الجمعة، 25 أكتوبر 2013

الكوميديا والعمارة

يقول أوسكار وايلد [1]: "إذا أردت أن تقــول الحقيقة للـــناس فاجعـلهم يضـحكون، وإلا فسوف يقتلونــك" وبما إننا في عصر أصبح يؤمن أكثر وأكثر بالفلسفة البراغماتية (أن المنفعة العملية هي المقياس لصحة أي الشيء) فالحقيقة من وجهة نظر تلك الفلسفة هي (الفكرة الناجحة أو الحقيقة النافعة أو الفرضية العلمية التي تحققها التجربة)[2]  أي إن الحقيقة في هذا الزمن هي أي فكرة نظرية تثبت نجاحها على أرض الواقع المادي ، وكل شخص يمتلك تلك الحقيقة المادية ويحاول أن يوصلها للناس سواء لأغراض إنسانية أو أغراض تسويقية يجب أن يجعلهم يضحكون كما يخبرنا أوسكار وايلد، الذي قال تلك المقولة نتيجة معرفته لطبيعة المجتمع خلال الحقبة التي عاشها (1854-1900) ، ولكن هل هي صالحة حتى هذه اللحظة ؟   
أوسكار وايلد
في مكاني وزماني أنا (بغداد-2013) هي صالحة أكثر من أي وقت مضى ، فنتيجة للظروف السيئة التي يمر بها الجميع فإننا نفتقد الضحك والمرح خلال الحياة اليومية ونبحث عن مصادر خارجية لهما ، قد تكون البرامج التلفزونية أو المواقع الالكترونية بما تحتويه من مواد مقروءة ومرئية-مسموعة أو النكتة البغدادية الاصيلة (وليست الشرقية سيئة الذوق والسمعة) .
وهنا نصل الى النتاجات المعمارية ، أليست هي أفكار وظيفية وجمالية وأقتصادية تنفذ على أرض الواقع ليستخدمها الناس ويختبرون كفاءتها وملائمتها للإستخدام الجسدي والنفسي المريح ؟ إذن كيف نقول لهم تلك الأفكار ونجعلهم يضحكون لكي ننجو من القتل ؟! (قد يكون القتل اليوم مجازي عن طريق الأساءة لسمعة المصمم وذمهُ وذم ابوه وجده والعشيرة ومن علمه العمارة)( أنعل أبو المصمم لابو ............الخ )
أنقل لكم بعضاً مما كتبه (Ian Martin) في مقاله عن الارتباط بين الكوميديا والمباني بعنوان:
(I have seen the future and its stand-up architecture)
إن القواعد للكوميديا والعمارة هي نفسها بالضبط ، على الأقل فإن كل شئ له مكان محدد ، والعمارة أساساً هي مزحة كبيرة واحدة ! وفيما يخص المزاح هنالك تصنيفات له ترتبط بالعمارة :
1-    المبالغة في المقياس: لنلاحظ الرسوم الكاريكاتورية المجنونة والمبالغ بها التي تقلد شخصيات موجودة ، في العمارة فإن التلاعب بالمقياس يثير الضحك كما في الكوميديا تماماً .
2-    التلاعب بالصفات: قول كلمة مألوفة بطريقة غير مألوفة في الكوميديا يشابه لإستخدام عنصر معماري  مألوف بطريقة غير مألوفة مسبقاً .
3-    تغيير السياق النوعي: في الكوميديا يمثل ذلك نقل كلمة أو صورة من سياقها الاصلي الى سياق جديد أخر وبما إن معناها يعتمد على عناصر ذلك السياق فأن عملية النقل تولد معنى جديد كلياً ونفس الحال في العمارة أيضاً .
و هنالك الكثير من الامثلة في الكوميديا والعمارة تعتمد على ماسبق في أثارة الضحك والمتعة ففي الرسوم الكاريكاتورية مثلاَ أذا كانت الشخصية الحقيقة تمتلك أنف كبير نسبيا فإنه يُضخم الى درجة مضحكة ، كذلك الحال في التلاعب بالصفات ونقل الشخصيات والعناصر من سياق الى سياق اخر مختلف تماماً والإعتماد على هذا الإختلاف في الضحك كما في نقل شخصية (جوني) الامريكية الى صعيد مصر في مسلسل (الكبير أوي) .
المبالغة في المقياس
التلاعب بالصفات
تغيير السياق
وفي العمارة قد يختلف الأمر قليلاً وكما يقول طرفه بن العبد " لكل مقام مقال" فلكل مشروع ظروفه ومعاييره الخاصة ولكننا من الممكن ان نحاول أثارة الضحك قليلاً من خلال تصاميمنا أو أثارة الضحك كثيراً بالتحول من التصميم المعماري الى مجال الكوميديا كما فعل باسم يوسف عندما إنتقل من الطب الى الكوميديا و لعل برنامجه (البرنامج) خير مثال على تطبيق مقولة أوسكار وايلد السابقة.  
بلال سمير علي 


[1] مؤلف مسرحي وروائي وشاعر أنجلو-إيرلندي. احترف الكتابة بمختلف الأساليب خلال ثمانينات القرن التاسع عشر.
[2] الدكتور جميل صليبا ، المعجم الفلسفي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق