الجمعة، 7 مارس 2014

العمارة في الامثال البغدادية
في نقاش شيّق حول التناقض في الأفكار التي تقدمها لنا الامثال الشعبية التي نستخدمها في حواراتنا وصلاحية الاعتماد على تلك الامثال بمرور الزمن (ولكوني نشأت في بيت يضم الجد والجدة) كنت أقف بجانب وجود سياق لكل مثل من الامثال علاوة على وجود نسبة من الثبات في تلك الافكار، ولأنني أتحدث دائماً عن العمارة رجعت الى منظري المفضل المعمار العراقي "رفعت الجادرجي" (مع عدم قبولي لأراءه الخاصة بالدين كونه يمزج بين الدين الصحيح والتطبيق الخاطئ للافراد).
ففي كتابه (في سببية وجدلية العمارة) وفي الفصل الحادي عشر المعنون: (مقارنة بين ثلاثة انماط فكرية: الأمثال واللاهوت والفلسفة) يقول: " ظهرت مع عقل الانسان العاقل-مع تطور دماغ الانسان- أنماط متعددة من المواقف الفكرية يوظفها هذا الانسان في تنظيم سلوكيات تعامله مع البيئة الاجتماعية والطبيعية. وإن الهم الأساس للتعامل هو تأمين البقاء الآمن والمريح والممتع.




ويضيف أيضاً: ومن الانماط الفكرية المتعددة التي ابتكرها الانسان العاقل : نمط الامثال , كانت المجتمعات البدائية والقبلية ما قبل الزراعة أي ما قبل أستحداث الشرائع والقوانين تنظم سلوكيات تعاملها مع المعيش عن طريق العرف والمفاهيم الجماعية العفوية المتمثلة في الامثال والسحر والاديان وهو أمر عام في مختلف المجتمعات التقليدية. وعلى المستوى الشعبي ظهرت الامثال في المجتمع البدائي، مجتمع الصيد، كنمط فكري في تنظيم سلوكيات تعامل الافراد وأنتقلت من ثم الى المجتمعات اللاحقة.
فهي تجربة الفرد الانسان مع بيئته وارضه ومناخه ومع الفرد الاخر، لذا فهي تعبر عن مشاعر وأخلاق وأمانٍ وضروب تفكير تلك الجماعة التي ابتكرتها وسخرتها في تنظيم سلوكيات معيشها . والأمثال هي عبارات موجزة بدلالات واضحة ومبسطة لسلوكيات معينة وبسبب وضوحها وجدوى دلالاتها في تنظيم سلوكيات التعامل يستحسنها الناس شكلاً ومضموناً.
وفيما يخص التناقض يقول : إن التعامل الانتقائي للأمثال يمثل صفة أساسية في تكوينه كأداة حوارية، لأن التعامل الحواري عن طريق الأمثال كمفاهيم لتنظيم متطلبات المعيش اليومي والاستدلال بها كحجج في الحوار وتنظيم سلوكيات التعامل إنما يهمل تلك الامثال التي لا تتوافق مع الحالة الخاصة ، أو قد تستخدم هي ذاتها في حالات أخرى متناقضة ، إذ يكون التعامل معها وبموجبها تعاملاً أنتقائياً لأنه موقف فكري لا يسعى الى تحقيق مسألة عقلانية كونه يرجع الى نمط فكري بدائي بسيط وعفوي ولذا لا تُقلق الافراد المتحاورين هذه الصفة المزدوجة المتناقضة أو الملتبسة عند تسخيرهم أمثالاً متناقضة في دلالاتها في الحوار أو في تنظيم سلوكيات التعامل. وما يبرر هذه اللاعقلانية  ويطمسها قبل أن تشكل مأزقاً فكرياً هو مكنة أنتقاء ماهو مناسب للحالة الخاصة وإهمال ماهو متناقض معها.    
أما عن صلاحية الامثال لكل الازمان فيقول: عند تسخير مرجعية الامثال في حوار المجتمع وتنظيم علاقاته المتنوعة يجد الفرد ثمة حلولاً فكرية متيسرة، سهلة الفهم، لمختلف الاحداث والعلاقات الاجتماعية بمعنى إن هنالك مثلا جاهزاً إن لم يكن لكل حالة من حالات التعامل الاجتماعي فلأغلبها وخلاف هذا يتم إجراء شئ من التعديل والتكييف على بعضها ليتوافق مع متطلبات التطور والحالات المتنوعة أو المستحدثة.(إنتهى الاقتباس) 
وخلاصة الحديث ان التناقض لا يفسد لود الامثال قضية والتطور والتحديث والتعديل ضروري لأستمرارها وبقاءها.
أما عن الصور المادية للعمارة (عناصر المدينة وعناصر المساكن والمباني العامة) والتي تظهر في الامثال الشعبية والبغدادية خاصة فقد حاولت ان اجد بعضاً منها في كتاب (الامثال البغدادية للشيخ جلال الحنفي البغدادي ج1 و ج2) وهي:

بيت العتيك مبارك: يضرب في تقديس ماهو قديم من الاماكن والمنازل، لما يظّنون من توقع الخير فيها والاصل فيه تصبير النفوس وصرفها عن الجزع في سكنى المساكن القديمة الموحشة التي لا مندوحة عن السكنى فيها.
الحايط إله ايذان: يضرب في وجوب الحذر الشديد عند التحدث بما يُعتبر إفشاؤه مجلبة للأذى.
الخراب يوم والعمارة دوم: يضرب فيما للتدمير والهمجية من أثر سئ في الحياة بحيث ان الخراب إذا استمر يوما واحدا اقتضى تدارك أثاره السيئة استمرار التعمير والإصلاح عهدا طويلاً .
خشش ببيتك حرامي ولتخشش بنّا: يضرب لشدة الجزع والتبرم من متعاطي أعمال البناء الذين تصورهم الامثال البغدادية بما يدل على انهم كانوا يسيئون استغلال صناعتهم فلا يتّقنون ما يعهد اليهم من عمل كما انهم كانوا يتعسفون في معاملتهم .
الدربونة الكَشرة طويلة: يضرب في إن الشئ المزعج يستطال الصبر علي احتماله .
لو خرب الجامع ، مكان المحراب بلّي: ( بلّي) أي ظاهر وهي كلمة تركية ، يضرب في إن الخير لا يمكن أن تمحى معالمه بالمرة .
ليبوك المنارة يسوي لها مكان: يضرب في التحذير من أقتراف جريمة لا يمكن التستر عليها فان سارق المنارة وهي المأذنة ليس بإمكانه اخفاءها في مكان ما عن اعين الناس .
يبني قصر ويهدم مصر: يضرب للحماقة والرعونة وسوء التدبير ، ويضرب لمن شره أكثر من خيره .
بلال سمير



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق