الأحد، 11 مايو 2014

في التأني الاستدامة وفي العجلة الندامة

الاستدامة، التنمية المستدامة، التصميم المستدام، التصميم مع الطبيعة، التصميم الأخضر، الأنشاء المستدام، المساكن الصديقة للبيئة ، المباني الخضراء ...
هل يوجد مهندس معماري أو طالب عمارة لم يسمع أو يقرأ عن هذه المفاهيم ؟
هنالك عدد هائل من المصادر والتطبيقات التي تدور في مدار الاستدامة وإرتباطاتها المتنوعة وجميعها تصب في إناء واحد يتضمن ثلاث أركان:
-       تلبية حاجات الانسان في الوقت الحاضر ( أنا، نحن).
-       ضمان تلبية الإنسان في المستقبل لإحتياجاته (الأبناء، الاحفاد).
-       الحفاظ على المصدر الذي يلبي تلك الإحتياجات بإختلاف الأزمنة (كوكب الارض).


والسؤال الأخر، ماهي نسبة المصادر العربية من تلك المصادر الهائلة؟ وحتى العربية منها ماهي نسبة إعتمادها على المصادر الاجنبية؟ وكم من تلك المصادر العربية هو في الأصل ترجمة لمصدر اجنبي؟   
وللإجابة إخترت إطروحة ماجستير بعنوان (الاستدامة المعمارية، ستراتيجية محاكاة الطبيعة والشكل المعماري في العمارة المستدامة) فكانت تتضمن 16 مصدر عربي، أثنان منهما مترجمان، و 77 مصدر أجنبي!

وهنا بالتأكيد لو قلت لكم: إن المصدر الاول لمفهوم الاستدامة هو الحضارة العربية الاسلامية، ستكون الإجابة: (أهووو هاي سامعيهة هواية ... وحتى اذا اصله عربي شنو الفايدة ؟ أحنه أبعد الناس عن الاستدامة حالياً !).
لأثبت لكم كلامي اولاً ثم نناقش المشكلة المعاصرة ...
إبن طفيل ...  أبو بكر محمد بن عبد الملك القيسي الاندلسي فيلسوف وعالم وطبيب عربي مسلم ورجل دولة وهو من أعظم المفكرين العرب وقد عرف عند الغرب بأسم (abubacer)، ولد قرب مدينة غرناطة في الاندلس وكانت حياته بين (1100 – 1185) ميلادي ولم يصل إلينا من كتبه سوى قصة حي بن يقظان (وهي محل حديثنا) وحي بن يقظان: طفل تضعهة امه خوفاً في صندوق وترميه في البحر بعد أن اروته من الرضاع، حيث حطت به الامواج على الجزيرة التي عاش فيها منعزلاً عن الناس، في حضن ظبية قامت بتربيته وتأمين الغذاء له وقد تدرج في المشي وأخذ يحاكي أصوات الظباء ويقلد الطيور ويهتدي الى مثل أفعال الحيوانات بتقليد غرائزها، وكبر وترعرع وحيداً وأستطاع بالملاحظة والفكر والتأمل أن يحصل على غرائزه الانسانية وأن يكشف مذهباً فلسفياً يوضح به سائر حقائق الطبيعة.




وعن مفهوم الاستدامة في القصة بالتحديد يقول حسن محمود عباس[1]: (الأخلاق عند أبن الطفيل هي من حيز العقل لا من حيز الدين، ومن حيز الطبيعة لا من حيز الاجتماع، فالاخلاق الحميدة عنده (ألا يعترض الانسان الطبيعة في سيرها).
لقد أدرك (حي) أن كل ما في الوجود له دور يؤديه وغاية يسعى اليها وتمام يرجو بلوغه، ولما كان وجوده هو يعتمد على ما يتناوله من غذاء نباتي وحيواني فقد التبس عليه الأمر وأدركته الحيرة: كيف يحقق وجوده هو من جهة ويحفظ على الأحياء الاخرى وجودها من جهة أخرى؟ (إن الاغتذاء بها مما يقطعها عن كمالها ويحول بينها وبين الغاية القصوى المقصودة بها) لكنه بعد إمعان نظر وطول تفكر في الأمر أدرك أنه لو أمتنع عن الأغتذاء بها لآل ذلك الى فساد جسمه، والقصور به عن غاية وجوده.
فوضع لنفسه قواعد يلتزمها ولا يحيد عنها، وهي أن يأكل من الفواكه لحومها التي قد تناهت في الطيب وصلح ما فيها من البذر لتوليد المثل، على شرط التحفظ بذلك البذر بأن لا يأكله أو يفسده ولا يلقيه في موضع لا يصلح للنبات. كذلك أجاز لنفسه أن يأكل من البقول شريطة أن يأخذ أقواها توليداَ ولا يستأصل جذورها.
وألزم نفسه بالحفاظ على الأحياء في الطبيعة، فهو (لا يرى ذا حاجة أو عاهة أو مضرة أو ذا عائق من الحيوان والنبات وهو يقدر على أزالتها و يزيلها).
وعلى هذا النحو كانت أخلاق (حي) فهو أبن الطبيعة الذي لم يعرف المجتمع ولم يتلق الدين عن وحي مرسل، فما كان من الأخلاق مصدره الدين فلم يعرفه بالضرورة وما كان مصدره الاجتماع فلم يكن متاحاً له وهو يحيا العزلة والتفرد. (إنتهى)

أما عن حالنا في العراق والاستدامة فهنالك وجهتا نظر: الأولى تبدأ من الأعلى الى الأسفل، (الأعلى) هي الجهات التشريعية والتنفيذية فهي المسؤولة عن إتخاذ القرارات وسن القوانين التي تؤدي الى التنمية المستدامة وما على الفرد هو الالتزام بها بعد أن تلتزم تلك الجهات بتوعيته وأرشاده أيضاً (وجميعنا يعلم حال التشريع والتنفيذ في العراق!) .
أما الثانية فهي تبدأ من الأسفل (الفرد) هو من يلتزم بتطبيق متطلبات الاستدامة في حياته اليومية وبتجمّع سلوك أفراد المجتمع نصل الى الكل المستدام (وجميعنا يعلم حال أغلب الافراد في العراق!).

وأخيراً هل تعلمون السبب في إننا لا نفكر بالاستدامة ولا نحاول الاقتراب منها؟ لقد ذكره أمين العاصمة سابقاً وكما يقول هو ما يجعل بغداد أفضل من نيويورك ودبي: إن موارد الطاقة والخدمات (ببلااااش) أو على الأقل منخفظة مقارنة بالدول الاخرى، فالحافز الاقتصادي هو محرك رئيسي بجانب الحافز الاخلاقي في انخراط المجتمعات في التنمية المستدامة.


أما من يريد اليوم أن يقترب بسلوكه من الاستدامة فليراقب أو يرافق جده أو جدته (حفظهم الله) فترك إنارة غرفة مشتغلة ولا يوجد أحد فيها يعتبر جريمة لا تغتفر ! ولكن هل هم مهتمون بالحفاظ على البيئة أم يفكرون بفاتورة الكهرباء ؟!

 بلال سمير    



[1] حي بن يقضان وروبنسون كروزو، دراسة مقارنة، حسن محمود عباس،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق