الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

الذكرى التأريخية وعمارة المراقد
تمّر السنون وتستمر الأجيال في سماع قصة مقتل الأمام الحسين (عليه السلام) والتي تصف تفاصيل الواقعة التأريخية في أرض كربلاء المقدسة يوم العاشر من شهر محرم  سنة 61 للهجرة والتي توافق 680 ميلادية، ضحى الأمام الحسين (عليه السلام) فيها بنفسه وولده من أجل الإصلاح وإستمرار النهج الحق للدين الاسلامي ، ومنذ ذلك الوقت والامام الحسين (عليه السلام) وذكرى كربلاء رمزاً لمقاومة الظلم والاستبداد ورمزاً للتضحية والحرية والكرامة ، رمزاً يستمد منه المسلمون القوة على مر العصور والاحداث التاريخية اللاحقة .
ومن خلال نظرة تحليلية لتلك الواقعة وقصتها نجد إنها تتألف من جزئين ، جزء معنوي روحي والأخر صوري مادي (الجوهر- المظهر) فلكي يوصل لنا الخطيب الحسيني معاني الواقعة المتعددة وحكمها (الجوهر) فإنه يبدء بذكر عناصر مادية وصور للمستمع ليترك له الفرصة في تخيل تلك الاحداث كما وقعت في حينها ، تلك العناصر (المظهر) تتمثل بـ(الارض الصحراوية ، الجسد الانساني ، الخيول ، الاسلحة ومستلزمات الحرب ، الخيام ، نهر العلقمي وعدد قليل من اشجار النخيل) والجزءان متلازمان دوماً فالجوهر هو سبب تجسد المظهر والمظهر شرط في إيصال الجوهر الى المتلقي . وهنا نرى بأن المسلمون يحاولون إستذكار ذلك الجوهر والارتباط به في الحاضر باستمرار من خلال الخطب الكلامية (المجالس الحسينية) التي تصف صور واقعة كربلاء أو من خلال زيارة مرقدي الإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه العباس (عليه السلام) في مدينة كربلاء المقدسة.
إن عمارة تلك المراقد المطهرة مرت بالعديد من المراحل التأريخية بدءاً من التشييد الأول لمرقد الإمام الحسين (عليه السلام) من قبل المختار بن عبيد الثقفي كما يذكر المؤرخون وصولاً الى الوقت الحاضر التي شهدت فيه إضافات مؤثرة على نمط أبنية المراقد المقدسة في العراق كتسقيف الصحن الداخلي وإضافة حلقة خارجية الى سور المرقد علاوة على تزيين وإنهاء السقوف والجدران بالزخارف والنقوش بأستخدام المرايا والكاشي الكربلائي الملون وإنهاء الأرضيات و الجدران الداخلية والخارجية بالمرمر المستورد .



وبالعودة الى ثنائية الجوهر والمظهر فلنتخيل السيناريو التالي: هنالك طفل عراقي يعيش في المهجر وقد حرص أهله على سماعه لمقتل الامام الحسين (عليه السلام) بإستمرار ثم يقررون زيارة كربلاء المقدسة في يوم من الايام وعن طريق مطار النجف الأشرف يصل الطفل وأهله الى المرقد المطهر ، السؤال هنا: ماهو المظهر الذي يدله على أرض كربلاء الصحراوية التي دفع اليها الإمام دفعاً بعيداً عن المدن وعن نهر الفرات؟ ماهو المظهر الذي يذكره بعطش الإمام الحسين (عليه السلام) واصحابه وأهل بيته؟ ماهو المظهر الذي يذكره بإدبار الامام (عليه السلام) عن الدنيا وزينتها وخروجه على طغيان بني أمية وتوجههم الدنيوي المادي؟ حيث إن الصور التي يمتلكها الطفل بداخله هي للصحراء والخيام والمعركة ولكنه يرى مبنى بأبهى حله ، هيكل انشائي ضخم ، مواد إنهاء معاصرة وأخرى بأجمل الالوان ، مرايا تعكس إنارة وسائل الاضاءة الرائعة وجو بارد ينعش الداخلين الى الصحن الشريف .




ربما سيتساءل القارئ: هل تلمّح الى أن يبقى المرقد المطهر على عمارته الاولى دون تجديد؟ أم مجرد الحفاظ عليه من دون إضافة تغييرات تلبي حاجة الزائرين الحالية؟ وذلك لكي يبقى محافظاً على الصور التي تدل على جوهر واقعة كربلاء ومعانيها ، هل هذا ممكن؟ فلقد ازدادت أعداد الزائرين خلال السنوات الاخيرة زيادة كبيرة جداً وأزدادت بذلك متطلبات خدمتهم وتوفير سبل الراحة لهم علاوة على إستحداث الكثير من الفعاليات التي تساهم في نشر فكر الإمام الحسين (عليه السلام) في العراق والعالم بعد زوال الموانع القمعية السابقة.
والأجابة هي كلا ، يجب أن تلبي عمارة المرقد المطهر المتطلبات والحاجات الجديدة للزائرين ، فما فائدة عمارة لا تلبي حاجة الانسان ولا تحقق الغرض المرجو منها؟ ولكنني أدعو هنا الى أن تتحلى عمارة المرقد المطهر بصفة مهمة جداً الا وهي (البساطة) يجب ان يكون البناء هو عنصر يتكامل مع واقعة كربلاء وفكر الامام الحسين (عليه السلام) ولا يبتعد عنهما، يجب أن يكون البناء مساعداً للزائر في التفّكر بذكرى الإمام ومبادئه وعظمة أصحابة وليس التفّكر في جمالية زخرفة السقف وجمالية الثريات المعلقة وهندسة القباب المتحركة ، أنا أفترض إن الزائر هذه الأيام يشغل جزءاً من وقته وهو يفكر في كمية حديد التسليح والكونكريت المستخدمة في تطوير المرقد وسعر متر مادة المرمر المستوردة وكيفية تثبيت الزخرفة بالكاشي الكربلائي على السقف وغيرها من الحسابات المادية التي يعلم تفاصيلها المطلع على مهنة البناء وتخفى على الزائر البسيط . ومن الممكن أن تتجسد البساطة في إستخدام مادة الطابوق (الجفقيم) في تغليف الجدران بدلاً عن المرمر الايطالي ، ألا يرتبط لون الطابوق الاصفر بلون أرض كربلاء وصحراء الطف؟ ومن الممكن أيضاً أن تتجسد البساطة في إستخدام نظام تسقيف قماشي (tensile structure) بدلاً عن كميات الحديد الهائلة والواح الكونكريت المغلفة بالكاشي الكربلائي ، ويرتبط ذلك النظام رمزياً مع خيام معسكر الحسين(عليه السلام) وهنالك الكثير من البدائل التي كان يتطلب من القائمين على إعمار المرقد المطهر سماع الرأي الأخر فيها قبل أتخاذ القرارات المؤثرة .
  


وقد يتساءل القارئ مرة أخرى : الا تتلائم منزلة الإمام الحسين (عليه السلام) مع هذا الإنشاء الجميل والمعاصر؟ لماذا لانرتقي بعمارة المراقد في العراق لمستوى مرقد الإمام الرضا (عليه السلام) بمدينة مشهد في هندسته المبهرة وعمارته الرائعه ؟
الإجابة ببساطة وهي الخاتمة إن زائر الأمام الرضا عليه السلام بحاجة الى مظهر يدل على الذكرى التأريخية للأمام الرضا (عليه السلام) في كونه ولي عهد الخليفة المأمون العباسي ، مظهر يقترب من ذكرى الإمام في إرتداءه أفضل الملابس في وقت ما ، أما زائر مرقد الامام الحسين (عليه السلام) فهو بحاجة الى مظهر يذكره بحادثة كربلاء الأليمة هذا المظهر على الأقل يتسم بالبساطة ليبتعد به عن الدنيا وبهرجتها .      

 بلال سمير علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق