السبت، 20 أغسطس 2016

سلطة الهامش الهندسي

وخدمة المحافظة على صورة الزبون المستقبلية

حكى لنا أستاذنا الدكتور علي العذاري في أحد الأيام عن الشهيدة ماركَريت حسن رحمها الله ...
  
والحكاية تقول: عندما كانت تنتهي من إنجاز أحد المشاريع فأنها تبدأ بتأهيل كادر الإدارة والتنظيف قبل أن يباشروا عملهم في المشروع. وتقول في ذلك أو هو قول الدكتور العذاري، إن عامل أو عاملة النظافة مثلاً لديه مقياس للنظافة في البيئة التي يعيش فيها، ولأن هذه المهنة في العراق غالباً ما يعمل بها من لا تسمح له مهاراته العمل في مهن أخرى، أو لانه لا يمتلك من العلاقات ما توفر له مهنة أفضل وخاصة في القطاع العام، فإن مقياس النظافة الذي يقتنع به ويعمل عليه غير ملائم لمستوى المعايير الصحية للمشروع أو المؤسسة التي يعمل فيها.
ولمقاييس الجمال ودقة إنجاز العمل إختلاف أيضاً بين مقاييس البيئة التي يأتي منها عامل الخدمات بصورة عامة وبين مقاييس البيئة المطلوبة للمؤسسات الحكومية.
لذا يلعب تأهيل الكادر بمحاضرات مدروسة دوراً كبيراً في تعريفهم بمستوى العمل المطلوب وتغيير رؤيتهم لمستوى النظافة والجمال والدقة التي إعتادوا عليها في بيئتهم.


وهنا يأتي الإرتباط مع مفهوم سلطة الهامش (التدوينة السابقة) ...
عامل النظافة وعامل البناء قد نفكر بهم لأول مرة كهامش في إنجاز وإدامة وتشغيل المشاريع الهندسية، والسبب هو أنهم عديمي السلطة الهندسية والإدارية، فهل هذا صحيح؟

حان دوري لأحكي حكاية ...
يعمل إبن جيراننا وهو مهندس معماري على إضافة جزء جديد لمسكنهم، وهو يقوم بالأعمال بطريقة مدروسة وتدريجية كونه يمتلك الخبرة وكادر البناء المطلوب، وبعد إزالة الأنقاض وتجهيز حديد التسليح وتقطيعه، جاء دور الصبة الخرسانية ... ولأن شوارع المنطقة تم إكسائها منذ مدة ليست طويلة كنت قلقاً بخصوص الآثار التي ستتركها عملية مزج المكونات على سطح الإكساء وحتى تغيير لونه الغامق المنتظم لكل الشارع.
وفي فجر يوم جمعة يستحق النوم سمعت أصوات المحركات، خرجت الى السطح لأجد مضخة الخرسانة تقف أمام بيتنا مباشرة.
عدت للنوم وأنا مطمئن بأنه إتخذ القرار المناسب فلا وجود للمواد الأولية للخرسانة على أرضية الشارع ولا مزجها عليه، سيأتي المزيج جاهزاً عبر السيارات لتضخه المضخة الى الموقع المطلوب.
وعند إرتفاع الشمس بانت الأضرار، خرجت لاجد أرضية الشارع وقد تحولت الى خريطة ... وهنالك جُملة بذيئة لا أستطيع كتابتها ولكنها تصف تماماً ما حدث للأرضية.
 بقعة زيت محرك للسيارات كبيرة في وسط الشارع ... آثار إطارات السيارات وهي تدخل وتخرج من تلك البقعة ... الإسمنت والرمل الناتج عن تسرب مياه الخرسانة يلون الأرضية  ويترك آثار أحذية وإطارات السيارات ....
 ويجب ألقول أن المهندس قد وجه العمال بعد أن إنتهى العمل على التنظيف ولكن بعد خراب البصرة.
لم أكن حاضراً وقتها، ولكن يمكن الإستنتاج أن كل تلك الأضرار ناتجة عن أخطاء إرتكبها العمال المنفذين لخطة المهندس.
 قد نقول أن المهندس قد قصّر في متابعة العمل ولكن تلك الأخطاء ماكانت لتحدث لو تغيرت نظرة العمال (بإختلاف الأعمال التي ينجزونها) لمفهوم الجمال والدقة، فسائق السيارة مثلا لا يكترث لسيارته التي تترك بقع زيت قبيحة في كل مكان تقف فيه، ومن الممكن أن لا أحد إعترض على هذه الحالة في كافة الأعمال التي أنجزها. وسائق سيارة مزج الخرسانة لا يكترث للكميات التي تقع على أرض الشارع أثناء تفريغ الخرسانة في المضخة وهو قد يستطيع معالجة المشكلة بوضع حاوية أسفل مكان التفريغ.
لذا فإن الهامش الهندسي (العمال) بإنجازه للعمل بالطريقة التي يريدها أو هو مقتنع بها يؤدي الى تخريب العمل المعماري وقد لا يقتل العمل نفسه وإنما يقتل صورة صاحب العمل ...
لا أستطيع أن أمتنع عن ذم جاري وقد أضر بجمالية الفضاء العام (الشارع السكني)، ولنتخيل أن هنالك بيت جديد يُبنى في المنطقة ونحن لا نعرف الساكنين بعد، ولكن نتيجة للأضرار التي يسببها البناء (نتيجة لقرار المهندس أو المقاول أو حتى العمال) على راحة الجيران أو على الفضاء العام للشارع، سوف نتخذ موقفاً سلبياً من ذلك الجار المستقبلي.
لذا أتمنى أن نضيف للخدمات الهندسية التي تقدمها المكاتب المعمارية للزبائن خدمة (المحافظة على صورة الزبون المستقبلية لدى الجيران)، من خلال حرص المهندس المشرف أو توظيف شخص محدد لمتابعة عدم التسبب بأي ضرر للمجاورين، وحتى من الممكن أن يزور المهندس الجيران قبل البدأ بالعمل وخلق علاقة طيبة معهم والاستعلام منهم عن المنطقة وتفاصيلها كونهم يمتلكون الخبرة والمعرفة نتيجة للسكن فيها.

والآن نصل الى الحل المقترح لمواجهة العواقب السلبية لسلطة العمال، والسلطة ناتجة عن إنجازهم البدني للأعمال الهندسية في ظل غياب المكننة في العراق.
لن أقول أن الحل هو بفتح معاهد لتثقيف العمال وتطوير ذوقهم الفني لأنه حل خيالي جداً ويخرج عن سلطتنا الفردية، ولكن الحل هو تنبيه المنظفين والعمال الى عدم جودة ما يقومون به، فعندما نرى منظف ينتهي من مسح لوح زجاجي مثلاً وهو لا يزال غير نظيف من الممكن أن نأخذ منه أدوات التنظيف وننظفه بأنفسنا ليصل الى مستوى النظافة المطلوب. وعندما يقوم العامل برمي قناني المياه الفارغة ومخلفات البناء مثلا نقوم برفع تلك المخلفات أمام عينيه ونضعها في المكان المناسب.
الفكرة أن نشعرهم بأن ما يقومون به ليس هو المطلوب وأنهم لا يجيدون العمل تماماً كما يتخيلون.
قد يكون الأمر سهلاً لو كان لنا سلطة على أولئك العمال، كأن يأخذون أجورهم منا، أما لو كانوا خارج سلطتنا فقد نتعرض منهم للإستهزاء بالتأكيد وحتى بعض الأعمال العدوانية ...
فعندما تطلب من عمال البلدية أن ينجزوا العمل المطلوب منهم بدلاً عن عمل عامل واحد وبالبقية يتفرجون، يجيبك أحد العمال بتهجم: وإنت شعليك بيهم أكو مهندس وهو مسؤول عنهم!

كل ما سبق أحلام تنتظر التحقيق ولكن ما تركته ماركَريت هو الحقيقة ...


وللإستزادة عنها:















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق