الجمعة، 13 نوفمبر 2015

سيلفي مع لو كوربوزيه

أتخيل تلك الرواية ... وهي تتحدث عن الزبون الأخير للو كوربوزيه عام 1965
الزبون الذي (لّعب نفسه) وجعله (يكره الدنيا) وزينتها، لذا قرر أن يثأر لجميع معماريي العالم من الزبائن المزعجين عن طريق لعنة شرقية تعلمها من خلال رحلاته الى الهند. ولكنها كانت تتطلب أن يضحي بنفسه لكي تتفعّل!
أكمل كافة مراسيم اللعنة وخلع ملابسه ودخل البحر.
كانت الخطوات الأولى مألوفة خاصة وهو يحب السباحة وممارس لها، حتى أنه يمتلك ندبة كبيرة على فخذه نتيجة لإرتطامه بمروحة قارب مر بقربه. ولكن ما إن وصل الماء الى فمه، الى أنفه حتى بدأ جسمه يمارس حركات النجاة اللاإرادية، وكان سبيله الوحيد لإيقافها هو التركيز على إستذكار جميع الزبائن المزعجين الذين قابلهم في حياته، وقبل شهيقه الأخير، أمال رأسه الى الخلف إرتفع فمه قليلاً فوق سطح الماء وقال: الله يشلع كَلوبهم مثل مشلعوا كَلبي!
ومن ذاك الوكت بعد مصار براسنا خير...



تأجلت زيارة صالة الألعاب الرياضية في بغداد ثلاث مرات بسبب سقوط  الأمطار، وكأنها آثار تلك اللعنة، أو أن لو كوربوزيه أراد أن لا نذهب لها إلا سباحة أو بواسطة الزوارق كما كان يحب أن يقضي إجازاته.


هي زيارتي الأولى لها، زيارة ممتعة وغير مسبوقة بصفتها، فقد خطط الدكتور عماد عبد الحميد والدكتور مصطفى كامل لإجتماع الطلبة من ثلاث جامعات (الجامعة التكنولوجية، أوروك والفارابي)، أما ما ينقصها فهو الوقت والتفاعل الإجتماعي بين الطلبة للإستفادة من فكرة الإجتماع في التقارب بين المدارس المعمارية في بغداد بدلاً عن الغناء كلٌ على ليلاه.




والكتابة عن تلك التجربة تستدعي الإضافة، قول ما لم يقال سابقاً، لذا لن أكتب عن تأريخ المصمم، عن إنجاز الإتـفاق مع معمار عالمي ليصمم في مدينة بغداد، ولا عن الصفات التصميمية للقاعة.
لن أكتب عن حالتها (المزرية) الحالية، لأن حالها من حال كل تفاصيل حياتنا الآخرى...
ولكني سأكتب عن الحمى التي أصابتنا عندما وصلنا للمشروع، (حمى التصوير) والتسمية الأكثر دقة (حمى السيلفي).

يتناول الناس ظاهرة السيلفي وكما هو الحال في كل الظواهر الحياتية من الجانب السلبي والإيجابي، وليس صحي أبداً أن ننظر لأي ظاهرة من جانب واحد، الجانب الإيجابي للسيلفي هو توثيق اللحظة، لحظة الحضور في مكان معين في زمن معين مع شخص أو أشخاص معينين.
أما الجانب السلبي فقد وصل حتى القول بأن من يكثر من صور السيلفي مصاب بمشاكل نفسية عويصة!

وفي زيارة معلم معماري مهم مثل الصالة الرياضية، من المفترض أن تتجه أغلب العدسات لعناصر المعلم وتفاصيله المعمارية والإنشائية كون الغرض من الزيارة هو رؤية تلك التفاصيل على الواقع وهو ما يختلف بصورة كبيرة عن الصور التي نشاهدها على الشاشة أو الكتب المطبوعة، وتأتي الصورة كتذكير وتوثيق لتلك التفاصيل بما يسند الرؤية الواقعية. ولكن ما حصل فعلياً هو أن أغلب العدسات وجهناها لأنفسنا، وحتى مع وقوفنا أمام تلك العناصر والتفاصيل فأن التركيز في الصورة على الأشخاص أكثر من العمارة.

يمكن القول أن لذلك سبب عراقي (قلة أو إنعدام الحضور في معالم عامة مميزة).
 لذا فإن الزيارة الأولى تدفع الطالب الى أخذ أكبر عدد ممكن من الصور لأنها قد تكون المرة الأولى والأخيرة، وهو عندما يضعها على مواقع التواصل تجذب بقوة إهتمام الطلبة الأخرين لأنه حدث صعب الحصول بالنسبة لهم.
وبتكرار الزيارات لنفس المعلم أنا متأكد أن عدد الصور الشخصية الملتقطة سيقل تدريجياً ولكن القضية هي أننا لن نزوره مرة أخرى فنركز فيها بصورنا على المعلم وليس على أنفسنا.

السؤال الأهم هنا: هل من الممكن الإستفادة من ظاهرة السيلفي إيجابياً؟ معمارياً؟

يجب أن نبحث عن طرق جديدة، وهذا هو الحال مع كل الظواهر العالمية التي نلتقطها ونبدأ بإستخدامها سلبياً، يجب أن نفكر بتوظيفها لفائدتنا العلمية والإجتماعية.

لنتخيل نوعين من السيناريوهات وأيهم أكثر كفاءة للتنفيذ:
ففي الزيارة القادمة لمعلم معماري آخر في مدينة بغداد سيقول الأساتذة في السيناريو الأول:
صور السيلفي ممنوعة، الي راح نشوفة ياخذ صورة سيلفي لنفسة أو وية أصدقاءة (مدري شراح نسويلة)، لازم تاخذون صور بس للبناية وتفاصيلهة، شنو قابل متشبعون من الصور 24 ساعة !
 ولنتخيل ردود أفعال الطلبة وأصدقائهم ورواد مواقع التواصل عند سماعهم لهذه التعليمات القاسية:
هذولة شبيهم الأساتذة غير معقدين! قابل شراح تضر صور السيلفي؟ شوف العالم وين وصلوا وإحنة نمنع هاي الأشياء البسيطة!

أما في السيناريو الثاني فستكون تعليمات الأساتذة هي:
-إخذ صورة سيلفي يم عنصر أو تفصيل معماري وأكتب تقرير عن سبب إختيارك لهذا العنصر كأهم أو أجمل عنصر في المشروع.
-إخذ ثلاث صور سيلفي وقارن بين العناصر الموجودة في خلفية كل صورة من الصور.
-إخذ صورة سليفي وية عنصر يعبر عن أهم فعالية وظيفية في المشروع وصورة وية عنصر يعبر عن الناحية الإنشائية للمشروع وصورة وية أكثر عنصر جمالي بالمشروع.
-إخذ صورة سيلفي مع الاصدقاء وقدموا تقرير جماعي عن وجهة نظر كل طالب بكفاءة التفصيل المعماري في خلفية الصورة.

ولنتخيل مرة أخرى ردود أفعال الآخرين عند سماعهم لتلك التعليمات:

والله عمي إنتوا المعماري متونسين، هم سفرات وهم سيلفيات وبعدين تاخذون عليهة درجات...











هناك تعليق واحد:

  1. التوظيف الايجابي لممارسة حياتية شائعة هو فعلا ما يحتاج اليه الكثير من البشر للوصول الى نتائج تثري الحياة.
    اعتقد ان الهوس بأخذ السيلفي في مرحلة عمرية معينة يتأتى في جزء منه من الرغبة باستكشاف النفس وخصائصها الشكلية والتعرف عليها بصريا وربما حتى أثبات وجودها .
    كل التقدير.

    ردحذف