الخميس، 21 نوفمبر 2013

الحاكم والمعمار- سر الشهرة الأول

"لقد كنت الأعظم بين المعظمين على وجه الارض، لقد كنت المفضل لدى الملك، فأنا رئيس رؤساء العمل، المتفوق العظيم، الشخص الذي تنقل اليه جميع أخبار مصر، النبيل الذي يطاع ..."

من ياترى يستطيع أن يتكلم بمثل هذه الثقة؟ من كان يتمتع بكل تلك الصلاحيات؟ وزير؟ قائد عسكري؟ كلا فما سبق من نص وجد مكتوباً على شاهد قبر(سنموت)(Senmut) المعمار الفرعوني الذي بنى للملكة(حتشبسوت) (Hatshepsut)خامس فراعنة الأسرة الثامنة عشر معبدها الشهير في الدير البحري، والذي منحته 80 لقبًا ملكيًا وسمحت له بأن يضع اسمه وصورته خلف أحد الأبواب الرئيسية لذلك المعبد .
ولأن الرغبات الإنسانية لم تتغير منذ الأزل فمن منا لا يرغب أن يسجل التأريخ أسمه وما سيكتب على قبره؟ وقبل ذلك من منا لا يرغب أن ترى تصاميمه النور؟ تصاميمه لأهم المباني في المدينة، يبذل قصارى جهده لأخراجها بأبهى صورة تعكس فكره الذي يؤمن به أو لا يؤمن !
ومرة أخرى يخبرنا التأريخ بالوسيلة التي تحقق ذلك وهي: (أن يقترب منك الحاكم) نعم أن يقترب منك الحاكم أو (أن تقترب منه أنت) فالمثل الشعبي يقول:(الي ميجي وياك روح وياه) وللتأريخ علاوة على سيرة (Senmut) الكثير من الدلائل على ذلك وبمختلف الازمان والحكام :
-       دوناتو برامنته(Donato Brament): وصلت على يديه عمارة النهضة الإيطالية في روما أوجها وهو يرتبط بشكل مباشر وتام بالبابا يوليوس الثاني الذي كان الراعي الاكبر لأعماله وكان العمل الأهم الذي كلفه به البابا هو تصميم كتدرائية سان بيترو في الفاتيكان بروما.
-       ألبرت شبير (Albert Speer): مهندس معماري وسياسي ألماني وعضو في الحزب النازي ، كان مديراً لإنتاج الاسلحة في ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية وعمل مستشاراً للزعيم النازي أدولف هتلر، وكانت أولى مهماته هو تصميم ملعب زبلين فيلد في نورنبرغ وهو المكان الذي تجري فيه المسيرات الضخمة الرسمية والدعائية . 

سنموت وهو يحتضن نفرورع

ألبرت شبير مع هتلر يشرح له احد تصاميمه 
وهنالك الكثير من المعماريين غيرهم حول العالم والحال ينطبق على المعماريين المحليين أيضاً فرفعت الجادرجي مثلاً قام عبد الكريم قاسم في نهاية عام 1958، بتكليفه بتصميم ثلاثة نُصب في بغداد لتخليد ثورة 14 تموز. ويقول الجادرجي في كتابه ( الاخيضر والقصر البلوري) : "وعرضت على قاسم رسماً لنصب 14 تموز، ولم يكن أكثر من تخطيط كبير لجدار مرتفع... وقد بينت له أن هذا السطح سيحتوي على نحت ناتئ يمثل الثورة، فوافق على الفكرة من غير مناقشة"  ! فكان نصب الحرية وسط ساحة التحرير !
نصب الجندي المجهول لرفعت الجادرجي
نصب الحرية في بغداد
أما في عهد النظام السابق فبالتأكيد التأريخ يعيد نفسه وهنالك العديد من الأسماء التي برزت في تلك الفترة الزمنية، صممت ونفذت الكثير من الاعمال المعمارية المجسدة لفكر تلك المرحلة .
ولأن لكل شئ ثمن فما هو ثمن تلك الشهرة التي ننالها من الاقتراب ومرافقة الحاكم ؟ هل نعود للتأريخ لنرى الثمن؟ لقد تحدث (ألبرت شبير (Albert Speer)(مع كاتب سيرة حياته قائلاً: "بالطبع كنت مدركا تماما أن هتلر يريد ان يهيمن على العالم ... في ذلك الوقت لم أسأل عن شيء أفضل وهذا هو بيت القصيد من المباني التي صممتها في البلد، كل ما أردته ان يكون هذا الرجل العظيم المسيطر على العالم" أي يجب أن تتخلى أولاً عن مبادئك الخاصة تكون معه على الحق والباطل وستكون محظوظاً لو كان على الحق وهو نادر (عبد الكريم قاسم نموذجاً) أما ثانياً فيجب أن تتحمل أضرار تغير الحاكم فعند استسلام ألمانيا، قُدم (ألبرت شبير  (Albert Speer)( للمحاكمة بأعتباره مجرم حرب و حكم عليه بالسجن 20 عاماً .  

وأخيراً يمكن عمل وصفة للشهرة المؤكدة مع الحاكم تتمثل بالـتالي :
-        أقترب من الحاكم المعاصر أو اجتهد في لفت انتباهه ليقترب منك.
-       تخلي عن كل ماتؤمن به ويتعارض مع فكر الحاكم واهدافه.
-       حاول القيام بالخطوتين السابقتين في وقت مبكر من حكمه لانه سيذهب ويأتي غيره عاجلاً أم أجلاً وبذلك تتمتع بالوقت الكافي لانجاز أعمالك المعمارية.
-       خلال فترة عملك معه إحرص على تحضير حياة مستقبلية بديلة في أي مكان أخر بعيداً عن الحاكم الذي يأتي بعده (هذه الخطوة اختيارية فقد يكون الحاكم الجديد يسير على نهج الأول وهي حالة نادرة في العراق) .

ولكن بالتأكيد هنالك بديل أخر: أبتعد عن كل ما سبق وإتبع المثل القائل (مفلس بالقافلة أمين) .

بلال سمير



    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق