الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

العمارة الذكورية أم الانثوية ؟

بعد أن تحول المجتمع البغدادي من المدنية الى العشائرية لأسباب ومسببات معروفة للجميع ، روى لي أحدهم عن كلمة البدء في تلك الجلسات العشائرية حيث يبدء الكبير بالقول: (تريدون حكم العشيرة لو حكم رب العالمين؟) فالشيخ يحاول من ذلك أن يثبّت الإطار أو المنظار الذي سينظر من خلاله جميع الحضور للمشكلة قيد التداول، هل هو الدين الأسلامي أم شريعة الغاب؟
ذلك الإطار المحدد للقضية يشابه الإطار الذي يملكه كل أنسان وينظر من خلاله الى الكون والذي أشار له الدكتور علي الوردي في كتابه (خوارق اللاشعور) بالقول:(كل إنسان على عقله منظار أو إطار ينظر الى الكون من خلاله وهو إذن لا يصدق بالامور التي تقع خارج هذا الإطار، وكثيراً ما يختلف إثنان على حقيقة من الحقائق، فإذا فحصنا مصدر الخلاف وجدناه كامناَ في الإطار الذي ينظر به كل منهما الى الحقيقة)[1] ويضيف (إن الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله الى الكون مؤلف جزءه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمفترضات التي يوحي بها المجتمع اليه ويغرزها في أعماق عقله الباطن)[2].
وفي الحديث اليوم عن العمارة التقليدية والسكنية منها خاصة كالبيت البغدادي والمساكن التقليدية المرتبطة بجغرافية الدول العربية الاسلامية أحببت أن أنظر لها من إطار مقابل للإطار الذي تحدث فيه الدكتور شاكر لعيبي في كتابه (العمارة الذكورية: فن البناء والمعايير الأجتماعية والاخلاقية في العالم العربي) والذي يفترض في فرضيته(صفر) الى إن (بداهة) حجب النساء هي الخلفية التي تشتغل فيها العمارة العربية والهندسة الاسلامية، ويظن أن المعيار الاخلاقي والقيمي المقلّل من شأن النسوة يسعى الى تطويع الطبيعة نفسها لإشتراطاته وأحكامه، ويسمي فرضيته (الاولى) (إشكالية العمارة التقليدية الأولى هي حجب المرأة) ويشير أيضاً الى إن هنالك أكثر من تفصيل دقيق واحد يبرهن على وضعية النساء في الفضاء المعماري التقليدي حيث تصبح الدار بالنسبة اليهن بمثابة سجن مكيّف ومريح. ومن المؤكد عدم إمكانية الإلمام بفرضيات الكتاب العشرة وتفصيلاتها هنا إلا إن خلاصة القول هو حرص العمارة التقليدية على حجب المرأة عن الفضاءات العامة من خلال الفناءات الداخلية المعزولة، قلة الفتحات بين الداخل والخارج وصغر حجمها وعلو موقعها ان وجدت علاوة على ما توفره الشناشيل (المشربيات) من إمكانية النظر من الداخل الى الخارج وتمنع العكس والكثير من المعالجات المعمارية التي تؤكد على استقلالية وخصوصية البيت العربي واخيراَ تميّز فضاءات الديوانية والمجلس  المخصصة للرجال والتي تقتصر على العمارة الخليجية وعمارة المجتمع العشائري في العراق بعيداً عن مدنية بغداد المفقودة وبالمقابل حرية الرجل في الحركة والظهور في الفضاءات الخاصة والعامة، ولأجل كل ما سبق يمكن أن نطلق على العمارة التقليدية صفة (العمارة الذكورية).

فناء وسطي لبيت دمشقي
انعدام فتحتات الشبابيك في الطابق الارضي واستخدام الشناشيل في الاول
شناشيل من البصرة حالياً

ويصبح السؤال هنا: هل إن المجتمعات التي أنتجت المساكن التقليدية مجتمعات مسلمة يتبع أفرادها التعاليم الاسلامية؟ في بغداد الإجابة هي (نعم) بالتأكيد وفيما يخص المرأة التي يمثل حجبها إشكالية العمارة التقليدية الأولى فقد فرض الله سبحانه وتعالى عليها إرتداء الحجاب، ويستنبط المسلمون فرض الحجاب من قوله تعالى:(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[3] و قوله تعالى:(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[4] ، وقد إتفق المفسرون على صفات عامة للحجاب تتغير تفاصيلها بتغير الأزمان وهي أن يكون الحجاب ساتراً للبدن، كثيفاً غير رقيق ، فضفاضاً واسعاً غير ضيق وغيرها من الصفات، ولكي تمارس المرأة حياتها داخل مسكنها من غير ارتداء الحجاب وجب الا تكون عرضة لنظر المارة والجيران فأصبح المسكن التقليدي بخصائصه مارة الذكر هو حجابها الأكبر مقياساً يساعدها على تطبيق التعليمات الاسلامية.
 وبعيداً عن أخطاء تطبيق التعاليم الاسلامية والمشاكل الاجتماعية لثنائية (الرجل–المرأة) أحببت ان أرى المسكن التقليدي من زاوية أخرى، والتحول من (سجن مكيّف ومريح) الى (قوقعة تحمي اللؤلؤة) من أعين الغرباء فهو يميل الى خدمة المرأة اكثر من الرجل، وبهذا فهل من الممكن أن نطلق على العمارة التقليدية صفة (العمارة الأنثوية)؟    



[1] خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة ، الدكتور علي الوردي ، ص13
[2] المصدر السابق ، ص47
[3] سورة النور، 30-31
[4] سورة الاحزاب،59 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق