الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

ثنائية (معاصرة- تفخيخ) في العمارة العراقية

عند إجراء الدراسات التي تسبق عملية التصميم المعماري لأي مشروع أكاديمي يبدء الطلبة بدراسة واقع حال الموقع المقترح للتصميم من قبل الكادر التدريسي ، ومن دراسة طبيعة عناصر الموقع وما يدور فيه وحوله من أحداث ترتبط بواقع الحياة في العراق (بغداد بالتحديد) يثار غالباً السؤال التالي: هل يأخذ التصميم الاكاديمي الظروف الحالية للواقع العراقي بنظر الاعتبار؟ أم يتم التصميم لمرحلة مستقبلية مثالية خالية من المشاكل الحالية؟ أما في المشاريع على أرض الواقع قد يكون الأمر مختلف فصاحب المشروع منذ الأزل يطلب الفائدة الإقتصادية وأي تصميم من قبل المعماري يجب أن يتفاعل مع الظروف الحالية لتحقيق تلك الفائدة المرجوة .
والحديث عن المشاكل الحالية في بغداد لا يكتمل ابداً من غير ذكر المشاكل الأمنية المتعددة وبالتحديد أنفجارات السيارات المفخخة والتي لا يعصى عليها شارع أو زقاق في المدينة فأصبحت العنوان لأيام بغداد ولياليها في النشرات الاخبارية ، هذا الحال البغدادي (الحاضر) سيكون من المؤكد جزءاً من مستقبل المدينة ، مستقبل زاهر أم مستقبل (منيل) سيكون هذا الحاضر لبنة من لبنات بناءه المستمر.

وبالعودة الى العمارة والتصميم في ظل تلك الظروف يثار سؤال أخر في معظم الأحيان: ماهي صورة العمارة المعاصرة؟ سأفترض إن صورتها عند عامة الناس وحتى المعماريين منهم هي العمارة التي تحتوي على مساحات واسعة من الزجاج . وسبب تلك الصورة هو وسائل الإعلام الحالية ، قد تقولون وما دور وسائل الإعلام ؟ فأقول إننا (وأنا الأول) معجبون بالغرب وصورهُ وزاد الأمر بعد حرب 2003 وسقوط المحظور ودخول القنوات الفضائية ثم الأنترنت بعدها من أوسع الأبواب لنشاهد عمارة الغرب ونعجب بها ونحاول أن نجعلها مقياساً لنتاجاتنا المعمارية المعاصرة ، ويأتي سؤال أخر هنا: ماسبب إستخدام العمارة الغربية للمساحات الزجاجية بكثرة؟
منذ البداية عام 1851 عند إقامة المعرض الصناعي العالمي في لندن والمسمى بـ(القصر البلوري) الذي قام بتصميمه جوزيف بلاكستون كان السبب هو التعبير عن التنافس الصناعي بين الدول الاوربية الناشئة حينها ، فإنهاء واجهات مباني عملاقة بمادة الزجاج سهلة الكسر هو تحدي تكنولوجي يجذب المتلقى للمبنى وينال اعجابه ، والسبب الأخر بيئي مرتبط بالبيئة الباردة حيث يعمل الزجاج المعالج على كسب الحرارة من شمس الشتاء والتوفير بالتالي من الطاقة المصروفة على التدفئة داخل المبنى واخيراً لأغراض تجارية فالمباني التجارية تجذب المشتري من بعيد برؤيته للسلع والمتسوقين من خلال الواجهات الزجاجية الواسعة لتلك المباني .

القصر البلوري من الداخل

واليوم في بغداد نحن بين إنتاج عمارة معاصرة (ذات مساحات زجاجية واسعة) وبين الظروف التي نمر بها (تفجيرات السيارات المفخخة) ثنائية لا يجتمع طرفيها ، فكم من المباني التي تأثر زجاجها بالتفجيرات التي وقعت قربها وبالتأكيد ليس المهم الخسائر المادية الناتجة عن تكسر الزجاج و إنما سلامة المستخدمين داخل البناية وخارجها من تشظيات الزجاج وإندفاعه للداخل .
ولأن المبنى أو أي عنصر أخر من عناصر البيئة المبنية للمدينة التي تخص فترة ونمط معينين تعتبر شاهداً على روح العصر السائدة وإن كل مدينة يمكن ان تقرأ كنص متعدد الطبقات أو أنها مجموعة من الرموز والأشارات وتصبح البيئات المبنية عبارة عن (سيرة حياة للتغير الحضري للمدينة) أحببت أن اشير الى مبنيين يعبران عن روح بغداد اليوم من خلال تعاملهما مع ثنائية (معاصرة - تفخيخ) أو (زجاج- تفجيرات) بعد أن تعرض كلاهما الى تفجير بسيارة مفخخة ويمثلان طبقة تقرأ في مستقبل المدينة :
-         أسواق وتجهيزات الوردة الغذائية (بغداد- كرادة خارج):
بعد التفجير عمل أصحاب القرار في الاسواق على رفع كل الفتحات الزجاجية للواجهة الأمامية حيث أصبحت واجهة صماء تخلو من أي فتحة سوى بوابة الدخول والخروج وتم الإستعاضة عن عرض المنتوجات والجذب التجاري بلافتات إعلانية تم تثبيتها في مواقع الفتحات الزجاجية السابقة تمثل العلامات التجارية للمنتجات وهذا يمثل أحد الحلول التصميمية التي تتجاوب مع واقع حال الشارع العراقي والذي يتمثل بالتخلص من أي مساحة زجاجية في المباني التجارية بسبب التفجيرات المتكررة والتعويض عنها باللافتات الإعلانية.

الاسواق بعد التفجير

-         جامع وحسينية عباس التميمي (بغداد- كرادة داخل-أرخيته): 
بعد تعرض الجامع والحسينيات لموجة واسعة من التفجيرات عمل أصحاب الجامع على إعادة إعمار الجامع وللأسف لا أعرف الجهة المصممة أو المشرفة على إعادة الإعمار والتي اتخذت عدد من القرارات التصميمية التي تؤشر للمرحلة ومنها: عدم وجود أي فتحة زجاجية على الواجهتين الامامية والجانبية للجامع ، إستخدام الجدران االخارجية المزدوجة علاوة على سياج حديدي خارجي وذلك للتقليل من تأثير التفجيرات المستقبلية فكان الهدف بناء حصن للمصلين خالي من الفتحات وبأكثر من جدار دفاعي خارجي .
وأخيراً فإن الإجابة عن السؤال الأول من وجهة نظري هو وضع تصاميم أكاديمية مرتبطة بواقع الحال لأنه وإن لم يستمر وهذا ما اتمناه فإنه سوف يكون جزءاً من تأريخ المدينة الذي يتعرض له الطالب أثناء دراسته ليصمم بعد تخرجهُ أعمالاً معمارية لمستقبل مزهر خالي من الصبات الكونكريتية والسيطرات الذكية في الشوارع .










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق