زهاء حديد تنهي الحوار
التقاليد ... من
أكثر المفاهيم المثيرة للجدل حالياً، وذلك نتيجة لتحديات الواقع الحقيقي والواقع
الإفتراضي في العراق. والأكثر إثارة هو كسر تلك التقاليد نحو التحرر والتقدم مرة
ونحو عدم الملائمة لخصوصية المجتمع مرة أخرى.
التقاليد الخاصة بثنائية (الحياة-الموت) بدأت بالتفكك
بوضوح، فالحياة تبدأ بالولادة فيسمي الأهل سابقاً إبنهم (زبالة) مثلاً! وإعتماداً
على حكايات جدتي، كان الناس يخافون على الطفل بالتحديد من الحسد، فالطفل (ينّفس،
ينصاب بالعين) بسرعة، فيختارون له إسماً قبيحاً، يجعل المقابل (يكش) وتنصرف عينه
عن محاسن الطفل فلا يصيبه بالعين، وهي نفس فلسفة تعليق قبقاب أو (فردة نعال) على
رقبة بقرة أو سيارة جديدة وكذلك الاستعانة باللون الأزرق والسبع عيون. والتفسير
الحقيقي بعيد عن الحسد بالتأكيد، فسبب موت الأطفال بكثرة هو إنتشار الأمراض وعدم
توفر العلاج والرعاية.
واليوم مع تحسن الرعاية الطبية وظهور جيل جديد من
الأمهات الثائرات، إستطعنا التحرر من تلك التقاليد، فنجد أن صورة الطفل وبعد ساعات
قليلة من الولادة (تنزل) على فيسبوك ليشاهد جماله الجميع ويستمتعون بإسمه اللطيف! وقد
ننتظر سنوات معدودة فتصبح من التقاليد أن تضع صورة طفلك على فيسبوك، وإذا رفضت
البيبي، خوفاً عليه من الحسد تجيبها الأم : عمة تردين يكولون هاي منزلت صورة
إبنهة لأن محلو!
فيما يخص الطرف الآخر (الموت) فسنوات طويلة وجدتي
تقول: ياستار صار بي (هذاك المرض)، عندما تتحدث عمن أصابه مرض السرطان، فهي لا
تذكر إسمه خوفاً منه. أما اليوم فنشاهد الدفان علي العمية حاضراً لحفلة زفاف (رمز
الحياة الجديدة) وهو أمر طبيعي جداً ولكنه يختتم المقطع بهتاف : منو يدفنكم ؟
ويجيبه الشباب بفرح: علي العمية!
ومن نفس الموقف المتحدي سأسمح لنفسي بالسؤال: مَن تعتقدون
مِن المعماريين العراقيين المشاهير سيموت قريباً؟
أعرف أن الجواب هو "الأعمار بيد الله سبحانه
وتعالى" ولكن من ثقافتي الهوليودية أعتقد أن هنالك نظام أو معايير تستخدم في
شركات التأمين تدرس أسلوب حياة الإنسان
لمعرفة مدى نسبة تعرضه للخطر وبالتالي تحديد قيمة التأمين على حياته.
ولكن بـ(حساب عرب)، من الممكن أن نعمل قائمة بأسماء
المعماريين العراقيين المشاهير ومن ثم نتحرى أعمارهم وحالتهم الصحية لنصل
لصورة تقريبة عن تسلسل وفاتهم ! وبما أن أكثرهم يعيشون خارج العراق فذلك التخمين
يقترب أكثر من الدقة، فلا وجود للإنفجارات والكوليرا وإرتفاع ضغط الدم.
كل هذه الأفكار (الكعبية) راودتني بعد الإستماع لمقابلة
أجرتها إذاعة BBC مع المعمارية (العالمية) زهاء
حديد، بعد منحها الميدالية الذهبية للعمارة، التي يمنحها المعهد الملكي للهندسة
المعمارية.
فقد تضايقت زهاء قبل نهاية اللقاء وغلقت الهاتف بوجه
المحاورة Sarah Montague بعد أن قالت
لها:
-
شوفي سمعيني، لهنا وبس ما أريد أحجي وياج بعد ... شكراً
جزيلاً ... توت توت توت!
والسبب هو أن Montague إعتمدت في أسئلتها على معلومات غير دقيقة، فقد قالت لزهاء أن ملعب
نادي الوكرة الذي صممته، والذي يحتضن مباريات كأس العالم 2022 في قطر، يعاني عدد
من المشاكل ومنها موت العمالة الوافدة، فقد توفي 1200 عامل عند العمل فيه.
فأجابتها زهاء أن هذه التقارير غير صحيحة وقد تمت مقاضاة
من أصدرها وتم سحبها وتقديم الإعتذار لها، فسألتها سارة هل تقصدين إنه لم يمت أي
أحد في مبناكِ؟
-
أي طبعا، وروحي تأكدي من معلوماتج، وترة اني ما أكدر
أضمنلج كل الكوكب وكل العالم، اني دا أحجي عن موقع مشروعي ودا أكلج ممات بي ولا طير!
ليست هذه المرة الوحيدة التي يخطأ فيها الإعلام
معمارياً، فبعد وفاة الدكتور محمد مكية رحمه الله، عرضت فضائية العربية تقريراً
عنه، يعرض التقرير ضمن مشاريعه صورة لبوابة جامعة الكوفة الحالية وهي من تصميم
الصديق المعماري أحمد هاني تحت عنوان مشروع جامعة الكوفة للدكتور مكية !
أما فضائية الحرة عراق فقد عرضت في تقرير عن نفس
الموضوع، صورة لمشروع مصرف الرافدين فرع النجف، بينما يقول المتحدث أن المصرف في
محافظة البصرة !
وهنا مربط الفرس ... ماذا لو كانت Sarah Montague إعلامية وتحمل شهادة في
الهندسة المعمارية؟ ماذا لو كان معد تقرير العربية والحرة معمارياً؟
قد تكون تلك الأخطاء بسيطة ولكنني أرى فرصة لتطبيق
وتفعيل خطاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في التواصل بين الجانب الأكاديمي
وسوق العمل، وكذلك التأكيد على إقتصاد المعرفة وتسويق مشاريع الطلبة للمؤسسات الأخرى
وذلك من خلال السيناريو التالي:
تقوم أقسام العمارة في الجامعات العراقية بفكرتي السابقة
(إعداد قائمة بالمعماريين العراقيين المشاهير ومن هو الأقرب للموت!)، ثم توجه
أساتذتها أو طلبتها ومن خلال مادة دراسية معينة قد تكون مادة (عمارة عراقية
معاصرة) مثلاً، لإعداد تقارير صحفية (تحمل صفات التقرير التلفيزوني من خلال دراسة
الأمثلة المشابهة) عن كل معماري في القائمة، وبعدها تخاطب الفضائيات العراقية وهي
(خير وبركة) بأنها مستعدة لبيع مادة تلك التقارير في حالة الحاجة اليها، وإذا
أرادت تلبية حاجة الأسواق بطريقة ذكية، فيمكن إعداد التقرير بأكثر من طريقة
وبالإعتماد على خطاب تلك الفضائيات وطريقة تناولها للأحداث، وما على الفضائية الإ
أن (تستنكي) ما يلائمها من التقارير وتستطيع عرضه بعد فترة قصيرة جداً من الوفاة.
كم عصفور سنضرب بذلك الحجر؟ تعرف الطلبة الشباب على المعماريين العراقيين
ومنجزاتهم المعمارية المميزة، تقصي أحوالهم اليوم والتواصل معهم (بس لازم محد
يكلهم الهدف من التقارير)، الحصول على مردود مالي للأقسام والجامعات في ظل أزمة
الموازنة و(التفليس الرسمي)، إعداد خطاب معماري مدروس خالي من الأخطاء تقدمه
الفضائيات العراقية.
أعتقد أن هنالك من سيقول: ولماذا لا نطبق الفكرة ولكن
بإعداد تقارير عن مواضيع معمارية عامة، مباني بغدادية معينة، أو تقارير عن
المعماريين وهم على قيد الحياة، ونسوقها للفضائيات؟ ولكن هل ستهم تلك المواضيع
الفضائيات ؟ هي مهتمة بالسياسة والقضايا الخلافية والقيل والقال وما يجذب إنتباهها
هو الموت فقط.
علاوة على كون التكريم والإهتمام بالمبدعين بعد موتهم ظاهرة إنسانية قديمة جداً!
علاوة على كون التكريم والإهتمام بالمبدعين بعد موتهم ظاهرة إنسانية قديمة جداً!
تفاصيل حوار إذاعة الـ BBC: