آخر نساء الموهيكانز
لم أستطع
الهروب من هذا العنوان وأنا أحاول توثيق القرار الجريء لطالبة العمارة (ملاك رعد هوبي) في
التقديم النهائي لمشروع فندق 5 نجوم في المرحلة الثالثة.
The Last of the Mohicans أو آخر رجال الموهيكانز كما قرر أحد المترجمين تسميته،
هو فلم ملحمي أمريكي صدر عام 1992، بطله Daniel Day-Lewis، (المُحارب) مع
آخر فردين من قبيلة الموهيكيين الهندية. يجد الثلاثة أنفسهم وسط الصراع الدامي بين
الفرنسيين والبريطانيين والقبائل الهندية الأخرى للسيطرة على أمريكا الشمالية.
كانت مشاهدة الفلم مؤثرة جداً في التسعينات أما في
الألفينات فقد بدأت بمشاهدة فلم دراسة العمارة في الجامعة التكنولوجية في بغداد.
من قبل 2003 كان القسم يتضمن مختبراً مجهزاً بأجهزة كومبيوتر
متطورة، كنا نتعرّف على برنامج Auto CAD 2000 حينها. بعد الحواسم اختفى المختبر وبعد الاستقرار النسبي كان من الممكن
لنا نحن الطلبة شراء كومبيوترات شخصية، بدأنا بتعلم برنامج 3d Studio Maxمن دروس
مسجلة على سيديات وبلهجة مصرية. أتذكر ثلاثة من زملائي (ظفار، علي، سنان) كان لهم
سبق تقديم أعمالهم باستخدام تلك البرامج وطباعة النتائج بالـ Plotter
في التقاديم النهائية للمرحلة الثالثة. أما أنا فكان أول تقديم مطبوع لي باستخدام
برامج الرسم والإظهار في مشروع التخرج عام 2006، تسارعت الأحداث بعدها وتعددت
برامج الرسم والإظهار والتصميم المعماري حتى وصلنا الى استخدامها منذ المرحلة
الأولى من دراسة العمارة، أما في المرحلة الثالثة فلم يبق من يستخدم أدوات الرسم
الهندسي التقليدية وتقنيات الإظهار باليد في قسم هندسة العمارة في الجامعة
التكنولوجية حتى قررت الطالبة (ملاك رعد) إنجاز التقديم النهائي لمشروع فندق 5
نجوم باستخدام الرسم والإظهار بالرصاص (Graphite Pencils)!
قرار العودة (للقتال) بتلك الأدوات المنسية بعد أعوام من
هجرانها يستحق البحث والتأمل، لذا تقمصت دور الصحفي وأعددت حواراً مع ملاك وعدد من
زملاء مرحلتها لمعرفة مقومات القرار ونتائجه ودروسه المستقبلية:
-
ملاك، ماهي
الفكرة التصميمية لمشروعكِ؟ (فندق 5 نجوم في بغداد، الزعفرانية، كجزء من الخطّة
المستقبلية لتطوير معسكر الرشيد)
-
انطلقت فكرتي
التصميمية من التضاد بين نمط المشروع الترفيهي وتاريخ الموقع العسكري، لذا توجهت
نحو مفهوم المادة والمادة المضادة من حقل الفيزياء التطبيقية، ثم بحثت بعدها عن
مراجع شكلية لنقل ذلك المفهوم الى المتلقين، فكان اختياري للماء والنار كعناصر
متضادة من الطبيعة، الماء ملائماً للتجسيد في الطوابق الافقية لكتلة الفندق،
والنار في الطوابق المتكررة للأجنحة والغرف الفندقية.
-
كيف جاءت
فكرة اظهاركِ للمشروع باليد في مقابل توجّه جميع طلبة المرحلة كما تعلمين لاستخدام
البرامج الحاسوبية؟
-
في البداية
أنا أحب من الأساس الرسم والإظهار باليد، ولكنّ السبب الآخر حضر بعد أن واجهت
مشكلة في التقديم قبل النهائي للمشروع، الساعة الثانية بعد منتصف ليلة التقديم،
تضرر ملف العمل على الكومبيوتر وخسرت المخططات الأفقية وأغلب التجسيد ثلاثي
الأبعاد وكنت مضطرّة لتقديم مخططات غير مكتملة لعدم خسارة درجة التقديم فقط، لذا
لم أرد أن أمر بنفس التجربة في التقديم النهائي، زيادة على السبب الأخير وهو عدم
تمكني من تنفيذ العناصر المعمارية المعبرة عن النار في البرامج الحاسوبية كما كنت
أتخيلها.
-
ماهي إذن
البرامج التي تعملين عليها في تنفيذ المشاريع المعمارية؟
-
في المخططات
ثنائية الأبعاد أستخدم برنامج Revit
أما في التجسيد ثلاثي الأبعاد فأعتمد على برنامج 3ds Max ولتصيير الصور برنامج Lumion ولتنظيم
اللوحات النهائية أستخدم برامج Photoshop و Illustrator.
-
هل استشرتِ
أحد قبل أخذ قرار الرسم والإظهار باليد؟
-
نعم استشرت أصدقائي
من مراحل أكبر وقد حذروني من المخاطرة خاصّة في التقديم النهائي، قالوا لي إن كنتي
مصرّة فعلاً فعليكِ سؤال تدريسيي مادة التصميم، وقد سألتهم وكانوا غير ممانعين
أبداً.
-
والآن كيف
تعلمتِ تقنيات الرسم الإظهار باليد؟ ولم نعد نعلّمها في المناهج الدراسية.
-
أنا أعرف
بعضها فقد تعلمت ذاتياً مثلاً الإظهار بالألوان المائية، ولكني تعلمت التقنية
الحالية من أحد أصدقائي من جامعة بغداد، بعد أن استخدمها في تقديم مشروع سابق قبل
أن يتحول هو لاستخدام البرامج الحاسوبية.
-
هل اطلعتِ
على مقاطع تعليمية في يوتيوب أو غيره؟
-
كلا، فبعد أن
تعلمت التقنية اشتغلت عليها مباشرة.
-
وهل كانت
جميع المخططات مرسومة باليد فقط أم هنالك مزج بين الرسم باليد والرسم بالكومبيوتر؟
-
نعم هنالك
مزج بينهما، فقد طبعت الخطوط الرئيسة للمخططات من الكومبيوتر لتكون دليلاً للرسم
فوقها والإظهار باليد.
-
ماهي إذن
الاشكال التي لم تستطيعي كما قلتي في البداية تنفيذها كما كنت تتخيلين؟
-
الخطوط
المنحنية للجدران الخارجية للطوابق المتكررة والتي تعبّر عن النار في الفكرة
التصميمية، والتي نفذتها باليد بوضع ورق شفاف على الكتلة لتخطيط أشكالها أولياً
وبعد الاستقرار على شكل معين رسمتها على الكتلة بشكل نهائي.
-
كيف كانت
ردود الأفعال بعد تقديم إظهار مشروعكِ باليد بين المشاريع الحاسوبية للطلبة؟
-
فيما يخص
الأساتذة كانت أغلب ردودهم إيجابية، أما زملائي الطلبة فكانت إيجابية أيضاً.
-
وكم كانت
درجة تقييم المشروع في النهاية؟
-
80 %.
-
ما هي الفترة
الزمنية التي تطلبها إكمال العمل على التقديم؟
-
تقريباً 14
يوم ومع الموديل تصبح 16 يوم.
-
وهل تعرفين
الفترة التي تطلبها زملائكِ الكومبيوتريين لإنجاز العمل؟
-
نعم، بعضهم استغرق
6 أيام أو أسبوع في العمل.
-
والآن نصل
الى السؤال الأهم، هل ستكررين التجربة مرة أخرى؟ هل ستقدّمين مشروع المستشفى
القادم باليد أيضاً؟
-
كلّا، لأنني
لم التمس تقديراً للجهد الكبير الذي بذلته.
-
بعد هذه
التجربة الاستثنائية قررت كما تقولين عدم تكرارها مرة أخرى في المشروع القادم،
ولكن هل تنصحين طالب آخر بتكرارها؟
-
أنصحه وأقول له: كلا، لا تكررها، بسبب الجهد
الكبير والوقت الطويل، فأنا خلال العطلة الربيعية لم يراني أهلي بسبب انشغالي
بالعمل، ولم أحصل مع ذلك على النتيجة والتقدير المرضي.
-
وأخيراً، هل
الإظهار باليد إذن في حرب خاسرة مع الكومبيوتر؟
-
تقريباً!
أما أنا فاقتبس للختام "الشمس لا يحجبها الغربال"،
نعاني من مشاكل عديدة عند استخدام البرامج الحاسوبية في الرسم والإظهار والتصميم
المعماري حتى، ولكن لا مفر، ليست الحلول الأفضل بالابتعاد عنها لأنها المستقبل
القريب والبعيد، علماً أن مسؤولية تلك الحلول تقع على جانبي العملية التعليمية
المعمارية، الأستاذ والطالب، ولكن لكل منهما مواجع ليس الهدف إثارتها اليوم.
اذكر هذه الطالبة جيدا وشاهدت مشروعها وقتها خطف الانظار ولم يغادر ذاكرتي حتى الان ما اريد قوله هي انها اصبحت بطلا في اعيننا نحن الطلبة الذين حالفا الحظ لنرى مشروعها كما انها صارت مصدر الهام لصديقتي لتحتذي بها في مشروعها وقد نال استحسانا ايضا. العمارة بطبيعتها تحتاج الى صبر وممارسة لمدى طويل حتى تحقق نتيجة مرضية ولكن بالطبع تحتاج الى فارس شجاع ليتحمل كل هذه المشاق لاجل الحب او الحرية ليعبر عن نفسه كما يريد .
ردحذف