الاثنين، 20 أبريل 2015

مهرجان الذقون السادس

          أبحث منذ يوم السبت عن إجابة لسؤالين محيرين، ما الفرق بين جلد الذات ونقد الذات؟ والسؤال الثاني: هل نرضى بالخدمات أو المنجزات الحالية ونمتدحها (من باب التشجيع والظروف القاهرة التي نمر بها) أم نستمر بالنقد وإظهار العيوب والتمنى بالحصول على أفضل مايمكن؟

وعن مصدر ضائع نتيجة النقل المتكرر، فإن جلد الذات : شعور سلبي يتنامى دائماً في أوقات الهزائم والإحباطات بحيث تتوارى النجاحات (والتي غالبا ما تكون قليلة أو باهتة) ويتصدر الفشل واجهة الصدارة. وهو ينبع من رغبة دفينة بالتغلب على الفشل ولكن ليس عن طريق مواجهته وإنما بالهروب منه، أي بالهروب إلى الداخل حيث ينزوي الإنسان و يتقوقع داخل هذا الحيز الضيق من الشعور بالعجز والفشل وذلك لعجز الفرد أو الأمة عن إدراك مواطن قوته ومواطن ضعفه وأيضاً مواطن قوة وضعف تحدياته ويسرف بدلا ًمن ذلك في تهميش كل قوة له ويعطى لتحدياته قوة أكثر بكثير مما هي عليه في الحقيقة. اي أن جلد الذات هو حيلة العجز ومطية الفشل ومهرب الجبن.
أما نقد الذات: فهو شعور إيجابي ناضج يتلمس معرفة مواطن القوة ومواطن الضعف بصدق وموضوعية أي أنه يقيسها ويقيمها ولا يهمشها أو يتخيلها. وليس له أوقات محددة ولكن له عقليات محددة تجيد قراءة نفسها ومحيطها وبالتالي لا تخشى مواجهة الأعداء أو التحديات و إنما تأخذ بأسباب النجاح والوصول إلى الهدف عن طريق التخطيط الجيد والاستفادة من أخطاء الماضي. (إنتهى الاقتباس)
ولعل نقد الذات واضح ومفهوم ولكن المهم، هو أن الجلد يقترن بقبول الفشل والهزيمة والقناعة بعدم إمكانية النجاح لأن الفشل مكتوب علينا وعلى (الي خلفونا)، والاستمرار بإجترار أسباب الفشل والتقليل من حلول ومقومات النجاح وإمكانية تطبيقها.
وسبب تبلور الاسئلة السابقة: زيارتي لمهرجان الزهور الدولي السادس على حدائق متنزه الزوراء في بغداد.
لا أنكر أن هنالك الكثير من الماء والخضراء، فكل زهرة ونبتة، جميلة وممتعة وقد تكون خلابة، ونافورات مياه تمر بينها فتشعر بإنتعاش الرذاذ البارد، ولكنك تصل بعدها الى مرحلة الشك بين جلد ونقد الذات.

أجنحة (أماكن مخصصة للشركات) غير منظمة، نباتات (مشمورة) وموزعة بدون تصميم وترتيب مميز، عدم وجود علامات دلالة لمسار حركة الزوار، مواد تنفيذ وإنهاء ركيكة، ممثلي الشركات وكأنهم جالسين في مقهى، بعيداً عن التفاعل مع الزوار والترويج لخدماتهم.
وأعتقد أن من شاهد صور المهرجان على الشبكة سيستغرب ويستنكر ما سبق، ولكنها إشكالية العصر، أصبحنا ننظر للقضايا من خلال صور جزئية، يقرر من خلالها المصور أحكامنا ومواقفنا منها.
إذا كان المصور مسيّر من قبل فكر أو جهة معينة، سيختار الصور التي تجعلنا نؤيد تلك الجهة، أما إذا كان مستقلاً، وذهب الى مهرجان الزهور فهو يبحث عن الجمال فقط، جمال الصورة لينقلها الى الآخرين.




وفي نفس السياق الصوري، ومن (نظرة سريعة) تشاهد الزائرين وعيونهم (طايرة) يبحثون على منظر جميل ليلتقطون الصور أمامه. وهو حق مشروع بالتأكيد. ولكن الوقت والجهد المبذول في الحصول على ذلك المكان وتحضير الكاميرات والهواتف النقالة وتأخير سير الأخرين حتى لا يمرون أمام الكاميرا، أكثر بكثير من الوقت المخصص لمشاهدة جمال الطبيعة. فهم يتركون التمتع بالواقع من أجل التمتع بصور منه لاحقاً. قد لا يكون لي الحق بنقد تصرفهم هذا، ولكن مراقبة عدد هائل من الناس وهم مهتمين بالتصوير فقط كانت مقلقة حقاً.
وبالحديث عن كلفة المهرجان والمبالغ المخصصة، فهنالك خبر غير موثوق يؤكد أن المهرجان قد كلف 15 مليار دينار عراقي، والمبلغ كثير جداً على واقع الحال ولكنه غير مستغرب في المشاريع العراقية الحالية.


وأخيراً فبالنسبة لي، كانت الزيارة مخيبة للآمال، وأتمنى أن لا يكون هذا النص جلداً للذات، لكنني أصف المهرجان بالضحك على الذقون، واعتقد أن السبيل الوحيد لضمان كونه نقداً للذات (ذات المجتمع) وليس جلداً هو أن نقوم بإنجاز وظائفنا الفردية على أتم وجه، فليس لنا أي سلطة على تنظيم أو تحسين هذه المشاريع، ولكننا نمتلك السلطة لتحسين إنجازنا لما يكلفنا به المجتمع. أي أن ننقد ذات المجتمع ونأخذ بأسباب النجاح التي نستطيع السيطرة عليها وبما يخدم المجتمع ككل، وليس لنا سوى القناعة بإمكانية تحسين ذاتنا وذات المجتمع ومن ثم ... المحاولة ... ورجال الي يعبّي بالسكلة ركي.


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق