الأربعاء، 19 أغسطس 2020

متى يعوي النتاج المعماري؟

 

متى يعوي النتاج المعماري؟

 

يكتب David Mikcs عن Antonin Artaud الشاعر والممثل والمخرج المسرحي السريالي:

"عرض آرتو بدنه العاوي الى جمهور على استعداد لتذوق مسرحياته الطليعية ونوبات هيجانه على المسرح"

ولا اعتقد ان أي قارئ عراقي يستطيع ان يمنع ذهنه من التفكير بصفة (عاوي) العاميّة!

لنصبح في موقف يستدعي معرفة صفة ذلك البدن فيوصف من قبل Mikcs بالعاوي، وماذا نقصد نحن كعراقيين عندما نصف شئ او نتاج معماري (وهذا ما يهمنا) بانه عاوي ايضاً.

لن اطيل عليكم بالسيرة الذاتية لانطونين آرتو المتوفرة في وكيبيديا ومواقع اخرى، وما يهمنا هو انه مؤسس (مسرح القسوة).

يخبرنا عباس الماجد ان "المقصود بالقسوة ليست تلك القسوة الجسدية بما يمتلكه الإنسان من سادية بل هي عبارة عن أسلوب مسرحي يعتمد على مبدأ نسف النص وتحطيمه باستخدام العنف والصور الصادمة التي تناشد العواطف. وكانت الحركات الجسدية (الطقسية) عنصراً أساسياً وفي أغلب الأحيان حلّت محل النص التقليدي والبعض أدى العرض المسرحي بالكامل من خلال (الإيماءات) إذ كانت تُرى في تعبيرات الوجه وحركة الجسد".

اي ان الصراخ وتلوّي الجسد والذي خلق صوراً عنيفة او مزعجة في بعض الاحيان قد حل محل الكلمات في تجسيد افكار ومواقف المسرحيات المعروضة.

لذا يصبح الجسد ذو سلوك حيواني مشابه لعواء الذئب او الكلب. والهدف هو التعبير عن ذات الممثل او المؤلف بطريقة وحشية صادمة.


ثم نفكر، ماذا لو كان المنتج المعماري جسداً في مسرحية المدينة؟

فنتذكر (العمارة الوحشية)، (Brutalism) !

واقول مرة اخرى: لن اطيل عليكم بزمن ظهورها وروادها فيمكن معرفة جميع ذلك بسهولة.

ولكن لابد من اقتباس سبب تسميتها الذي اشتق من المصطلح الفرنسي (beton brut) ويعني الخرسانة الخام والتي استخدمت في البناء والتعمير بكثرة بعد الحرب العالمية الثانية. وسميت بــ(الوحشية) لان المعماريين الانكليز استخدموا مقطع (brut) فقط من المصطلح والذي يعني متوحش، لتتم تسمية الحركة بـ (Brutalism).

يقول الناقد المعماري Reynar Banham:

"هي حركة معمارية تهدف الى جعل فكرة ومفهوم البناء بكامله بسيطة ومفهومة دون الغاز او رومانتيكية، ولا غموض حول وظيفتها".

كانت مبانيها ذات مقياس نصبي ضخم جداً وكتل هندسية منتظمة ومتداخلة بشكل متوازن وذات هياكل انشائية كونكريتية مكشوفة للخارج والتي تشكل اغلب الكتلة المعمارية مع تعامل غير تقليدي مع اشكال ومواقع فتحات الشبابيك.

اذن فالوحشية ليست مفارقة لغوية بين الفرنسية والانكليزية فقط وانما هي صفة لمبانيها المتعددة.

هل يمكن ان نقول انها عمائر تعوي للتعبير عن وظيفتها او تكوينها المعماري او هيكلها الانشائي؟





 فالعواء اذن هو صفة الجسد او التكوين المعماري الذي تعبر هيئته وحركاته البشرية او المعمارية عن افكاره وذاته بطريقة قاسية وحادّة تكسر بقوة النمط المألوف للتمثيل او عمائر المدينة.


ماذا عن العواء العراقي؟

العاوي باللغة العربية هو فاعل العواء، اي الذئب او الكلب او من يسمى صوته عواء ايضاً. ونستطيع ان نتفق منذ البداية ان (العاوي) صفة سلبية تحديداً وليست متعددة الاستخدام. ولعل تلك السلبية تأتي من نظرتنا الدونية للحيوانات والكلب خاصة (لان بيئتنا اليومية تخلو من الذئاب). وتعطينا الامثال الشعبية صورة سريعة عن نظرة المجتمع تجاه الكلب فهم قد "وضعوا ذيله في القصبة اربعين يوماً ولم يعتدل" و "هو يعض اليد التي تمتد له" و"ينبح والقافلة تسير" واذا كان لدينا حاجة عنده فنناديه حجي (جليب) ونستخدمه بفخر للشتيمة.

ومن اجراء استبيان شبه علمي لتحديد الصفة الاوضح للشخص او الشئ او النتاج المعماري الذي نصفه بالعاوي، كانت النتائج تشير الى كونه:

-       ساذج، اي بسيط جداً حد الضعف وليس البساطة المدروسة التي تعبّر عن القوة.

-       غير نافع فهو لا يؤدي الوظيفة التي وجد من اجلها.

-       وقبيح ومزيّف ايضاً ومعاني أخرى.


واقتبس للمعمار ابراهيم باسم قوله عن العواء: "كون الشكل يصرخ ويتألم من قباحته".

اي ان العواء او الصراخ هو واضح للمستمع حد الازعاج، وكذلك النتاج او التكوين المعماري العاوي هو واضح السذاجة وغير المنفعة والقبح للمشاهد.

ما ينتج عن البحث العالمي والمحلي عن صفة العواء ان الطرفين يشتركون بوضوح وقسوة التعبير ويفترقون في نوع التعبير ذاته، فهو قد يكون ايجابي او سلبي في مسرح القسوة والعمارة الوحشية. ولكنه سلبي فقط  في استخدامنا المحلي.

قد يرى البعض ان هذا الجهد المعرفي او البحثي عديم الجدوى. ما الفائدة من معرفة صفة النتاج العاوي فهو عاوي؟

انا اقول ان الهدف هو ان نكتسب المرونة في احكامنا ورؤيتنا للعالم وثقافتنا.

في يومِ ما قد نقول لطالب عمارة او معمار ان نتاجك (عاوي) ونقصد بذلك انه واضح وشديد التعبير عن فكرته حد القسوة.

اللهم اني قد بلّغت ... اللهم فاشهد ...






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق