالياً، هل يعقل أنكم قمتم ببناء جدار
لأنكم توصلتم لإتصال استخدم فيه كلمة الموتى الاحياء؟
-نعم، والسبب أننا في شهر اكتوبر عام 1973 رأينا القوات
العربية تتحرك وأتفقنا بالاجماع أنهم لن يشكلوا تهديداً لنا.
وبعد شهر، هاجمنا العرب، وكدنا نصل الى البحر لذا قررنا
أن نغير الأمر! عن طريق (الرجل العاشر).
الرجل العاشر، إذا رأى تسعة منا نفس المعلومات ووصلنا
لنفس الاستنتاج، من واجب الرجل العاشر أن يعرضنا في قرارنا، ومهما كان الأمر غير
مناسب، على الرجل العاشر أن يبدأ بالاعتراض ويظهر أن التسعة الأخرين على خطأ.
-وهل كنت أنت الرجل العاشر؟
-تماماً
لأن الجميع إفترض أن الحديث عن الموتى الأحياء، غطاء لشئ
آخر، بدأت تحقيقي لأعتقد أنهم حين قالوا الموتى الاحياء فإنهم يقصدون ذلك بالفعل!
إذن كل شخص حول العالم معجب ببراد بيت وزوجته (مثال
الانسانية) انجلينا جولي (وأنا أولهم) وهو لم يسمع عن القضية الفلسطينية أو سمع
بدون أن يعلم يتفاصيل القضية، فسوف تزرع في رأسه فكره إن الجدار تم بناءه للحماية
من خطر غامض وهو حق مشروع لكل دولة وشعب على وجه الأرض.
اما عن الافكار الخفية بعد هذا
الحوار فهي أكثر خطراً، حيث
يكتشف براد أن الاسرائيليين يسمحون للفلسطينيين الخالين من الفايروس بالدخول الى
محميتهم وعندما يسأل: انت تسمح لهم بالدخول؟ تأتي الاجابة:
كل بشري يمكننا إنقاذه هو يقلل من عدد الموتى الاحياء
الذين نقاتلهم.
(اذن ليس المهم الجانب الانساني وانما الهدف تقليل عدد
العدو) وهي فكرة منطقية في ظل الظروف المفترضة في الفلم.
وأخيراً هل صمد الحصن الاسرائلي في وجه الزومبيز؟ كلا
... يدخل الناجون العرب الى داخل الحصن فيحتفلون بنجاتهم وتختلط الاعلام
الاسرائيلية والفلسطينية فتأخذ فتاه محجبة المايكرفون من أحد المسؤولين وتقول له (لا
بأس) وتبدأ بالغناء ويغني معها الجميع وتقابلها فتاه يهودية بالغناء... وعندما
يرتفع الصوت عالياً تبلغ اثارة الموتى الاحياء قمتها فيجتمعون سوية ليشكلوا برجاً
يخترق الجدار الكونكريتي لآخر حصن على وجه الأرض!
إذن العرب هم السبب في خرق الحصن، وأنا سأكون الرجل
العاشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق