الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

(حديث الشباب)
حديث في العمارة 

التجربة الأولى مميزة دائماً، وسر تميزها هو متعة الإستكشاف التي نعيشها، الترقب والقلق، بالاضافة الى الاخطاء التي نرتكبها نتيجة للارتجال، فيبرز تأثير عقلنا الباطن على حساب التفكير المنطقي والمحددات الواعية.
التجربة الثانية تكتسب نكهة مختلفة كلياً، الأمر مشابه لمراجعة الفرد لدائرة رسمية عراقية لأول مرة، عن نفسي سوف أبحث أولاً في الانترنت عن أي معلومة تخص موقع الدائرة الجغرافي، بعدها يبدء التفكير بوسيلة للوصول الى ذلك الموقع، والخطوة الأهم بعد الوصول التعرف على المدخل من بين الكم الهائل من الإجراءات الأمنية، لتدخل أخيراً. تتطلع الى الكتابات الارشادية إن وجدت، تسال المراجعين، تذهب الى الموظف الخاطئ، فيرسلك الى استاذ فلان أو ست فلانة لتصل أخيراً الى الموظف المطلوب.
أما في التجربة الثانية فأنك تذهب الى الموظف مباشرة وتتجاوز جميع أخطاء الماضي.
وفي حياتنا اليومية الحالية نعتمد بصورة كبيرة على تجارب الآخرين من خلال شبكة الانترنت، أي مشكلة تواجهنا وفي أي مجال، بعملية بحث بسيطة نجد إن هنالك من عانى منها قبلنا، ولكنه إتخذ خطوة جميلة ... لقد شارك الآخرين الحل.
وبعد تجربة المشاركة في برنامج تلفزوني قصير وجدت من المناسب مشاركة التجربة وأخطائها لأرد قليلاً من ديون الآخرين عليّ في انجازاتي المهنية والعلمية البسيطة.

نقطة البدأ هي الاعتراف بفضل من يتيح لك فرصة المشاركة بتجربة جديدة، الدكتور مصطفى كامل المحترم، علمني سابقاً حروفاً في الفن والعمارة وعن العلاقة الوثيقة بين علم النفس والعمارة، ليرشحني اخيراً لهذه التجربة.
بعدها إتصل بي معد البرنامج لنتفق على الموعد وموضوع الحلقة، ولكوني مطلع على عدد من حلقات البرنامج (حديث الشباب) فهو يتحدث عن القضايا التي تخصهم بالتحديد وبكافة المجالات. الحلقة كانت عن العمارة العراقية بصورها السابقة والحالية (التراث-المعاصرة) أو(التراث-الحداثة) بعيداً عن تسمية (عمارة الحداثة)، ودور المعماريين الشباب في انتاج الصورة الحالية، هذه كانت المعلومات الوحيدة المتوفرة حينها.


وللاستعداد هنالك خطوتين إتخذتهما، الأولى: الإطلاع على أكثر من حلقة سابقة للبرنامج للتعرف على سيناريو الحلقة، طبيعة الحوار، إسلوب ومظهر المشاركين في الحلقات، أما الخطوة الثانية فهي التفكير بصورة سريعة وعامة بإشكاليات العمارة العراقية ومحاولة وضع اسئلة او سيناريوهات محتملة، ولأن تدوين المعلومة يخفف من ضغط القلق من النسيان، حاولت تلخيص الخطوط العامة للأفكار التي أثارها موضوع الحلقة وهي على شكل ثنائيات وثلاثيات:

(عمارة – تراث): نحن لم نعيش في بيت بغدادي ولم نلعب في زقاق بغدادي، لم نمشي في شارع الرشيد لم نزر الحضر والأخيضر وزقورة أور والأهوار وكل هذه الانجازات الحضارية، تعرفنا عليها عن طريق الصور فقط، وبالتأكيد أن قيمة الصورة أقل من القيمة الحقيقية بكثير، لذا فنحن معماريين صوريين وأقل تفاعل وتجانس مع البيئة المحلية.
(المعماريون الرواد – التراث): المعماريون الرواد ولأنهم كانوا يمتلكون ذكريات وعاشوا في بيئة تراثية لذا فهم أكثر ارتباطاً بالتراث ولكل منهم عنصر أثير معجب به ويحاول إبرازه في تصاميمه المتنوعة.
(عمارة – مواد): الإنبهار بالعمارة العالمية المعاصرة عن طريق الانترنت بالتحديد، جعل المعماريين الشباب يميلون الى إستخدام الزجاج في الواجهات على الرغم من عدم ملائمته للبيئة العراقية، وإذا كان هنالك من يقول أن الزجاج اليوم مقاوم للحرارة وعاكس لها، فهذا صحيح ولكن على الأقل هو غير ملائم جمالياً لانه سوف يجمع الأتربة والغبار ويشوه شكل المبنى نتيجة لعدم الاهتمام بالتنظيف والصيانة المستمرة لواجهات المباني، بينما الطابوق المحلي مثلا لا يؤثر الغبار على شكله كثيراً.
(عمارة – مقاول – البيئة المبنية الحالية): إن البيئة التي نشئنا فيها ونشئ فيها الجيل الحالي هي من صناعة المقاول! (ليس تقليل من مكانة المقاول طبعا)، ولكنه يفتقر الى المعلومات العلمية ويعتمد على الخبرة المتناقلة والتجربة والخطأ، حيث أن الدراسة المعمارية تقلل من زمن التجربة وتقلل من الأخطاء البنائية المرتكبة. والسبب في كون المقاولين اكثرانجازاً من المعماريين في تلك البيئة هو مادي بحت،حيث يمنح المقاول المخططات مجاناً للزبون ويجني أرباحاً هائلة من أعمال البناء، بينما المعماري يطالب بمبلغ كبير نسبياً على المخططات فقط.
(عمارة – إمكانيات الشباب): يمتلك الشباب إمكانات عالية، وهم مستعدين دائماً لتعلم آخر البرمجيات المعمارية التي تطلقها الشركات العالمية وسوق العمل بأمس الحاجة لها. ولكنهم مرتبطين برأس المال الحالي وهو قسمين: الأول قادم من خارج العراق ويحمل معه صور العمارة العالمية الجميلة ويريد عن حسن نيه بناء مثلها في العراق.
والقسم الثاني لم يغادر العراق ولكنه ضحية للبرامج التلفزونية والانترنت ويطلب ما يشابه تلك الأعمال المبهرة بالنسبة له.
(عمارة - الحل المقترح): أعتقد أن الحل سهل الكتابة صعب التطبيق، وهو قراءة سيرة المعماريين الرواد، والسير على خطاهم كمنهج مع الأخذ بنظر الإعتبار جميع المتغيرات السابقة والحالية.
وبعد تدوين هذه الملاحظات حان الموعد في اليوم التالي، ومع ضغوط شوارع مدينة بغداد وصلت في الموعد المحدد، تلتقي بمعد البرنامج يرحب بك وتدور أحاديث سريعة للتعارف أكثر ثم يجهز إستوديو التصوير، تغلق الهاتف، تثبت لاقطات الصوت، ثم تطرح عليك الاسئلة مباشرة دون معرفة سابقة أو أي مناقشة وتوجيه، لذا كانت الأفكار المسبقة هي الأقرب الى اللسان مع بعض التعديلات الطفيفة وبما يلائم الأسئلة المطروحة.

وأخيراً هل سمعتم يوماً عن شخصية عامة تعرضت لإنتقاد بسبب رأي معين نقلته أحدى الفضائيات وهو يقول: إنه لم يكن يقصد هذا المعنى وإن الكلام وضع في غير موضعه وقد يذهب بعيداً ليقول: تم التلاعب بكلامي لتوجهه الفضائية حسب رغبتها.
الحقيقة لهم القليل من الحق، لأنك تترك كلامك لمعد البرنامج ليختار ما يناسبه، لإعتبارات الموضوع او وقت البرنامج ويترك مالا يناسبه حتى لو كان ذو علاقة وثيقة بالكلام السابق أو موضح له.



هناك تعليقان (2):

  1. احسنت استاذ بلال في تلخيص مشاكل عمارتنا المحلية في منشورك .. والتي لم تستطع ان توضحها في اللقاء التلفزيوني الذي كان ركيكا في طريقة الطرح من قبل المعد والذي لم يصل في الختام الى توصية او نتيجة او على الاقل لتوضيح مشاكل المعماري الشاب في نقل عمارته المحلية الى الوجود ..
    مشكلة معدي البرامج الغير مثقفين في الموضوع الذي يطرحوه يسبب .. الاقتطاع واللصق والتسلسل الخاطئ لعرض المعلومة على الجمهورالغارق في احلام امتلاك منزل دبل فااااااليوووووم ..

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا جزيلا دكتورة، والسبب الآخر هو قصر زمن البرنامج، فظهر الموضوع سطحي ومشتت، لهذا حاولت توضيح وتلخيص الافكار هنا.

      حذف