الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

الراية كعنصر تصميمي

في أوقات معينة ولا أعرف بماذا تتشابه، تتردد في ذهني وبقوة كلمة ( آيرين)!

 آيرين هي كلمة السر لبدأ ساعة الصفر للعملية العسكرية في الفلم الأمريكي (black hawk down). وفي كل الأوقات الأخرى الباقية لم تتردد أو حتى أتذكرها بوضوح كلمات سر الليل التي كان يجب علي أن أحفظها عندما (لزمت الواجب) على بوابة مشجب السلاح في معسكر جيش القدس.
بعد نجاحنا من السادس الإعدادي صرح مدير المدرسة المحترم بأنه لن يتم قبولنا في الجامعات إذا لم نتدرب في تشكيلات جيش القدس!
شهران من الذهاب الى كراج النقل فجراً ولبس الخاكي وحمل الكلاشنكوف، ساحة العرضات والقصعة وباب النظام ونعم سيدي.
بالتأكيد هي تجربة لا تستحق الذكر أبداً مقابل تجارب آبائنا والأخوال والأعمام، ولكنها كافية للتفكير وإعادة التفكير بمفهوم (الحرية). أن تُسحب من ممارسة حياتك الشخصية وفي العطلة الصيفية السابقة لدخول الجامعة لتوضع في معسكر تغلق أبوابه بإحكام، والهدف ... تحرير القدس! وكيف سنصل الى القدس؟
هل من الضروري أن نفقد الحرية حتى نعيد التفكير في مفهومها وكيفية ممارستها؟ لا أعلم .. هنالك من يصرح أن التجنيد الإلزامي كان السبب في إنتاج رجال أكثر نضجاً وحكمة من الأجيال الحالية.

وعن الحرية أيضاً لا أستطيع نسيان Mel Gibson وهو يصرخ freedom  قبل أن يُعدم في الفلم الأمريكي brave heart، كنت في المرحلة المتوسطة عندما شاهدته أول مرة، وعندما أعدت المقطع قبل أيام (دمعت عيني)، أتذكر في تلك الأيام كان هنالك نوع (جكاير) يحمل إسم freedom  أيضاً وكان صديقي يقول أن ميل كبسون كان (متوازي على جكارة قبل ميموت)!


 وبعد صفنة نجد أن أغلب ذكرياتنا، أحلامنا وأمنياتنا صناعة أمريكية ...

والسبب هو الجهود العظيمة التي بذلوها للتعرف على الإنسان، هذا الكائن العجيب، ومن ثم مخاطبة عقله بما يحب ويهوى ... يستطيع الفلم الأمريكي أو المسلسل الجيد أن يجعلك (تلطش) أمام الشاشة، والفضل للفاصل الإعلاني لتقضية متطلبات حياتنا الضرورية.

في منطقتي التي تمتاز بفسحة مناسبة للحريات، أتمشى في فروعها ببطئ أراقب البيوت المبنية حديثاً ومراحلها، البيوت القديمة ومحاولات إعمارها، البيوت التي تفصل عن بعضها والبناء العمودي الحالي المخالف للقوانين. راقبت في الفترة السابقة الرايات (الأعلام) التي يثبتها أصحاب البيوت على واجهاتها وسطوحها، للتعبير عن قضية عقائدية يؤمنون بها، ولمختصي علم الإجتماع الدور الأهم في دراسة تفاصيل هذه الظاهرة، والحديث هنا فقط عن الراية والمسكن، لأن المسكن هو المجال الأوضح لممارسة الحرية الفردية فيه. أما الظاهرة في مؤسسات الدولة وشوارع المدينة يدخلنا في أحاديث أخرى.








ما يمس إختصاصنا (العمارة) هو موقع الراية من واجهة المنزل لتشكل عنصراً جمالياً علاوة على كونها عنصر رمزي يعبر عن الساكنين، وبعد (الفرة) الأخيرة في المنطقة وعطفاً على خلفيتنا الأمريكية، تذكرت البيوت الأمريكية وهي ترفع العلم الأمريكي على واجهاتها.
هل من الممكن للمعماري وهو يصمم منزلاً جديداً أن يأخذ رغبة صاحب البيت برفع راية تعبر عنه بنظر الإعتبار؟ أن يضعها في مكان مخصص لها تحديداً، لتصبح جزءاً من تكوين الواجهة بدلاً من إضافتها بطريقة غير مناسبة.
وما هو الموضع المناسب للراية على واجهة المسكن وأي معايير يجب أن يعتمدها المصمم؟ فكرت أن أذهب الى مرجعنا الأمريكي وكيف يتعاملون هم مع رايتهم.



وأتضح أن لهم أتيكيتاً في التعامل معها ...
 فالعلم يجب أن يرفع من شروق الشمس وحتى غروبها فقط، وعند وجود ضرورة لرفعه ليلاً فيجب أن يكون مناراً بطريقة مناسبة.
يجب أن لا يرفع في الجو العاصف السيء.
يجب أن لا يلامس العلم أي شي تحته، الأرض، الماء، أو أي عناصر أخرى.
يجب أن ينظف العلم دائماً ويصلّح إذا تمزق.

ومما سبق نستطيع أن نضع مواصفات عامة لموقع الراية ضمن تكوين واجهة المنزل، ولعل الأهم هو أن تكون بمتناول اليد، فهي بما ترمز اليه يجب أن تحترم .. وكما مر سابقاً فهي يجب تنزّل في الطقس السئ وأن تنظّف وتصلّح دائماً وأن تكون منارة ليلاً. لذا فإن التعامل المستمر معها يجعل وضعها في مكان صعب الوصول اليومي غير مرغوب أبداً، علاوة على أنها يجب أن تكون مستقلة، وفي موضع بارز فلا تمس شيئاً تحتها.

والمعماري هو مُصلح جمالي لمظاهر المجتمع، وإذا كان من الصعب عليه تعديل المباني السابقة فعليه مسؤولية تنظيم البناء المعاصر والمستقبلي، وأعتقد أن موضوع تصميم المسكن متوفر لعدد كبير من المعماريين الشباب، وهنا يبرز دورهم في قضية التنظيم الجمالي لرفع الراية بمختلف القضايا التي ترمز اليها.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق