الأربعاء، 26 مارس 2014

يوم المعمارية العراقية 

من الممتع رؤية هذا العدد من الطالبات الجامعيات المهتمات بالرياضة، فالكثير منهن يشجعن فرق كرة القدم الاوربية (ريال مدريد، برشلونة، مانشستر يونايتد، بايرن ميونخ،....)، يشاهدن ويحللن المباريات ويقررن ان هذا اللاعب أحسن من ذاك بكثير !
والسؤال هنا: مع كل هذا الحب، ألم تفكر أي طالبة بلعب كرة القدم؟ قد تكون الإجابة: أين تلعب؟
مَن منا لا يتفق مع إن المجتمع الجامعي هو عيّنة محسنة ونخبوية عن مجتمع الشارع؟ طلبة قادمون من عائلات محترمةعملت جاهدة لتوفير التعليم لأبنائها، أساتذة وموظفون ينظمون البيئة الجامعية وسور مرتفع يفصل تلك البيئة عن المستويات المتدنية في الشارع اليوم.
إذن لما لا تلعب الطالبات كرة القدم في الجامعة؟ وقد تكون الاجابة ايضاً: إن طبيعة مجتمعنا العراقي لا تسمح بذلك فهو مجتمع تقليدي محافظ وذكوري، للرجال فيه الحق بكامل الحرية، ممارسة الرياضة، الذهاب الي أي مكان،  وفوق كل هذا أخطائهم مستورة ومغفورة ! أما المرأة فمكانها المناسب هو المنزل، تهتم بالاعمال المنزلية وتربي الاطفال وحتى لو اكملت دراستها وحصلت على وظيفة فهي المسؤولة الاولى عن منزلها مما يقلل من فرصها وأدائها خارجه!


قد يقول قائل: غريب! ألسنا مسلمون، وجميع ما يتعلق بأفضلية الرجل على المرأة في المجتمع هو من التعاليم الاسلامية! وأجيب بما يقوله الدكتور توفيق السيف:"علينا أن نقبل بحقيقة أن الدين في معناه المجرد غير موجود في واقع الحياة. نحن لا نتحدث في حقيقة الأمر عن الدين كما نزل في الأصل من عند رب السماء، بل نتحدث عنه منسوباً الى أشخاص محددين أو جماعة محددة، أي عن فهم أولئك الاشخاص وهذه الجماعة له وتعاملهم معه وما يتبعونه من أساليب في تطبيقه. الدين الذي تطبقهُ أي جماعة هو دين ملوّن بلونها الثقافي الخاص، أي بنتاج تجربتها التأريخية ونمط حياتها ومصادر عيشها ورؤيتها لذاتها والعالم، قد نسمي هذه الإضافات تقاليد أو اعرافاً وقد نسميها في الإجمال ثقافة" ويضيف أيضاً:" إن ثقافة الجماعة ليست في الغالب منظورات عقلانية يمكن حساب أصلها ووظيفتها وفوائدها، بل إن الكثير منها مجرد توهمات، ولعل بعضها كان أفكاراً أو ردود فعل وجدت في زمن لغرض معين وقد أدت وظيفتها في ذلك الظرف وانتهى دورها، لكنها مع ذلك بقيت حية وفعالة رغم زوال مبرراتها وإنتفاء الحاجة اليها. نحن نتحدث عن أشياء كثيرة ندرجها تحت عناوين منتخبة مثل العادات والاعراف والتقاليد، ويبالغ بعض المتحذلقين أحياناً، فيضيفون أليها جملاً جذابة مثل قولهم: التقاليد الخاصة بالمجتمع المسلم"[1] ( أنتهى الاقتباس).
فالكثير من الظلم الواقع على المرأة اليوم هو نتاج لعادات وتقاليد نشأت في مجتمعات قروية سابقة لا تمت للاسلام ولا للمجتمع المدني المعاصر بأي صلة.
إذن ما الذي تريده النساء اليوم؟ والإجابة: المرأة تطالب بحقوقها كاملة بوصفها كائناً بشرياً، فهي ترفض أن ينظر اليها على إنها كائن من الدرجة الثانية، أو أنها جنس أخر يختلف عن الجنس البشري الذي هو جنس الرجل بالدرجة الاولى.[2]
جيد ... من منا لم يسمع مقولة: (إنّ الحق يؤخذ ولا يعطى)؟ من منا قرأ بأن الحركة النسوية في العصر الفكتوري قامت نسائها بمظاهرات صاخبة، حطمن نوافذ مباني وزارات الداخلية والخارجية والحرب، وتم إعتقال المئات منهن فأضربن عن الطعام ، ودخلت الزعيمة (إيميلين بانكهيرست) السجن اثنتي عشرة مرة، كل هذا من أجل ان تنال المرأة الانكليزية (من هي فوق الثلاثين من العمر) على حق التصويت! [3]
وفي ايطاليا قامت العاملات في المتاجر(بالاضراب عن الابتسام) رافضات أن يتصرفن بطريقة مريحة مع الزبائن الا إذا تحسنت أجورهن وأوضاعهن!    
وما الذي فعلته المرأة العراقية للحصول على حقوقها؟ قد تجيب: إن المجتمع الذكوري قد ضيّق عليها فإستحال عليها تنظيم جهودها الجماعية، وفي هذا السياق نسأل: من الذي يضع اللبنات الاولى في شخصية الافراد في المجتمع؟ من الذي يربي الاطفال ويزرع القيم والافكار؟ الام أم الأب؟ لماذا معظمنا يميل الى الاخوال والخالات أكثر من الاعمام؟  نعم...انها الأم هي التي تزرع الصور الاولى لمكانة المرأة المجتمعية في أذهان اولادها وبناتها فلماذا تلقي اللوم على الرجل؟ 

إيميلين بانكهيرست

وفي الحديث عن العمارة والتصميم هنالك أعداد هائلة من المهندسات المعماريات تخرجن أو يدرسن العمارة في اقسام الهندسة المعمارية في الجامعات كافة، ولكن أين نحن من معرفة الانجازات التي حققوها وما بذلوه من جهود لتحدي المصاعب وتحقيق النجاح؟ طالبات العمارة اليوم بحاجة الى حافز وقدوة لاكمال المسيرة والتفوق.
حتى الخطوة التي تساند قضية المرأة المعمارية جاءت من خارج العراق متمثلة بـ(جائزة تميز للنساء في العمارة والانشاء) والتي فازت بها الأستاذة جالة المخزومي، وأنا متأكد إن جميع طالبات المراحل الخمسة في هندسة العمارة اليوم لم يسمعن بإسمها قبل إعلان نتائج المسابقة وهي التي حاضرت في نفس القسم لمدة 15 عاماً !

الدكتورة جالة المخزومي
وكما نسمع دائماً: بدل أن تلعن الظلام أوقد شمعة، على النساء أن يقُدن حركة التحرير وإعلاء الشأن والتقدير فلا احد غيرهن سيفعل ذلك، أما في العمارة فهل من الصعوبة أن تقوم حركة نسوية بتأسيس مدونة، صفحة أو حساب على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بالشخصيات النسائية المعمارية؟ صفاتهن الشخصية، اعمالهن، قصصهن .
هل من الصعوبة تأسيس يوم للمهندسة المعمارية العراقية بعد يوم المرأة وعيد الأم؟ أما عن تأريخهُ فقد يكون ذكرى ميلاد زهاء حديد! أو اعلان فوز جالة المخزومي بالجائزة أو أي موعد أخر، المهم في القضية هو إيقاد الشمعة بدلاً عن الشكوى والتذمر من الظلم والحيف.



      
  





[1] الحداثة كحاجة دينية، الدكتور توفيق السيف،الدار العربية للعلوم- ناشرون.
[2] أقدم لك ... الحركة النسوية، سوزان ألس واتكنز وأخريات، ترجمة: جمال الجزيري.
[3] المصدر السابق.

هناك تعليق واحد: