السبت، 20 يوليو 2019

Make (Something) Smaller


سرديات الفضول
سلسلة تعتمد دافع الفضول في التحري عن الثقافة المعمارية في مجالات السينما والفن والادب

-5-

Make (Something) Smaller

افكر باللهجة العراقية العامية: نقول (يكمش) للاشارة الى الامساك بشيء، ولـ(يكمش) اصول عربية فصيحة، فـ(كَمَشَ) فعل ومنه (كَمَشَهُ من عُنُقِهِ: اي لواهُ بيدهِ من عُنُقهِ).

ونستخدم بالعامية ايضاً صفة (كَمش)، نطلقها على الرجل فنقول: (هذا واحد كَمش)، وهي مرادف لـ(الغشيم) وقد نقصد بها الانسان قليل الذكاء او قليل الحيلة فهو ينخدع من الآخرين بسهولة وينقاد خلف ما يريدون منه.
الـ(كمش) العامية، اصولها حيوانية، تطلق على الطائر الذي يمكن امساكه بسهولة وتأتي بعبارة (كمش عالتيغة)، والتيغة كما نعرف هي جدار السطح الذي تقف عليه الطيور غالباً.

وان الانسان الذي يتواصل مع شعوب العالم ومعاناتها عن طريق الاخبار او الافلام الوثائقية وغيرها من الوسائل المعاصرة ولا يدرك حجم الخطر الذي يتعرض له كوكب الارض نتيجة لسوء استخدامنا له فهو انسان (كمش).

اننا نستهلك كوكب الارض، وستصبح حياة الاجيال القادمة صعبة جداً، قد يهتم الاباء الفعليين (من لديهم ابناء الآن) بتوفير حياة افضل لهم انطلاقاً من حبهم لهم وخوفهم عليهم، اما الشباب فيجب ان يحفزهم التزامهم الاخلاقي او على الاقل مصلحتهم الشخصية وهم في اعمار متقدمة، لنتخيل انفسنا بعمر الثمانين مثلاً ودرجة الحرارة (60) درجة مئوية ولا توجد طاقة كافية لتشغيل اي وسيلة تبريد ولا ماء كافي للشرب او الاغتسال، انه الجحيم على الارض وقد نجده امامنا للابد في الحياة الاخرى.

تحاول الجهات المسؤولة رفع الوعي تجاه الحفاظ على الكوكب بوسائل كثيرة ومتنوعة، ومنها فلم (Downsizing) من بطولة الممثل (Matt Damon).


يشير الفلم الى ان التضخم في اعداد سكان الارض هي المشكلة الاكبر، خصوصاً مع نمط الحياة المؤذي للارض والمستهلك لمواردها، فنعيش الارتفاع في درجات الحرارة غير المسبوق والفيضانات وكوارث الطقس الاخرى.

ويقترح المؤلف في عالم الخيال، ان الحل الامثل والعلاج الحاسم لتلك المشكلة هو تقليص حجم الانسان!

حيث يتوصل مركز بحثي الى تصغير الانسان بطول 180 سم الى انسان بطول 13سم فقط، ولكم ان تتخيلوا كمية الموارد الذي يحتاجها هذا الانسان الجديد من الكوكب وكمية المخلفات المؤذية التي يطرحها في البيئة.


لا يخاطب الفلم التفكير الاخلاقي للمشاهدين فقط وانما يخاطب تفكيرهم المادي ايضاً، فمن يصغّر حجمه يستطيع ان يحقق جميع احلامه وان يعيش حياة سعيدة بمبالغ ضئيلة جداً، حيث تكفيه 83 دولاراً لعيش سنتين كاملتين.

ما يهمنا اكثر كمعماريين من طروحات الفلم وافكاره هو تقليص احجام المساكن وبالتالي القرى والمدن، فالمتطوعين الاوائل للتصغير وعددهم (38) شخصاً صممت لهم قرية متكاملة بمساحة (77) مترمربع.


والـ(Downsizing) في عمارة المساكن ليس بمفهوم جديد في العالم، ولكن الفلم يلفت انتباهنا له، علماً اننا نعيشه محلياً منذ مدة ليست بقصيرة. فبعد ان كانت مساحة 200 مترمربع للمسكن في مدينة بغداد تعتبر صغيرة لوجود مساكن بمساحة (400-600-800) وحتى (1000) مترمربع، وصلنا الى مساكن بمساحة 50 مترمربع فقط.

الهدف من المقارنة بين تطبيق المفهوم عالمياً والواقع الذي نعيشه هو لمحاولة التصحيح في المستقبل والاقتراب من الجانب العلمي الذي تعتمده دول العالم المتقدمة.
ان الدخول في تفاصيل اسباب انتقالنا من المساحات الواسعة الى الضيقة ياخذ الكثير من الوقت، ويمكن تلخيصها سريعاً بان التخطيط الاصلي للمدينة كان يعتمد ظروف اقتصادية واجتماعية مختلفة جداً عن اليوم، ووجود قانون سابق لا يسمح لكل من يرغب بشراء منزل في مدينة بغداد، وقوة تطبيق القانون الذي يحدد 200 مترمربع كاصغر مساحة يمكن ان تكون منزلاً مستقلاً قابلاً للبيع والشراء وغيرها بالتاكيد. ليأتي بعدها التغيير عام 2003 بتحدياته الامنية والاقتصادية والادارية لنصل الى المساحات الصغيرة الحالية.

وقد نفكر ان المشكلة ليست بالمساحات الصغيرة نفسهة، فالاشخاص يعيشون بمساحات بحجمها او اصغر منها في مدن العالم الاخرى، ففي نيويورك تعيش (Felice Cohen) بمساحة (8،5) مترمربع وتقدم نصائح للآخرين للعيش بمساحات مقاربة، وغيرها من الامثلة كثير، ولكن مشكلتنا العراقية في قضيتين:
طريقة تصميم تلك المساحات واسلوب عيشنا داخلها.


يخبرنا (Finn Macleod) عن :
5 Things Architecture Can Learn From the Tiny House Movement
وهي تالياً كعناوين فقط اما التعليق والتفكير محلياً فهي لي :
Bigger isn’t always better
المساكن الصغيرة هي اسهل واقل كلفة في البناء والصيانة وهي مناسبة اكثر للمالكين في ظل التحديات الاقتصادية المعاصرة في دول العالم، اما محلياً فهو اختيار اجباري، فمن اختار المساحة الصغيرة ليس لديه خيار المساحة الكبيرة من الاصل. بينما من الجانب النفسي او الروحي فالمساحة الواسعة هي بنظر المجتمع اكثر تفضيلاً على ان تقترن بالراحة في تفاصيل الحياة الاخرى بالتأكيد.

Capitalize on vertical space
واحدة من ايجابيات المساكن الصغيرة الغربية هي الفضاء الداخلي المفتوح على الرغم من صغر المساحة، فالمسكن يتضمن فضاء واحد مضاعف الارتفاع في اغلب الحالات ومن ثم اقتطاع فضاءات الخصوصية الصغيرة منه بقواطع بسيطة كفضاء النوم والاستحمام.


وهذا محلياً يأخذنا الى عدة قضايا، الاولى تتعلق باسلوب الحياة العراقية والتي تميل الى التأكيد على خصوصية الفضاءات، فنرى ان قطعة الارض بعرض (5) متر فقط ومن ثم لا يتنازل المقاول او صاحب البيت عن اقتطاع متر كامل لممر بجانب غرفة الضيوف الامامية، وذلك كي لا يرى الضيوف في حال وجودهم من يخرج ويدخل من العائلة.
 الانفتاح الوحيد التي بدأنا نراه في مخططات البيوت الضيقة هو انفتاح فضاء الطبخ على فضاء جلوس العائلة وهي معالجة جيدة كبداية. بعدها يجب علينا كمعماريين ان لم نستطع اشاعة ثقافة انفتاح الفضاءات على بعضها ان نشيع ثقافة التقطيع باستخدام الاثاث او عناصر معمارية ذات سمك قليل (اقل من 25سم) لزيادة مساحة الفضاءات.
ثم نأتي للفضاء المضاعف والذي له اصول محلية منذ التسعينات حيث ظهر كميزة غنى ورفاهية واطلق على نمط بيوت حينها بالـ(دبل فوليوم)، وانا اعتقد ان مصدر الفكرة هي القصور الرئاسية للنظام السابق، وللفضاء المضاعف وجود ايضاً في شقق الطاقة الشمسية المطلة على النهر في شارع ابي نؤاس.


الفضاء الداخلي للشقق السكنية في ابو نؤاس/ موسوعة العمارة العراقية
هي معالجة مريحة بصرياً ونفسياً ولكنها تتعارض مع المتطلبات الفضائية الكثيرة للعوائل العراقية فهم يريدون ثلاث غرف نوم وحمامين ومطبخ وصالة جلوس وضيوف وكل ما يحلمون به!

Mixed-use spaces are the only spaces
استخدام نفس الفضاءات بطرق متنوعة، وهذا ماهو واقع في مساكننا المحلية وخاصة استخدام فضاء الضيوف كمعيشة او استخدام المعيشة كطعام او الضيوف والمعيشة كفضاء للعب الاطفال.

Connect with the outdoors
وهنا واحدة من القضايا التي لا نستطيع توظيفها محلياً، وذلك لانعدام الفضاء الخارجي الذي تتحدث عنه المصادر الغربية، فلا تقع مساكننا في مناطق طبيعية مفتوحة وانما في شوارع ضيقة يخلو بعضها حتى من الارصفة. زيادة على قساوة البيئة الخارجية لارتفاع درجات الحرارة في اشهر عديدة من السنة.
الانفتاح على الخارج ليست بخيار سهل في عمارتنا المحلية.

Minimalism is the key
المنيمالزم او ترجمتها الى التقليلية او التبسيطية، هي فكرة في الفن والعمارة واسلوب حياة، وهي استخدام اقل عدد من العناصر للتعبير او لتأدية وظيفة معينة. ونحن محلياً ابعد ما نكون عنها.




نحن مجتمع لا يحب البساطة، لاننا نعتبر ان البساطة هي ضعف، ونحن ذو اصول مقاتلة لا نحب الضعف.
فنعمل مع المساحات الضيقة بتغليف واجهة البيت بالحجر واضافة العناصر الزخرفية بشتى انواعها ونملئ البيت بالاثاث الضخم والتحفيات واللوحات. كل هذا يجعلنا نقول:

اننا ذهبنا ولازلنا باتجاه المساكن الصغير ولكننا لا نمتلك ثقافة المساكن الصغيرة
فالعوائل والمقاولين والمهندسين المدنيين وحتى المعماريين يرغبون بحصر جميع صفات ومتطلبات المسكن الكبير في المسكن الصغير وهذا يجعلنا بعيدين عن الراحة المطلوبة.

ان نستطيع اشاعة ثقافة المساكن الصغيرة هو تحدي كبير وصعب، ماهي ثقافة المساكن الصغيرة؟
التبسيط او التقليل، في عدد العناصر المعمارية وفي التأثيث وفي كل شئ
فالبساطة للاقوياء







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق