أعوام العسكَرة
يحكي فلم (Kalashnikov AK-47) قصة إنسان
وحلم ووطن. ثلاثية جدلية الإتجاه. هل يختار الإنسان ما يحلم به فيبني وطناً؟ أم
يفرض الوطن أحلاماً على الإنسان فيشكله في محاولة تحقيقها؟
في كِلا الإتجاهين هنالك نقطة بداية، يتحقق حلم (الإنسان)
ميخائيل كلاشنكوف، بصنع سلاح آلي يفوز بالجائزة الاولى لمسابقة كانت تجريها الدول
المنتصرة على النازية، فيصبح عام 1955 السلاح الفردي الرئيس للجيش الروسي وبعدها
جيوش أكثر من 50 دولة حول العالم وعدد لا يحصى من التنظيمات غير الرسمية بإختلاف
أهدافها.
لم نصل نقطة
النهاية، ولكن لذلك السلاح دور في رسم نِقاط خط قصة إنسان آخر وحلم ووطن آخر، وتلك
النِقاط قد تستحق أن تُحكى:
1997
في مدرسة متوسطة أُطلِق عليها إسم أحد
الخلفاء العباسيين، كانت الكلاشنكوف رفيقتنا الدائمة في الصفوف الدراسية. تم
توزيعها على طلبة الصف الثالث المتوسط المُنتَخين لنداء القائد ليكونوا ظهيراً مضموناً
للقوات المسلحة. كان عليهم أن يتدربوا يومياً بعد إنتهاء دوامهم على حمل السلاح
لموجهة أي عدوان محتمل على الوطن. ولأنهم لا يملِكون الوقت الكافي للعودة الى
منازلهم، كانوا يحضرون للمدرسة بملابسهم العسكرية وبنادقهم الآلية.
يعلم الحاضر عبثية توجيهات القيادة
بأن يكون التطوع للتدريب بقناعة الفرد لا أمراً عليه. ولكن لفتيان بعمر الرابعة
عشر أو الخامسة عشر كان لحمل السلاح في الشارع وأمام المدرسين والزملاء هيبة صعبة
المنال. وقد حلت منافسات (سحب الاقسام) بالقدم وبالتلويح بالبندقية فقط محل لعب
كرة القدم في الإستراحة بين الحصص الدراسية. لم يكن من المسموح توجيه فوهة
البندقية تجاه شخص آخر، فلذلك عقوبات صارمة لا أحد يعرف مدى جديّتها، علماً أن تلك
البنادق قد جُردت من إبرة الإطلاق، لذا كان الشعب يتدرب على كيفية حملها فقط أكثر
من التدريب على كيفية إطلاقها في مواقف المعركة المختلفة.
إنتهت تلك الزمالة بحلول إستعراض
يوم النخوة في كافة المحافظات العراقية، ثم حصل ذلك العدوان المحتمل والمنتظر،
فرمت القوات المسلحة بنادقها وإختفت قيادة الوطن.
2001
بعد تعب وشقاء الإستعداد وأداء الإمتحانات
النهائية للدراسة الإعدادية، ظهرت نتائجها المنتظرة. لم يكن حينها سبيلاً لمعرفة
الدرجات دون زيارة المدرسة، فهي المصدر الوحيد للإستلام. هنأني المدير لتفوقي ثم
قال كاذباً:
"يجب أن تتطوعوا للتدريب في
جيش القُدُس، سيحرم من القبول في الجامعات العراقية من لم ينجز ذلك التدريب
المقدّس."
كان على الناجح من الدور الأول أن
يتدرب لشهرين كاملين، وشهر واحد لأصحاب الدور الثاني. لم يكن التدريب هذه المرة
كسابقهِ في ساحات المدارس، بل تم نقلنا الى معسكر رسمي خارج المدينة. أستطيع أن أقول
إنها أسوأ تجربة يمكن أن يعيشها طالب يترقب الحياة الجامعية.
كان الحصول على الكلاشنكوف مُفرِحاً جداً، لانه يعني عدم الحصول على قاذفة الصواريخ الثقيلة أو قاعدة إطلاق
الصواريخ الـ(هاون). كان علينا إستلام الأسلحة قبل التعداد الصباحي وتسليمها بعد إنتهاء
التدريب عند الساعة الثانية بعد الظهر. والتعيس من يقع عليه الدور لحماية مشجب
السلاح، فلا يستطيع الذهاب الى منزله والعودة قبل التعداد.
بندقية الكلاشنكوف هذه المرة مع إبرة
الإطلاق ولكنها خالية من الذخيرة، مع قاعدة عسكرية جديدة: إياك أن تُعطي سلاحك الى
أي أحد حتى لو كان النقيب او الرائد او العميد.
أطلقت ثلاثة رصاصات في ساحة
التدريب على الرمي، ولا أدري حتى الان إن كنتُ قد أصبت الهدف، فلم يهتم بذلك حينها
أي أحد.
إنتهى التدريب والقدس محتلّة كما
هي حتى هذه اللحظة.
2007
Pentium III هو أول كومبيوتر شخصي إشتريته في رحلتي المستمرة مع الأجهزة الذكية. وبدأت مع شراءه رحلة أخرى إنتهت قبل عدّة سنوات: رحلة الالعاب الالكترونية. تجولت في طرقات الكثير من الألعاب كـ Project I.G.I.، Medal of Honor، Mafia وغيرهن الكثير.
ما إستجد
في ذلك العام هو ذهابي لصالات اللعب الالكتروني الجماعي (Network). كانت Call Of Duty هي اللعبة الشائعة حينها. ولم أكن بالتأكيد ماهراً مقارنة بأصدقائي
الآخرين، فلم أتصدّر الترتيب سوى مرّة واحدة فقط.
كان
الوطن (بغداد) يحترق. فلا ينقضي يوم دون قتل وتفجير وصراع. فنهرب من كل ذلك
الى صراع إفتراضي آخر. وعندما نهتز بتأثير الانفجار الجديد يرن هاتفي المحمول، فأعلم أن أمي تريد أن تتأكد بأنني لا ازال على قيد الحياة. كنت أختار دائماً بندقية الكلاشنكوف كسلاح للقتال. لها إحساس
الكتروني وصوت مميز جداً. سلاح رخيص ولكنه فعّال. هذا هو السر الذي يعرفه الجميع. كانت أوقات محمومة من الركض
والاختباء والقتل والموت والعودة الى الحياة دائماً حتى تنتهي الجولة.
إنتهت تلك الجولات بعد إفتراقي عن
أصدقائي وإنشغالي بالدراسة، واستمر القتل في شوارع المدينة حتى قررت جهات مجهولة إيقافه
كما بدأ.
عاشت ايدك دكتور بلال
ردحذفعنوانا وصياغة وسردآ
شكراً جزيلاً معتز.
حذف